الأغنياء يعالجون في القطاع العام و الفقراء يدفعون فاتورة ثقيلة  لدى الخواص

تعرف العيادات الخاصة في السنوات الأخيرة تهافتا كبيرا حولها من مرافق مكملة إلى مستشفيات موازية للقطاع العام، حيث بدأنا نشهد طوابيرا و تدافعا بقاعات الانتظار وسوء استقبال، كما أصبح إجراء فحص أو عملية جراحية  تتطلب الملايين لا يتم في حالات كثيرة إلا عبر وسيط أو هدية  للتقرب من ممرضة أو عون استقبال لتقريب الموعد. الفقراء يشكلون أغلبية زبائن المرافق الصحية المملوكة لغير الدولة بنسب قدرتها بعض الأطراف بـ60 بالمائة، وذلك باعتراف أصحاب عيادات خاصة يعتبرون الحديث عن الأرباح الطائلة مجرد انطباع خاطئ، بالنظر لثقل الاستثمارات والكلفة الباهظة للتجهيزات، فيما تعترف عمادة الأطباء بوجود أطباء يستعينون بتجار بطاطا وجوارب لفتح عيادات و اعتبرت ذلك إهانة للمهنة.جمعيات المرضى تنتقد أداء الخدمات الصحية في القطاع الخاص وتراها مجرد تجارة بالأمراض بعيدا عن أخلاقيات مهنة نبيلة، أما المصالح الرقابية فقد سجلت إختلالات في سير عيادات، فيما يصر من خاضوا المجال أنهم غامروا بأموالهم في استثمارات يجدون صعوبة في تسييرها، ويرفضون اعتبار مرافقهم بديلا للقطاع العام بل يرونها مكملة. لكن الواقع الذي وقفنا عليها أثناء هذا التحقيق، هو أن التداوي بالقطاع الخاص يكاد يتحول إلى حتمية وليس خيارا للبحث عن خدمات أفضل، لتكون النتيجة تكرار لمشاهد سلبية لطالما طبعت القطاع العام بكل ما يقع عليه من ضغط  مع  فارق جوهري هو ، لائحة أسعار دسمة  توصف بالعشوائية والملتهبة،  لكنها لا تحول  دون اكتظاظ العيادات بالمرضى.وفي المقابل يؤكد كثيرون أن الفقراء يدفعون أموالا باهظة للعلاج، بينما تكون الأولوية في مجانية العلاج للميسورين وأن الأسعار في الجزائر ورغم ما يقال عنها أقل بكثير مما يدفعه مرضى جزائريون يتداوون بتونس، مع إعتراف ممارسين للطب بأن الأطباء والممرضين يضعون رجلا في العيادة الخاصة وأخرى في المرافق العمومية ما يفسر إستنساخ نماذج للمستشفيات العمومية برأس مال خاص، لكنها تبقى بالنسبة للكثير من الفئات الخلاص الوحيد، حتى وإن إضطروا لتنظيف المراحيض وتقبل عدم قدرة الطواقم على تقديم خدمات في مستوى الأسعار والتعامل بإنسانية أكبر، كون الكثير من العيادات ساءت حالتها بعد سنوات من افتتاحها، رغم أن البداية كانت سببا في شهرة خلقت ثقافة جديدة تلاشت بمجرد كسب سمعة وضمان سقف معين من المرضى.

