البعد السياسي والوطني يطغى على شخصية العلامة
قدم ليلة أمس الأول،  المخرج السوري باسل الخطيب أمام حشد غفير من الجمهور بقاعة أحمد باي بقسنطينة، العرض الشرفي الأول لفيلم الشيخ ابن باديس، الذي أنجز في إطار فعاليات قسنطينة عاصمة للثقافة العربية، ومول من طرف وزارة الثقافة، حيث  تقمص دور شخصية الشيخ الفنان يوسف السحيري وكتب السيناريو رابح ظريف، في حين أعد  موسيقى العمل  في  استوديو  بقصر شيد في القرن 14  بمدينة صوفيا ببلغاريا، الأستاذ سليم دادة.
تغطية لقمان قوادري
المشهد الأول للفيلم كان لجزائريين يسيرون مكبلين وحفاة في شوارع المدينة القديمة بقسنطينة والجنود الفرنسيون يسوقونهم ، كما ركز المخرج بمشهد واحد على طفولة الإمام ابن باديس وختمه للقرآن في سنة 1902 وتقديمه لإمامة الناس في جامع الأخضر، لينقلنا بعدها إلى صور احتجاج سكان قسنطينة أمام مقر الحاكم ضد قانون التجنيد الإجباري للجزائريين عشية الحرب العالمية الأولى وتدخل والد ابن باديس محمد المصطفى واحتجاجه بالقول، «بأنه لا يمكن أن يقف ضد أبناء الجزائر».
ويعود بنا الفيلم في مشهد مقتضب إلى سنة 1913 ، أين تحصل العلامة على إجازة من جامعة الزيتونة ومصارحة ابن باديس لوالده حول مشروعه الإصلاحي وهو ما أثار خوفه عليه، كما يبرز المخرج  شخصيات خيالية تمثل حالة الآلاف من العائلات الجزائرية وهي عائلة الفتاة جوهر، التي تعاني من الفقر و تعلمت على يد ابن باديس في المدرسة، واقتيد أخوها الطاهر عنوة إلى المشاركة في الحرب مع جيوش فرنسا، ثم اعتبرته عائلته من المفقودين قبل أن يعود مرة أخرى مع بداية الحرب العالمية الأولى مبتور الرجل وهو ما أضفى بعدا اجتماعيا وسياسيا على هذا المشهد، خاصة بعد أن دعا الطاهر في نهاية الفيلم سكان قريته إلى الثورة على فرنسا.
وأبرزت العديد من المشاهد العلاقة المتوترة لابن باديس مع زوجته اليامنة، التي عقد قرانه عليها في سن مبكرة، رغم اجتهاده في حسن معاملتها، حيث ركز المخرج على إظهار الزوجة في حالة انزعاج تام من ابن باديس لعدم اهتمامه بها ومنح جل وقته للعلم والتدريس، حيث طالما قال بأنه مسؤول على تدريس جميع أبناء الأمة، كما كانت تلومه كثيرا لعدم رعايته لولده إسماعيل الذي توفي في سنة مبكرة بعد سقوطه من ظهر الحصان وارتطام رأسه بحجر، وهو الأمر الذي زاد في تعميق الهوة بينهما قبل أن تطلب الزوجة الإنفصال صراحة، وهو ما كان لها.
وقد اشتغل المخرج على البعد الجمالي للشخصية والديكور و الموسيقى، التي قال مؤلفها للنصر،  بأنه عمل على البعدين المفتوح والجمالي، كما ظهرت أحياء المدينة القديمة كرحبة الصوف والقصبة والجسور في شكل جميل وبطريقة أخرى، غير تلك الموجودة عليها حاليا، لكنه أهمل تحدث متقمص الدور باللهجة القسنطينية حيث ذكر للنصر بأن هذا العمل من مسؤولية المشرف اللغوي وسقط ربما سهوا، في حين برز ابن باديس كشخصية كتومة لا تتكلم كثيرا ولا تبدي مشاعرها ولا تذرف الدموع في لحظات الحزن، وهو ما تجسد في مشاهد موت والدته وابنه في مشاهد درامية، عكست ما وصف عن قدرة ابن باديس على التحمل ومواجهة الشدائد.
