ســوء الخــدمــــات.. كابــوس يـــؤرق الجـــزائـــريين

"الزبون هو الملك" حلقة لا تزال مفقودة في الخدمات بالجزائر رغم ما طرأ على المقاهي والمطاعم والمحلات التجارية من تغييرات حسنت الواجهات وخلقت فضاءات أكثر رحابة و مجهزة بأحدث الوسائل ، فالمواطن لا يجد الإستقبال المناسب مهما كان المقابل الذي يدفعه و  يعامل  كضيف غير مرغوب فيه .. لا يحق له اختيار المقعد ولا طلب تغيير الطبق أو خفض المكيف،  و قد يجبر على سماع موسيقى يختارها صاحب المكان كما يمكن أن يقاسم طاولة الأكل مع أشخاص غرباء دون نقاش.. الاستقبال آخر ما يمكن للتاجر أن يفكر فيه ما دام الزبون لا يحتج وحتى وإن فعل.. فإن ذلك يحدث على استحياء لان الخدمة عندنا تعني توفير الاستهلاك أو اقتناء سلعة تحت أي ظروف. المشكلة يفسرها المواطن على أنها جزء من ثقافة سائدة وسلوك شبه جماعي، فيما يؤكد مسنون أن الجزائري كان يحترم زي العمل ويرحب بالزبون بابتسامة عريضة ويحرص على راحته، بينما يرى عاملون بالمقاهي والمطاعم أنهم ضحايا بين استغلال  غير إنساني من رب العمل و إهانات متواصلة من الزبون. أما المصالح التجارية فتعترف بكون نوعية الخدمة لا تدخل ضمن جدولها الرقابي فيما تحاول نقابة التجار تحديد مكمن الخلل في خدمات آخذة في التدهور.
محللون اجتماعيون يعتبرون التدفق الكبير على المقاهي والمطاعم غير عادي ويفسرون ذلك بكون الجزائري يتخذ منها أماكن للاجتماعات ويعتبرون التزاحم والقبول بظروف غير ملائمة من إرهاصات الاشتراكية، كما يتحدث الرأي العلمي عن حالة من الاستخفاف بالخدمة خلقت إختلالات يقع المواطن تحت تأثيرها.
ربورتاج : سامي حباطي

مقاهٍ بمواقيت دوام إدارية و خطر التسمم يدفع إلى مقاطعة مطاعم
أصبحت المقاهي والمطاعم بمدينة قسنطينة تشكل هاجسا يوميا بالنسبة للراغبين في تناول قهوة أو وجبة نظيفة في مكان يضمن لهم قليلا من الراحة، كما تحولت المعاملات التجارية البسيطة بين البائعين و زبائن المحلات إلى علاقات معقدة تتطلب اتخاذ احتياطات و تدابير خاصة ، تفاديا للوقوع في مشاكل قد تنتهي بمناوشات أو شجارات، في وقت يستغل فيه الباعة الفوضويون الأمر، لاستقطاب الأشخاص الذين يهجرون المحلات النشطة بشكل قانوني.
المقاهي تغلق قبل السابعة مساء
خلال جولات استطلاعية بمقاهي وسط المدينة، لاحظنا بأن الكثير من أصحابها اصبحوا يلجأون إلى توظيف نادل من أجل تسهيل مهمة إيصال الطلبات إلى الزبائن، فضلا عن الأنواع المختلفة من القهوة و العصائر الطبيعية التي باتت تعرض في عدد منها، في حين لا تزال مقاه أخرى تحافظ على طابعها التقليدي الذي بنيت به منذ عشرات السنين، سواء من ناحية الديكور العريق أو أنواع الحلويات و المشروبات المقدمة بها، ما جعل الإلمام بأسماء بعضها دليلا على المعرفة الجيدة بخبايا المدينة والدروب الضيقة، إلا أن بعض روادها الشباب حدثونا عن مشاكل يواجهونها مع أصحابها، على غرار مقهى يقع بحي بلوزداد، حيث قالوا لنا بأن صاحبه يمنعهم من قراءة الجريدة أثناء تواجدهم بداخله، ما دفعهم إلى الإعراض عنه و البحث عن أماكن أخرى «ملائمة للجلوس»، على حد تعبيرهم، مضيفين بأن مقاه أخرى تحولت إلى أماكن تقصدها فئات معينة دون غيرها.
