يقضي الكثير من المواطنين بمدينة قسنطينة والأحياء المجاورة لها سهراتهم الرمضانية في الشوارع  بحثا عن متنفس يكسر رتابة يومياتهم، وهو ما يجعل المدينة تبدو مكتظة ليلا ومحاصرة بمظاهر متعددة للفوضى، حيث ينتشر المواطنون عبر الأرصفة والساحات والطرقات يمارسون طقوس الاستجمام، ولكن بطرق عشوائية تؤثر على النسق العام للفضاءات.. فنجد من يختارون الجلوس في أركان معينة، وحتى في الأرصفة لممارسة ألعاب أو تبادل أطراف حديث يبلغ صداه المنازل المجاورة ، فيما يستخدم الشباب الدراجات النارية والسيارات للتجول مع إطلاق موسيقى عالية، متخذين من الصراخ شكلا تعبيريا يمتد حتى ساعات متأخرة من الليل.و يفضل البعض الطرق الأقل صخبا بالتجول ليلا رفقة أفراد العائلة، أو بمرافقة أولياء لأطفالهم إلى ساحات عمومية أو حدائق بحثا عن ركن للعب، لكن التزاحم وعادة الاستلقاء في الشارع يفوت على الكثيرين فرصة سرقة لحظات هدوء بسبب الضجيج المسيطر على الأجواء العامة، بينما تجد النساء في المراكز التجارية ضالتهن، لكن الإقبال المتزايد حول تلك الأماكن المخصصة للتسوق إلى ما يشبه الشارع من حيث مظاهر التدافع و الاكتظاظ، زيادة على  ظاهرة التحرش التي دفعت إلى منع الشباب من ارتيادها ليلا.ولا يختلف الوضع بين وسط مدينة قسنطينة والأحياء المحيطة بها من حيث السلوكات ، لكن وسط المدينة يبقى أكثر اكتظاظا لتوفره على ساحات وحدائق عمومية وتوفر مجالات أكبر للتسوق والتجول ، زيادة على تقليد عرف به القسنطينيون هو التنقل إلى “ لبلاد”  ولو مرة في اليوم، حتى  مع وجود مشكل النقل وصعوبات في الركن ونقص كبير في المطاعم تم تعويضه بطاولات شواء تبيع السموم في جنح الظلام، بينما تتوفر داخل الأحياء حميمية أكبر تسمح بافتراش بساط بالقرب من العمارة و لم لا تناول صحن من البطيخ في الهواء الطلق، وهناك من لا يتردد في النوم بعمق في قلب الشارع، كما تترك للأطفال حرية أكبر للبقاء حتى الفجر خارج البيت، لتختلط أصواتهم بهتافات الكبار والنساء الحريصات على حراستهن من الشرفات، في مشاهد تحيل إلى أزمنة غابرة لا مكان فيها للتمدن. هناك فئة معتدلة تحاول أن تجد لنفسها نمطا معيشيا متحضرا في خضم هذه الفوضى، اختارت السهر في أماكن مخصصة لذلك، كالمسرح وقصري الثقافة مالك حداد والخليفة، إضافة إلى قاعة زينيت التي وفرت فضاء فخما ومريحا للاستمتاع بحفلات يومية تقام بمناسبة قسنطينة عاصمة الثقافة، أين لا يخلو الأمر من تصرفات شاذة تتمثل في البقاء في البهو و الاستماع للموسيقى خارجا  و ذلك على بعد خطوات من نافورة اتخذت كمسبح من طرف سكان الحي المجاور.الطرح السوسيولوجي، يفسر العشوائية الطاغية على تصرفات الأفراد في الفضاءات الجماعية، على أنها نتاج نزوح أدى إلى حالة من عدم الانصهار الثقافي و خلق  تصادما بين الثقافات الفرعية والعامة ، ما أنتج أشكالا تعبيرية عنيفة، مع التأكيد على أن أزمة السكن من أهم مسببات البحث عن حياة بديلة في الشارع بالنسبة لمختلف فئات المجتمع بما في ذلك الأطفال.

