شهد  المجتمع الجزائري في الأعوام الأخيرة جرائم قتل بشعة و غريبة لم نكن نسمع عنها من قبل، فلم تعد صورة المجرم تقتصر على ذلك الشخص المنحرف أو المضطرب عقليا، و صرنا نسمع عن جرائم ارتكبها أشخاص "عاديون" في حق آبائهم و أزواجهم و حتى أبنائهم، و لأسباب أقل ما يقال عنها أنها تافهة.
الجريمة خرجت من نطاق المريض العقلي والمنحرف لتدخل فئات مثقفة وذات تكوين علمي عالي، كما تعدت حدود الشارع إلى العائلة والمدرسة، وصار العنف لغة تواصل بين الكثيرين وحل يلجأ إليه الصغير والكبير على حد سواء في تطورات تعبر عنها أرقام جرائم القتل و الاختطاف  المسجلة سنويا وبشكل يطرح تساؤلات حول الأسباب الحقيقية في العنف المتفجر في المجتمع.
حادثة قتل الطفل أنيس و رميه بأحد أودية ميلة، و قبلها جريمة ذبح أب لابنه ببلدية العلمة، أعادت إلى أذهان الجزائريين جرائم قتل هزت الرأي العام و تناقلتها وكالات الأنباء العالمية، و من بينها جريمة قتل الطفلين إبراهيم و هارون في ماي من سنة 2013، حين قام المجرمان بوضع جسديهما الصغيرين داخل حقيبتين تم رميهما غير بعيد عن مكان اختطافهما بمدينة علي منجلي بقسنطينة، و ذلك بعد احتجاز الطفلين لثلاثة أيام كُشف في جلسة المحاكمة عن تفاصيل مُريعة دارت خلالها، و تتعدد أسباب الجرائم التي نسمع عنها كل يوم في مجتمعنا و قد تختلف الأعمار و الحالة الاجتماعية لمرتكبيها، لكن الفعل واحد و النتيجة واحدة.
خلافات زوجية تنتهي بجرائم على شاكلة "ريا و سكينة"
و قد اتخذت أساليب القتل و التنكيل بالجثث أشكالا خطيرة قد لا نشاهدها حتى في أفلام الرعب و غالبا ما يكون سببها خلافات بين الزوجين فككت أسرا بكاملها، فقبل أيام فقط اكتشف أمن ولاية تبسة جثة ثلاثيني مدفونا في فناء منزله بعد اختفائه لقرابة أسبوعين، لتحوم الشكوك حول زوجته الشابة التي بينت التحقيقات أنها قتلت زوجها باستعمال بندقية صيد، ثم دفنته بالمنزل بمساعدة شخص آخر.
و قبل 3 سنوات شهدت مدينة رمضان جمال بولاية سكيكدة، جريمة لا يزال سكان المنطقة يتذكرونها، لأن المتورط فيها زوجة و شريكها اتهما بقتل الزوج و تقطيع جثته، ثم دفنه أسفل حوض الاستحمام و إيهام أطفاله بأنه سافر للعمل في ولايات الجنوب، لكن أمر الزوجة و شريكها افتضح عندما استغربت عائلة الأب عدم اتصاله لتهنئة ابنته بنجاحها في امتحان شهادة البكالوريا، لتعترف الزوجة بعد استجوابها من طرف الأمن بالجريمة البشعة التي اقترفتها.. قسنطينة شهدت هي الأخرى حادثة اهتزت لها إحدى المناطق الريفية المحافظة، عندما قامت امرأة بقتل زوجها الكهل، لتجد نفسها خلف القضبان إلى جانب بناتها الثلاث.
كما سجلت في الأعوام الأخيرة جرائم كثيرة من طرف رجال ضد زوجاتهم، حيث لا تزال مأساة طالبة الماجستير "عبير" راسخة في أذهان عائلتها و جيرانها ببلدية رأس الوادي ببرج بوعريريج، حيث انطفأت العروس في رحلة شهر العسل على يد زوجها السفاك، الذي ذبحها بكل وحشية في الطريق ثم رمى بجثتها بالقرب من مكب للنفايات بسطيف.
و في ربيع 2014 ذبح ستيني بمنطقة أمسيف بولاية المسيلة، زوجته من الوريد إلى الوريد بعد أن انتظر مغادرة أبنائه الستة للمنزل، كما قام بعد حوالي سنة من ذلك أب قيل حينها أنه يشكو من اضطرابات عقلية، بقتل زوجته و طفلتيه بإحدى قرى ولاية بجاية..
