أطنــان من الخبز تنتهي يوميــا في المزابــل و الاصطبــلات

يشكل الخبز جزءا هاما من محتويات  أطنان القاذورات التي ترفع يوميا من الأحياء، فلا تكاد تخلو حاوية أو بؤرة فوضوية لتجمع المزابل من هذه المادة  حيث نجدها مرمية في العراء أو موضوعة داخل أكياس في انتظار من يوصلها للمواشي.

استطلاع: نور الهدى طابي
 النصر ومن خلال هذا الاستطلاع  تنقل صورة عن ظاهرة مشينة تحوّل نسبة كبيرة من أموال الدعم الموجه لهذه المادة الحيوية إلى مجرد فائض عن الحاجة مآله مراكز الردم أو إسطبلات تربية الحيوانات.  
كانت الساعة تشير إلى الواحدة بعد الزوال، انطلقنا رفقة أعوان النظافة و التطهير بالشركة العمومية المتعددة الأشغال بقسنطينة، لمراقبة نشاط جمع قمامة الأحياء و الوقوف على واقع التبذير الكبير لمادة الخبز التي باتت ترمى في المزابل.
 شمل مسارنا عددا من نقاط التجميع بوسط المدينة، بالإضافة إلى أحياء واد الحد ساقية سيدي يوسف، الزيادية و جبل الوحش، فراقبنا عمل الأعوان على مستوى نقاط التجميع التي لم تخل من أكياس بلاسيتكية تحوي هذه المادة، منها ما عزل عن باقي القمامة و منها ما جمع معها داخل كيس واحد، الغريب في الأمر هو أن قمامة الجزائريين لم تشمل قطع الخبز القديم فقط، بل كميات معتبرة من الخبز الطازج.
جولتنا كشفت عن وجه مظلم و سلوكيات غير حضارية لمواطنين يرمون ما يعادل خبزة كاملة إلى أربع خبزات في حاويات القمامة يوميا، منها ما هو طازج، وهي صورة أخبرنا أعوان النظافة بأنها تتكرر يوميا، خصوصا على مستوى أحياء وسط المدينة التي يعد سكانها الأكثر رميا للخبز، مقارنة بباقي الأحياء، علما بأن أكياس القمامة تشمل، بالإضافة إلى الخبز الأبيض الذي يباع في المخابز، قطعا من الخبز المصنع منزليا " الكسرة".
البداية كانت من واد الحد ثم ساقية سيدي يوسف، أول ما شدنا هو غياب قيم النظافة لدى السكان، فغالبيتهم يعمدون إلى رمي أكياس الفضلات خارج حاويات القمامة، و ترك بعضها مفتوحا ما يؤدي الى تبعثر محتوياتها لتشوه المنظر العام للرصيف الذي تغطيه كميات من الخضر و حتى الفواكه ، إضافة إلى بقايا الأطعمة و قطع الخبز المتناثرة هنا وهناك، حتى أننا وقفنا على أكياس رميت داخلها وجبات كاملة و ساخنة تخلص منها أصحابها مباشرة بعد تحضيرها، منها ما تم جمعه داخل حافظة طعام بلاستيكية، ومنها ما رمي مع باقي الفضلات، في مشهد يعكس  حجم التبذير الكبير في الأغذية لدى الجزائريين، مشهد تكرر عبر مختلف نقاط التجميع، وصولا إلى حي جبل الوحش.
رحلتنا بين أكياس القمامة، كانت كافية لندرك بأن خطاب التقشف بعيد جدا عن الأسر الجزائرية، فتبذير الخبز سلوك لا ينحصر في منطقة دون سواها، أو في أحياء محددة، بل هي ممارسة تطبع يوميات الجزائريين على اختلاف مستويات معيشتهم، سواء سكان الأحياء الراقية أو المناطق الشعبية و حتى الفوضوية. الاختلاف الوحيد هو كمية الخبز المرمية و كيفية التخلص منها، حسب ما لاحظناه، تعد كمية بقايا الخبز التي يتم التخلص منها في الأحياء الميسورة، أقل من كمية الخبز التي ترمى في الأحياء الأخرى، إذ تعوض بقايا الأطعمة و حتى اللحوم الحمراء و البيضاء و مشتقات الحليب و الخضر و الفواكه، الخبز في أكياس قمامة الأغنياء، بينما يوجد الخبز و الكسرة بكثرة في أكياس قمامة سكان الأحياء الأقل ترفا.
نفس الملاحظة أكدها أعوان النظافة، مشيرين إلى أن درجة التبذير تصل أحيانا إلى رمي من  خمس إلى سبع خبزات كاملة في القمامة، وإن كان سكان وسط المدينة الأكثر تبذيرا، فهم، حسب محدثينا، الأكثر تحضرا من حيث طرق التخلص من بقايا الخبز، إذ يعمدون غالبا إلى تجميعها داخل أكياس بلاستيكية خاصة، و يضعونها في أماكن بعيدة عن حاويات المزابل، كما يقومون بتعليقها أحيانا قرب الحاويات البيئية أو السلال الخاصة بفضلات الطرق، لتكون في متناول المهتمين بجمع الخبز و هم كثر.