ن ك

جلسات دومينو بمداخل العمارات ومعارك بالحجارة

 أطفال لا ينامون وصخب يمتد إلى الفجر بعلي منجلي

تتحول مختلف أحياء قسنطينة خلال السهرات الرمضانية إلى أسواق مفتوحة لحركية المواطنين، الذي تتضاعف بشكل كبير، لتتجسد في انتشار عشوائي بمختلف النقاط وممارسات خاصة من أجل تمضية الوقت في انتظار موعد السحور، في ظل غياب أماكن الترفيه أو الجلوس بشكل منظم.
تشهد المدينة الجديدة علي منجلي بعد الساعة التاسعة مساء، بداية للسهرات الرمضانية و خروج العائلات التي تقصد المراكز التجارية المتواجدة بمركز المدينة، حيث لاحظنا خلال زيارتنا لها أن أعدادا كبيرة من الأزواج المرفوقين بأطفالهم يغزون المكان، بالرغم من أن عدد النساء كان أكبر من الرجال بسبب نوعية النشاط الغالب على المحلات التي تعرض بشكل أكبر ألبسة نسائية، كما أن حركة المواطنين تمتد على طول الوحدة الجوارية 6 وبالقرب من مراكز التسوق الكبرى، فضلا عن أن كثيرا من النسوة الكبيرات في السن كن جالسات على الرصيف بجوار مركز تجاري كبير، من أجل الحصول على قليل من الراحة بعدما أنهكهن المشي طويلا على الأقدام، حيث أخبرننا بأنهن يخرجن ليلا من أجل التعويض قليلا عن يوم من العمل داخل المنزل، مشيرات إلى أن الخروج لا يكون إلا بعد الانتهاء من غسل الأواني ومشاهدة التلفاز.

شوارع علي منجلي.. مقاهي مفتوحة

أما فئة الرجال فتتجه بشكل أكبر إلى المقاهي التي تمتليء عن آخرها، حيث يعتمد أصحابها على إخراج الكراسي والطاولات إلى الأرصفة وحتى احتلال جزء من الطريق العمومي، فضلا عن بعض المقاهي التي اشتهرت بتقديم الشاي المعد على الطريقة الصحراوية، حيث يلاحظ كثرة المقاهي بعلي منجلي، أين تتوزع على مختلف الوحدات الجوارية الآهلة بالحركية والسكان، على غرار حي كوسيدار وأحياء عدل، التي تشهد أيضا ازدحاما بالمساجد خلال صلاة التراويح أين  ينتشر باعة الخضر والفواكه والقمصان والعطور بجوار أماكن الصلاة.
في جولة قادتنا إلى مختلف أحياء علي منجلي لاحظنا بأن الحركة متفاوتة بشكل كبير، حيث يمكن ملاحظة أحياء خالية من الحركة، باستثناء بعض الشباب الذين يجلسون بالقرب من مساكنهم، وحركة كبيرة للمواطنين وعلى بعد بضعة أمتار منها، حيث تتركز الحركة بشكل كبير في مركز المدينة، لتبدأ بالتراجع تدريجيا مع اقتراب الفجر، أين تستمر حركة العائلات غالبا إلى غاية الواحدة صباحا، لتستبدل الأدوار بينها وبين الشباب الذين يظلون بالشوارع إلى غاية ساعات آذان الفجر، فضلا عن بعض الذين يواصلون السهر إلى غاية السادسة أو السابعة صباحا.
وأكد لنا سكان بأنه يصعب عليهم النوم بسبب الضجيج الذي يأتي من الخارج، حيث لاحظنا بعد صلاة الفجر وهدوء حركة آخر المصلين الذين يتوافدون بكثرة على تأدية صلاة الفجر، ضجيجا متقطعا تصدره سيارات ودراجات نارية تمر من حين لآخر، فضلا عن أصوات صراخ وشتائم وحتى زغاريد يصدرها شباب أثناء لهوهم وتجمعهم حول طاولات الأوراق و الدومينو التي تشهد انتشارا كبيرا بمختلف الأحياء وتستمر مجالسها إلى ساعات الصباح، حيث يمكن لأي ركن منعزل في حي أو مدخل عمارة أن يتحول إلى مكان للعب يتزايد قاصدوه يوما بعد يوم من أجل تقضية السهرات الرمضانية، فضلا عن بعض من يستعملون مؤخرات شاحناتهم التجارية لنفس الأغراض، فيما يلجأ نوع آخر من الشباب إلى لعب كرة القدم على مستوى الملاعب الجوارية خلال الليل بسبب انخفاض درجة الحرارة وتوفر القدرة البدنية لذلك، بعد انتهاء الصوم.

