المستشفى العسكري الجهوي بقسنطينة قطب امتياز صحي بمعايير عالمية

يعتبر المستشفى العسكري الجهوي الجامعي الرائد عبد العالي بن بعطوش بقسنطينة نموذجا للاستثمار الصحي الناجح و تجسيدا ميدانيا لمستوى تطوّر الصحة العسكرية التي توليها وزارة الدفاع الوطني أهمية بالغة. و رغم كون التجربة فتية ولا يزيد عمرها عن ثماني سنوات إلا أن المؤسسة الإستشفائية الجهوية العسكرية المتواجدة على مستوى المدينة الجديدة علي منجلي، استطاعت بفضل جدّية طواقمها الطبية و صرامة التسيير، أن تحقق الريادة وطنيا في مجالات طبية دقيقة و هامة على غرار علاج السرطان و الجراحة بمختلف تخصصاتها، فالمستشفى يوفّر تغطية صحية نوعية للعسكريين و شبه العسكريين و ذوي الحقوق على مستوى 15 ولاية شرقية، كما يوفّر فرصا هامة للتكوين و التعاون مع مختلف مستشفيات القطاعين العسكري و العمومي، و ذلك تطبيقا لاستراتيجيات ترقية الصحة العسكرية التي يُعدّ تكريس البحث العلمي أحد أهم مبادئها. يقودنا هذا الروبورتاج الذي تم بالتنسيق مع المديرية الجهوية للإيصال والإعلام   والتوجيه على مستوى الناحية العسكرية الخامسة، إلى داخل المستشفى العسكري الذي تحوّل في السنوات الأخيرة إلى قبلة هامة للعديد من المرضى من ذوي الحقوق و حتى المدنيين، بفضل سمعة طيبة اكتسبها طيلة ثماني سنوات حافظ خلالها على نفس النسق تنظيميا و مهنيا، جعلته يحظى بثقة المرضى و يتحوّل إلى قطب امتياز في علاج السرطان  و جراحة الأطفال، لدرجة أن المواطن أصبح يجزم بأن مجرد التواجد في إحدى مصالح المستشفى يعني بالضرورة الشفاء.
روبورتاج: نور الهدى طابي     تصوير: شريف قليب

نموذج معماري مضاد للزلازل
المستشفى العسكري الجهوي بقسنطينة يتمتع بخصوصية معمارية و هندسية فريدة، فالمبنى الذي وضع حجر أساسه في أول نوفمبر 2000 و انطلق تشييده في 1 جانفي 2001، مضاد للزلازل و قد بني وفق معايير عالمية سواء من ناحية المواد المستخدمة أو تقنيات تشييد الجدران المكيفة و آليات تقسيم المصالح، المشروع عبارة عن مركب شامل كلف انجازه حسب العقيد كاشي علي مسؤول التجهيز للنصر، غلافا ماليا ضخما تضمن فواتير البناء و التجهيز، إذ يمتد على مساحة 60 هكتارا تضم بناية المستشفى بالإضافة إلى فندق لم يدخل حيز الخدمة بعد و مركب رياضي و مهبط للحوامات، و كذا حظيرتين للسيارات و وحدة للدعم و الإسناد و 300 مسكن وظيفي.
أشغال إنجاز المستشفى كانت قد  توقفت مؤقتا عند نسبة 85 في المائة سنة 2005، بسبب مشاكل في عقد الشركة الجزائرية الأمريكية المختلطة التي كانت مسؤولة عن إنجازه آنذاك بالتنسيق مع مكتب دراسات كندي، قبل أن تستأنف مؤسسة «كوسيدار» الأشغال بتوجيه من القيادة العليا للجيش الوطني الشعبي، و يُسلم المشروع الذي تقدر طاقة استيعابه بـ  462 سريرا جاهزا سنة 2008، ليستلم المشعل من مستشفى ديدوش مراد.
المستشفى مكون من أربعة طوابق و طابق تحت أرضي، تم تجهيزه بشكل كامل من كندا و أوروبا، بمعدات تصل فترة ضمان أبسطها إلى 50 سنة.