ن.ك

مدير طبي بعيادة خاصة

الميسورون يعالجون في القطاع العام  والأسعار في تونس أربعة أضعاف

يرى المدير الطبي لإحدى العيادات الخاصة بقسنطينة، بأن ما يميز القطاع الصحي الخاص عن العمومي ببلادنا، هو حسن التكفل بالمرضى و نقص الضغط الحاصل عليها مقارنة بما هو مسجل بالمستشفيات العمومية، التي قال أن ميسوري الحال باتوا يفضلون الاستفادة من خدماتها المجانية، بينما يشكل الفقراء حوالي 60 بالمائة من زبائن العيادات الخاصة.
و ذكر الدكتور رأس العين عبد الحكيم أن بعض المرضى أصبحوا يدفعون ثمن العلاج للعيادة الخاصة بغير رضاهم، و كأنهم يمنّون على جهة يفترض عليها أن تقدم خدمات مجانية، بالرغم من أن العيادة تعمل بمنطق تجاري قصد تغطية نفقات التجهيزات و أجور العمال، كما أنها تسير بميزانية لا تدفعها لها الدولة، مثلما هو معمول به بالمستشفيات العمومية، مقدما مثالا عن جهاز «السكانير» الذي تم اقتناؤه بملياري سنتيم و تكلف صيانته ربع هذا المبلغ على الأقل، بما يعادل مداخيل العيادة في 5 سنوات.
الدكتور راس العين قال أن المسؤولية الواقعة على عاتق أطباء القطاع الخاص كبيرة، و بأنهم يبذلون جهدا جسديا و نفسيا كبيرا من أجل صحة المريض الذي يعتبر أولوية لهم قبل أي ربح مالي، نافيا ما يثار بشأن “نزيف” في سلك  الأطباء من القطاع العمومي إلى الخاص، كما أوضح بشأن زيادة إقبال المرضى على العيادات الخاصة، أن الزبون “ليس قاصرا»، فهو يعرف برأيه ما يريد و يختار ما يناسبه، مؤكدا بأن ما زاد من توافد المرضى على القطاع الخاص، هو طول المدة الزمنية للمواعيد بالمستشفيات العمومية، التي تعرف ضغطا كبيرا، ما يضطرهم للجوء إلى العيادة الخاصة للحصول على مواعيد أقرب.
من جهة أخرى ذكر محدثنا أن أسعار العلاج لدى الخواص في تونس، تعادل 4 أضعاف تكاليف العلاج ذاته في الجزائر، مقدما مثالا عن عملية استئصال المرارة التي تكلف في عيادة خاصة ببلادنا، من 5 ملايين إلى 6 ملايين سنتيم، بينما تُجرى في تونس مقابل 20 مليون سنتيم على الأقل، رغم “عدم وجود فرق في الخدمات المقدمة بين البلدين”.
و يرى الدكتور أنه لا يجوز المقارنة بين القطاعين العمومي و الخاص في الصحة، فالثاني مُكمّل للأول، كما أن الفرق بينهما كالفرق “بين السماء و الأرض”، إذ أن المستشفيات العمومية تتوفر على إمكانيات كبيرة، ما يجعل العيادات الخاصة توجه المرضى، في بعض الحالات، لإجراء العمليات في القطاع العمومي، خاصة لدى حصول مضاعفات صحية غير متوقعة، و يؤكد السيد راس العين أن ما يميز العيادة الخاصة عن المستشفى العمومي هو حسن التكفل بالمريض، لأن الضغط عليها أقل.
و طرح محدثنا مفارقة غريبة سجلت في السنوات الأخيرة، فقد أصبح ميسورو الحال و ذوي “المعارف” يفضلون الذهاب للمستشفيات العمومية، بينما يتجه الفقراء نحو العيادات الخاصة بفضل التكافل الأسري، حيث يجمعون الأموال اللازمة لدفع ثمن العلاج و شراء الأدوية، و هم يمثلون اليوم حوالي 60 بالمائة من مجموع الزبائن، كما أضاف الدكتور أن العيادة تقوم أحيانا بأعمال خيرية لفائدة الفقراء لكن لا يمكنها أن تساعدهم جميعا، معلقا “لو اتبعنا منطق السوسيال سوف نغلق”، داعيا إلى ضرورة إدخال الضمان الاجتماعي في القطاع الخاص ببلادنا، مثلما هو معمول به في أوروبا، قصد تخفيف الأعباء المالية على الفئات محدودة الدخل.