 وقد احتوى العمل في غالبية مشاهده على الأبعاد السياسية والوطنية للشيخ أكثر من البعد الثقافي، رغم اشتهاره كشخصية علمية ، فها هو ابن باديس في أحد المشاهد يؤسس للصحافة العربية من قسنطينة، و يتحدى فرنسا في مقالاته في جريدة المنتقد ثم الشهاب ثم يتعرض لمحاولة اغتيال بعدها، ثم  يجادل الحاكم العام بباريس بدفاعه عن اللغة العربية والهوية الجزائرية وبقوله أيضا نحن لدينا مدافع الله، مبرزا البعد السياسي للحركة الإصلاحية و لجمعية العلماء المسلمين، لكن تم إهمال بعض المحطات المهمة كالمؤتمر الإسلامي وحادثة اليهود وإتمامه لتفسير القرآن الكريم الذي احتفى به مثقفو الشرق الجزائري في مناسبتين، كما لم يبرز  الفيلم النسق الذي كان يتحرك في فلكه العلامة وعلاقته بسكان المدينة وكذا دور باقي أعضاء الجمعية وخاصة البشير اﻻبراهيمي والطيب العقبي وكذا مبارك الميلي، وغيرهم كما أظهر الفيلم في أحد المشاهد دور جمعية العلماء في التحضير للثورة المسلحة ودعوة ابن باديس لأعضائها بضرورة إخراج فرنسا بالقوة و الانطلاق من جبال الأوراس.وكرس المخرج بعدا سياسيا  قويا آخر، من خلال  إبراز العلاقة  بين مصالي الحاج وشخصية ابن باديس، بعد عودته مع وفد المؤتمر الإسلامي من باريس وتنظيم تجمع حاشد بملعب، ومنح الشيخ الكلمة لمصالي، الذي عاد آنذاك إلى الجزائر بعد 12 سنة من الغياب،  ليبرز الفيلم بعدها الضغوطات التي تعرض لها والده وتهديدات فرنسا له بتعطيل تجارته في حال عدم موافقة ابن باديس التنحي عن رئاسة الجمعية، حيث قال ابن باديس خذوا ما شئتم من أموالنا لكن  ليس لي ولكم أي حق في الجمعية فهي ملك للأمة الجزائرية قبل أن تعرض مقاطع قصيرة عن أواخر حياته والمرض الذي أقعده وتسبب في مغادرته للحياة، ليختم « إبن باديس» بإبراز وثائق استخباراتية لضباط فرنسيين، يحملون العلامة مسؤولية ما حدث في ثورة الفاتح من نوفمبر 1954 .                
ل/ق

وزير الثقافة عز الدين ميهوبي
ابن باديس فيلم روائي  وراهنا على الكفاءة في اختيار المخرج  
قال وزير الثقافة عزالدين ميهوبي، بأن فيلم  العلامة ابن باديس هو عمل سينمائي روائي، استطاع أن يترك بصمة جمالية كبيرة في السينما الجزائرية، ونقله النقاش الدائر بين النخبة حول شخصية الشيخ إلى عموم الرأي العام، لاسيما عند المحطات القوية في سيرته ومسيرته السياسية في الحركة الإصلاحية والوطنية، ومدى مساهمته في التأسيس للثورة التحريرية. وذكر وزير الثقافة في ندوة صحفية، نشطها عقب العرض الشرفي الأول لفيلم العلامة عبد الحميد بن باديس بقاعة أحمد باي بقسنطينة، بأنه تحمل ضغطا كبيرا، بعد أن كتب وانتقد الكثيرون الفيلم قبل عرضه ومشاهدته، كما أوضح بأن هذا العمل السينمائي هو روائي وليس وثائقي ، وهو ما يرفع ما وصفه باللبس عن الذين تحدثوا عن التفاصيل الشخصية الغائبة التي لم تعرض في الفيلم، مضيفا بأنه  «لو أردنا أن نلم بالحياة لما