«الحناشية».. محاكاة للتراث و تحدي فني لحقائق تاريخية
 أوضح المخرج  بوعلام عيساوي أن محاكاة الحقب الزمنية من تاريخ الجزائر عبر إنتاج فني سينمائي، ليست بالأمر الهين، بل هي بحث في التراث والتاريخ في محاولة لنقل شعور و إحساس الانتماء من الفيلم إلى الجمهور، و من أجل هذا لم يخل إنجاز فيلم «الحناشية»، من الصعوبات التي رافقها تحدي كبير يمكن اكتشافه في كل تفاصيل العمل.
فضل المخرج بوعلام عيساوي مناقشة فيلمه «الحناشية» بعد عرضه أول أمس بقاعة سينيماتيك وهران، من جوانبه التاريخية والتراثية وعمقه الفني، وليس من خلال التفاصيل الفنية التي تندرج ، مثلما قال، ضمن انعكاسات الصعوبات التي تواجهها الإنتاجات السينيماتوغرافية في الجزائر، وعلى رأسها قلة الإمكانيات المادية، مشيرا مثلا إلى أنه من أجل صنع مروحة الداي حسين التي كانت سببا وتبريرا لدخول المستعمر الفرنسي للجزائر، تطلب الأمر البحث عند العارفين ببعض هذه التفاصيل التي وجدها لدى أحفاد الأمير عبد القادر، الذين أكدوا أنها لم تكن مروحة وإنما كانت أداة لهش الذباب.
و أضاف المخرج أنه حاول الجمع بين هذا الوصف و وصف المروحة آنذاك، كما أنه استشار بعض العائلات القسنطينية حول الملابس وتاريخها، وبعض العادات وطريقة الكلام والسلوكات التي كانت في القرن 19، وغيرها من التفاصيل في الديكور التي انتقاها بدقة عالية، ليقرب إدراك الجمهور لتلك الحقبة الزمنية وهي عينة أيضا من البحث الذي يتطلب وقتا وإمكانيات.
الجمهور الحاضر بالقاعة، خاصة الأساتذة الباحثين في التاريخ ثمنوا العمل الذي اعتبروه منتجا فنيا من شأنه فتح النقاش حول تلك الحقبة الزمنية المتمثلة في التواجد العثماني في الجزائر، وأشادوا باجتهاد كل طاقم الفيلم، سواء التقنيين أو الممثلين، من أجل تقديم أحسن تجسيد للفكرة ومغزاها الدرامي.
وفي سياق انتقاده لغياب الجمهور عن قاعات السينما، كشف عيساوي أنه خلال العرض العام للفيلم بالعاصمة، تباحث مع وزيرة التربية الوطنية نورية بن غبريط  مسألة عرض هذا العمل الفني في المؤسسات التربوية،  حتى تبدأ تنشئة جمهور الغد منذ الآن في المدرسة، وهو الأمر الذي ثمنته الوزيرة ، حسب عيساوي، الذي أكد أنه لم ينجز الفيلم من أجل المهرجانات، بل من أجل الجمهور، مشيرا في هذا الصدد «حتى لو لم يأت الجمهور للقاعات، سأنقل له الفيلم في الجامعات ودور الشباب وكل المؤسسات التي يمكن أن تستقبله».
جدير بالذكر أن «الحناشية»هي «قمرة» ابنة شيخ عرش الحناشية بالشرق الجزائري، و هي رمز للمرأة الجزائرية التي فرضت نفسها وسط أعيان القبيلة بدعم من والدها الذي اختارها لتكون المشرفة على الصلح بين قبائل بايلك الشرق والحاكم أحمد باي، ورغم أن دور «قمرة الحناشية» لم يواصل إبراز تحدياتها كفارسة وقائدة صاحبة استشارة ودعم لجنود قبيلتها ولزوجها الباي أحمد، إلا أنها عكست دور المرأة الجزائرية في الدفاع عن وطنها وعرضها وشرفها على مدار الأزمنة.
 وأوضح المخرج بوعلام عيساوي، أنه أراد من خلال الفيلم الخوض في حقبة زمنية من تاريخ الجزائر، مع نوع من الخيال الفني، ليدخل من خلال الحناشية إلى قصر الباي أحمد وحياته وكفاحه ضد المستعمر الفرنسي. و تلفت الانتباه  لغة الفيلم الممزوجة بين المنطوق حينها في الشرق الجزائري، واللغة العربية الفصحى بنكهة شعرية، وهي اللغة التي قالت عنها الممثلة مليكة يوسف التي شاركت في الفيلم، أنها كانت صعبة نوعا ما في بداية التعامل معها ، لكن بمرور الوقت تأقلم معها الجميع، كما ركز المخرج على إبراز حنكة الباي أحمد في التصدي لهجمات المستعمر الفرنسي، سواء خلال معركة قسنطينة الأولى أو الثانية إلى غاية سقوط المدينة.
 للعلم فإن قصة الفيلم مقتبسة من الرواية الأصلية للكاتبة زبيدة معامرية، وتم إنتاج العمل من طرف وزارة الثقافة في إطار مشاريع قسنطينة عاصمة الثقافة العربية.
 بن ودان خيرة

الرجوع إلى الأعلى