ولا تزال ذاكرة القسنطينيين تذكر حادثة قتل رجل لزوجته و إستعمال منشار كهربائي لتقطيع جثتها ووضعها في أكياس بلاستيكية وجدت مرمية في أماكن مختلفة، والأغرب أن الرجل الذي إرتكب الجريمة تحت مسمى الشرف بدت عليه علامات الفرح أثناء عقد الأمن الولائي لندوة صحفية حول جريمته البشعة، رغم ما عرف به من هدوء وحسن أخلاق لدى من عرفوه من سكان حي الأمير عبد القادر.
كما سجلت جريمة ببلدية حامة بوزيان بقسنطينة لشيخ قتل زوجته لنفس السبب وبدت أطوار المحاكمة غريبة وهو يسرد تفاصيل  ما أسماه بالخيانة الزوجية.
بولاية خنشلة كانت جريمة قتل رجل لزوجته و استئصال رحمها من أبشع الجرائم التي تداولتها الصحافة إضافة إلى قيام آخر بنفس الجريمة لأن زوجته تركت طفلتها تبكي ولم تكترث لطلب تخضيب يدها بالحنة عشية عيد الأضحى.
وتكررت حوادث قتل الزوجات التي بقي معظمها في خانة الجريمة الغامضة لعدم الكشف عن السبب الفعلي وكان آخرها قتل دركي لزوجته الشابة والتي تم تأجيل المحاكمة الخاصة بها بسبب إدعاء الفاعل الجنون.
كما أن هناك حالات لم تصل حد القتل لكنها كانت جرائم بشعة كحرق سيدة في إحدى بلديات حامة بوزيان لزوجها بزيت القلي إثر مناوشة رمضانية ورفضه إقتناء مواد غذائية وتهديده بهجرها، حيث كشفت في التحقيقات أنه تزوج إمرأة أخرى، إضافة إلى رمي رجل لزوجته من الشرفة بمدينة علي منجلي ثم تراجع الزوجة عن إتهامه.
عندما يذبح الابن والديه و يقتل الأخ أخاه!
و الملاحظ تسجيل العديد من جرائم القتل بين الإخوة، و التي غالبا ما تكون لأسباب تافهة، مثلما حدث العام الماضي بإحدى الولايات الشرقية، عندما طعنت شابة شقيقتها لأنها طلبت منها المساعدة في تحضير الإفطار.. كما تتعدد حالات شباب و حتى شيوخ قتلوا في لحظة غضب، أشقاءهم أو أبناء عمومتهم بسبب خلاف حول قطعة أرض أو ممهل أو حتى أنبوب سقي.
و من أفظع الجرائم التي تجرد فيها أصحابها من الإنسانية و لا يمكن للعقل البشري أن يجد لها تفسيرا أو يتقبلها، تلك المرتكبة ضد الأصول، فمؤخرا فقط قتل شابان من قالمة و تبسة والدتيهما باستعمال ساطور و أزهق آخران روح والديهما، كما اهتزت مدينة باتنة بداية هذا العام، على وقع جريمة ارتكبها شاب في حق من أنجبته بعد أن وجه لها عدة طعنات، بالمقابل أصبحنا نسمع كثيرا عن أب يقتل أبناءه و عن أم تنهي حياة فلذات أكبادها!
و لا تزال جريمة قتل "زياد" لوالدته و شقيقه بحي الزيادية محفورة في أذهان سكان قسنطينة، فهذا الشاب الذي تم القبض عليه بعد 5 سنوات من الحادثة، قتل أمه و شقيقه الأكبر ثم قطع جثتيهما بكل وحشية باستعمال منشار، قبل أن يضعهما داخل أكياس بلاستيكية.
أما ت،ح من بلدية أولاد رحمون ولاية قسنطينة فقد تسبب في قتل شقيقه خلال عيد الأضحى لسنة 2014  في جريمة هزت البلدة لكنها كيفت بتهمة الضرب والجرح العمدي المفضي لوفاة دون قصد إحداثها بعد أن شهد أفراد من العائلة أنه مجرد حادث خطأ.وفي بسكرة سجلت منذ أيام جريمة غريبة تمثلت في ذبح  شاب  لخالته و زوجها المعاق و ابنيها لسرقة مجوهرات و مبلغ مالي، كما تورط شخص في قتل زوجته بمشاركة شقيقها بنفس الولاية وشريك ثالث في حيثيات تبقى غير معروفة.