كفتنا خمسون حلقة»، بحسب قوله. وتابع ميهوبي معلقا على أسئلة الصحفيين حول تغييب أهم المحطات التاريخية للعلامة،  «كاتب السيناريو أراد التوقف عند المحطات القوية، التي تحمل دلالات في مسيرة وسيرة العلامة بالموازاة مع تطور الحركة الإصلاحية و والوطنية، وكذا بروز الخطاب الوطني المطالب بالحرية و الإستقلال»، مردفا بأنه «لابد أن نقرأ الفيلم من هذا الجانب»، خلافا لما ترسخ بأن ابن باديس رجل دين وعلم فقط، لكن الأمر عكس ذلك تماما فالوثائق التي قدمت في نهاية الفيلم، تبين بأنه كان «مفتاحا للثورة التحريرية»، وهذه الشهادات التي قدمتها الدوائر الإستخباراتية بحسبه، أبرزت ما يميز هذه الشخصية و فاعليتها في مسار الحركة الوطنية، بحسب تعبيره.  وأضاف الوزير، بأنه تم مشاهدة العديد من أفلام الشخصيات التاريخية، ولأننا نعرف جوانب من حياتها، فإن العمل بحسبه، لم يتوقف عند تفاصيل حياة هذه الشخصيات، فمثلا يتحدث ميهوبي عن فيلم ناصر 56 ، الذي تناول فيه المخرج ثلاثة أو أربعة أيام من حياته، مشيرا إلى أن هذا النوع من العمل أريد به أن يكون فاتحة جديدة لتاريخ السينما الجزائرية، ولو أردنا إبراز التفاصيل لكان أمرا آخر، «هو عمل روائي فيه شحنة درامية انتقلت بالمشاهد تصاعديا، كما لفت إلى أن شخصية البطل صعبة جدا وقبول المخرج باسل الخطيب إنجاز هذا العمل لم يكن سهلا وجاء بعد تفكير عميق.
وتحدث ميهوبي عن الجدل، الذي أثير بين الطبقات المثقفة عن شخصية ابن باديس، حيث ذكر بأن الفيلم  سيترك بصمة كبيرة في حياة السينما الجزائرية لأنه استطاع أن ينقل النقاش الدائر إلى عموم الرأي العام بجماليات لا يختلف عليها اثنان، كما أكد بأن الفيلم أنجز بدرجة عالية من الاحترافية، و أن الممثلين الذين شاركوا فيه جزائريون والمهنيون أيضا اعتمدوا على  المعايير المعتمدة في السينما العالمية، لاسيما فيما يتعلق بعدم تجاوز فترة العرض  لساعتين، مشيرا إلى أن تفاصيل كبيرة صورت وكان بالإمكان أن يقدم في 4 ساعات. وقال الوزير، بأنه لم يتم اللجوء إلى  اللغة الفصحى إلا ما تم نقله من كتابات العلامة، كما أن موسيقى العمل، أنتجت في واحد من أكبر الإستديوهات المختصة في السينما  بمدينة صوفيا في بلغاريا،  مشيرا إلى أن المخرج تحمل ضغطا كبيرا كما أنه متأكد بأن منتقدي الفيلم سيغيرون نظرتهم عن العمل بعد مشاهدتهم للفيلم، مبديا تأسفه لما وصفه بالمواقف الثقافية غير المقبولة لاسيما النقاش الذي أثير حول جنسية المخرج السورية، وذكر بأن العمل السينمائي ليس له جنسية وأن رصيد المخرج الكبير يتحدث عن مكانته،  كما أن السينما ليس فيها «السوسيال» ونحن جلبنا الأفضل»، فمثلا يضيف ميهوبي بأن المخرج مرزاق علواش رفض القبول بعرض إخراج الفيلم ، لأنه ليس متخصصا في هذا النوع . «نحن راهنا على الكفاءة والإلتزام وهذا هو الذي حدث وهذا الكلام كان من المفروض أن لا يصدر عن مثقفين جزائريين، بحسب قوله.