350 دج ثمن كيس وزنه  25 كلغ من خبز المزابل
قبل أن ننطلق في جولتنا مع دورية النظافة و التطهير، قال لنا الأعوان بأننا لن نقف على الواقع الفعلي لكميات الخبز التي تحويها مزابل الجزائريين، لأن هذه المادة هي بمثابة ذهب ينقب عنه أشخاص يعيلون أسرهم بجمعه و إعادة بيعه للموالين و مربي المواشي، يبدأ نشاطهم عادة عند السادسة صباحا، أي قبل انطلاق أولى دوريات التطهير عند الساعة الثامنة، لذلك عادة ما يكون هؤلاء قد جمعوا أكياس الخبز مسبقا داخل عرباتهم الصغيرة، خصوصا تلك الأكياس التي يتركها السكان خصيصا لهم في أماكن بعينها، أما ما تبقى داخل المزابل  فيتم رميه عادة بعد الساعة الثامنة صباحا، أو يكون مدفونا تحت أكوام القمامة.

مرافقونا بينوا لنا بأنهم لا يقومون برمي الخبز مع باقي القاذورات داخل شاحنة التجميع، بل يعمدون إلى وضعه في أكياس خاصة لإعادة بيعه لاحقا، لمن يجعلون من جمعه و بيعه مصدر رزقهم  أو للموالين ومربي المواشي وهم كثر، غالبيتهم من منطقتي التلاغمة و عين عبيد، إذ يصل سعر كيس وزنه 25 كليوغرام من خبز المزابل إلى 350 دج في فصل الشتاء، و قد يتعدى ذلك إلى 450 دج، إذا قاموا ببيعه بعد تجفيفه أي بعد أن يصبح "يابسا"، أما في فصل الصيف فيتراوح سعره بين 100 إلى 150 دج، لأنه يكون سريع الجفاف عادة بسبب الحرارة، بالمقابل يصل سعر القنطار أحيانا إلى 5000 دج، خصوصا في فترات الجفاف أو نقص الأمطار. و بيّن محدثونا من أعوان النظافة بأن مربي المواشي مستعدون  إلى الدفع بسخاء، مقابل الخبز الذي يوجه لتسمين الخرفان و حتى الدجاج و الديكة الرومية.
وقد لاحظنا، أن تجارة خبز المزابل، أصبحت مصدر رزق إضافي لغالبية عمال النظافة، الذين يزاولها بعضهم بصفة دائمة، لدرجة مكنتهم من اكتساب زبائن دائمين، يقابلونهم عادة عند نقطة تجميع معينة على مستوى بلدية الخروب تعرف بمفترق طرق سيدي عمر، حيث يركن جامعو الخبز بالنقطة مركباتهم ، في حدود الساعة الثامنة و النصف صباحا، لإعادة وزن ما قاموا بجمعه و تنظيم الأكياس، تمهيدا لبيعها لمربي المواشي و شراء كميات إضافية من عمال النظافة.
أطنان تلقي بها مطاعم الأحياء الجامعية و الثكنات
رحلة بحثنا عن الخبز، قادتنا إلى مركز الردم التقني بمنطقة بن باديس، هناك حاولنا التعرف على مصير كميات المادة التي تصل المركز يوميا، و إذا كان هناك إجراء خاص لمعالجتها، ذكر لنا مسؤول المركز، بأن الخبز يتم ردمه بطريقة مباشرة مع باقي الفضلات دون أي فرز، مشيرا إلى أن الكمية التي تصل عادة عن طريق حاويات القمامة التابعة للشركة العمومية المتعددة الأشغال بقسنطينة، لا تحمل كميات تذكر من هذه المادة، حتى أنها لا تحمل أحيانا ما يمكن ملاحظته، لأن ما يرمى يتم تجميعه مسبقا على مستوى المزابل، سواء من قبل أعوان النظافة أنفسهم أو أشخاص آخرين يجوبون الحاويات بعرباتهم، بحثا عن هذه المادة.
حسب ذات المصدر، فإن الكميات الأخرى من الخبز التي يتم ردمها و التي يصل وزنها إلى طن أحيانا، تصل المركز في شاحنات تجميع تابعة لخواص، يعملون على جمع نفايات مطاعم الإقامات الجامعية و الثكنات العسكرية، مشيرا إلى أن  الشحنات التي تفرغها هذه المركبات في مركز الردم يوميا جد معتبرة.
عائلات ترمي من خبزة إلى ثلاث خبزات يوميا
 أجمعت مختلف الأسر الجزائرية التي شملها استطلاعنا، بأن الخبز مكون غذائي أساسي لا يمكن الاستغناء عنه يوميا، وهو ما أكده أخصائيون شاركوا في فعاليات ملتقى دولي حول الأنماط الغذائية، احتضنته قسنطينة مؤخرا، مشيرين إلى أن الفرد الجزائري يستهلك حوالي 500 إلى 900 غرام يوميا من الخبز.