أطفال يدخلون عالم الجريمة
الجرائم بين القصر اتخذت هي الأخرى منحا خطيرا، بحيث لم تعد تقتصر على الشوارع و امتدت إلى أبواب المؤسسات التربوية، مثلما حدث بداية السنة بولاية وهران، عندما قتل تلميذ في الثانوي زميله باستعمال خنجر خلال شجار نشب بينها بسبب بذلة رياضية, و لعل ظاهرة العنف بين الأحداث هي من أكثر الظواهر الاجتماعية خطورة على المجتمع الجزائري و مصير الأجيال القادمة.
جرائم القتل التي يرتكبها أشخاص مضطربون عقليا ضد أفراد عائلاتهم، تسجل هي الأخرى بالعشرات، حيث شهدت عدة ولايات هذا النوع من الحوادث، إذ قام مختل عقليا قبل بضع سنوات بقتل أفراد عائلته باستعمال ساطور و هم نيام، و أنهت أستاذة جامعية بجيجل حياة أطفالها في لحظة جنون، فيما شهدت ولاية قالمة مؤخرا حادثة أليمة أخرى، عندما قتلت امرأة تعاني من اضطرابات نفسية ابنها الشاب بينما كان يغط في النوم، و هي جرائم تتكرر في مجتمعنا و تدفع للتساؤل عن دور المصحات العقلية و أطباء النفس في التكفل بأشخاص يتأكد كل يوم بأنهم يشكلون خطرا على محيطهم.
جرائم القتل من أجل السرقة ازدادت هي الأخرى في الأعوام الأخيرة بشكل ملفت و خطير، فقد فارق العشرات من الضحايا الحياة بسبب طعنات لصوص الكثير منهم قُصّر، مثلما حدث بمنطقة العلمة الصائفة الماضية، عندما كان الطفل مهدي متجها لشراء كسوة عيد سبقه الموت قبل أن يفرح بها، بعد أن باغته قاصر بطعنة خنجر لأن ضحيته رفض أن يعطيه الأموال التي كان يحملها، و لم تكد ساعات قليلة تمر عن هذه الجريمة، حتى اهتز سكان العلمة على وقع جريمة ثانية، الضحية فيها شاب قتل على يد باعة فوضويين، كما  تزامنت الجريمتان مع مقتل الطفل وسيم ليلة عيد الفطر الماضي، من طرف لصوص سلبوا لوحته الالكترونية التي فاز بها في مسابقة لحفظ القرآن.
ترويج عبر الانترنت لأفعال و سلوكات غريبة
وما يعبر عن خطورة ما يشهده المجتمع الجزائري انتقال مشاهد العنف من الممارسة إلى الإشادة والترويج عبر وسائط التواصل الاجتماعي  بترويج صور أفعال غريبة كتعذيب الأطفال والحيوانات  وحالات اعتداء على نساء وكبار في السن، والكثير من السلوكات التي انتهى بعضها بمتابعات قضائية، فيما أفلتت حالات كثيرة من الجهات الأمنية بسبب سرعة التداول وصعوبة الوصول إلى المصدر الأول للأفعال.
وفي المقابل نجد تعاطي خاطئ في حالة رد الفعل والتنديد بالدعوة إلى عنف مضاد أو تقديم توجيهات حول طرق حماية النفس لا تقل خطورة عن  تلك  الجرائم التي خلقت شعورا بالخطر لدى المواطنين.
 ياسمين بوالجدري/ ن.ك

مؤشرات خطيرة للدرك و الأمن حول الظاهرة
أطفال متورطون في قضايا قتل و تزايد عدد النساء المجرمات
تشير الأرقام الصادرة عن مصالح الدرك إلى تورط 1115 إمرأة  في جرائم خلال الستة أشهر الاولى من العام الماضي، بينما تتضمن إحصائيات مصالح الأمن خلال نفس الفترة مؤشرات خطيرة عن ولوج الاطفال عالم العنف كفاعلين إضافة إلى كونهم ضحايا لجرائم الإغتصاب والإختطاف والتعذيب.
