النـــواب صائـــدو فــرص أم ضحايـــا وضــــع ؟

أعد الملف :  محمد عدنان

دفعت مطالب نواب البرلمان قبل أسابيع برفع الراتب وببعض الامتيازات المادية الأخرى مقابل الصفة التي يتمتعون بها الأوساط الإعلامية والسياسية والشعبية نحو طرح سؤال جوهري عما يقوم به النواب عندنا في المجلس الشعبي الوطني وفي مجلس الأمة، وعن حقيقة الدور السياسي والاجتماعي الذي يقومون به لصالح الفئات العريضة التي انتخبتهم؟ وفتح السؤال جدلا حول وضعية البرلماني من أساسه، وهل هو ضحية منظومة حكم شاملة لا يستطيع معها التحرك أو القيام بما يقتضيه وضعه ومهمته؟ أم هو صائد فرص  قابل للسكوت عن كل شيء  مقابل امتيازات مادية وراتب مغري لم يكن أكثر النواب يحلمون به في يوم ما لأن الصدفة صنعت أمجاد الكثير منهم.
قد لا يختلف اثنان اليوم على أن نواب الحزب الواحد كانوا ربما أكثر اهتماما بالنصوص والقوانين التي تقدم لهم وأكثر مناقشة لها، وأكثر اهتماما بالمشاكل الاجتماعية للمواطنين في دوائرهم الانتخابية من النواب الحاليين الذين صعدوا إلى قبة البرلمان غداة انتخابات 17 ماي 2012، ولا يختلف حتى النواب أنفسهم على أن مستوى النائب الحالي أصبح في الحضيض، ودوره أصبح لا أثر له، وهذا  الحكم لا يمكن تعميمه.. لكن هي الحقيقة  في  أوضح تجلياتها..
وكم كان المقترح الأخير الذي تقدمت به مجموعة من النواب بالمجلس الشعبي الوطني الخاص بتعديل القانون الأساسي للنائب صادما لفئات عريضة من المواطنين التي أصبحت ترى في النائب خلال السنوات الأخيرة مجرد كائن برلماني لا ماهية ولا هوية له.. يتقاضى مرتبا عاليا مقارنة بكل ما تتقاضاه فئات عريضة من الشعب مقابل لا شيء.
لكن الأحكام من السهل إطلاقها والبحث عن الأسباب  يتطلب الصبر والمثابرة والمقارنة.. فالوضع الحالي للنائب الجزائري فرضته عدة معطيات وظروف تاريخية وسياسية واجتماعية واقتصادية تراكمت عبر عقود من الزمن وللنائب فيها أيضا نصيب، و مسؤوليته واضحة أيضا.  
بالمقابل يرى الكثير من النواب أن التركيز على راتب البرلماني فيه استهداف مباشر أو غير مباشر لفئة النواب وللعمل البرلماني التشريعي بصفة عامة، ويتساءلون لماذا لا يتحدث المواطن عن رواتب موظفين سامين في الدولة ومديري مؤسسات وطنية كبيرة يكلفون هذه الأخيرة أكثر من 100 مليون سنتيم في الشهر الواحد فضلا عن امتيازات لا تذكر؟ وهل هؤلاء يؤدون فعلا واجبهم اتجاه الوطن والمواطن واتجاه المؤسسة التي يأكلون منها كل هذا؟ فلماذا التركيز فقط على النائب الذي هو في الحقيقة أعزل لا سلطة تنفيذية له ولا إمكانات لتنفيذ ما قد يراه صائبا.