و يتراوح حجم الإقبال على شراء هذه المادة، حسب ما وقفنا عليه، بين خبزتين إلى سبع خبزات يوميا، وفق عدد أفراد كل أسرة، فعائلة مكونة من 3 أفراد تستهلك من 2 إلى 4 خبزات كل يوم، بينما تستهلك عائلة من  5 أفراد من 5 إلى  11 خبزة في اليوم.
و ذكرت ربة بيت و أم لـ 5 أطفال بأنها اعتادت شراء 5 إلى 6 خبزات يوميا، و ذلك بطريقة آلية، حتى و إن كانت الكمية غير كافية، لأنها تفضل، كما قالت، أن تعالج النقص بطهو الكسرة ، بدل رمي ما قد يزيد عن حاجة الأسرة من الخبز ، و الذي يرفض أبناؤها تناوله في اليوم الموالي، ما يضطرها إلى رميه.
و هناك عائلات اعترفت بأنها ترمي ما يزيد عن خبزة كاملة كل يوم أو يومين، لأن هذا المكون يصبح غير قابل للاستهلاك بعد مرور 24 ساعة، متفقة على أن احتساب الخسارة المالية المترتبة عن رمي هذه المادة، لا تندرج ضمن أولوياتها. مع العلم أن كل عائلة ترمي خبزة واحدة في اليوم تبذر شهريا ما قيمته 300 دج أي  3600 دج سنويا، كلفة ترتفع إلى الضعف إذا تعدت كمية الخبز الضائع 3 خبزات يوميا، حيث تصل الخسارة الشهرية إلى 900 دج و السنوية تتعدى مليون و 800 ألف سنتيم.
و بينت ربات بيوت بأنهن يشترين عادة ما يزيد عن حاجتهن اليومية من الخبز، خوفا من ألا تكفي تلك الكمية و تحسبا لزيارات عائلية مفاجئة، لكنهن في كل مرة يجدن أنفسهن أمام إلزامية رمي ما يزيد عن الحاجة، رغم كل محاولات تخزينه و حفظه في المجمد، بسبب نوعيته الرديئة التي تدفعهن إلى التخلص منه، لأنه حتى بعد إعادة تسخينه يبقى صعب الهضم، حسبهن.
 بالرغم من كل شيء لمسنا نوعا من الوعي بين الأسر بخصوص طريقة التخلص من بقايا الخبز، إذ أن معظم ربات البيوت  بتن  يجمعن الزائد عن حاجتهن اليومية و يخزننه في أكياس توضع بعيدا عن المزبلة، ليستفيد منها جامعو الخبز، بالمقابل تفضل أخريات انتظار حضورهم ليقمن برميها من النافذة تلبية لطلبهم، بدلا من رميها في حاويات القمامة، لكن يبقى التفكير الاقتصادي و حسن التدبير أبعد ما يكون عن الغالبية العظمى من الأسر الجزائرية التي لا تجيد ترشيد نفقات غذائها أو احتساب قيمة الكميات التي ترمى في المزابل.

البروفيسور حسن بن نعمون مختص في التغذية
سـوء حفظ الخبـز يفقـده قوامـه و مذاقــه
يرى المختص في علم التغذية البروفيسور حسن بن نعمون بأن عدم احترام مراحل إعداد الخبز و كذا سوء حفظه بالبيوت، يفقده قوامه و مذاقه، مما يجعله عرضة للرمي بعد تحوّله إلى مادة
صعبة المضغ و الهضم.
خبير التغذية قال بأن جودة الخبز تبدأ من غرفة التخمير مكان تشكيل النواة الأولى لخبز ذي نوعية رفيعة يمكن الاحتفاظ به لمدة من الوقت أكبر بكثير مما هي عليه ببلادنا، لأن سر الجودة يكمن في مراحل تحضير الخميرة و توفير الظروف الملائمة لتجنب الحصول على عجين حموضتة مفرطة، كما تلعب عملية العجن دورا مهما في إعداد خبز طري غير أن  تسريع عملية التخمير، و قلة العجن المسجلة بأكثر المخابز ببلادنا ساهمت في ظهور نوعية رديئة من الخبز المحسن.
و شرح الخبير كيف أن العديد من التفاعلات الكيميائية الناجمة عن سوء حفظ العجين تؤدي إلى فشل إعداده و هو ما يحاول بعض التجار إخفاؤه باللعب على اللون و قوام الخبز من خلال إضافة الخميرة و تسريع عملية التخمير و الطهي و تسويق المادة فور إخراجها من الفرن حتى تحافظ على شكلها الطازج و المغري الذي سريعا ما يختفي عند تعرّضها للهواء لمدة قصيرة، حيث تنكمش اللبابة و تتجعد القشرة و يصبح الخبز شبه مطاطي يصعب مضغه، كما يتغيّر ذوقه.