ي-ب

مُسيّر عيادة خاصة بقسنطينة

أغلب زبائننا من الفقراء و "السوبيرات" تدرّ أموالا أكثر من «الكلينيك»

أكد مسير عيادة خاصة تقع بضواحي قسنطينة، أن الاستثمار في المجال الطبي لا يدر أموالا ضخمة مثلما يعتقد كثيرون، كون الأسعار معقولة والتجهيزات مكلفة إضافة إلى كتلة الأجور ما يجعل مداخيل «سوبيريت» تفوق ما تحققه عيادة.يقول السيد سليماني عز الدين المدير التقني للعيادة، أن العمل  بمرفق صحي  أمر متعب جدا، و ذلك بالسهر على تقديم العلاج اللازم للمرضى و إجراء العمليات الجراحية و ضمان الاستعجالات الطبية، موازاة مع الحرص على النظافة و تنظيم عمل الجميع، خصوصا و أن الزبائن أصبحوا “مُتطلبين أكثر”، و يتوافدون بكثرة على العيادات الخاصة، بسبب ارتفاع الأجر الوطني الأدنى و ليس، برأيه، نتيجة تدني الخدمات في القطاع العمومي، الذي قال أن الدولة أنفقت عليه أموالا طائلة، مضيفا بأن أطباء كلا القطاعين خضعوا للتكوين الجامعي ذاته، و بأن المستشفيات العمومية “لا تُلام” على النقائص التي قد تسجل بها، بالنظر للضغط الكبير الحاصل بها مقارنة بالعيادات الخاصة، سيما و أن العلاج الذي تقدمه مجاني.
و اعترف مُسيّر العيادة أن الأسعار المعتمدة في العيادات الخاصة غير موحدة و لا ينظمها دفتر الشروط أو قوانين، لكنها تتغير، كما قال، وفقا للعرض و الطلب و تختلف من طبيب إلى آخر، و ذلك تبعا لشهرة الطبيب و التسعيرة التي يقترحها قبل الالتحاق بالعيادة، حيث غالبا ما لا يرفض طلبه تحاشيا لاختياره عيادة أخرى في ظل المنافسة، و هو ما يفسر، حسبه، تفاوت تسعيرات المعاينات الطبية مثلا، فهناك طبيب يعمل بألف دينار و آخر بألفي دينار، غير أن مجمل الأسعار تتطابق بنسبة 80 بالمائة بين جميع العيادات، على حد قوله.في المقابل يؤكد المسؤول أن دفتر الشروط مُحترم، إذ يتضمن خدمات يجب توفرها في العيادة، على غرار التجهيز الكامل و الحديث لقاعات العمليات و توفير مرحاض في كل غرفة و العمل بنظام الاتصالات الداخلي، الذي يسمح للمريض بطلب الخدمة بسهولة، مع توفير أكل ذو نوعية، و هي أمور تراقبها دوريا لجان تفتيش من مديرية الصحة، مشيرا إلى أن اعتماد العيادة لم يُمنح إلا بعد تأسيسها من طرف طبيب مختص على الأقل.
و يؤكد مسير العيادة الخاصة أن هذه الأخيرة غير مربحة و بأن أرباحها لا تصل إلى ما يجنيه فضاء صغير للتسوق “سوبيرات»، كما أنها مكلفة جدا حسبه، إذ تستعمل مداخيلها لتسديد أقساط القرض البنكي الذي استعمل لإنجاز المشروع، أما ما تبقى فيصرف على الدواء و التجهيزات التي يكلف أبسطها مبلغ 60 مليون سنتيم، مقدمين مثالا عن جهاز “السكانير» الذي يتطلب إصلاحه في حالة أي عطب، مبلغ 200 مليون سنتيم، ليضيف محدثنا أن الطبيب لا يرى في مريضه مجرد مال مثلما “يتوهم” البعض، فهو يظل طبيبا .