تمكنت وحدات الدرك الوطني خلال السداسي الأول من 2015 من توقيف 4862 شخصا  بينهم  1115 امرأة بعد تورطهم في قضايا متعلقة بالجريمة عبر الوطن، و تشير الحصيلة إلى أن 57,88 بالمائة من الأشخاص الموقوفين هم من الشباب الذين تتراوح أعمارهم ما بين 18 و 30 سنة.
  تليها الفئة العمرية من 30 إلى 40 سنة بنسبة 22,1 بالمائة، ثم فئة 40 سنة فما فوق بنسبة 17,15 بالمائة . بينما قدرت نسبة القصر بـ 2,96 بالمائة.
و أظهرت الحصيلة  أن أكثر من 34 بالمائة من الموقوفين بدون مهنة و حوالي 3 بالمائة من فئة الطلبة،  وحسب جدول توزيع  الجرائم ، فقد تمت معالجة ما يعادل 8838 قضية تتعلق بالجرائم ضد الأشخاص من مجموع القضايا المذكورة، أفضت إلى توقيف 7668 شخص أودع منهم 1846 متورط الحبس.
و تمثل جرائم الضرب و الجرح العمدي نسبة 65,39 بالمائة من مجموع الجرائم المرتكبة ضد الأشخاص، فيما تم تسجيل 189 قضية متعلقة بالقتل العمدي.  أما حصيلة مصالح الشرطة القضائية التابعة للمديرية العامة للأمن الوطني في السداسي الأول من نفس السنة  فتتضمن تعرض ما لا يقل عن 2790 طفلا لمختلف أشكال العنف في المدن والتجمعات السكنية الحضرية.
 و قد جاءت الاعتداءات الجسدية ضد هذه الفئة في المقدمة، حيث  تعرض ما لا يقل عن 1612 طفلا للضرب و الجرح العمدي، و831 طفلا للاغتصاب بينهم 471 فتاة، و سجلت10 وفيات بين الأطفال بسبب سوء المعاملة.
كما تورط 2812 طفلا في عدة جرائم، بينهم 6 أطفال في قضايا قتل و 4 أطفال في محاولات للقتل العمدي، فيما تورط 11 آخرون في 8 قضايا  متعلقة بالضرب و الجرح العمدي المفضي إلى الوفاة، كما تورط 22 طفلا في قضايا التعدي على الأصول بينهم ثلاث إناث، زيادة على متابعة 639  طفلا و طفلة في قضايا الاعتداءات الجسدية و 662 في قضايا سرقة.
و بخصوص أعمار المتورطين في الجرائم و المخالفات المذكورة، نجد أن معظمهم ما بين 16 و 18 سنة متبوعين بفئة 13 إلى 16 سنة ،  أما ما بين 10 إلى 13 سنة فقد أحصي منهم 180 جانحا، فيما يبلغ عدد المتورطين الذين تقل أعمارهم عن 10سنوات، 50 متورطا.
 ق / م

فاروق قسنطيني: العشرية السوداء رسخت العدوانية و القتل في أوساط الجزائريين
قال رئيس اللجنة الاستشارية لترقية و حماية حقوق الإنسان فاروق قسنطيني، بأن موجة العنف التي عايشها الجزائريون خلال فترة العشرية السوداء كان لها أثر كبير في ترسيخ السلوكيات العدوانية والانتقامية، التي تؤدي يوميا  إلى حدوث جرائم قتل بشعة.
وذكر الناشط في حقوق الإنسان في اتصال بالنصر، بأن جرائم القتل المتبوعة بممارسات تنكيلية وانتقامية بالجثث تعرف منحا تصاعديا خطيرا بالجزائر في الآونة الأخيرة، حيث أكد بأنه لم يجد تفسيرا  دقيقا للظاهرة الدخيلة على ثقافة وتقاليد المجتمع الجزائري المحافظ، لكنه اعتبر أن آثار العشرية السوداء على سلوكيات الجزائريين لا تزال ظاهرة للعيان وقد تكون سببا رئيسيا في تنامي وتزايد جرائم القتل، كما أشار إلى أن المضامين الإعلامية التي تشجع على ممارسة العنف وتقدم صورا تبرز فيها كيفية القتل والتنكيل بالجثث بغرض إشباع غريزة الانتقام، قد زادت من حدة انتشار الجرائم ، مؤكدا بأن العدالة تتعامل بصرامة وحزم مع هذا النوع من التجاوزات الحيوانية التي تسببت في تقديم صورة سلبية للمجتمع الجزائري والمس بحقوق الإنسان .