كما تحدث عن انعدام ثقافة حفظ المواد الغذائية، مؤكدا بأن الجزائريين لا يتقنون طريقة حفظ الخبز، و يتركونه مرميا فوق طاولة الطعام دون تغليفه، لجهلهم لأهمية حفظ الخبز لإبطاء كل أنواع التفاعلات التي قد يتعرّض إليها و تؤثر على شكله و ذوقه، مؤكدا بأن الخبز لا يفقد قيمته الغذائية عند توفر شروط الحفظ، كتجميده في الثلاجة لإعادة استهلاكه عند الحاجة و بالتالي تجنب التبذير المسجل بشكل أكبر لدى الفقراء لأنهم يشترون كميات كبيرة منه لتعويض النقص الغذائي مثلما وضحه القانوني الاقتصادي العالمي ريكاردو، معتبرا بأن المواطن الجزائري لم يصل إلى مرحلة إدراك قيمة الأكل من خلال قيمته المادية مثلما يعمل الأجانب الذين ينظرون إلى الطعام فوق الطاولة بما يعادله نقدا، فيحسنون التصرّف و التفكير في تدابير الاستهلاك المدروسة لتفادي التبذير. الذي طال حتى الكسرة المعدة بالبيوت التي لم تكن ترمى أو يبقى جزء منها دون استهلاك، بحكم تفنن النساء في إعدادها بتأن و صبر، غير أن الأمور تغيّرت اليوم مع تراجع جودة السميد الذي طالته عمليات الاحتيال و مزج المنتوج المستورد مع المنتوج المحلي و أحيانا خلطه بطحين الذرة، مما يجعل الكسرة تتلوى بعد ساعات عديدة من طهيها.
مريم/ب

الخبير الاقتصادي فارس مسدور
ما يرمى سنويا يتعدى2100 مليار و يكفي لبناء 3 مدارس
أكد الخبير الاقتصادي فارس مسدور بأن الجزائريين هم ثاني شعوب العالم بعد مصر استهلاكا للخبز، لكنهم أول المبذرين له، فعدد الأسر الجزائرية يقدر بـ  7 ملايين عائلة و إذا افترضنا أن كل عائلة ترمي خبزة واحدة يوميا، وهو واقع تعكسه بوضوح المزابل ، فهذا يعني  أن ما يرمى في القمامة من خبز كل يوم، يعادل 7 ملايين خبزة، تكبد الاقتصاد الوطني ملايير الدنانير، و إذا احتسبنا سعر الخبزة مع عدد الأسر، نجد بأننا نضيع 60 مليون دج يوميا في المزابل،أما سنويا فتصل الخسائر إلى حوالي  21 مليار دج و هي بالتقريب تكلفة بناء ثلاث مدارس ابتدائية، وفق عملية حسابية قام بها أستاذ الإقتصاد.
 و أضاف الخبير، بأننا لو قمنا باحتساب قيمة الخسائر المترتبة عن رمي نصف خبزة يوميا، فسيكلف الأمر عموما حوالي 158 مليار سنتيم، وهي قيمة جد معتبرة من شأنها الإضرار بشكل مباشر بالاقتصاد الوطني، لأن صناعة الخبز جزء لا يتجزأ من نفقاتنا العمومية و الخاصة، فالدولة تخسر جراء دعم 5 دنانير، ما يعادل  3 ملايير و 500 مليون سنتيم يوميا، قيمة ترتفع إلى 1277 مليار سنتيم سنويا.
و يرجع ذلك إلى مجموعة من العوامل، أهمها «تراجع القيم الأخلاقية و العادات الغذائية السيئة التي توارثناها، القائمة على الإنفاق على الغذاء بشكل لاعقلاني»، دون احتساب الخسائر المترتبة عن التبذير، وهي، عادات غذائية قال المتحدث  أنها ظلت راسخة في مجتمعنا، بسبب عدم التوعية و نقص الومضات الإشهارية التي من شأنها تهذيب سلوكيات الأسر، فضلا عن ذلك فإن النوعية السيئة للخبز في حد ذاته، تدفع بالمستهلك إلى رميه بعد ساعات قليلة من شرائه، لأنه يتحول إلى مادة غير قابلة للهضم، كونه لا يحضر بطريقة صحية جيدة، عكس الدول الأخرى.
و لا يعد سعر الخبز المقدر بـ 7.5 دج، سببا لتشجيع التبذير، كما يرى البعض، فحسب الخبير، مشكل التبذير راجع إلى غياب ثقافة استهلاكية منظمة في المجتمع، أما سعر الخبزة الواحدة فيعد متوازنا مع القدرة الاستهلاكية للمواطن، لكن نمط غذائنا هو ما وضعنا في مصاف المجتمعات الأكثر تبذيرا في العالم.
 إن الجزائريين يحرقون كل سنة 3 مليار دولار سنويا، في شكل نفايات متنوعة  أي ما يعادل 45 مليار دولار في 15 سنة، وضع، يرى الخبير أنه يفرض علينا حتمية تغيير أنماط التعامل مع هذه النفايات، كالتركيز على مشاريع الرسكلة، بدل مشاريع النقل، في إطار قروض دعم و تشغيل الشباب، بما يسمح باستغلال عقلاني ناجع للمخلفات الغذائية و تحويلها الى أسمدة.
من جهة ثانية، يرى الخبير بأن سلوك التبذير بات مرتبطا بالمجتمع الجزائري، ولا يقتصر فقط على الخبز و الغذاء، بل حتى الأدوية،  فالجزائر تستورد 2015 مليار دولار من الدواء، ما يرمى منها في المزابل وهو صالح للاستعمال، يصل حتى 10 في المائة، بقيمة مالية قدرها حوالي 250 مليون دولار.            