ي-ب

مدير الصحة بولاية قسنطينة

لجان التفتيش وقفت على أخطاء خطيرة بالعيادات الخاصة

أكد مدير الصحة بولاية قسنطينة أن مشروع قانون الصحة الجديد يحمل إجراءات تنظيمية تحكم عمل العيادات الخاصة، و تتضمن إمكانية تعاقدها مع الضمان الاجتماعي و جعلها مكملا للمستشفيات العمومية، كاشفا عن توجيه إعذارات لعدة عيادات ارتكبت بها أخطاء، كان البعض منها خطيرا و أدى إلى إصدار قرار بالغلق.
و صرح السيد عساسي عزوز مدير الصحة بولاية قسنطينة للنصر، أن جديد مشروع قانون الصحة هو توسيع النظرة التكاملية بين القطاعين العام و الخاص، و إعطاء الفرصة للعيادات الخاصة من أجل التعاقد مع الضمان الاجتماعي، و ذلك لخلق جو من التنافس و تحسين ظروف الاستقبال «ليختار المواطن ما يريد»، كما كشف المسؤول عن إمكانية استثمار القطاع الخاص في بناء المستشفيات و ذلك من قبل أجانب قد يستحدثون مستشفيات جزائرية ألمانية أو انجليزية لتحسين التكفل بالمرضى.
مدير الصحة قال أن مصالحه لم تمنح أي تصريح لأطباء القطاع العمومي للعمل في العيادات الخاصة، و ذلك طبقا لتعليمات الوزارة الوصية، التي أوقفت ما يسمى برخص العمل الإضافي، مضيفا بأن أي طبيب عمومي يمارس هذا الأمر يُعدّ مخالفا للقانون، و لدى استفسارنا إن كانت مصالحه قد وجهت إعذارات لبعضهم، قال المسؤول أنه من الصعب اكتشاف المخالفات الحاصلة، بحيث لا يمكن، حسبه، لعب دور الشرطي، لكنه قال أن التدخل يكون “بصرامة كبيرة” و يمكن أن تشمل العقوبة غلق العيادة و توقيف الطبيب المعني عن العمل.
من جهة أخرى أوضح السيد عساسي بأنه لا توجد أسعار محددة مفروضة على العيادات الخاصة، و قال أن هذه الأخيرة لا تخضع لدفتر شروط موحد، مرجعا ذلك إلى اختلاف الاختصاصات التي تضمنها و تفاوت القدرات المالية لأصحابها، غير أنه تطرق إلى شروط أكد أن على الجميع احترامها، على غرار مواصفات قاعات العمليات و تجهيزاتها الطبية، مضيفا بأنه يتم، دوريا، إيفاد لجان تفتيش لمراقبة عمل العيادات الخاصة، و هي لجان رفعت إعذارات “بسيطة”، تتعلق بالنظافة و تنظيم الفحوصات، مع تسجيل مخالفات خطيرة رفض مدير الصحة الإفصاح عن طبيعتها، لكنه قال بأن إحداها تمثلت في «خطأ جسيم» تسبب، العام الماضي، في غلق عيادة خاصة بقسنطينة.

ي-ب

بقاط بركاني رئيس عمادة الأطباء الجزائريين

نرفض أن يشارك الطبيب "تجار البطاطا و الجوارب" لتأسيس عيادة

تحقيق: ياسمين بوالجدري

انتقد السيد بقاط بركاني رئيس عمادة الأطباء الجزائريين، لجوء الأطباء إلى من أسماهم بـ “تجار البطاطا و الجوارب”، من أجل مشاركتهم في تأسيس عيادات خاصة، و قال أن هذه الأخيرة تفتح بتراخيص مركزية ما يصعب من عملية مراقبتها.
الدكتور بقاط بركاني أوضح في اتصال بنا، أن انتشار العيادات الخاصة ببلادنا بدأ منذ سنة 2000، و ذلك عندما بدأ قطاع الصحة العمومية “يضعف نوعا ما”، حيث أصبحت هذه العيادات تستقطب أطباء القطاع العمومي بتراخيص تسمح بالعمل ضمن الوقت الإضافي، و هو إجراء “كان له سلبياته” و أدى إلى “شلل القطاع العمومي”، داعيا وزير الصحة عبد المالك بوضياف إلى مراجعته في مشروع قانون الصحة الجديد، بتخيير الطبيب بين العمل في القطاع العام أو الخاص.
و يعتبر محدثنا أن ثقة المريض في القطاع العمومي ذهبت بسبب “التدهور” الحاصل، ما جعله “يفرّ» نحو القطاع الخاص، مضيفا بأنه لا يجب الاكتفاء بسنّ القوانين لتكون مجرد حبر على ورق، حيث قال أن الأطباء الجراحين في فرنسا مثلا، يتنافسون من أجل التحول من القطاع الخاص إلى العام، لما في هذا الأخير من امتيازات علمية و مادية، و أضاف الدكتور بقاط بركاني أن الطب “ليس تجارة بطاطا بل هو عمل اجتماعي”، مستغربا تأسيس الأطباء لعيادات خاصة بالشراكة مع رجال أعمال بعيدين كل البعد عن الطب، مثل «باعة البطاطا و الجوارب».و أرجع الدكتور بركاني النقائص مسجلة في العيادات الخاصة، إلى «مركزية» منح التراخيص التي توزعها وزارة الصحة من الجزائر العاصمة، و هو ما يُصعّب، برأيه، من مراقبتها التي تتم بتكليف مديريات الصحة، مقترحا تعيين جهة محلية من أجل التكفل بالعملية و أخذ القرارات اللازمة، لأن هذه الجهة «تكون حتما على دراية أكبر بما يدور في المدن و القرى»، كما يرى رئيس عمادة الأطباء أنه من الضروري تعاقد صندوق الضمان الاجتماعي مع العيادات الخاصة، بنسبة تعويض تقدر بـ 20 بالمائة على الأقل.