عز الدين بوطالب نائب عن الآفلان

النائب يؤدي حاليا دوره كما ينبغي  وهو لا يملك القرار والشاذ لا يقاس عليه

هل ترى أن النائب يؤدي الدور المنوط به حاليا كما ينبغي؟

أنا اعتقد أن النائب يؤدي حاليا دوره كما يجب، لأنه يجب أن لا ننسى أن دور النائب يظهر أكثر في عمل اللجان، وليس في قاعة الجلسات كما يعتقد البعض، وحضور النائب الجلسات العلنية ليس مقياسا على أنه يؤدي الدور الموكل له وهذا معمول به في كل الدول، بل إن دوره يظهر أيضا أثناء التصويت، وله أيضا عمل رقابي من خلال الأسئلة الكتابية والشفهية وعمل تشريعي في اللجان، وفضلا عن ذلك النائب أيضا يتكفل بانشغالات من انتخبوه في دائرته الانتخابية، وعليه أظن ان النائب في الوقت الحالي يؤدي دوره كما ينبغي والشاذ لا يقاس عليه.

لكن صورة النائب لدى عموم المواطنين مهتزة، و هي غير تلك التي تحدثتم عنها، لماذا برأيك؟

أظن أن صورة النائب حاليا لدى المواطنين هي نتيجة نقص الاتصال، وهي نتيجة أيضا للتعتيم المسلط على دور البرلماني، ومن هذا المنطلق نحن نفضل أن تكون هناك قناة برلمانية لتظهر حقيقة هذا الدور، وحتى يعرف المواطن كيف يعمل النائب، ومن النائب الذي يعمل حتى الثانية صباحا ومن لا يعمل.

هل الراتب الذي يتقاضاه النواب حاليا مستحق؟

نعم الراتب مستحق مقابل ما يقدمه النائب، لأن الجميع يجب أن يعلم أن النائب يبقى 12 يوما في العاصمة شهريا ليقوم بعمله الموزع بين الجلسات وعمل اللجان، و12 يوما إيواء وإقامة في أدنى فندق تكلف 12 مليون سنتيم على الأقل، أضف إليها استقباله مواطنين من دائرته الانتخابية والتكفل ببعض مصاريفهم، فالراتب الذي يتقاضاه النائب حاليا لا يكفي لكل ما سبق ذكره، ومقارنة بما يحصل عليه النواب في دول أخرى فإن راتب النائب الجزائري دون المستوى، ففي موريتانيا مثلا راتب النائب هناك أعلى من راتب النواب عندنا.
ثم لماذا هذا التركيز على راتب النواب دون غيرهم من الإطارات السامية الأخرى للدولة، هناك مديرين عامين لبعض المؤسسات الوطنية يكلفون مؤسساتهم 100 مليون سنتيم شهريا بين الراتب ومصاريف أخرى خاصة بهم، وهنا يظهر أن ما يحصل عليه النواب من راتب لا يظهر أمام رواتب مسؤولين آخرين، وهنا أطلب من الذين يركزون على راتب النائب أن ينظروا إلى رواتب الآخرين ويقارنوا بينهما.
و في الأيام الأخيرة تم التركيز فقط على مسألة الراتب عند الحديث عن المقترح الأخير الخاص بتعديل القانون الأساسي للنائب الذي هو مجرد كلام فقط في الحقيقة، ولم يتطرقوا مثلا إلى الإجحاف في حق النائب عندما لا تحتسب سنوات عمله في القطاع الاقتصادي خارج الوظيف العمومي في التقاعد، كما نسي البعض أن النائب لا يملك سلطة القرار.

 

لخضر بن خلاف نائب جبهة العدالة والتنمية

كنا نتمنى تعديل القانون الداخلي للمجلس وهناك جهات عديدة تعمل على تشويه صورة النائب