المؤسسة الاستشفائة تعتمد في تسييرها بشكل كلي على غرف تحكم مزودة بتجهيزات و تقنيات متطورة، تتوفر على وحدات لتطهير الهواء داخل و خارج محيط المؤسسة، بالإضافة إلى نظام لتطهير و تعقيم المياه و تسخينها و تبريدها، نظام تهوئة و تدفئة خاص، مولدين كهربائيين بطاقة كبيرة و دارة خاصة لتشغيل الحاسوب المركزي، فضلا عن معالج للنفايات النووية، بالإضافة إلى نظام بريدي متطور هو عبارة عن قنوات تشبه الأنابيب للتواصل و إرسال الطرود من و إلى كافة مصالح و الوحدات  بداية بمصلحة الاستقبال، حيث يمكن من خلالها إرسال كل شىء تقريبا دون التنقل، و يخضع النظام لمراقبة تقنية دقيقة لتحديد محتوى كل طرد.
كما  ينتظر أن يتدعم هذا الصرح الطبي الهام بمشاريع طموحة حسب العقيد كاشي، أبرزها مركز خبرة متخصص للملاحين البحريين و الجويين.  
غرف برفاهية فندقية  و مطبخ خمسة نجوم
الانضباط في العمل و الصرامة في التسيير مبدآن أساسيان بالنسبة لأطباء و موظفي و ضباط المستشفى العسكري، الذين يختلف هندامهم حسب الاختصاصيين، فبينما يرتدي الأطباء و شبه الطبيون المآزر البيضاء، يتميز الإداريون و التقنيون ببدلاتهم الرسمية التي تحمل شارة رتبهم العسكرية، أما النظافة و الفخامة فهما ميزتان أساسيتان في كل ركن من أركانه، خصوصية استوقفتنا على مستوى كل المصالح و الوحدات اللوجيستية، فعلى بعد كل 100 متر تقريبا، توجد أحواض مزودة بحنفيات من الألمنيوم العصري تعوض قارورات و خزانات مياه الشرب. المستشفى مصمم بشكل مفتوح يوفر مساحات واسعة تبعث على الشعور بالارتياح،  أرضيات معقمة و براقة و واجهات زجاجية في كل مكان تفتح الرؤية على مساحات خضراء بجمالية عالية و تصاميم نموذجية مع نافورات مياه، الألوان الأساسية للمصالح الطبية على اختلافها هي الأخضر الفاتح،  الأزرق الفاتح، الوردي الفاتح و البيج، تتناغم بشكل راق مع دعائم من الخشب المعالج، مصالح تتوفر على فضاءات للاستقبال، بالإضافة إلى 13 مصعدا في خدمة المرضى و الإداريين، أبواب و نوافذ بأقفال و ستائر عصرية في غرف خمسة نجوم بحجم أجنحة تتضمن حمامات خاصة، لا تقل راحة و فخامة عن غرف و حمامات الفنادق.
خلال جولة بين عدد من المصالح لاحظنا بأن عدد المرضى لا يتجاوز اثنين إلى ثلاثة في الغرفة الواحدة، بينما يستفيد مرضى بمصالح أخرى كالأمراض الصدرية و القلب، من غرف خاصة مجهزة بتلفاز و أسرة مهيأة بشكل يحافظ على سلامة المريض تتضمن زرا موصولا بغرفة التمريض لاستدعاء الأطباء و الممرضين في كل وقت،  الأغطية نظيفة و علمنا بأنها تغير بشكل يومي، جو معقم و معاملة جيدة للمرضى حسب ما أكده لنا بعضهم، فالحلاقة و الاستحمام خدمات مضمونة بالمستشفى العسكري، تماما كما يضمن المستشفى الراحة و حسن الاستقبال لمرافقي المرضى، خصوصا بمصلحة طب الأطفال التي تشبه إلى حد كبير الروضة في تصميمها و زينتها و ألوانها و غرفة اللعب على مستواها. برنامج الزيارات يقتصر على أيام الأحد و الثلاثاء و الخميس من الساعة الواحدة إلى الثالثة زوالا،  و يمنع على الزوار إدخال أي نوع من الأطعمة إلى المستشفى إلا في حالات شاذة، نظرا لتوفر كل ما يحتاجه المرضى، و هو ما تأكدنا منه خلال جولة داخل مطبخ المؤسسة الاستشفائية و هو مطبخ خمسة نجوم بمستوى نظافة و تنظيم عال مخصص للمرضى دون غيرهم، يعمل على البخار فقط أي بدون غاز، و يتوفر على تجهيزات جد حديثة و جناح لتعقيم كل شيء فيه تقريبا، أوضح الضابط المسؤول عنه بأن وجبات المرضى تحضر وفق حمية يعدّها مختصون في التغذية تختلف من مصلحة إلى أخرى حسب احتياجات المرضى، و  يقسم البرنامج الغذائي إلى أربع وجبات  خلال اليوم البداية بفطور متوازن، و من ثم لمجة صحية على الساعة العاشرة، غذاء، لمجة عند الرابعة مساء، و أخيرا وجبة العشاء.تركنا المطبخ و قصدنا الصيدلية المركزية بالمستشفى، التي تعد وحدة إسناد حيوية بالإضافة إلى المخبر، و تتسع الصيدلية حسب مسيرها المقدم قابه زكريا، لمخزون سنة كاملة من الأدوية يتم تدعيمه بشكل شهري  وفق مخطط عمل منظم يأخذ بعين الاعتبار تاريخ انتهاء صلاحية الدواء، و مدى توفره في السوق لتجنب الندرة، أما تزويد المصالح بالأدوية فيتم وفق نظام معلوماتي دقيق، بحيث تحرر الوصفة بالكمية المطلوبة باسم المريض و رقم ملفه الطبي و ليس باسم المصلحة، و ذلك لضمان تحكم كلي في محتويات الصيدلية و مواجهة أي عجز، كما يوجد بالصيدلية كذلك وحدة لتعقيم العتاد الطبي تعمل بشكل يومي.  