ن/ط

المختص في علم الاجتماع محمد زيان
الجزائريون لم يتخلصوا من شبح الحرمان و سعر الخبز يشجع  على التبذير
 يرى المختص في علم الاجتماع بجامعة قسنطينة 2 ، محمد زيان بأن الأسر الجزائرية لم تتمكن من التخلص من شبح الحرمان الذي عانت منه خلال الاستعمار، و الندرة الكبيرة في المواد الغذائية التي شهدتها البلاد لسنوات عديدة بعد الاستقلال، ما خلف لديها عادات و سلوكيات لا تزال مستمرة  ، تعكسها اللهفة في اقتناء أكثر المواد التي يحتاجها الفرد في حياته اليومية، بما في ذلك الخبز الذي شجع سعره شبه الرمزي على تبذيره و رميه و جعله طعاما للمواشي،في الوقت الذي تكلّف مادته الأساسية المستوردة من الخارج خزينة الدولة الملايين من العملة الصعبة.
و اعتبر الأخصائي ظاهرة التبذير التي تعرفها مادة الخبز بشكل خاص ببلادنا، نتاجا لمرحلة انتقالية اجتماعية من حالة حرمان إلى حالة رخاء  و وفرة، عجز الكثيرون عن التأقلم معها، بسبب هاجس الخوف اللا إرادي من مواجهة الجوع، و أمام رفض الشعور بالاحتياج، انتشرت مظاهر المبالغة في اقتناء كميات أكبر مما هو مطلوب أو يحتاجه الفرد فعليا، و هي مظاهر تفاقمت مع غياب التخطيط الاستهلاكي و انعدام الثقافة الاستهلاكية إلى جانب نقص الوعي الذي جعل هذه العادات تستمر و تورّث حتى إلى الأجيال التي عاشت في سنوات البحبوحة.
و أرجع سبب التبذير المسجل بشكل أكبر في مادة الخبز، إلى سعره المنخفض الذي يراه مشجعا على استمرار تبذيره، باعتباره لا يعكس قيمته الحقيقية في ظل سياسة تدعيم المواد الأساسية، مستشهدا بأمثلة لبلدان أجنبية عديدة تعمدت رفع سعر الخبز للحد من تبذيره و تعليم المواطنين ثقافة شراء الطعام و المواد الغذائية بالقدر الذي يحتاجونه و ليس لتخزينه ثم رميه، و بالتالي غرس ثقافة التوفير و ترشيد النفقات لتفادي مشاكل الندرة التي تحدثها لهفة الشراء المفرط  و ما تحدثه من خلل صعوبة التحكم في العرض و الطلب.
محدثنا قال بأنه ليس من السهل التخلص من عادة تبذير كل المواد الغذائية و ليس الخبز وحده، دون التفكير جديا في وضع ميكانزمات فعالة لنشر الوعي و ثقافة تقوم على التخطيط الاستهلاكي من خلال تربية الأجيال الصاعدة و غرس ذلك فيها.                            

مريم/ب

بعد أن كان يستخدم في إعداد أطباق و حلويات
ربات البيوت يتخلين  عن عادة استغلال الخبز اليابس
  تخلت الكثير من الأسر عن عادة استغلال بقايا الخبز في تحضير أطباق مختلفة، كانت تبادر ربات البيوت إلى تنويعها، لضمان وجبات اقتصادية للعائلة و تجنب رمي هذه المادة الأساسية في سلة النفايات، مثلما هو رائج اليوم في جل البيوت.
الكثيرون يسترجعون صورا و ذكريات عن أطباق كانت تعدها الأمهات و الجدات من الخبز القديم أو كما يطلق عليه بالعامية بالكثير من المناطق» الخبز الصابح» و يتأسفون لغياب مثل هذه العادات العاكسة لوعي ربات البيوت بقيمة هذه المادة الغذائية و حسن تدبيرهن و تسييرهن لميزانية الأسرة رغم بساطتها.
و من بين الأطباق التي تكرر ذكرها من قبل المواطنين الذين تحدثنا إليهم، «شخشوخة الخبز اليابس» المعدة من بقايا الخبز و المرق الأحمر، و التي كانت تقدم كطبق شتوي رئيسي  شائع ، إلى جانب شخشوخة الخبز بالحليب المقدمة عادة للأطفال و الرضع و المسنين لسهولة مضغها و هضمها.
عادة رمي الخبز كانت إلى وقت قريب تعد من السلوكات المرفوضة و ينظر إليها كنوع من التكبر على النعمة، و وصمة عار على جبين ربات البيوت المتهمات بسوء التدبير، حيث كانت النساء تستعملن أبسط قطعة من هذه المادة كعادة تلقائية، و كلما جمعت بقايا منه تحرصن على حفظها في مكان نظيف، إلى غاية استعمالها خاصة كـ « شابلور» أي طحين الخبز المهروس الذي يتم استغلاله هو الآخر في إعداد الكثير من الأطباق و بشكل خاص المقلية، كالسمك و اللحم و البطاطا و غيرها و التي باتت الكثيرات من ربات البيوت يفضلن اقتناءها جاهزة من المخابز أو الأسواق بدل تحضيرها بالبيت.