ي-ب

لجأوا إليها بعد أن صدّت الأبواب في وجوههم

"الزوالية" يدفعون فاتورة سوداء بالعيادات الخاصة

انتشرت العيادات الخاصة في السنوات الأخيرة ببلادنا، و توسع نشاطها ليشمل تخصصات و تحاليل طبية جديدة، ما جعلها تعجّ يوميا بعشرات المرضى، الذين ينفقون أموالهم، برضاهم أو مُكرهين، للحصول على علاج يفترض أن المستشفيات العمومية توفره مجانا، و لم تعد هذه العيادات تستقطب فئة ميسوري الحال فقط، فقد صارت مقصد العديد من الفقراء الذين يلجأون لعلاج مُكلف لم يُتح لهم في القطاع العمومي بسبب ضعف التكفل أو بُعد المواعيد، رغم النقائص الملاحظة ببعض هذه العيادات، التي زاد عليها الطلب في السنوات الأخيرة، و تعتمد أسعارا غير موحدة، تقرّ الجهات المسؤولة أنها لا زالت غير مقننة.
و قد سبق لوزير الصحة عبد المالك بوضياف، أن اعترف أن أطرافا داخل المستشفيات العمومية، تعمل على إنعاش القطاع الخاص بالسعي لعدم تشغيل التجهيزات الطبية، كما كشف مؤخرا عن تعليمات موجهة لأطباء القطاع العمومي، تقضي بعدم تحويل المرضى إلى العيادات الخاصة، من أجل إجراء تحاليل طبية أو عمليات جراحية مُتاحة بالمستشفيات، لكنه قال في إحدى زياراته لقسنطينة « لا يوجد مستشفى في الجزائر يستجيب للمعايير الدولية.. من يقول عكس ذلك يكذب على نفسه”، قبل أن يعد بحل المشاكل المطروحة في هذا القطاع الحساس، ضمن الإجراءات التنظيمية التي يحملها مشروع قانون الصحة الجديد.

أسعار غير مقننة تقصم  ظهر «الزوالية»