مواقف الترامواي وقاعات ألعاب الفيديو لتمضية الوقت

يشتكى سكان العديد من الأحياء من قلة الأماكن المخصصة لجلوس العائلات أو الترفيه أو لجلوس الشباب، حيث يصعب، حسبهم، إيجاد مكان للجلوس والحديث بهدوء، وقد أوضح لنا زين الدين بأنه يلجأ رفقة أصدقائه إلى الجلوس بمواقف الترامواي لوقت طويل من أجل تبادل أطراف الحديث خلال السهرات الرمضانية، هربا من الازدحام المروري وحركة المواطنين الكثيفة بوسط المدينة، أو يقضون الوقت في المشي والتجوال، فيما استحسن الحديقتين التي تم إنشاؤهما على مستوى حي السيلوك، حيث اعتبر بأنها على الأقل مكان يمكن الجلوس فيه، فضلا عن أننا لاحظنا أن عددا من العائلات باتت تقصدهما ليلا خلال شهر رمضان، بعد أن كانت حكرا على الشباب في ساعات المساء.
كما يتجه غالبية مدمني السهر  في رمضان إلى مقاهي الأنترنيت أو قاعات لعب “البلايستشن”، التي أصبحت نموذجا جديدا يستقطب الشباب، حيث أخبرنا رضوان بأنه يقضي فيها معظم سهراته الرمضانية في منافسة أصدقائه على لعبة كرة القدم، ما يوفر له مكانا للجلوس ويجنبه التسكع في الشوارع دون غاية واضحة، فيما يعتمد آخرون على غرار ما يحدث في المدينة الجديدة على طاولات لعب الأوراق والدومينو، خصوصا وأنه لا يمكنهم الخروج في النهار بسبب تعب الصيام والارتفاع الكبير لدرجات الحرارة، حسب ما أوضحوه لنا.

حركة التسوق تخنق سيدي مبروك العلوي

تحولت أحياء سيدي مبروك العلوي خلال ليالي شهر رمضان إلى مراكز استقطاب للمواطنين، خصوصا بمحيط المراكز التجارية التي حولت المنطقة من حي سكني هادئ إلى سوق مفتوحة، تشهد اختناقا مروريا كبيرا بسبب نقص أماكن الركن وضيق الأحياء، فضلا عن الحركية الكبيرة للمارة، الذين يتهافتون على محلات بيع الألبسة ومختلف اللوازم النسائية، خصوصا بعد فتح محلات جديدة لبيع المثلجات، جعلت النشاط بالحي لا يقتصر على التبضع، بل يمكن للعائلات الجلوس والحديث، ثم العودة إلى التسوق بعد ذلك، بالإضافة إلى مقاهي الشيشة المتواجدة بالمراكز التجارية، حيث أصبح يقصدها الشباب من أحياء مختلفة.
وذكر لنا بعض الشباب بأن مشكلة حي سيدي مبروك العلوي والدقسي تكمن في الاعتداءات والسرقات على المواطنين، التي يشهدانها بالرغم من أنها تناقصت في الآونة الأخيرة مع ارتفاع معدل حركة المارة.
وقد لاحظنا بأن حركية المواطنين عشوائية خلال ليالي رمضان بحي سيدي مبروك وبالقرب من مركز تجاري كبير بالدقسي، حيث يقصد الزبائن مختلف أماكن التسوق، إلا أن عدد الذين يقومون بالشراء أقل، حسبما أخبرنا به أصحاب محلات، كما علمنا بأن سكان أحياء مختلفة كحي ساقية سيدي يوسف والدقسي السفلي، يقصدون سيدي مبروك العلوي لمجرد التجوال، أو معاكسة الفتيات، خلال الليالي الرمضانية، حيث تختفي الحركة بشكل سريع حوالي الواحدة صباحا، لتكاد تكون منعدمة مع اقتراب موعد السحور، وتقتصر على سكان عمارات حي منتوري والأحياء المجاورة الذين يواصلون السهر.
الأطفال أيضا ينالون حظهم من تقضية الوقت خارج المنزل خلال الليالي الرمضانية، حيث لاحظنا بمختلف الأحياء التي تجولنا بها  كزواغي أنهم يلعبون خارج منازلهم إلى ما بعد الساعة الواحدة صباحا، دون مبالاة بالأخطار التي قد تصيبهم جراء ذلك، خصوصا وأنهم غالبا ما يتشاجرون ويتبادلون الرشق بالحجارة، مع أطفال الأحياء المجاروة لهم، كما يسببون ضجيجا كبيرا بمداخل العمارات.
سامي حباطي 