و تحدث أحد المواطنين عن أكلة قال أن جدته كانت بارعة في تحضيرها، و تشبه «الشطيطحة» بالبيض و المرق، معترفا بأنه لا زال يتذكر مذاقها و تأسف لعدم محافظة والدته على هذه الوصفة التي اعتبرها ألذ من الكثير من الأطباق العصرية المطهوة من اللحم، على حد تعبيره.
و ذكرت بعض النساء أنواعا أخرى من الأطباق المعدة من مخلفات الخبز القديم و التي تدخل في صنف الحلويات كا"السبوسة" و الخبز المحمص الذي يقدم مع الحليب بعد طلائه بالقليل من الزبدة أو المربى، و يستغل في وجبة فطور الصباح أو قهوة العصر و يقدم للضيوف دون حرج، مثلما قالت إحدى المسنات متحسرة على تخلي الكثيرات عن هذه الوصفات الاقتصادية رغم أهميتها في توفير المصاريف من جهة، و أهميتها الغذائية من جهة أخرى، خاصة بالنسبة للرضع الذين ترى محدثتنا بأنهم  كانوا  ينعمون  بصحة جيّدة رغم بساطة الطعام القائم الخبز و الحليب.                         
مريم/ب

خبازون يعترفون
السرعة و غياب النخالة أنتجا الخبز "المطاطي"
اعترف عدد من الخبازين بقسنطينة بأن استغناء صناع الخبز عن طرق التخمير التقليدية، بدافع تسريع عملية الإنتاج لتحقيق كسب أكبر، أفقد هذه المادة جودتها، مشيرين إلى  تراجع عدد الحرفيين المؤهلين، واعتماد المخابز على أفران و آلات حديثة تبقى رغم توفيرها للوقت والجهد، عاجزة عن صناعة خبز ذي نوعية رفيعة.الخبازون الذين ذكروا بأنهم ينتجون كميات كبيرة من الخبز لا تقل عن 3 آلاف وحدة في اليوم، أقروا بتراجع جودة المنتوج، و أرجعوا ذلك إلى عدة عوامل أهمها عدم احترام الوقت الذي تتطلبه صناعة الخبز في شتى مراحلها و بشكل خاص مرحلة التخمير التي تعد أساسية للحصول على خبز قابل للحفظ، دون فقدان خصائصه الغذائية العالية أو التحوّل إلى مادة مطاطية و شبه علكة يصعب مضغها و هضمها بعد ساعات قليلة فقط من خروجها من الفرن.
 الخباز عبد العزيز بوقرن و هو أيضا رئيس اتحاد الخبازين بقسنطينة، قال  بأن أكثر الصناع تخلوا عن عملية التخمير التقليدية التي يطلقون عليها اسم «الشارف» و التي تتطلب ترك العجينة لساعات عديدة في ظروف ملائمة للتخمير، قبل استغلالها في إعداد الخبز.مشيرا إلى أن الكثيرين  اليوم يفضلون استعمال العجين الفوري أو التقليدي الذي لم يتم احترام الوقت الكافي لإعداده، وليس هذا  فحسب، بل يتم الاستعانة بآلات تسخين خاصة لتسريع عملية التخمير، تتسبب  في  إنتاج خبز قاس أو طري جدا سرعان ما يصبح مطاطيا.
و من جهته، أوعز الخباز سحالي منصور، تراجع جودة و نوعية الخبز إلى ثلاثة عوامل وصفها بالأساسية، أولها تحايل الصناع و عدم احترام وقت التحضير و  تسريع كل المراحل لأجل إنتاج أكبر كمية في وقت قياسي من جهة، و عدم تمتع صناع اليوم بالصبر و حب الحرفة  و التفاني لإتقانها من جهة أخرى، فضلا عن اعتماد أغلب المخابز على الأفران المحورية الحديثة التي تفرز بخارا يؤثر على نوعية العجين، و يجعل الخبز شبه نيئ من الداخل و مقرمش من الخارج و بمجرّد تعرّضه و تفاعله مع الهواء يصبح كالعلك، عكس الخبز المطهو بالأفران شبه التقليدية ذات الحرارة الجافة و المثالية للحصول على نوعية عالية.
محدثنا أشار إلى عامل ثالث اعتبره أكثر أهمية في ضمان جودة الخبز والمتمثل في نوعية طحين القمح اللين أي الفرينة التي أكد خلوها تقريبا من مادة النخالة، العنصر الفعال في ضمان طراوة الخبز و لذته، مضيفا بأن مادة الفرينة المسوّقة اليوم شبه خالية من هذه المادة التي يتعمد منتجو الحبوب غربلتها لبيعها لمربي المواشي لضمان ربح أكبر. ورأى خباز آخر بوسط مدينة قسنطينة، بأن غياب اليد العاملة المؤهلة وراء تراجع الجودة، معلّقا بأن صناعة الخبز العصري الذي يطلق عليه إسم الفرنسي، فن فقد تميزه و نوعيته الرفيعة برحيل الخبازين التقليديين الذين اكتسبوا الحرفة على أصولها من الأولين الذين تعلموها قبلهم على يد محترفين فرنسيين، لذا فإن الحديث عن الجودة في رأيه، يفرض الحديث عن ضرورة بعث التكوين في هذا المجال و إلا استمرت الحرفة  في التقهقر أكثر.