للوقوف على ما يجري داخل العيادات الخاصة، أجرينا تحقيقا بدأ من عيادة معروفة تقع بولاية قسنطينة، و قد لاحظنا بمجرد الاقتراب من حظيرتها، سيارات يظهر من لوحات ترقيمها أنها قدمت من أغلب ولايات الشرق و حتى من غرب الوطن.. لدى دخول المكان حوالي الساعة الحادية عشر صباحا، وجدنا قاعة الانتظار تعج بمرضى يسيرون في جميع الاتجاهات بحثا عن طبيب أو موظف استقبال.. مظهر أغلبهم يبين أنهم أناس بسطاء دفعنا الفضول إلى الاقتراب منهم، لمعرفة سبب عدم توجههم للمستشفيات العمومية، التي تضمن علاجا مجانيا.
أخبرتنا سيدة في مقتبل العمر تخفي ملامح وجهها النحيل إنهاكا شديدا، أنها جاءت بصغيرها الذي يعاني من دوار مستمر، و ذلك بتوصية من طبيب مختص، حيث اضطر زوجها الذي لا يملك دخلا دائما، للاستدانة من أجل توفير مبلغ 4 آلاف دينار للمعاينة الطبية، لكن الطبيب فاجأهما بطلب إجراء كشف بالأشعة، يكلف ما لا يقل عن مليون سنتيم، ما يجعلها و زوجها مجبران على تدبر أمريهما مرة أخرى.
غير بعيد عن هذه السيدة التي تركناها مُثقلة بالهموم، التقينا بثانية قدمت من ولاية سكيكدة و بتوجيه من طبيب مختص، قالت لنا أنه نصحها بعرض طفلها على زميل له بهذه العيادة. هي تعلم أن المصاريف ستكون كبيرة، لكن ذلك لا يهمها طالما يتعلق الأمر بصحة صغيرها، تضيف محدثنا و علامات التعب من السفر لا تزال ظاهرة عليها.
تركنا السيدتين تنتظران دوريهما ثم توجهنا نحو غرف المرضى، التي كانت أبوابها متآكلة لكنها مزودة بأثاث يبدو أنه جديد، كما لاحظنا أن أجهزة الاتصال الداخلي لا تشتغل و أسرّ لنا أحد الموظفين أنها اقتنيت مؤخرا و ينتظر حضور التقنيين لإدخالها حيز الخدمة.

مرضى ينظفون المراحيض بأنفسهم

توجهنا بعد ذلك إلى عيادة ثانية، و قد كان أول ما وقعت عليه أعيننا لدى دخول المكان، عشرات المواطنين، من كل الأعمار جالسين في مقاعد الانتظار أو مستندين على الحائط، لأن الأماكن كانت كلها مشغولة. كما يصادفك في قاعة الانتظار، لافتات تحمل أسماء أطباء معروفين و قوائم التخصصات المتوفرة و التحاليل الموجودة، لكننا لم نجد الأسعار المعتمدة في أي من الإعلانات المعلقة.
لدى دخول الغرف تفاجأنا بغياب نظام الاتصال الداخلي، الذي يفترض وضعه لتمكين المريض من مناداة الممرضين و الأطباء في أي وقت، اقتربنا من مريضة أخبرتنا أنها دفعت مبلغا كبيرا من أجل الخضوع لعملية جراحية، لكنها اندهشت لدى مكوثها في غرفة تشترك فيها 3 مريضات أخريات، بغياب هذا النظام، لتضطر، ليلا، لطرق السرير من أجل مناداة ممرضين أحيانا لا يحضرون، و هو وضع دفع بها مرات عديدة، إلى التنقل بنفسها إلى الموظفين لطلب تغيير المصل، رغم أن وضعها الصحي لا يسمح لها بذلك.
«أكثر ما صدمني هو عدم تنظيف المرحاض و غياب الماء في الحنفية”، تشتكي مريضة أخرى، قالت لنا أنها أجرت عملية قيصرية بالعيادة الخاصة و دفعت مبلغ 6 ملايين سنتيم، و ذلك تجنبا للذهاب للقطاع العمومي، الذي يعرف برأيها ضغطا كبيرا و ضعفا في التكفل، حيث وجدت نفسها مجبرة على حمل دلو الماء الثقيل و تنظيف المرحاض بنفسها، لكنها ترى أن الخدمات بالعيادة تبقى أحسن مما عليه بالمستشفى الجامعي.