و يعاني المتجولون بالمدينة في المساء من غلق المقاهي في ساعات مبكرة، دون مراعاة الحركة المسائية لسكان المدينة الذين يفضلون عادة تمضية الوقت خارج منازلهم بعد انقضاء ساعات الدوام و يختارون التوجه إلى المقاهي لأنها الأمكنة الوحيدة للجلوس قبل العودة إلى البيت، لكن في أفضل الأحوال يمكن العثور على مقهى أو اثنين مفتوحين بعد الساعة السابعة مساء، إلا أن فرصة الظفر بمقعد داخله  تظل جد ضئيلة، بسبب العدد الكبير من المواطنين المتوافدين عليها، لذلك يضطر مرتادوها أحيانا إلى مجالسة غرباء على طاولة واحدة، أو حمل كوب القهوة أو العصير و الوقوف في الخارج لارتشافه، خصوصا في الفترات التي تعرف عرض مباريات حاسمة في كرة القدم على القنوات التي تتطلب اشتراكا شهريا، حيث يتحول المقهى من فضاء مخصص للجلوس، إلى ما يشبه مداخل الملعب المكتظة بالمتفرجين، كما تعرف المقاهي نفس الاكتظاظ في فترات الاضطرابات الجوية و هطول الأمطار.
تكاليف النظافة على عاتق الزبون
يصطدم زوار المقاهي بمختلف أحياء بلدية قسنطينة وغيرها ، بنقص النظافة و الاعتناء بالشكل الخارجي للمكان من طرف أغلبية القائمين على المرافق التي من المفترض أن تخضع لشروط خاصة، تؤهلها لاستقبال زبائنها بشكل لائق، حيث يظل هذا الأمر الهاجس الأول لمرتاديها، و قد لاحظنا بعدد منها نوعا من الإهمال، خصوصا في ما يتعلق بنظافة هندام و ملابس العمال، على غرار المآزر التي تبدو عليها آثار الأوساخ، و الطاولات التي تترك لزجة، و المياه غير النظيفة المستعملة في غسيل الفناجين و الملاعق، إلا أن الأمر يظل مسجلا بنسب متفاوتة، خصوصا و أن أول ما يهم صاحب المقهى هو عدم تسجيل حالات تسمم ناجمة عن تناول مشروب أو حلوى أو أية مادة أخرى لديه، بالرغم من أن عددا من الأشخاص باتوا يتجنبون المقاهي خوفا من أن ينتهي بهم الأمر في مصلحة الاستعجالات.
أما ببعض المقاهي الأكثر نظافة، فإن أسعار الحلويات والمشروبات المعروضة تتضاعف، و كأن من واجب الزبائن أن يسددوا تكاليف توفير مواد التنظيف لصاحب المرفق، على غرار مقهى بوسط المدينة زود صاحبه الطابق العلوي من مبنى المقهى بأرائك فاخرة و زينها بديكور عصري، تاركا الطابق الأول في شكله القديم، إلا أننا تفاجأنا بدفعنا أزيد من ضعف ثمن كوبين من القهوة و قطعة حلوى وقارورة مياه، فقط بسبب اختيارنا الجلوس في الطابق العلوي، كما شد انتباهنا بأن العديد من المقاهي و قاعات الشاي تعتمد على نفس الطريقة لفرض أسعار مبالغ فيها مقارنة بالمحلات العادية الأخرى.