ل/ق

الباحث في علم الإجرام الأستاذ بولماين نجيب
الوجه العام للجريمة تغير  والفكر النفعي خلق حالة  دفاع  مستمر عن النفس
الفكر الإجرامي وجد البيئة الخصبة للتطور فصار أكثر تعقيدا
يرى الباحث بولماين نجيب، أستاذ علم الاجتماع بجامعة قسنطينة 2، بأن الحديث عن جرائم القتل "الهوليودية" البشعة و المعقدة، في الجزائر و استفحالها كظاهرة خلال السنوات الأخيرة، هو وليد مجموعة من العوامل أبرزها انتشار الفساد المالي و سقوط المعيار الأخلاقي و الأهم من ذلك، تأثير الانترنت و أفلام الرعب و الجريمة التي يغفل الكثيرون انعكاساتها على النفسية الهشة و المريضة لبعض الأشخاص، وهو ما أوجد مجرمين محترفين تختلف أعمارهم
 و مستوياتهم الثقافية و الفكرية.
الباحث أشار إلى أن بعض الجرائم التي أصبحنا نسمع عنها في وسائل الإعلام، تكشف من خلال ملابساتها، عن تطور الفكر الإجرامي في المجتمع، و اتساع رقعته، فضلا عن تغير الوجه العام للجريمة، التي كانت في السابق تنحصر في فئة الشباب المنحرف، أو ترجع عادة إلى أسباب معروفة كالشرف أو الميراث، صورة اختلفت حاليا و أصبحت أشمل كون غالبية جرائم القتل المسجلة، لم تعد تحتكم للمعاير المعروفة، و لا للأسباب الشائعة، كما أن مرتكبيها قد يكونون منحرفين شباب، أو دكاترة و أساتذة جامعيين و حتى أطفال، أما فيما يخص المرأة فجرائمها كما قال، موجودة منذ الأزل في المجتمع كقتل الزوج و التنكيل به، غير أنها كانت جرائم مخفية.
و يحلل مراحل تطور الفكر الإجرامي في المجتمع الجزائري، فيحصره في ثلاث منعرجات أساسية  هي، أولا تبعات المرحلة الانتقالية من الريف الى المدينة و من ثقافة الى ثقافة أخرى، مرحلة "تمت بطريقة عشوائية" لم تأخذ بعين الاعتبار أهمية توعية الفرد و تحضيره نفسيا، ما خلف، حسبه انتشارا واسعا للقصدير و مظاهر الفقر و الحاجة التي باتت مبررا للوسيلة، لذلك نلاحظ، كما يضيف المختص، انتشارا اكبر للجريمة في مثل هذه الأحياء التي يلجأ سكانها للتمرد على واقعهم و حرمانهم، باللجوء للسرقة و الاعتداء كرد فعل على غياب العدالة الاجتماعية.
أما المرحلة الثانية فتخص العشرية السوداء التي تعد محل دراسة معمقة من قبل الباحثين لفهم انعكاساتها على نفسية الفرد، خصوصا و أنها مرحلة كانت بمثابة صدمة قتلت الإحساس لدى الجزائري و نشرت ثقافة العنف، كما ميعت، وفق تحليله، مفهوم الموت و الجريمة الى درجة السطحية، فأنجبت بذلك أفرادا غير أسوياء يشكل الفراغ الذهني لديهم دافعا للانتقام من المجتمع عن طريق الجريمة البشعة، دون أي خوف أو رادع  كون غياب ثقافة العقاب التي سادت خلال تلك الفترة، تحولت الى عامل مساعد بل و مشجع على الخطأ.
تأتي في الأخير مرحلة انتشار الفساد المالي و الطبقية ، و الثراء السريع، وتزامن ذلك  مع انفجار المعلوماتية و اتساع رقعة الاستعمال للانترنت، و غياب الرقابة على بعض المواقع، ما أدى بالنهاية الى سقوط المعايير الأخلاقية و تراجع دور الأسرة و المدرسة،  وأشار المختص في علم الإجرام أن المرحلة التالية  هي انتشار استهلاك المخدرات و المهلوسات العقلية السامة، التي عرف سوقها نشاطا كبيرا بسبب المال الفاسد.