كيف تنظرون للمقترح الأخير الخاص برفع راتب النواب؟

- لخضر بن خلاف: هذا التعديل المتعلق بالقانون الأساسي للنائب فيه فراغات كثيرة خاصة الجانب المتعلق بالأداء النيابي وما يجب أن يقوم به النائب، و توفير الإمكانيات لتمكنيه من القيام بالمراقبة الحقيقية للجهاز التنفيذي على أحسن ما يرام.
لكن معدلي القانون اهتموا فقط بالجوانب المادية وبجانب الامتيازات، ومن ثمة اعتبرنا مجيئه في هذا الوقت بالذات وبهذا الشكل استفزازا للشعب الجزائري، خاصة و أن هناك احتجاجات ومطالب برفع الأجور وعمال وموظفي جميع قطاعات الدولة يطالبون بتحسين أوضاعهم، وكذلك في وقت انخفضت فيه أسعار المحروقات بشكل يهدد استقرار البلاد في جانبه المالي والاقتصادي والسياسي والأمني، في هذا الخضم جاء هذا المقترح ونحن لم نشارك فيه ونحن ضده جملة وتفصيلا، كان الأولى بالنواب حل مشاكل المواطنين وليس حل مشاكلهم.
ومما جاء في المقترح رفع أجرة النائب، ورفع الأجرة الاستدلالية التي يحتسب على أساسها راتب النائب، والمطالبة برفع المنح والعلاوات بنسبة 50 % لنواب الرئيس، وبـ 40 % لرؤساء اللجان، وكذا المطالبة بجواز سفر دبلوماسي تحت عنوان «شخصية مهمة  جدا»، وكذا المطالبة بسنة عطلة استثنائية بعد نهاية العهدة، ومطالبة الولاة بأن يعاملوا النائب بروتوكوليا كشخصية مهمة جدا ويضعونه في الصفوف الأمامية.
 هذه كلها امتيازات لصالح النواب لا تزيد ولا تنقص من أداء دورهم  النيابي، كنا نتمنى أن يتم تعديل النظام الداخلي للمجلس الذي تجاوزه الزمن، والذي وضع بعد الانفتاح السياسي، والذي ما يزال يسمي الوزير الأول رئيس الحكومة، والذي يحتوي على فراغات كثيرة تعرقل عمل النائب ولم تحدد فيه المدة القانونية للإجابة على السؤال الشفهي، ولم يحدد عدد النواب الذين يمكنهم التقدم بطلب لإجراء مناقشة عامة عكس ما هو موجود في مجلس الأمة.

هناك صورة نمطية عن النائب لدى عموم المواطنين من المسؤول عنها ؟

- هناك جهات عديدة عملت على تشويه صورة النائب سواء بالنسبة لراتبه و امتيازاته، لكن في الكثير من الأحيان النائب نفسه هو الذي أكد تلك الاتهامات وأصبحت واقعا خاصة بعد انتخابات ماي 2012، بالنظر لنوعية النواب الذين عينوا بعد تلك الانتخابات، حيث أصبح الأداء رديئا، والدكتاتورية العددية تقف ضد أي مبادرة، وتحولت المهمة التشريعية إلى وظيفة تشريعية وكأن النائب أصبح عاملا لدى رئيس المجلس، ثم أن النواب تنازلوا عن حقهم في التشريع والمبادرة وتعديل القوانين للهيئة التنفيذية، وأصبحوا يصادقون فقط على ما تأتي به الحكومة حتى أصبحت هذه الأخيرة تهينهم وتفرض رأيها في آخر المطاف، وعليه ومن ثمة فقدت هذه الهيئة ( المجلس) هيبتها وقيمتها وأهميتها، كما فقد النائب قيمته وأهميته، وأصبح لا يساوي شيئا في نظر الجميع وأصبح عاجزا عن حل مشاكل المواطنين في دائرته الانتخابية في ظل هذا الوضع، وعوض أن يقوم النائب بمهمته أصبح يهتم برفع أجرته والمنح التي تعطى له.

هل راتب النائب الجزائري مرتفع مقارنة بنواب الدول المجاورة أو دول أخرى؟

- في دول شقيقة راتب النائب أعلى من راتب النائب عندنا، أما إذا قارنا راتبه بالدور الذي يؤديه وبالواجبات الأصلية له، وما نراه اليوم من غياب كلي عن الجلسات وعن المهام فهذا الراتب يبدو غير مستحق، و إذا قارناه بما يتقاضاه متوسطو الدخل عندنا فهو مقبول جدا.
يبقى الآن الحديث الموجه للنواب بحكم أنهم هم من أساء لأنفسهم، فالأصل أن يكون الحديث من طرف العامة عن أجور الإطارات السامية والوزراء أيضا، لأن الرداءة مست كل القطاعات ومست الجميع، وفي غياب مبدأ المحاسبة والتقييم نجد بعض المسؤولين المفسدين قد رقوا ومنحت لهم قطاعات أكثر أهمية.