وسط المدينة يغرق في الفوضى ليلا

تزاحم على الأرصفة والطرقات وحدائق عمومية تتحول إلى مراقد

يلجأ سكان مدينة قسنطينة إلى الشوارع والطرقات لقضاء سهراتهم الرمضانية، نتيجة انعدام المرافق الترفيهية بالمدينة، فالفوضى والصخب وتزاحم المواطنين على الأرصفة و الطرقات المختنقة، كلها مناظر أمست تشكل الصورة النمطية التي يكونها أي زائر لقسنطينة خلال فترة ما بعد الإفطار.
قمنا بجولات ليلية في العديد من المرات بالمدينة، وطفنا بكافة شوارع وأزقة وسط المدينة، حيث كانت البداية بشارع بلوزداد ، حيث لاحظنا بأن حركة التنقل عبر أرصفته المهترئة، تصعب إلى غاية وقت متأخر من الليل ، نتيجة تدافع المئات من  المواطنين وازدحامهم أمام واجهات المحلات، أطفال صغار يصرخون و يلعبون أمام العمارات، شباب واقفون في قارعة الطريقة أو أمام أبواب العمارات، يراقبون حركات المارة ،  فيما  فضل آخرون الإتجاه إلى المقاهي، صخب كبير وموسيقى عالية تنبعث من السيارات، الكل بدا تائها وكأنه يبحث عن مكان يقضي فيه سهرته لكنه لم يجد مكانا مناسبا لوجهته، وحتى مفترق الطرق «المدافع» كما يحلو للقسنطينين تسميته، أصبح مكانا يستغله بعض الشباب لممارسة الألعاب الورقية، أما الأطفال فتجدهم مستلقين على الأرض  أو يلعبون فوق العشب، في مناظر أعطت صورة سلبية للمكان.
نفس المشهد رصدناه لدى توجهنا إلى قصر الثقافة محمد العيد آل خليفة، عبر شارع عبان رمضان الذي لم تستوعب أرصفته الأمواج البشرية الكبير المارة عبره، لاحظنا لدى وصولنا إلى المركز الثقافي، اصطفاف العشرات من الشباب والكهول أمامه، حيث  تحول محيطه وحتى مداخله المغلقة إلى مكان للجلوس وشرب القهوة،  في حين فضل بعض الشباب الإستناد على الحواجز الحديدية التي وضعت أمامه، أما الفتيات والنساء فتراهن يقمن بزيارات خاطفة إلى داخل المرفق، لكنهن سرعان ما يخرجن، في حين تجد العشرات منهن مصطفات أمام محل بيع المثلجات الوحيد.
بشارع عواطي مصطفى،  فضل غالبية الشباب الجلوس في المقاهي، في حين اتخذ بعضهم من قارعة الطريق مكانا للعب “الدومينو»، أما الأطفال فقد تزاحموا بالعشرات في أمام الساحة الوحيدة المخصصة للعب منهم من يستعمل الدراجات ومنهم من يكتفي باللعب في شكل مجموعات.
 أما بساحة دنيا الطرائف فمشاهد الفوضى والصخب وصراخ الأطفال وأحيانا بعض الشجارات تزداد حدة، حيث تجد العشرات من الشباب والنساء جالسين أو مستلقين على الأرض،  عبر كافة أرجاء الساحة، نظرا لقلة الكراسي وأماكن الجلوس وانعدام المرافق الخدماتية ، في حين يفضل الباقون المشي والتجول بالساحة، أما الأطفال وحتى بعض الكبار فتجدهم يحاولون الإقتراب من الألعاب المائية للعب بها والتقاط الصور معها، لكن طالما يقوم أعوان الأمن بمنعهم من الوصول إليها، إلى حد أنهم قاموا مؤخرا بوضع حاجز من السلاسل، أما بعض الشباب فيفضلون الانزواء في أركان الساحة، يلعبون الدومينو أو الألعاب الورقية، في وقت تجد فيه ساحة “لابرايش» مكتظة عن آخرها بالعائلات، نظرا لتوفر الظروف التنظيمية بها و بعض الخدمات.
توجهنا نحو جسر سيدي مسيد عبر شارع فرنسا، الذي يعج بالعشرات من النساء اللواتي فضلن قضاء فترة السهرة في التسوق والتجول في المراكز التجارية، حيث لاحظنا لدى وصولنا إلى  الجسر، وجود العشرات من الشباب جالسين في مجموعات وهم يلعبون الدومينو، كما قاموا بركن سيارتهم بطريقة عشوائية في الساحة المقابلة، وهو نفس المشهد الذي يتكرر بكل من المحطة الحضرية الجديدة زعموش وجسر صالح باي، أين تجد العشرات من السيارات مصطفة على حافة الطريق وبداخلها شباب أو كهول يدخنون الشيشة أو يلعبون الدومينو، ما يتسبب في كثير من الأحيان في عرقلة حركة المرور، أما العائلات فيفضل غالبية أفرادها التجول والتقاط الصور التذكارية.
الحدائق العامة تتحول ليلا مثلما هو الحال نهارا إلى مراقد يستلقي بها شيوخ وحتى شباب ،في مشاهد غير ملائمة ، مثلما هو في حديقة بن ناصر التي تقع بقلب المدينة والتي نجد الكراسي بها خالية ،بينما يستلقي روادها في المساحات الخضراء وتحت الأشجار حتى ساعات متأخرة من الليل وكأنهم بدون مأوى.                   