من جهة أخرى، تظل سوء معاملة أصحاب المقاهي للزبائن، سببا رئيسيا لهجرتهم نحو أماكن دون غيرها، فقد لاحظنا في عدة مقاهي بأن بعض العاملين بها قد يكونون سببا في وقوع شجارات مع الزبائن بسبب سوء تفاهم بسيط، حيث أخبرنا أحد العمال ، بأن « القهوة» مكان عام مفتوح للجميع، وينبغي على العامل به أن يراعي اختلاف شخصيات الزبائن وطريقة تعاملهم، لكن بعض الزبائن يسخرون أحيانا من العمال أو يعاملونهم باستعلاء أو يتحايلون للتهرب من دفع ثمن مشروباتهم، ما يحتم  على العمال، انتهاج سلوك خاص مطبوع بنوع من الحدة، مشيرا إلى أن المقهى يضم يوميا تقريبا نفس الزبائن، و يجب المحافظة على مسافة معينة في التعامل معهم لضمان استمرار الاحترام المتبادل،كما قال.
 فيما لاحظنا بأحد مقاهي وسط المدينة، بأن بائعا عامل باستهزاء زبونا شابا، و دفعه إلى مغادرة المكان غاضبا، و قال لنا الشاب بأنه واجه نفس المعاملة من البائع الذي يدعي بأنه يمزح معه فقط ، لكن معاملته تلك ستؤدي إلى فقدان عدد أكبر من الزبائن مستقبلا، حسبه.
وجبات بنكهة القمامة و خطر التسممات يظل الهاجس الأول
ولا يقتصر نقص النظافة على المقاهي، فالمطاعم أيضا عرضة لها،  وقد رصدنا بأحد محلات الأطعمة السريعة بمدينة قسنطينة التي تحظى بإقبال يومي كبير من المواطنين خاصة في وسط النهار لتناول وجبة الغذاء، بأن العامل المكلف بالطبخ لا يراعي شروط النظافة ، حيث كان يقوم بتحضير طلبات الزبائن و يحشو قطع الخبز باللحم المفروم و البطاطا المقلية دون غسل يديه من آثار القمامة التي كان يحملها من أرضية المحل، بالإضافة إلى تدخينه للسجائر واستعماله للشمة أثناء طهي الطعام.
أما بمحل آخر، فقد لاحظنا بأن أحد البائعين يقوم بغسل الأواني المستعملة من قبل الزبائن على طريقته، حيث يكتفي بغطسها في حوض يحتوي على الماء الممزوج بالصابون و يخرجها مباشرة دون فركها ليستعملها في تقديم طلبيات الزبائن، فضلا عن تحضيره للمأكولات و طهيها، دون تنظيف يديه وتجفيفهما من مياه غسل الصحون.
وبالرغم من هواجس الإصابة بالتسممات الغذائية، التي أصبحت تخيم على عقل كل من يرغب في تناول الطعام خارج منزله، إلا أن العديد من المحلات العريقة بالأحياء الشعبية، تظل الوجهة المفضلة لعشرات المواطنين يوميا، خصوصا محلات بيع الحمص و اللحوم المشوية  بحي رحبة الجمال، حيث يقف أصحابها بالدرب المجاور لها، من أجل اصطياد الزبائن بتوزيع أحسن كلمات الترحيب، ما ينسي زائرها صغر مساحتها وقدم طاولاتها، حيث لا يوجد ببعضها أكثر من طاولتين.
 و أصبح لطاولات بيع البيتزا نصيبها من الشعبية بالرحبة، بسبب تعود زائري المكان على تناولها دون الاهتمام بشروط النظافة التي تكاد تكون منعدمة، خصوصا وأنها تتواجد بالقرب من نقطة لرمي القمامة، إلا أن الطريقة الخاصة التي اختارها الباعة من أجل تسويقها جعلتها تتربع على عرش الأكلات الأكثر مبيعا في المكان.