«العسل» و «المعريفة»  لتقريب المواعيد

قررنا بعد ذلك التنقل إلى عيادة ثالثة ذاع صيتها بالولاية في السنوات الأخيرة، هناك اصطدمنا بمجرد دخولها، بالضجيج و بحشد من الأشخاص يتجمعون في بهوها، ما جعلنا نعتقد لوهلة أننا في مستشفى عمومي.. الأطفال كانوا يلهون بكل حرية، بينما يجلس أولياؤهم في انتظار مناداة أسمائهم و الخضوع لمعاينة طبيب أو لإجراء الأشعة و الفحوصات، أما شباك الدفع فقد اصطف أمامه الزبائن لانتظار دورهم و تسديد ثمن الخدمات.
بهذه العيادة لفت انتباهنا شاب افترش الأرض بالقرب من بوابة العيادة، و اكتشفنا لدى التحدث إليه، أنه أب لطفلة تعاني من صعوبات في النطق، جاء بها منذ الثامنة صباحا من أجل معاينة طبية، لكنه ظل ينتظر إلى ما بعد منتصف النهار، رغم أنه أخذ الموعد عن طريق معارفه الذين توسطوا له لدى ممرضة، الرجل قال لنا أنه عامل بسيط، لكنه اضطر لصرف أمواله لدى الخواص من أجل علاج ابنته، بعدما “عجز” عن ذلك في القطاع العمومي، رغم أن العديد من أطبائه المشهورين يعملون في العيادات الخاصة. الرجل انتقد طريقة الاستقبال بالعيادة و «نقص اللباقة» في تعامل الموظفين مع الزبائن، كما تحدث عن ممرضات يقبلن الهدايا و حتى “العسل” من أجل تقديم مواعيد مرضى، الكثير منهم فقراء و يأتون من ولايات بعيدة.في حدود الواحدة زوالا دخلنا عيادة خاصة أخرى تعج بالمرضى، إحدى السيدات التي كانت تقف في انتظار دورها لدخول قاعة طبيب النساء، قالت أنها قدمت بعدما رفض أطباء أحد المستشفيات العمومية قبولها من أجل إجراء تدخل جراحي، فيما ذكرت مريضة أنجبت مولودها حديثا، أن التكفل بها كان جيدا مقارنة بباقي العيادات. و قد لاحظنا لدى المقارنة بين الأسعار المعتمدة في المصحات الخاصة التي زرناها، أنها غير مقننة، بحيث تختلف و يصل الفرق بينها أحيانا إلى مبلغ مليون سنتيم، فيمكن أن يكلف إجراء عملية ولادة قيصرية 5 ملايين سنتيم بعيادة ، و 8 ملايين في عيادة أخرى، بينما لا تتعدى كلفة الولادة العادية غالبا 2.3 مليون سنتيم وقد تصل  تكلفة التلقيح الإصطناعي إلى 30 مليون سنتيم، وعملية جراحية بسيطة كاستئصال المرارة تكلف من 5 إلى 6 ملايين سنتيم.

عيادات تسير بممرضي المستشفيات العمومية  و المتقاعدين

و قد كشفت لنا مصادر من داخل بعض العيادات الخاصة التي زرناها، أن العديد من موظفيها يعملون في الأصل بالمستشفيات العمومية و يستغلون ساعات الفراغ خارج الدوام للنشاط لدى الخواص، و هو تصرف غير قانوني تغض الإدارات الطرف عنه، و قد أسر لنا ممرض بأحد مستشفيات الولاية، أنه قرر التوقف عن العمل بعيادة خاصة،  كونه لم يستطع تحمل « تصرفات مسؤوليها معه»، ليفضل البقاء في القطاع العمومي «بكرامته و تحت غطاء قانوني واضح».
كما يلاحظ أن الظاهرة مست أيضا الأطباء المختصين بالمؤسسات الاستشفائية العمومية، حيث يعمل بعض هؤلاء بتراخيص أو بدون تراخيص مع العيادات الخاصة، و يُوجهون مرضاهم نحو هذه العيادات، بعد إعلامهم بأن مواعيد المعاينات و الجراحات بها ستكون أقرب، أو بأن التكفل هناك أحسن مما هو عليه بالمستشفى العمومي، ليجد المواطن نفسه مجبرا على التوجه للقطاع الخاص، عوض العمومي الذي يستفيد منه الكثير من ميسوري الحال «بفضل معارفهم».
 و في هذا الخصوص تتعامل بعض العيادات مع 5 أطباء مختصين من القطاع العمومي، يعملون برخصة الوقت الإضافي و بتصريح الوقت الربحي أيام العطل، كما أكد لنا أصحابها أنه عادة ما يتم التعاقد مع أطباء العيادات الطبية الخاصة، و توظيف متقاعدي الجيش الذين يمتلكون خبرة في هذا المجال و يخرجون من هذه الهيئة النظامية صغارا في السن.