 و هنا يرى الباحث، بأن الفكر الإجرامي وجد البيئة الخصبة للتطور فصار أكثر تعقيدا، ما أوجد مجرمين محترفين يمارسون القتل عن عمد و يحققون من خلال التنكيل بالجثث و التحايل على الأمن و العدالة إشباعا معنويا، نابعا من نفسية مريضة، أو من ذهن غير متزن بسبب تأثير المخدرات.
و الملاحظ حسب المتحدث، هو أن هؤلاء المجرمين لا يتوفرون على مواصفات ثابتة لأنهم يستعملون حيل و وسائل  متطورة، يتمرنون عليها مسبقا و يخططون لتنفيذها بطريقة ذكية لا تترك أي دليل واضح، لذا  فقد يكون المجرم أي شخص بعيدا أساسا عن الشبهات، حيث تشير الدراسات الخاصة بالسلوك الإجرامي، إلا أن اجتماع عوامل الضغط الاجتماعي، و النفسية الهشة و ضعف الشخصية، و الدافع قد يدفعه إلى ارتكاب جريمة يعتبرها كاملة لدرجة المثالية، قد تكون نابعة من وحي تأثره ببعض أفلام الرعب و الجريمة و ما هو شائع عبر الانترنت، ما يساعد على تغذية الفكر الإجرامي لديه.
ويواصل الأستاذ بولماين نجيب أنه قد يكون الضحايا من أقارب الجاني أو أشخاص من محيطه القريب، تحركهم ضغائن يرجع النفسانيون بعضها إلى رواسب مرحلة متقدمة من عمر المجرم، خصوصا بالنسبة للفرد الذي يترعرع في محيط غير سليم، و يتعرض للعنف أو الاعتداء خلال الصغر، أو يكون ضحية أب عنيف أو أم متسلطة، أو ضحية ظلم أو سخرية المجتمع، ما يؤثر على تكوين شخصيته و يولد لديه مكبوتات قد يلجأ مستقبلا إلى تفريغها من خلال ارتكاب جريمة بشعة.
الباحث أوضح من جهة ثانية، بأن كل هذه العوامل مجتمعة، أوجدت الجريمة التي أصبحنا نسمع عنها و أخرجتها من خانة الكلاسيكية،  لتصبح أكثر تعقيدا كونها تعتمد على تخطيط مسبق، قد يتطلب الكشف عن ملابساته خوضا عميقا في نفسية المجرم و دراسة علاقته بمحيطه، خصوصا في ظل تراجع القيم و المبادئ الاجتماعية و الدينية و الفجوة الأخلاقية و سيادة العنف كثقافة لا يعاقب عليها المجتمع، إضافة إلى عودة السحر و الشعوذة للواجهة، و بالأخص اختلال التوازن الاجتماعي و عدم تماشي سرعة النمو السكاني مع تطور المعطيات الاجتماعية و الاقتصادية، وهو ما أوجد جرائم بشعة أسبابها تافهة لا تتعدى السرقة، أو العراك على هاتف نقال، أو بسبب نظرة أو كلمة أو حتى موقف سيارات.
أضف الى ذلك، فان التطور السريع الذي يشهده المجتمع، و انفتاحه على الثقافات المختلفة بسبب العولمة و المعلوماتية و صراع الثقافات،و سطوة الفكر النفعي و المادي، جعل الفرد يشعر بأنه في حالة دفاع مستمر عن النفس، و بأنه يخوض صراعا من اجل البقاء و التفوق، ما يبرر له كل أفعاله مهما كانت بشعة.
 نور الهدى طابي

رئيس جمعية أطباء الأعصاب بالشرق
  الدكتور عليوش المرأة الضحية الأولى للعنف
  70 بالمائة من الممارسات العنيفة سببها أمراض نفسية وعقلية
حذر رئيس جمعية أطباء الأعصاب للشرق الجزائري، الدكتور أحمد عليوش، من خطر ارتكاب بعض المرضى العقليين لجرائم في حق أنفسهم أو غيرهم بسبب تهاون العائلات في إعطائهم العلاج الدوائي ولجوئهم إلى بدائل تصل إلى الشعوذة، وأشار إلى أن المرأة تظل الضحية الأولى للسلوكات العنيفة في المجتمع.