لقمان/ق

فيما تفضل عائلات حفلات خمس نجوم بالفنادق و أخرى تختار المراكز التجارية

قاعة الزينيث وجهة للإستجمام تعوض غياب المرافق

خلافا للسنوات الماضية، تعرف ليالي رمضان بقسنطينة هذه السنة حركية ثقافية أكبر، تزامنا مع انطلاق فعاليات عاصمة الثقافة العربية، ما انعكس بالإيجاب على النشاط التجاري، و منح العائلات مساحة أكبر للترويح عن النفس، كما ضاعف الخيارات التي كانت محدودة سابقا، إذ توسعت دائرة المرافق المعنية بتنظيم سهرات ليالي الصيف الرمضانية، و أصبح بعضها يقدم خدمات خمس نجوم للباحثين عنها.
برنامج السهرات و الحفلات، مقسم هذه السنة بين النشاطات الثقافية لمحافظة عاصمة الثقافة العربية و الديوان الوطني للثقافة و الإعلام، و بين نشاطات قصر الثقافة مالك حداد و دار الثقافة محمد العيد آل خليفة و كذا المسرح الجهوي ، الأمر الذي ضاعف عدد الأماكن التي يمكن للقسنطينين زيارتها، و منح صفة التنوع للمادة الثقافية و الفنية المقدمة للجمهور ما يعده الكثيرون مكسبا، على اعتبار أن سعر تذاكر حضور بعض  الفعاليات جد مقبول مقارنة بميزانية الأسر إذ لا يتعدى 100 إلى 200دج للشخص، وقد يكون الدخول مجانيا أحيانا أخرى.
 قاعة العروض الكبرى أحمد باي، تحولت منذ انطلاق برنامجها الخاص برمضان، إلى نقطة جذب سياحي بالدرجة الأولى، فرغم الإقبال الذي تشهده السهرات اليومية المبرمجة في إطار فعاليات تظاهرة عاصمة الثقافة العربية، و التي تنشطها أحيانا أسماء فنية و مغاربية بارزة، يفضل جزء كبير من رواد الزينيث البقاء خارجا، و الاستمتاع بنسائم الجو و الاستماع مجانا لموسيقى  « الديسك جوكي»، بدلا من حضور الحفلات، التي تنطلق عادة في حدود الساعة 10 ليلا، إذ تشكل باحة القاعة بالنسبة لهم بديلا مقبولا عن غياب مرافق الاستجمام المجهزة، كما أنها المكان الوحيد تقريبا في المدينة الذي يتوفر على حظيرة منظمة و مجانية لركن السيارات.
ما يزيد عن نصف الأشخاص الذين يختارون الزينيث كوجهة ليلية لهم، يقصدونها لغرض آخر غير الفن، فبالعض يجد في رحابة فضائها و مساحتها المفتوحة و المضاءة، مكانا للراحة و الاستجمام، خصوصا في ظل توفر تغطية أمنية دائمة تستمر إلى غاية ساعات متأخرة من الليل، من جهة ثانية يشكل موقعها المنعزل حافزا مشجعا للعشاق لاختيارها كمكان للاتقاء بعد الإفطار، نظرا لكون الدخول إليها غير مقنن ، وإمكانية البقاء خارج صالة العرض متوفرة.
برنامج الحفلات و السهرات الخاصة بالتظاهرة، توسع ليشمل بلدية الخروب كثاني أكبر توسع عمراني يظم نسبة كبيرة من السكان، حيث تتم برمجة حفلات فنية في مختلف الطبوع، و عروض فكاهية متنوعة بمستوى جد مقبول، نظرا لنجومية الأسماء التي تحيي بعض الليالي، غير أن مشكل التنظيم يطرأ دائما كعائق ناتج عن ضيق قاعة العروض، و حجم الإقبال، ما جعل الجمهور يقتصر على فئة الشباب، كون غالبية العائلات تفضل تجنب الفوضى و الإحراج  نظرا لعدم توفر الجو المناسب بسبب ما يسدو المكان من تزاحم.
الحركية الكبيرة التي باتت تطبع ليالي المدينة، شجعت فنادق « كالماريوت و الحسين» على الدخول في منافسة لاستقطاب، نوعية أخرى من الجمهور، وهم الباحثون عن الرفاهية و القادرون على الدفع بسخاء، إذ باتت تبرمج هي الأخرى حفلات فنية في طابع المالوف و الحوزي، مع توفير أجواء عائلية راقية، أما على الأسطح أو بمحاذاة المسابح، تكلفة تتراوح عادة بين 5000 إلى 8000 دج، حسب نجومية الأسماء المبرمجة لإحياء الحفل، علما أن سعر بطاقة الدخول يتضمن كذلك تكلفة الإطعام.
 و في سابقة تعد الأولى بقسنطينة، توجهت مراكز تجارية بالمدينة الجديدة علي منجلي، نحو تنظيم حفلات فنية ساهرة بأسطحها، كنشاط مكمل للعملية التجارية، قصد جذب أكبر عدد ممكن من الزوار، و تحقيق الشهرة و الرواج، إذ يعادل سعر تذاكر الحفلات 500دج، مع إمكانية تقديم خدمات إطعام إضافية حسب الطلب. هذا التنوع في الخيارات سمح بخلق حركية أكبر ما شجع العائلات القسنطينية على كسر صورة المدينة النائمة.
ن/ط