 

رئيس المجلس.. هل هو نائب أم جزء من السلطة التنفيذية؟


وصل الأمر في جلسة علنية قبل أيام بين النائب الحر عن ولاية ميلة زغاد   حبيب  ورئيس المجلس الشعبي الوطني محمد العربي ولد خليفة الى مستوى متدني عندما قال النائب للرئيس” أنا نائب مثلك ولست خداما لديك” ردا على ما صدر عن الرئيس الذي أمر النائب بأن يتحدث في موضوع الجلسة أو يغادر القاعة، ومثل هذه الاشتباكات الكلامية عادة ما تقع بين الرئيس ونواب المعارضة خاصة، بسبب نقاط النظام المتكررة التي تصدر من الرئيس خاصة في جلسات المناقشات.  ويشتكي الكثير من نواب المعارضة من تصرفات الرئيس سواء على مستوى مكتب المجلس أو خلال الجلسات العلنية، فهو برأيهم “حاجز مزيف” تتوقف عنده كل المبادرات التي تصدر عن هؤلاء والتي لا تتماشى والخط العام لسياسة الحكومة، ومن هذا المنطلق يطرح السؤال التالي: هل رئيس المجلس الشعبي الوطني نائب مثل بقية النواب انتخب من طرف المواطنين أم هو جزء من السلطة التنفيذية؟ بل  هو أحرص من هذه الأخيرة في الكثير من المواضيع. والحقيقة أن رئيس البرلمان يظهر هنا وكأنه وضع من قبل السلطات العمومية في هذا المنصب ليكون صمام آمان لديها في أوقات الحاجة وليجهض ويجهز على مبادرات النواب خاصة المعارضة التي لا تخدم سياسة الحكومة في شتى الميادين، ويظهر ذلك خلال مناقشة القوانين وتعديلاتها إذ يحرص الرئيس ويتدخل بثقله كي تكون التعديلات كما تشتهي رياح الحكومة وفي الغالب كما يوصي بذلك وزير القطاع. وفي حال لم يتمكن الوزير مثلا من إقناع أعضاء اللجنة المعنية بضرورة الابتعاد عن تعديل ما أو إلغائه فإن الملاذ الأخير له يبقى رئيس المجلس الذي يتدخل بصلاحياته ويفرض ما يرغبه ممثل السلطة التنفيذية، مع العلم أن رئيس المجلس نائب مثل بقية النواب انتخب ضمن قائمة حزب معين ليكون نائبا يمثلهم وينقل انشغالاتهم. قد يتفهم الجميع بصورة عامة أن الرئيس يجب أن يكون عامل توازن و إلا اختلت الكفة في المؤسسة التشريعية التي هي مؤسسة سيادية ومهمة، إلا أن الأمر في بعض الأحيان يتجاوز المسموح به ويصل إلى حد القمع غير المبرر، ليتحول الرئيس إلى ممثل حقيقي للسلطة التنفيذية يحرص أكثر منها على تنفيذ ما تريده.