سوء المعاملة لرفع المبيعات
جولتنا بمحلات المدينة قادتنا أيضا إلى محلات بيع الملابس، حيث دخلنا العديد منها، ولاحظنا بأن للعاملين بها طريقة خاصة في معاملة الزبائن على اختلاف المواقع، ففي أحد الأحياء المعروفة ببيع الألبسة ذات الجودة العالية، لم نجد ترحيبا حارا من طرف البائعين، مقارنة بما وجدناه لدى نظرائهم بأحياء شعبية معروفة بتجارة نفس النوع من الملابس، أين كان الباعة الفوضويون الذين اختلطوا بغيرهم من أصحاب المتاجر، يعرضون علينا أنواعا مختلفة ويحاولون إقناعنا بشتى الطرق من أجل اقتناء قطعة من الملابس، مع تذكيرنا في كل مرة بالتخفيضات التي من الممكن أن نستفيد منها، فضلا عن اقتراحهم علينا تجريبها، حتى وإن لم تكن لدينا رغبة في اقتنائها.
و لدى توجهنا إلى صاحب محل متخصص في بيع الملابس الفاخرة، أخبرنا بأنه يتعمد أن يكون الترحيب غير حار بالزبائن، من أجل دفعهم إلى الشراء من خلال خلق عقدة لديهم بأن ما يعرضه من سلع يفوق قدراتهم المادية، مشيرا إلى أنه اهتدى لهذه الطريقة بفضل خبرته الطويلة، حيث أضاف بأنها تجنبه الوقوع في فخ الزبائن «المتجولين»، الذين يزعجونه بطلب معرفة أسعار السلع دون شرائها، لكنه أكد لنا بأن معاملته لزبائنه الدائمين تختلف، بسبب العلاقة الوطيدة التي تتشكل معهم، في حين لم نلمس نفس الأمر بمحل آخر للملابس الفاخرة، التي قد يتجاوز سعر المعطف أو الحذاء فيها مبلغ 20 مليون سنتيم، حيث دخلنا إليه كزبائن و لقينا معاملة حسنة من طرف البائعين.
سلوك السائقين يخلق كابوسا لمستعملي النقل الجماعي
ولم تسلم سيارات الأجرة الجماعية من الظاهرة، حسبما عشناه داخل سيارة أجرة تنقلنا على متنها إلى وسط المدينة، حيث لم يرد سائقها التحية علينا أو على الركاب لدى صعودنا إلى مركبته، قبل أن يصرخ في وجه سيدة كانت تحمل ابنها الرضيع بعد حوالي 5 دقائق من السير، بحجة عدم توفر الفكة لديه، فقط لأنها حاولت أن تدفع ثمن مقعدها بورقة من فئة 500 دج، وبالرغم من تدخل أحد الركاب ودفعه الأجرة عوضا عن السيدة، إلا أن السائق تمادى في سلوكه وكاد يتشاجر مع الركاب الآخرين، الذين فضلوا التغاضي عن الأمر، تجنبا لمشاكل أخرى، كما رصدنا سلوكيات مماثلة في حافلة للنقل العمومي، حيث قال  لنا بعض مستعمليها بأنهم يواجهون مشاكل يومية مع أصحابها، حيث كان القابض والسائق يتشاجران ويتبادلان الشتائم خلال الطريق على مسمع من الركاب.

زبائـــن يشتكون من عنف لفظي و سلوكــــات غير لائقــة  
تأسف العديد من الزبائن لتردي الخدمات في المقاهي والمطاعم و اعتبروها حالة عامة مع وجود استثناءات قليلة، وهو ما جعلهم يضطرون لدفع أموالهم مقابل  خدمات رديئة، نظرا لعدم وجود بدائل أخرى.