مريم/ب

أكـوام الـخبـز  تـضـع مـؤســسات النظــافة في مــأزق
وصف نائب المدير العام للشركة العمومية المتعددة الأشغال بقسنطينة ظاهرة رمي الخبز مع النفايات بالمعضلة الحقيقية التي يواجهها الأعوان المكلفون بجمع النفايات أو كنس الأحياء ، وقال أنها توقعهم في ورطة كون تركها يعد تقصيرا  وجمعها مع القاذورات يعتبر سلوكا خاطئا
 و أوضح المسؤول قاسي موسى بأن الأعوان يجدون أنفسهم في موقف حرج أمام الأكياس الكثيرة التي يجدونها قرب الحاويات بالأحياء السكنية عادة، فهم  لا يستطيعون تركها خاصة في الشوارع الرئيسية بوسط المدينة و التي تعد واجهة  كونهم تلقوا تعليمات صارمة بعدم ترك أي شيء يسيئ لجمال ونظافة مدينة تحتضن تظاهرة عربية مهمة، كما تمنعهم تربيتهم و أخلاقهم من رمي تلك الأكياس مع باقي النفايات، مما حوّل الأمر إلى معضلة حقيقية يعيشها الأعوان يوميا، علما و أن الإدارة منعتهم و حذرتهم من جمع الخبز لغرض إعادة بيعه لمربي المواشي لأن ذلك يعد تجاوزا لشروط المهنة و يعرّض صاحبها لعقوبات في حال تأكدت ممارسته لهذا النشاط الذي من شأنه أن يؤثر على أدائه المهني.
و قال المسؤول بأن الشركة ساعدت سكان حي بمنطقة زواغي سليمان في تجسيد مشروع اقترحوه في إطار مبادرات لجان الأحياء في تنظيف المحيط، بعد تسجيلهم لتزايد ظاهرة رمي الخبز مع النفايات، حيث طلبوا من الإدارة حاوية لتخصيصها لجمع الخبز، المبادرة و إن لاقت استحسان المواطنين، فهي في نظره ليست حلا مناسبا للحد من تبذير مادة الخبز، بل بالعكس تشجع على رميه أكثر.
و انطلاقا من شهادات أعوان شركته المكلفة بجمع و كنس الجهة الشرقية لبلدية قسنطينة بالإضافة إلى حي بن الشرقي، بومرزوق و واد الحد، فإن كل الأحياء دون استثناء تشترك في مظاهر تبذير الخبز و رميه مع  القمامات و لو بتفاوت نسبي.
مريم/ب

رئيس اتحاد الخبازين بقسنطينة
رمـي ما يقـارب 10مـلاييـن خبزة مـع النفـايات يـوميـا بالجزائر
كشف رئيس اتحاد الخبازين بقسنطينة عبد العزيز بوقرن عن إنتاج 48 مليون خبزة في اليوم على المستوى الوطني، قال أنه لا يتم استهلاك سوى 38 مليون خبزة منها، فيما ترمى 10ملايين المتبقية مع النفايات، مؤكدا بأن المستشفيات و الجامعات من أكثر المرافق المسجلة لظاهرة تبذير هذه المادة الأساسية. المتحدث واستنادا إلى دراسة أعدت سنة 2014بطلب من اتحاد التجار و الحرفيين، أكد بأن المدن تشهد تبذير الخبز أكثر من الأرياف، مشيرا إلى كمية الإنتاج الكبيرة لهذه المادة التي يذهب قرابة 25بالمائة منها إلى النفايات أو كطعام للمواشي، وأضاف بأن معدل استهلاك هذه المادة يتراوح بين 3 و 17خبزة في اليوم بحسب عدد أفراد الأسرة الواحدة، حيث تقتني أسرة متكونة من ثلاثة إلى خمسة أفراد ما بين 4 و 6 خبزات في اليوم الواحد فيما يتجاوز الرقم 15أو17خبزة بالنسبة للأسر التي يصل عدد أفرادها العشرة حسبه، مؤكدا بأن أغلب العائلات تطلب نفس الكمية يوميا تقريبا ولا تنقص منها سوى في حال استعانت بعجائن أخرى.و ذكر بأن مخابز ولاية قسنطينة تنتج أكثر من مليون خبزة في اليوم، يصنع أكثرها بالمدن و بالأحياء الشعبية، مؤكدا بأن ظاهرة رمي الخبز، مشتركة و مسجلة في كل الأوساط الاجتماعية دون استثناء و لا ترتبط بفئة معيّنة دون أخرى أو حي دون آخر و إن سجل ذلك، فإن التفاوت يكون بسيطا، مرجعا السبب إلى تراجع الجودة و النوعية التي لم تعد تشجع المواطنين على الحفاظ على هذه المادة واستهلاكها فيما بعد، إما بتجميدها  أو حفظها في أكياس من قماش وذلك بسبب تغيّر طعمها وصعوبة مضغها، مما يحتم اقتناء  خبز  جديد في كل مرة و رمي القديم حتى لو لم يمر على شرائه يوم أو  نصف يوم.