محمد بوضياف أستاذ العلوم السياسية بجامعة المسيلة

سلطــــــة النائـــــب مكبلــــة لارتــــباط حزبــــه بدوائـــــر الحكــــم

* صلاحيات البرلمان غير واسعة وينتظر من التعديل الدستوري إعادة النظر فيها

هل يؤدي النائب في البرلمان حاليا وظيفته التشريعية ويمارس سلطته كما يجب؟

قد يعكس ضعف السلطة التشريعية أمام الصلاحيات الواسعة للسلطة التنفيذية طبيعة النظام السياسي الجزائري ذو النزعة الرئاسية والقاعدة النخبوية، فالحكم في الجزائر ولأسباب تاريخية وموضوعية،  في يد أوليقارشية تستمد قوتها من بعض مؤسسات الدولة سواء العسكرية أو الإدارية ، وفي الآونة الاخيرة من الأوساط المالية والاعمال، وفي كثير من الأحيان توظف هذه النخب المتنفذة قوى المجتمع المدني والأحزاب السياسية لتمرير قراراتها ومشاريعها ، ويجد النائب نفسه- بوصفه ممثلا للشعب- رهينة التوافقات والتفاهمات التي تعقدها قيادات الأحزاب السياسية مع هؤلاء النافذين في مفاصل الحكم، فيضمر صوته ويخفت، هذا بالإضافة الى بعض المعوقات التقنية التي تواجهه.

 ما هي طبيعة المعوقات التي تقف في وجه النائب، وهل هو ضحية منظومة حكم شاملة ؟

 أهم عائق يقف في وجه المؤسسة التشريعية هو الارتباط العضوي لأكبر التشكيلات السياسية في البلد ببعض الدوائر والأجهزة ما يكبل سلطة النائب في الرقابة والتشريع ، تضاف إليها عوائق أخرى منها ما يتعلق بالتكوين السياسي والدراية بمجالات التشريع واستيعابها ، ومنها ما يتعلق بالتركيبة الثقافية والاجتماعية التي تشكل نمط تفكير النائب ، فكثير من النواب هم منتوج ثقافة «القبيلة والعرش»،  واهتماماتهم محلية، وربما زادت فكرة « الكوطة « التي فرضتها التعديلات الدستورية في 2008 الوضعية تأزيما ، فالحركة النسوية في الجزائر لم تنضج بعد ، ونشاط المرأة محدود جدا ويقتصر على بعض القطاعات ، بسبب طبيعة المجتمع الجزائري الذكوري من جهة، وخوف المرأة من خوض غمار السياسة ، ما دفع ببعض ممن لا تتوفر فيها الشروط اللازمة لتحمل مسؤولية النيابة، هذا بالإضافة إلى العوائق التنظيمية داخل المؤسسة التشريعية ممثلة في النظام الداخلي للمجلس ، وعدم فاعلية  وجدوى بعض الأدوات كالأسئلة الشفهية والكتابية، وتشكيل اللجان .
وقد تأتي التعديلات المنتظرة لاستدراك هذا النقص وتجاوزه واتاحة مساحة كافية للنائب من أجل تمثيل أحسن ومشرف، وتوسيع صلاحيات الكتل البرلمانية لرفع مستوى  جودة أداء ممثلي الشعب.

 لماذا تطغى السلطة التنفيذية على السلطة التشريعية عندنا؟

أشرنا في الفقرات السابقة أن بعض الظروف التاريخية والموضوعية  تتعلق بالثورة التحريرية المسلحة والدور البارز الذي لعبه جيش التحرير في حسم الكثير من الخيارات، إلى جانب ظروف بناء المشروع الاقتصادي الوطني، وتشكل طبقة تكنوقراطية تحكمت في مجريات عملية التنمية التي باشرتها الدولة الجزائرية في المراحل المتعاقبة إلى غاية أحداث أكتوبر 1988،  كما أن البيروقراطية ونمط التسيير الموروث عن الاستعمار و التي أدارت شؤون المجتمع الى غاية ذات الفترة .  
هذه الاعتبارات أعطت اولوية للهيئات التنفيذية على القوى السياسية التي ظلت مهمشة أمام سطوة هذه القوى التنفيذية ، وانتظر المواطن الجزائري إلى غاية التحولات التي شهدها المجتمع الجزائري مع اصلاحات دستور  1989،  والتأسيس لدور مدني، وتحرر قوى المجتمع في اتجاه حياة تشرك الشعب في ادارة الشأن العام .
كما أن الأزمة التي عرفتها الجزائر في أعقاب الغاء المسار الانتخابي خلقت حالة من التخوف وفقدان الثقة أربكت الحياة السياسية، وأخرت تطور تجربة المؤسسة التشريعية التي انتظرت حتى 1997 لتعرف أول برلمان تعددي، مع ما شابه من انتقادات وتشكيك.
وينتظر في الدستور المرتقب أن يحدث شيء من التوازن بين مؤسسات الدولة، وفسح المجال أمام البرلمان ليستدرك بعضا من دوره.