رضوان البالغ من العمر 52 سنة،  اعتبر بأن ما يقدم في مقاهينا و مطاعمنا ليس خدمة، بل عبارة عن معاملة سيئة، فقد تحولت المقاهي، كما يقول إلى مكان للالتقاء بالأقارب أو الأصدقاء أو الزملاء لعدم توفر أماكن أخرى لذلك، فقدت المطاعم أو المقاهي قيمتها وحتى سحرها. و أصبحت تقدم للزبون أكوابا من البلاستيك قد تسبب له مرض السرطان، و تم التخلي عن  كؤوس الزجاج. كما تمت إزالة المقاهي التاريخية مثل "البوسفور" و مقهى "الريش" ومقهى "الحفصي" التي كانت لديها تقاليدها وطقوسها. و أضاف رضوان "التقهقر تام و أصبحنا نخجل أن نقول بأن لدينا مقاه ،أما المطاعم فإنها أماكن للأكل غير الصحي المشبع بالزيوت، حيث يتم الأكل بطرق غير لائقة مثل الأكل في وضعية الوقوف بسرعة،  في حين أن أهم سبب لتراجع المطاعم هو النظافة وغيابها شبه الكلي مع وجود بعض الاستثناءات، لكن الغالب هو سوء الخدمة".
أما وليد وهو شاب في العشرينيات من عمره،فقد تحدث عن امتعاضه من دفع أموال باهظة لخدمة سيئة جدا، حيث يدفع نفس المبلغ في أماكن سياحية في تونس ويتم استقباله بشكل حسن وأحيانا مبالغ فيه من ناحية الترحيب و يشعر بالسرور كلما دفع الفاتورة، لأنه شعر، كما يضيف بالراحة داخل المطعم الذي يمتاز بالنظافة وجودة الأطعمة المقدمة، وهو ما لم يلمسه في مطاعم مدينة قسنطينة التي يحضر فيها الطعام بمواد غذائية معظمها انتهت مدة صلاحيتها، أو على وشك.
و تحدث زين الدين عن إهداره لأمواله في المطاعم، إذ كثيرا ما يضطر لترك الوجبة الغذائية التي طلبها كما هي، نظرا للمعاملة السيئة من النادل أو صاحب المطعم. و أصبح في المدة الأخيرة لا يعير الأمر كثيرا من الاهتمام لأنه استنتج بأن الخدمات في الجزائر لن تتطور وعليه أن يتقبل هذا الوضع كما هو.
وأضاف زين الدين بأن العقلية التجارية طغت على الخدمات، فهو  يشعر بأنه مجرد رقم مالي لدى أصحاب المطاعم أو المقاهي و يعامل على هذا الأساس وهو ما يجعله يقارن بين نوعية الخدمة في إمارة دبي و تركيا اللذين يزورهما باستمرار، بغرض التجارة و ما بين ما يقدم في الجزائر، معلقا "لا مجال للمقارنة إطلاقا ".
أما أشرف الطالب الذي يحضر لشهادة البكالوريا تحدث عن سلوكات النادلين و قال بأنهم شباب يحاولون إثبات بأنه لديهم القوة والقدرة على ضرب الآخرين، وهذا شيء يتنافى مع مفهوم الخدمات التي من المفروض أن تطور ميدان السياحة، حيث لاحظ بأن معظم من يعملون في المقاهي لديهم آثار جروح  بالأسلحة البيضاء و ملامحهم قريبة من ملامح متعاطي المخدرات. وعبر أشرف عن أسفه للوضع العام إذ لا يجد الشباب أماكن للجلوس وهو ما يضطره للرضا بالأمر الواقع و ارتياد مقاهٍ لا تقدم خدمة بمعنى الكلمة.

عمال في المقاهي والمطاعم
نُستعبد مــن رب العمل ونهــــان من الزبــــون
اشتكى نادلون يعملون في مقاهي ومطاعم وسط مدينة قسنطينة من المعاملة السيئة التي يتعرضون لها باستمرار من قبل الزبائن، حيث يضطرون، كما أكدوا،  لتحملها من أجل البقاء في وظائفهم التي يشعرون أنهم مستعبدون فيها من قبل أصحاب المطاعم والمقاهي إذ أن أجرتهم ضئيلة جدا ولا يمكنها أن تفي بحاجياتهم اليومية وهو ما يجعلهم في قلق مستمر وبحث دائم عن بدائل أخرى بعيدا عن  هذه المهنة.