وأوضح رئيس جمعية أطباء الأعصاب للشرق الجزائري، الدكتور أحمد عليوش، في تصريح للنصر، بأن مظاهر العنف الحادة تعود إلى عوامل اجتماعية مساعدة على تحقيقها، خصوصا العنف داخل الأسرة وضد الأبناء، سواء كان ذلك بشكل جسدي أو معنوي، فضلا عن أن تهاون أفراد الأسرة في لعب دورهم في الحرص على تقديم العلاج للأشخاص الذين يعانون من اضطرابات نفسية وعقلية قد تدفعهم إلى القيام بتصرفات عنيفة جدا، حيث شرح بأن بعض العائلات تلجأ إلى بدائل لعلاج أبنائهم المرضى، على غرار الشعوذة، ما  يؤدي إلى تفاقم حالة المصاب العقلي أو النفسي بسبب عدم تلقي الأدوية المناسبة، ويؤدي بهم أحيانا إلى ارتكاب جرائم ضد الذات تصل لحد الانتحار أو جرائم ضد الغير تصل إلى القتل، حيث شدد على ضرورة تعزيز ثقة العائلات بالأطباء وشرح طبيعة العلاج لهم بشكل جيد.
وأشار الدكتور عليوش إلى أن نسبة كبيرة من الممارسات العنيفة في المجتمع، تصل إلى حوالي 70 بالمائة، ناجمة عن أمراض نفسية وعقلية و اضطرابات اجتماعية مختلفة، فضلا عن أسباب عضوية أخرى قد تؤدي بالأشخاص إلى القيام بسلوكات عنيفة، خصوصا ضد المرأة التي تعاني من المشكلة بشكل أكبر من الرجل، بسبب الرؤية السلبية الناجمة عن ترسبات الأفكار الخاطئة في عقول الأفراد تجاه المرأة، حيث أشار محدثنا إلى أن عيادته تستقبل عددا لا بأس به من النساء اللاتي يتعرضن للعنف على يد الرجل، الذي يقع في تناقضات من خلال ممارسته لتصرفات عنيفة ضد الإناث، فيما يحمي نساء أسرته من نفس التصرفات ولا يرضاها لهن حسب الدكتور.
وذكر نفس المصدر بأن حدة العنف في المجتمع الجزائري قد تزايدت بشكل كبير، حيث أوضح بأن السبب الرئيسي للأمر يعود إلى تعاطي الأدوية العصبية ومضادات الاكتئاب بشكل عشوائي، محملا جزء من المسؤولية   لأطباء قال أنهم يبالغون في وصف الأدوية المذكورة"، داعيا إلى ضرورة تجنبها وجعلها الخيار العلاجي الأخير، فليس من الضروري حسبه منح وصفة طبية لكل مريض يدخل إلى عيادة الطبيب، كما يجب أن تتكاثف جهود الأطباء والصيادلة لوضع حد لهذا الأمر، بالرغم من تأكيده على أن تقييم حالة المريض يظل من اختصاص الطبيب.
سامي حباطي

المدير الفرعي للصحة العقلية بوزارة الصحة محمد شاكالي يؤكد للنصر
القضاء يحيل 484  مرتكب جريمة للعلاج الإقامي على مستوى المستشفيات المتخصصة
  400 ألف جزائري مصابون بأمراض عقلية مؤكدة
أكد الدكتور محمد شاكالي، المدير الفرعي لترقية الصحة العقلية بوزارة الصحة والسكان وإصلاح المستشفيات أن الأمراض العقلية تعد من أبرز العوامل المسببة للجريمة في الجزائر، باعتبار أن ثمة دلائل كثيرة أكدت أن الكثير من الأشخاص الذين ارتكبوا جرائم مختلفة على مر السنوات الماضية يعانون من أمراض عقلية أو من تعقيدات نفسية عصبية.
وأوضح الدكتور شاكالي في لقاء خص به النصر في مكتبه بمقر وزارة الصحة أن الاضطرابات النفسية العصبية والأمراض العقلية التي يعاني منها العديد من الأشخاص كثيرا ما تدفع المصابين بها إلى ارتكاب مختلف الجرائم التي تم عرض مقترفيها، على المحاكم، مبرزا في هذا الصدد بأن العدالة الجزائرية قد أحالت إلى اليوم 484 مرتكب جريمة للعلاج الإقامي على مستوى المستشفيات المتخصصة عبر الوطن، من أجل علاجهم، وذكر بأن هذا الصنف من المجرمين الذين يتم تحويلهم من طرف القضاة للعلاج في المؤسسات الاستشفائية المتخصصة في الأمراض العقلية، يتم تمديد إقامتهم إلى غاية تلقي أمرا قضائيا يسمح لهم بمغادرة المستشفى.