هل المشكل يكمن في نوعية النواب أيضا؟    

المشكلة الحقيقية تتعلق بالثقافة الحزبية ، فالنائب هو نتاج المنظومة الحزبية ، التي تلهث وراء الفوز بالانتخابات دون مراعاة لشروط التمثيل الاجتماعي، واختيار الأصلح لهذا الدور، وقد زادت ممارسات ترتبط بالمال الفاسد تكريس بعض النوعيات التي لا هم لها سوى الوصول لقبة البرلمان لاستفادة أكثر والتغطية عن ممارسات مشبوهة، وقد ساهمت بعض القوانين الأساسية المتعلقة بالتمثيل النسوي من تردي أداء النائب.
إذن ليس ممثل الشعب وحده من يتحمل تراجع دور البرلمان، لكن البيئة الاجتماعية والثقافية، وطبيعة النظام السياسي من يتحمل شيئا من هذه المسؤولية.

- هل صلاحيات البرلمان واسعة وكافية في اعتقادكم؟

ليست لا كافية ولا واسعة، وينتظر الجميع من الدستور الجديد فسح المجال لممثلي الشعب لممارسة مهامهم بشيء من الفعالية، وتمكينهم تنظيميا وقانونيا من أداء مهامهم في محاسبة ومراقبة تسيير الشأن العام ، وتمكين من في المعارضة من الأدوات اللازمة لخلق التوازن السياسي بين مراكز القوة داخل النظام السياسي والمجتمع وترقى بذلك العملية السياسية وتنتعش وينخرط فيها المواطن مشاركا.

 في بلد كالجزائر كيف تتصورون الوضعية الأفضل للسلطة التشريعية فيه؟

التوازن بين السلطات، والفصل بينهم ، وتمكين كل سلطة من أداء دورها بإدراج نصوص دستورية تضمن ذلك كله، وهي آمال يتطلع اليها الشعب في مشروع الدستور الجديد.

 هل يستحق النواب الراتب الذي يتقاضونه مقابل ما يقدمونه للأمة؟

دور النواب في  متابعة شؤون من يمثلهم ، ومراقبة أداء الحكومة، والتأسيس لحوار اجتماعي سلمي يمارس داخل مؤسسات الدولة عبر البرامج ورسم السياسات، ومن ثم مأسسة كل الخلافات، والدفاع عن مصالح الشعب، وترقية الحياة السياسية والاجتماعية  وتحسين آدائها، كلها واجبات  تتطلب ميزانيات ضخمة، وقد لا تكفيها المرتبات الممنوحة حاليا، لكن حين لا نوفر أجواء العمل اللازم ونرهن إرادة الشعب بمراكز قوية تحول دون أداء الواجبات، ونحرم النائب من تطوير أدائه عبر التكوين والاحتكاك،  تصبح الأجور الممنوحة لهؤلاء « النوام « شيء من السفاهة  والغلو، غيابات بالجملة عن مناقشة مصالح الناس، وفقر في أداء واجبات السلطة التشريعية مقارنة بأمريات الرئاسة واقتراحات الحكومة ، واهتمامات سطحية لا تمت للمواطن في شيء، نتمنى على القائمين بالشأن الدستوري استدراك هذه النقائص ومعالجتها.