سامي شاب في الأربعين من عمره تحدث لنا عن مشاكله المالية نظرا لأجرته البسيطة التي لا تتجاوز المليونين والنصف منذ عشر سنوات، حيث أثر هذا العامل على نفسيته وجعله يحبط خاصة وأنه يعيل أسرة بكاملها، حيث صارحنا بأنه لا يضحك في وجوه الزبائن لأنه يعاني من ضغط عمل، كونه يبدأ يومه عند الرابعة صباحا ويعمل أحيانا أزيد من ثماني ساعات في اليوم وهو ما يجعله سريع الغضب ولا يتحمل أمزجة الزبائن.
 'المنير' شاب يزاول دراسته الجامعية ويعمل في مقهى حدثنا بأنه يعيل والدته لذلك يضطر للعمل وأجرته ضعيفة جدا إذ لا تتجاوز المليون والنصف سنتيم في الشهر، كما قال أنه يتعرض للإهانة باستمرار من قبل المشترين و يطالبه صاحب المقهى بأن ينضبط أكثر وهو شيء أثر على نفسيته  مشيرا أنه  ينوي ترك المهنة حين يتخرج من الجامعة مباشرة  واعتبر عمله مهنة عبيد و لا يوجد فيها أي مستقبل حسبه، لعدم وجود حماية اجتماعية  وكثرة الإهانات التي لا يتقبلها أي جزائري.
عمي حسين  هو الآخر عبر عن أسفه لكونه يتعامل يوميا مع أناس لا يتحلون بالأدب وأحيانا يعانون من أمراض "نفسية" كالوسوسة وتضخم الأنا ما يضطره في كثير من الأحيان إلى لجم غضبه ، لأن  العامل في المقهى لا يقدم الخدمة فقط وإنما يحرس المشترين المتهربين من دفع الثمن وهو ما يجعله في حالة نفسية متوترة طيلة الوقت .

مسنون يتحدثون عن تراجع رهيب في الاستقبال
الزبـــون كان يعامل باحترام وأغلــــب العمــــال كانـــوا من الكهــــول
العم حسين الذي تجاوز عمره السبعين سنة وعمل في ميدان المطاعم والمقاهي لأزيد من خمسين سنة تحدث لنا عن الفرق ما بين نوعية الخدمة في سنوات الاستقلال وما بين الخدمة في السنوات الحالية، حيث تحسر على غياب الاتكيت الذي كان معمولا به من قبل، أين كان الزبون يستقبل بكلمات الترحيب والتي تكون باللغة الفرنسية ويجلس في الطاولة وينتظر تقديم الخدمة له مع مواصلة كلمات الترحيب والثناء على تواجده بالمطعم أو المقهى طيلة تواجده،  أما اليوم فإن قلة الذوق وفقدان اللباقة أصبحا، كما يعلق، يتحكمان في نوعية الخدمات حيث يدخل الزبون الذي يتسم بعدم احترامه للعمال ويقوم بالصراخ من أجل طلب الخدمة مع تلفظه بكلمات غير مؤدبة وغير مقبولة اجتماعيا في بعض الأحيان وهو ما ينعكس على معنويات النادل أو الموظف في المطعم.