 

جمعيات المرضى تستنكر

الصحة تحولت إلى تجارة ببلادنا

تتهم جمعيات المرضى، مالكي بعض العيادات الخاصة، بالسعي إلى تحقيق الربح السريع و ممارسة التجارة “على حساب صحة المريض»، كما ترى أن هذه المصحّات لم تقدم الجديد لقطاع الصحة ببلادنا، سيما بالنسبة للأمراض النادرة.
السيد بوشلوخ أحمد رئيس جمعية “التحدي و الأمل” لمرضى الشلل العضلي، قال أن هذه الفئة لم تستفد من العيادات الخاصة، بسبب نقص الأطباء المختصين في الأمراض النادرة، ما يجعل مرضى الشلل و الضمور العضليين، يجدون صعوبة في التكفل، أمام نقص المختصين في القطاع العمومي أيضا، مضيفا أن أصحاب هذه العيادات «لا يهتمون» لدى إنشائها بالأمراض النادرة، و هو ما يفسر، حسبه، غياب مصحة مختصة في أمراض العضل، عبر كامل التراب الوطني.
أما رئيسة مرضى التصلب اللويحي بقسنطينة، فطرحت إشكالية عدم إبرام العديد من العيادات الخاصة لاتفاقيات مع الجمعيات، و قالت أن “همها الوحيد هو جمع الأموال” و تمرير جميع الزبائن مهما كان الضغط عليها كبيرا، مقدمة مثالا عن العيادات المختصة في إجراء التحاليل الطبية، حيث ذكرت أن إحداها رفضت التعامل مع جمعيتها من أجل مساعدة مرضى التصلب اللويحي، في الاستفادة من تخفيضات لدى إجراء هذه الفحوصات الطبية.
من جهته يرى السيد أبو بكر الصديق محي الدين، الأمين العام للمنظمة الجزائرية لضحايا الأخطاء الطبية، قيد الاعتماد، أن “معظم” العيادات الخاصة هدفها هو «ممارسة التجارة و تحقيق الربح السريع» و ليس في نيّتهم، كما قال، تقديم خدمة جيدة للمريض، متحدثا عن عيادات خاصة يمتلكها أشخاص “لا علاقة لهم بالطب”، فقد أصبح ، برأيه، كل من يمتلك المال يشترك مع طبيب و يؤسس مصحّة خاصة، رغم أن مالك العيادة يجب أن يكون من أهل الاختصاص، ليقدر المهنة و يتحمل مسؤولياته.
السيد محي الدين تحدث عن حالات لمرضى وجهوا من القطاع العمومي للخاص، أين أجروا عمليات جراحية حساسة يفترض أن يخضعوا بعدها لفترة نقاهة، لكنهم يخرجون من العيادة الخاصة بعد ساعات قليلة، رغم أن حالتهم تستلزم الراحة، يأتي ذلك في وقت تهتدي هذه المصحات إلى توجيه زبائنها نحو المستشفيات العمومية في الحالات الخطيرة و تحتفظ بهم إن كانوا بصحة جيدة، على حد قوله.
و طالب محدثنا بوضع قانون موحد ينظم عمل العيادات الخاصة، التي قال أنها صارت تعمل بطريقة فوضوية، و هو ما يُفسر، حسبه، التفاوت الكبير في الأسعار من مصحة إلى أخرى، و جعل حوالي 50 بالمائة من المرضى الذين يمرون عليها، يتعرضون لأخطاء طبية، على حد قوله، و هي نسبة لا تختلف عما هو مسجل في القطاع العمومي، ما يدفع، برأيه، إلى التساؤل عن الفرق بين القطاعين.
و اتهم السيد أمين منظمة ضحايا الأخطاء الطبية، بعض الأطباء العموميين بـ “تهريب” مرضاهم نحو العيادات الخاصة، «لكن ليس بإعلامهم بأن الأجهزة معطلة مثلما كانوا يقومون به في السابق»، بل «بالادعاء أن أجهزة المستشفى العمومي ليست ذات جودة و لا تعمل جيدا».

 

 

الرجوع إلى الأعلى