 ما هو مرتب النائب حاليا؟

يتقاضى النائب في المجلس الشعبي الوطني حاليا مرتبا صافيا يقدر بـ 26 مليون سنتيم و 9 آلاف دينار شهريا، يضاف إليها منحة الإيواء التي تقدر بـ 63 الف دينار شهريا والتي تدفع للنواب  نهاية العام، ما يرفع الصافي الذي يتقاضاه كل نائب شهريا إلى 33 مليون سنتيم والفي دينار.
يتقاضى نواب الرئيس ورؤساء اللجان ورؤساء الكتل البرلمانية راتبا بزيادة 20 % عن التعويضة التي يتقاضاها النواب، ويتقاضى نواب رؤساء اللجان والمقررين راتبا بزيادة تقدر بـ 15 % عن الراتب الممنوح للنواب.
أما رئيس المجلس فيتقاضى راتبا مساويا لراتب الوزير الأول
يتمتع نواب الرئيس بامتيازات تتمثل في سيارتين ومكتب وسكرتيرة، أما رؤساء اللجان فلهم الحق في سيارة واحدة فضلا عن المكتب.

نعمان لعور نائب عن تكتل الجزائر الخضراء

لماذا لا نتحدث عن المعينين الذين يتقاضون أضعاف  ما يحصل عليه النائب

كيف تنظرون إلى مقترح رفع راتب النواب وإعطائهم امتيازات أخرى في هذا الوقت بالذات؟

-إن الوقت غير مناسب للكلام عن  رفع الأجور وخاصة  مع ظهور أزمة مالية في الأفق  بسب تدهور سعر البترول و انخفاض المداخيل من العملة الصعبة،  و ارتفاع الواردات  رغم أن  الكتلة المالية المخصصة للمجلس لا تمثل شيئا مقارنة بميزانية قطاعات أخرى،  لكن هناك سؤال  يتبادر للذهن لماذا كثرة الكلام عن أجور النواب دون غيرهم  من إطارات الدولة  المعيّنين الذين يستفيدون من امتيازات مضاعفة مقارنة بالنواب؟  فهل القصد هو تشويه صورة ممثلي الشعب و كأننا نقول لسنا في حاجة إلى منتخبين بل في حاجة إلى معيّنين؟   و لكن دعني أقول نحن بحاجة إلى التوزيع العادل للثروة بين مختلف شرائح المجتمع، نحن بحاجة إلى إعطاء النواب الصلاحيات و أدوات العمل الحقيقية التي تساعدهم على أداء أدوارهم الحقيقية قبل كل شيء.

هل يقوم النائب بدوره كما يجب إلى الدرجة التي يستحق مقابل ذلك الراتب الذي يطالب به؟

-إن دور النائب هو التشريع و الرقابة  و رفع انشغالات المواطن إلى السلطات المعنية،  والقيام بهذا الدور يختلف من نائب إلى آخر، لكن دعني أوضح هل الظروف مهيأة لقيام النائب بعمله بشكل يرضى المواطن، أشك في ذّلك لأن النائب لا يملك سلطة القرار، فالقرار بيد السلطة التنفيذية خصوصا بيد الوزراء و الولاة  ...فمثلا ساءلت وزير الصناعة  منذ شهور لكني إلى غاية الآن لم أتلق جوابا، و ليس هذا فقط، ففي بعض الأحيان طلب  مقابلة الوزير لطرح  انشغالات المواطنين  تدفع  بك  إلى الانتظار وقتا طويلا، فهده التصرفات لا تشجع النائب بل تجده في حرج أمام منتخبيه  حتى يظنون أنه يتهرب منهم و لا يريد أداء مهامه، فما دامت طبيعة نظام الحكم رئاسي، غالب السلطات بيد رئيس الجمهورية و السلطة التنفيذية فلا تنتظروا أكثر مما هو موجود، فالنواب في حاجة إلى إعطائهم صلاحيات ثم بعد ذلك محاسبتهم و الحكم عليهم.