الباحث في علم الإجرام بولماين نجيب

ظهور ثقافة فرعية مضادة للثقافة العامة وأزمة السكن تدفع إلى الشارع

يحذر الباحث في علم الاجتماع الدكتور بولماين نجيب من تطور حالة العشوائية في السلوكات والإجرام المتفشي في المجتمع إلى نسخة عن الحالة البرازيلية، مفسرا الظواهر السلبية من إجرام وثقافة عصابات، على أنه نتاج تراكمات اجتماعية وثقافية أفرزت ما أسماه بالثقافة الفرعية المضادة للثقافة العامة ما خلق حالة من عدم التكيف مع المستوى الحضري بسبب سياسيات تعميرية غير مدروسة، كما يرى أن أزمة السكن تدفع بالشباب إلى الشارع بحثا عن متنفس.
الدكتور بولماين نجيب مختص في علم الإجرام  يرى أن المجتمع الجزائري عرف تغيرات جوهرية في حياته الاجتماعية و الإقتصداية والثقافية حيث كان للنمو الحضري وتزايد السكان وظهور أزمة اقتصادية خانقة بعد التسعينات و ما نتج عنها  من إعادة هيكلة للمؤسسات الصناعية و الخوصصة  نتائج سلبية على المجتمع ،ويؤكد أن اعتماد الجزائر على اقتصاد  السوق أنتج  ظواهر سلبية على المجتمع ،  كالأحياء القصديرية التي ظهرت  بضواحي المدن وخاصة قسنطينة التي  عرفت هجرة كبيرة من المدن التي مسها الإرهاب، مما ضاعف عدد السكان  بشكل رهيب وغريب وقد خلفت تلك العوامل ظواهر انحرافية نتيجة تفشي البطالة وتلاقي ثقافات مختلفة لدى الأوساط الشبانية، بين ريفي وحضري وعادات مختلفة عن المدينة ، ما أنتح عدم التكيف مع المستوى الحضري وظهرت الجرائم والتعدي  على أملاك الغير  وتفشت المخدرات والسوق السوداء ، و تدريجيا تفاقم الإجرام إلى أشكال أعنف مع مرور السنوات  ليغلل في كيان المجتمع ويصبح يشكل تهديدا حقيقا.
وهي عوامل   جعلت الشباب لا يملكون أساليب ضبط اجتماعي ولا يحترمونها ، مما أفقدهم المعايير الاجتماعية في حياتهم اليومية سواء داخل المجتمع أو الأسرة، وفق تحليل الأستاذ بولماين الذي يواصل قائلا “   هذا ما جعل الشباب لا انتمائي» ،  مشيرا أن قسنطينة ظهرت بها مدن جديدة، كمدينة علي منجلي التي حملت في تركيبتها السوسيولوجية والثقافية عناصر مختلفة،  أدى إلى وجود صراع بين الشباب في تلك المدن  حول السيطرة و استعراض القوة.