في مقارنة بسيطة ما بين نادل الأمس واليوم بين عمي حسين بأن الزي الرسمي للمهنة كان واجبا، حيث يجبر صاحب المحل كل عماله على ارتداء بدلة كلاسكية سوداء ومعطف أبيض متقاطع الأزرار مرفقة بربطة عنق أنيقة، ويتعلمون المشي الهادئ لكي لا يزعجوا الزبائن، حيث كان النادل يختار بناء على رزانته وكضمه  الغيض،   مضيفا أن معظمهم كانوا من فئة الكهول لا الشباب وكان من العيب أن يأتي الزبون للمقهى ولا يترك للنادل هبة مالية، أما اليوم فالنادلون معظمهم  من فئة الشباب وأحيانا مراهقون  لا يملكون من الخبرة في الحياة إلا الجزء اليسير ولا يعرفون الطرق المثلى للتعامل مع الزبائن، كما أنهم يرفضون ارتداء المآزر ولديهم قصات شعر غريبة ويعملون وهم يستمعون للموسيقى.. ويضعون سماعات الأذن باستمرار و يرى أنهم أتوا للعمل في المقاهي أو المطاعم من أجل مصروف الجيب رغم أنهم يعتبرونه مهينا ما يجعلهم يقومون به مجبرين، لذلك فهناك مقاه تغير عمالها باستمرار حيث يجد الزبون  كل مرة وجوها جديدة تعمل فيها نظرا لعدم إيمان الشباب بهذه المهنة واعتبارها عملا دون المستوى مع ملاحظة المتحدث لعلامات  ملل  على النادلين  الذين يعتبروهم من أسباب نشر مشاعر الإحباط.
الطيب رجل مسن قارب السبعين وجدناه جالسا بجوار مقهى في أحد الأحياء الشعبية في قسنطينة وسألناه عن الفرق ما بين مقاهي الأمس ومقاهي اليوم، تحسر عن اللحظات الحميمة التي كان يقضيها في  "القهوة" قال أنها كانت بيته الثاني أما اليوم فهي عبارة عن مكان يتاجر فيه أصحابه ولم يعودوا يقومون بنشاطات ترفيهية للزبائن، و حدثنا عن سهرات المالوف التي كانت تقام في المقهى الذي كان يرتاده في وسط المدينة منذ سنوات خلت.
الطيب تحدث عن سوء أدب النادلين في المقاهي ووصفهم بالشباب الطائش الذي لا يحترم العمل متسائلا لماذا لا يعمل الشباب الجزائري ؟ وبحسرة كبيرة يحاول أن يجيب نفسه بالقول "الزمن تغير للأسوأ لذلك ذهب جمال الاماكن" .

مختصون يؤكدون
إرهاصات الاشتراكية أثرت على التعاملات الخدماتية
المقاهي والمطاعم تحولت إلى أماكن للاجتماعات
اعتبر مختصون في علم الاجتماع و علم اجتماع المدينة بأن هناك استهتار أثناء  تقديم الخدمة في المقاهي والمطاعم، وهو ما جعلها عملية اعتباطية لا تقوم على أسس متينة، إذ أن معظم العاملين في هذه المرافق  هم شباب طائشون ولم يتلقوا أي تكوين أو تدريب مهني في مجال الخدمات.
المتخصص في علم العمران والمدينة البشري من جامعة باتنة الطاهر سعيدي تحدث عن إرهاصات الفترة الاشتراكية في تركيبة التعاملات الخدماتية، وهو ما  ينعكس في نظرة صاحب المقهى للمشتري، كما أن الزبون يتعامل مع هذه المرافق كأنها أماكن للاجتماع مثلما كان يحدث في مراحل زمنية سابقة ارتبطت بالذهنية الاشتراكية كالاصطفاف وراء الطوابير وتقبلهم للمعاملة السيئة التي قد يتعرضون لها من طرف البائعين.
و أضاف الأستاذ سعيدي بأن أهم مشكل في الخدمات، هو غياب التكوين والتأهيل  ونجم عنه سوء في نوعية الخدمة  من جانب النظافة وطريقة الاستقبال.