و من جهة أخرى أكد عدد من الخبازين الذين تحدثنا إليهم بأن إنتاجهم يتراوح عادة ما بين 2500 و 3000 خبزة فما فوق في اليوم يذهب معظمها إلى المدارس و الشركات، مشيرين إلى تعمدهم عدم إنتاج كميات كبيرة عندما لا تكون لديهم طلبيات من المدارس، خوفا من عدم التمكن من تسويقها، وهو سر الطوابير المسجلة أمام محلاتهم و إن كانت الطوابير لا تختفي بالكثير منها يوميا في فترتين محددتين غالبا ما تكون لحظات قبل وجبة الغذاء وقبل الساعة الخامسة مساء، لأن أكثر الزبائن يفضلون استهلاك الخبز الطازج، ولا يبالون بما تبقى من الكمية التي اقتنوها في الصباح.
مريم /ب

إمام الجامع الكبير عماد بن عامر
الدين الإسلامي نهى عن التبذير و ضرب أمثلة في التاريخ بعواقب الإسراف
 أكد الأستاذ عماد بن عامر إمام الجامع الكبير بالجزائر العاصمة، بأن الدين الإسلامي حذر من مغبة التبذير في النعم و بالأخص نعمة الخبز، وقد ضرب أمثلة تاريخية عن عواقب الإسراف بما حصل مع مسلمي فلسطين و الأندلس الذين ذكرت كتب التاريخ بأنهم عوقبوا عن إسرافهم بأن  سلط الله عليهم الجوع فما وجدوا من شىء يأكلوه غير « فضلاتهم»، بعدما هجروا من أراضيهم.واستدل الأستاذ بن عامر بنصوص من الكتاب والسنة، لتوضيح موقف الشريعة الإسلامية من سلوك التبذير و التشديد على أهمية التعامل معها بحذر شديد، لأننا كما قال مكلفون بالتعامل مع نعم الله وفق تعاليم الشريعة السمحة، وقد ذكر الله تعالى عباده بضرورة الاعتدال في الإنفاق في قوله « و لا تجعل يدك مغلولة الى عنقك، ولا تبسطها كل البسط»، في إشارة إلى أن الله سبحانه وتعالى نهى عباده عن البخل على أنفسهم لكنه حذرهم كذلك من مغبة التبذير و الإسراف في التعامل مع نعمه.
و يعد سلوك التبذير حسب المتحدث، ذنبا يرتكبه الإنسان دون إدراك له، وقد جاء في الآية الكريمة نهي صريح عن هذا السلوك « "و لا تبذر  تبذيرا»، سواء كان التبذير في الماء أو المال أو الخبز، وذلك حتى وإن كان الفرد أو المجتمع عموما في بحبوحة، إلا أن التعامل بحذر مع نعم الله يبقى بمثابة تكليف شرعي يتوجب على الإنسان المسلم الالتزام به و احترامه، لأن الهدف منه هو ضبط سلوك الجماعات و تنظيم طبيعة استهلاكها بما يخدم مختلف جوانب الحياة حتى الاقتصادية منها.الإمام أوضح بأن التبذير خطأ يعاقب عليه الله سبحانه و تعالى عباده، وذلك بحرمانهم من نعمه التي ترمى في المزابل و القمامة حتى وإن كانت في حالة استهلاك، فما بالك بالنعم التي ترمى وهي جديدة و طازجة، كما نراه يوميا في مزابلنا من أطنان مهملة من الخبز الطازج، خصوصا خلال شهر رمضان الذي تحول الى شهر للتبذير و الإسراف  في الطعام وحاد عن مفهومه العقائدي والروحاني .
كما أن الإسراف ورمي كميات معتبرة من الخبز في القمامة في وقت لا يجد الكثيرون قوت يومهم، يعد سلوكا بعيدا عن أخلاق الإسلام و ضوابط الإنسانية و سلوك التحضر، لذلك وجب على أفراد المجتمع إعادة النظر في حجم استهلاكهم اليومي لهذه المادة، و مراقبة طريقتهم في التعامل معها، لأن تبذيرها يعد ذنبا يتغاضى عنه الكثيرون دون وعي منهم، بالرغم من إدراكهم المسبق لموقف الدين الإسلامي من الإسراف و رمي النعم، فالإنسان المسلم، كما عبر لا يكون عبدا صالحا إلا إذا تخلق بخلق كريم و ابتعد عن السلوكيات غير المستحبة و غير الحضارية، لأن الجزاء كما يقال من جنس العمل، و نعم الله علينا ما هي إلا اختبار لمدى امتثالنا لأوامره في التعامل معها.
ن/ط 

الرجوع إلى الأعلى