وفي رده على سؤال حول تسويق الفيلم في السينما العربية والعالمية، أبرز ميهوبي بأن هذا الفيلم تجاري بامتياز و أنفقت عليه أموال، ولابد بحسبه أن يشارك في المهرجانات والبحث له عن أسواق خارجية نظرا لإحترافيته الكبيرة، فهو بحسبه يروج لثقافة وتاريخ الجزائر، كما أن التحدي كبير لاسيما في مجال تجهيز القاعات، بحسب قوله.
ل/ق

رابح ظريف كاتب السيناريو
العمل  سيخرج الصورة الثقافية  و التاريخية الجزائرية إلى العالمية
 أوضح كاتب السيناريو رابح ظريف، بأن فيلم ابن باديس سيخرج الهوية الثقافية والتاريخية الجزائرية إلى العالمية، كما أشار إلى أنه تم التضحية بالعديد من المشاهد مراعاة لمعايير العالمية.   و أوضح السيناريست ظريف، بأنه على السينما الجزائرية أن لا تكتفي فقط بالمشاركة في المهرجانات العالمية، بل تسعى إلى «تقديم أصواتنا  وصورتنا وشخصيتنا الثقافية»،  وهو ما تم الاشتغال عليه في الفيلم، كما أشار إلى استحالة  تسليط الضوء على محطات 50  سنة في ساعتين، لكن تم الإشارة إلى العديد من المراحل على غرار رحلته إلى الحج من خلال حديثه مع زوجته وهذا يعتبر خيارا بحد ذاته، فضلا عن حادثة اليهود التي تم تصويرها لمدة 25 دقيقة لكن تم التضحية بها بعد وصول مدة الفيلم إلى ثلاث ساعات، مشيرا إلى أنه تم عقد اجتماعات ماراطونية، للتضحية ببعض المحطات التاريخية، بحسب قوله.                                  
ل/ق

المخرج باسل الخطيب
استبعدنا ما هو غير راهن واستقدمنا كل ما هـــــــــو  جوهري
أوضح مخرج فيلم ابن باديس، بأن المحطات التي تم تسليط الضوء عليها في العمل، تنطلق من مبدأ استبعاد ما هو غير راهن واستقدام  ما هو جوهري، مشيرا إلى أنه مخرج عربي سوري عمل ببلده.
باسل الخطيب وفي تصريح مقتضب خلال الندوة الصحفية، قال بأنه قدم خلال  السنوات الماضية العديد من الاعمال التي تقارب العديد من الشخصيات التاريخية كمسلسل نزار قباني وجمال عبد الناصر، وهو ما دفعه إلى الإقتراب من شخصية ابن باديس  لإحساسه بأن هذه الخبرة قد تحميه وتقوي موقعه في العمل على شخصية الشيخ التي وصفها بالعظيمة، بحسب قوله. وأضاف بأن العمل على هذا الفيلم حرمه من النوم لليال طويلة نظرا لحجم ومستوى المسؤولية الكبيرة بالنسبة لهذه الشخصية وعلاقتها القوية بالشعب الجزائري، كما أشار إلى أنه ركز خلال عرض الفيلم  على الأجواء التي ميزت القاعة ومدى تفاعل الحضور مع المشاهد التي قال بأنها فرضت شغفا بالمتابعة، فالجمهور بحسبه دخل  بأحاسيس، وخرج بأخرى.  وبدا باسل الخطيب متأثرا بالانتقادات، التي وجهت إليه لاسيما المتعلقة بجنسيته السورية، حيث قال بأنه لم يأت من أمريكا اللاتينية و أنه « مخرج عربي سوري و قدمت إلى بلدي»، مشيرا إلى أنه يعرف جيدا حجم التضحيات التي قدمها، و ما هو المحيط الذي يتحرك فيه ومدى التعب الذي سينال منه، مشيرا في رده عن سؤال عن غياب محطات بارزة في حياة العلامة عن المشاهد، بأنه تم تسليط الضوء على المراحل التي أريد أن يسلط الضوء عليها من أولويات و استبعاد ما هو غير راهن وغير ضروري واستقدام  كل ما هو جوهري، بحسب تعبيره.        
ل/ق

الرجوع إلى الأعلى