تلك المعطيات بمختلف جوانبها أثرت على المجتمع  وظهر ما يسمى ب»الثقافة الفرعية  المضادة للثقافة العامة داخل المجتمع” وبدأ، الشباب، كما يضيف الباحث، يتشكلون في جماعات  ويشكلون خطرا اجتماعيا على قاطني الأحياء ، وذلك بالتعرض للساكنة وسلب أموالهم  والسطو و الاعتداء على النساء و الأطفال  بعد أن تكونت لديهم معلومات دقيقة عن تحركات السكان وتفاصيل عن كل الأحياء، وهو ما زرع في المجتمع نوعا من الخوف وعدم الاطمئنان، زيادة على ما يحدثونه في الليل من ضجيج وصراخ وشتم وقذف و استعمال لكلام بذيء غير لائق، وهي معالم تنتشر صيفا وفي رمضان .
 الباحث يعتبر ضيق السكن وتعدد أفراد العائلة الواحدة من أسباب الظواهر الغريبة على المجتمع، بحيث نجد سكن من ثلاث غرف يطقنه أكثر من 15 فردا منهم متزوجون  مما يدفع بالكبار رجالا ونساء إلى الخروج إلى الشارع ويرمون بأبنائهم أغلب الوقت خارجا بحثا عن متنفس وعن الراحة التي لا يجدونها في بيته .
 المختص في علم الإجرام  خلص إلى  أن أزمة السكن اجتمعت ومشاكل ثقافية وتربوية  اجتماعية  زيادة على تراكمات الأزمة الأمنية  أدت إلى ما يعيشه المجتمع اليوم مسجلا غياب دراسات سوسيولوجية،  منتقدا  طرق التعمير في  بلادنا  ومشيرا إلى أن التراكم الرهيب الحاصل خطأ حيث يتم جمع عدد ضخم من العائلات في فضاء واحد  قوامه 50 عمارة لا تتوفر على مرافق ما يحول الحي إلى مكان مغلق ومنطقة إجرامية، معتبرا البحث العلمي هو الحل حيث يرى أنه لا بد من تخصيص مبالغ ضخمة للقضاء على الظواهر بالبحث في أسبابها  وبالتالي قتلها في المهد.
الأستاذ بولماين حذر من تطور الظواهر التي يقع تحت تأثيرها المجتمع الجزائري في حال عدم الإسراع في خلق مراكز بحث قائلا «العنف يجر إلى العنف المضاد وينتج حالة مشابهة لما يجري في البرازيل أين يقتل الناس في كل دقيقة» مضيفا بأن في تلك الحالة المعايير الدينية والثقافية تتلاشى وتحدث أزمة أخلاق وأزمة مال، منبها إلى مؤشر خطير في العائلة الجزائرية وهو فقدان الأب للسيطرة على أفراد العائلة  وهو ما يراه  بداية الانهيار  ومشابه لما هو حاصل في دول أمريكا اللاتينية.    

نرجس/ك

الرجوع إلى الأعلى