ونوه المتحدث إلى أن علاج الأمراض العقلية كان يتوقف في الماضي على الأمراض العقلية التي توصف بالصعبة التي يشكل المصابون بها خطرا على أمن وسلامة الأشخاص، في مستشفيات توجد في عزلة تامة عن المجتمع على غرار مستشفى العثمانية بولاية ميلة ومستشفى جبل الوحش بولاية قسنطينة إلى جانب مستشفى فرانس فانون المعروف بتسمية '' جوانفيل '' بالبليدة الذي يُعد حسب المتحدث الأكبر من نوعه في إفريقيا بواقع 1000 سرير، علاوة على مستشفى سيدي الشحمي بمدينة وهران الذي يتوفر على 300 سرير.
 و يضيف المتحدث  أنه مع تطور مفهوم الصحة العقلية التي أصبحت تضم العديد من الأمراض النفسية العصبية التي يتعرض لها الإنسان بسبب الضغوط والضجيج وغيرها من المؤثرات الخارجية إلى جانب الصدمات النفسية، التي أصبحت بدورها تسبب حتى الأمراض العضوية كالسكري والضغط الدموي فقد أولت الدولة عناية كبيرة لهذا الجانب بجعل الصحة العقلية في قلب أولويات الصحة العمومية.
وأثناء تطرقه للحديث عن الهياكل التي يتوفر عليها قطاع الصحة إلى جانب الطاقم البشري الأرقام أشار المتحدث إلى أن الجزائر تتوفر اليوم  على 15 مؤسسة استشفائية متخصصة بقدرة استيعاب 4023 سرير إلى جانب تخصيص 30 مصلحة متخصصة على مستوى المؤسسات الاستشفائية العمومية تتوفر على 621 سرير إلى جانب توفير 205 أسرة على مستوى 6 مصالح استشفائية جامعية.
من جهة أخرى توجد 129 مؤسسة جوارية وسيطة تتكفل بالفحص والعلاج الخارجي للمصابين بالأمراض العقلية إلى جانب 230 عيادة خاصة و32 مركز وسيط .
ولسد العجز القائم في هياكل الاستقبال المخصصة للعلاج الإقامي للمصابين بالأمراض العقلية أشار المتحدث إلى وجود 12 مشروع من بينها ثلاثة قيد الإنجاز، فيما أشار إلى وجود 15 مركز وسيط في طور الإنجاز أيضا.
وبخصوص الطاقم البشري الذي يسهر على علاج المصابين بالأمراض العقلية تحدث الدكتور شاكالي عن وجود 615 طبيب أمراض عقلية بينهم 400 يعملون في القطاع العام و215 في العيادات الخاصة، فضلا عن 150 طبيب عام ممارس في مؤسسات الصحة العقلية، فيما يبلغ عدد الأطباء النفسانيين المسخرين لذات الغرض 1368 طبيب نفساني إلى جانب 2128 ممرض، بينهم 600 تلقوا تكوينا في العلاج النفسي العصبي.
وحسب معطيات وزارة الصحة والسكان وإصلاح المستشفيات فقد تم إحصاء  400 ألف إصابة مؤكدة بالأمراض العقلية بالجزائر بينما يبلغ عدد الفحوصات المتعلقة بالصحة النفسية سنويا 813 ألف و694 فيما يبلغ عدد المقابلات التي أجراها الأطباء النفسانيين مع مختلف الحالات التي عرضت عليها خلال سنة 2013 وهي أرقام متقاربة مع تلك المسجلة في سنة 2014، حسب المدير الفرعي لترقية الصحة العقلية بوزارة الصحة.
وحسب ذات المصدر فقد بلغ عدد المرضى الذين تلقوا علاجا إقاميا بمستشفيات الأمراض العقلية يبلغ  16 ألفا و580 مريضا فيما تلقى 14 ألفا و328 العلاج في المؤسسات المفتوحة.
ع.أسابع

 

 

الرجوع إلى الأعلى