هناك صورة نمطية للنائب لدى عامة المواطنين، هل النائب مسؤول عنها أم هناك عوامل أخرى ساهمت في الترويج لهذه الصورة؟


-إن الصورة المشوهة التي شكلت في عقل المواطن  كان سببها في البداية هي العملية العرجاء للانتخابات التي لم تكن لا نزيهة  ولا شفافة،  أضف إلى ذلك ممارسة بعض النواب  الخاطئة  والإعلام  الذي يضخم الأمور،  و لكن هناك عوامل أخرى أهمها في اعتقادي محاولة تشويه الفعل  الديمقراطي و كأن لسان حالنا يقول  لسنا في حاجة إلى انتخابات، لسنا في حاجة إلى ممثلين و بالتالي دفع الشعب إلى كره العملية السياسية برمتها و تيئيسه من أي تغيير أو إصلاح، فهذا أمر خطير قد تكون له انعكاسات وخيمة على الوطن مستقبلا.

 

أهم  ما جاء به المقترح الجديد لتعديل  القانون الأساسي للنائب

-لا يمكن لعضو البرلمان المنتخب والمنتمي إلى حزب سياسي أن يغير خلال عهدته الانتماء السياسي الذي انتخب بعنوانه من قبل المواطنين
-يستفيد عضو البرلمان خلال عهدته من الحق في الترقية والتقاعد وفق التشريع المعمول به
-يستفيد عضو البرلمان الذي أمضى عهدة واحدة فقط من الصندوق الخاص بالتقاعد للإطارات السامية للدولة على أن يسدد باقي السنوات المطلوبة قانونا.
-يجب على المجلس الشعبي الوطني ومجلس الأمة أن ينوب كل عضو منهما لتسوية أي إشكال قد يتعرض له عند إعادة إدماجه لدى إدارته الأصلية عند انتهاء مهمته النيابية، كما ينوب عنه لدى الصندوق الخاص بتقاعد -الإطارات السامية للدولة للاستفادة من حقوقه في التقاعد، وينوب البرلمان عنه عند الاقتضاء ويتقدم كطرف مدني في حال أي نزاع في هذا المجال.
-استفادة النائب من جواز سفر دبلوماسي في تنقلاته الرسمية بصفة»شخصية مهمة جدا»
-الاستفادة من توفير كل الوسائل التي تمكن عضو البرلمان من القيام بمهامه على مستوى الدائرة الانتخابية  وهذا من طرف السلطات المحلية المختصة إقليميا.
-يحضر عضو البرلمان جميع النشاطات والتظاهرات الرسمية التي تقام على مستوى الدائرة الانتخابية والولائية ويحظى بالمقام الأول في سلم التشريفات.
-يحدد مبلغ التعويضة الأساسية الشهرية لعضو البرلمان على أساس النقطة الاستدلالية الخاضعة للاقتطاعات القانونية، وتحسب هذه التعويضة على أساس أعلى قيمة للنقطة الاستدلالية المعمول بها في الوظيف العمومي والخاصة بسلك الإطارات السامية للدولة.( القانون الحالي يقول النقطة الاستدلالية 5438).
-يتقاضى كلا من رئيس المجلس الشعبي الوطني ورئيس مجلس الأمة تعويضة مساوية للمرتب المقرر للوزير الأول والتعويضة المنصوص عليها في المادة 20 من هذا القانون، كما يستفيد عضو البرلمان من تعويضة عن المسؤولية في كل من المجلس الشعبي الوطني ومجلس الأمة خاضعة للاقتطاعات القانونية كما يلي:
. 40 % من التعويضة الأساسية لنائب رئيس المجلس ورئيس اللجنة ورئيس المجموعة البرلمانية ورئيس الشعبة الجزائرية في مجلس شورى المغاربي(20 % في القانون الحالي)
. 35 % من التعويضة الأساسية لنائب رئيس اللجنة ومقررها ( 15 % في القانون الحالي)
-يتقاضى عضو البرلمان تعويضة تكميلية شهرية عن التمثيل تقدر بـ 50 % من التعويضة الأساسية خاضعة للاقتطاعات القانونية  ( 20 % في القانون الحالي).

 

 

الرجوع إلى الأعلى