الباحث في علم الاجتماع محمد زيان اعتبر بأن نظرة الجزائري للمقاهي والمطاعم تختلف عن نظرة الشعوب الأخرى لها، إذ أنها  تحولت إلى أمكنة للاجتماع البشري،  حيث يتوافدون إليها بشكل كبير، وهو ما يتسبب في سوء الخدمة نظرا للضغط المستمر على العاملين بهذه المرافق   والذي لا  يمكنهم من تقديم خدمة متوازنة.
وأضاف الأستاذ محمد زيان بأن هناك مغالطة كبيرة إذ يعتقد الكثير من أصحاب المطاعم والمقاهي بأن تقديم الخدمات هي عملية بسيطة وهذا ما زاد من الطين بلة، لأنها عملية تتطلب تكوين و تمهين، خاصة من ناحية استقبال الزبائن وإلقاء التحية ،كما أن التعامل بالعقلية التجارية في أماكن تقدم الخدمات ساهم بشكل كبير في تردي المستوى، حسبه، إذ تقدم كؤوس للاستخدام لمرة واحدة ولا تقدم كؤوس من زجاج وهذا يعبر لحد ما عن الرؤية الخدماتية المشوشة التي ينتهجها أصحاب المقاهي والمطاعم في بلادنا.

مديرية التجارة
  نراقب الجودة والنظافة فقط
أكد  مسؤولو مديرية التجارة بولاية قسنطينة بأن مهام مصالحهم تنحصر في مراقبة جودة المواد الغذائية وشروط النظافة في المقاهي والمطاعم ويتم التدخل في نوعية الأشخاص الذين تم توظيفهم أو طريقة تعاملهم مع الزبائن، إلا في حالة امتناع صاحب المقهى أو المطعم عن تقديم خدمته.
 مدير التجارة بولاية قسنطينة اعتبر  أن معاملات المقاهي للزبائن تدخل ضمن الأخلاق العامة والأدب وهذا لا يمت بصلة لمهام مديرية التجارة التي تقترن بمكافحة الغش التجاري ومراقبة المواد الغذائية والنظافة ، مشيرا أنه لا تفرض شروط  على نوعية الخدمة ومن يقوم بها ،  حيث  أن هذا الأمر، حسبه، مهمة صاحب المحل الذي من المفروض أن يحرص على تقديم خدمة مرضية للزبائن من خلال اختيار نادلين محترمين ولا يرتدون ألبسة فاضحة أثناء تقديم الخدمة وليست لهم تسريحات شعر غريبة ، مقرا أنه تم تسجيل مثل هذه الملاحظات من طرف أعوان الرقابة لكنها تبقى خارج صلاحياتهم
المكلف بالإعلام على مستوى نفس المديرية   حصر  تدخل مديرية التجارة في حالة واحدة، وهي رفض تقديم الخدمة وفي نظره  تبقى معاملة الزبائن قضية اجتماعية وأخلاقية بالدرجة الأولى ، يمكن التحكم  فيها بخلق منافسة ما بين المقاهي والمطاعم من أجل استقطاب الزبائن،  ما يدفع أصحاب المحلات  إلى فرض مستوى محترم من نوعية الخدمات.
 كما تحدث المكلف بالإعلام بالمكتب الولائي لاتحاد التجار بقسنطينة عن تسجيل نقائص كثيرة في الولاية  قال أنه تم  رفعها لمديرية التجارة و صندوق التأمينات لغير الأجراء،  على أن  تنطلق في الأشهر القادمة حملات تحسيسية لتوعية التجار من أجل تحسين الخدمة و جعلها أكثر تنافسية.
و أشار المتحدث لغياب شبه كلي لتكوين التجار خاصة أصحاب المقاهي والمطاعم في نوعية الخدمة وطرقها، حيث تسير الآن بالطريقة المتعارف عليها حسب كل منطقة والأجدر حسبه، الاتجاه نحو التخصص على طريقة ما هو حاصل في الفنادق وغيرها من المرافق التي تكون عمالها.

رصدها : حمزة.دايلي

الرجوع إلى الأعلى