المستشفى تمكن بفضل مديريته الفرعية للإعلام الآلي من تطوير برامج و تطبيقات معلوماتية سمحت برقمنة 80 في المائة من ملفات المرضى، حسب ما أكده مسؤول المديرية الرائد عبد الحكيم سلاطنية، مشيرا إلى أن التطبيقات توفر للأطباء في مختلف المصالح إمكانية الولوج إلى قاعدة بيانات تضم كافة ملفات المرضى، و الحصول على المعلومات اللازمة عنهم بالإضافة إلى ملخص شامل حول حالتهم، كما طورت مصلحته كذلك برامج خاصة بالتسيير و التجهيز.  

استعجالات بحجم مستشفى
يتوفر مستشفى الرائد عبد العالي بن بعطوش على 28 مصلحة طبية استشفائية و جراحية تقنية، في كل التخصصات، الطب الداخلي الأمراض المعدية، المعدة و الكبد، أمراض القلب، التنفس ، الأطفال، الولادة، العظام و غيرها، فضلا عن الاستعجالات الطبية و الجراحية و هي مصلحة بحجم مستشفى مصغر بمقاييس عالمية مجهزة بكل التقنيات الضرورية للتدخل السريع، تستقبل يوميا ما يفوق  100 مريض بين الفترتين الصباحية و الليلية، و بسعة 17 سريرا بالإضافة إلى قاعتين للمعاينة، عيادة لطب الأسنان منفصلة عن المصلحة الرئيسية، فضلا عن قاعة فرز لاستقبال المرضى و هي صالة عصرية مهيأة و مجهزة مخصصة للانتظار و المعاينات الإستعجالية، خصوصا في المواقف الحرجة كحوادث المرور و الأخطار الكبرى، تستقبل الحالات الحرجة لإعادة تأهيلها نفسيا بعد الصدمة قبل إخضاعها للعلاج.
إستعجالات المستشفى صممت بحيث تكون على اتصال  مع باقي المصالح كغرف العمليات و مصلحة الأشعة و هي مصلحة حيوية و هامة، كما عبر مسؤولها المقدم بلعباس عفيف، و تتوفر، حسبه، على قاعتين للاختبارات الطبية و الفحوصات، جهاز للتصوير المحوري الطبقي «  إي أر أم» 1.5 ديسلا، بالإضافة إلى جهازي سكانير ، جهاز للماموغرافيا ثلاث أجهزة إيكوغرافيا، و جهاز لتصوير الفك. وحسب الدكتور فإن المصلحة تعتمد الصرامة التامة فيما يخص تسيير التجهيزات للمحافظة عليها، إذ لا تتجاوز مدة  توقف أي جهاز بسبب الأعطاب يومين إلى ثلاثة أيام عادة، أي الفترة التي يتطلبها إصلاح العطب، كما أن هنالك مواكبة مستمرة لكل جديد في مجال الأشعة، سواء ما تعلق بتوفير التجهيزات أو إتقان التقنيات، علما أن المصلحة تجري يوميا ما يعادل 200 فحص في مختلف التخصصات.
القرنية  و الكبد و الأعصاب.. أقطاب جراحية نادرة
أكد مسؤول النشاطات الطبية بالمستشفى البروفيسور حمادة أحمد، بأن التكوين المتواصل يُعد برنامجا أساسيا للتطوير في المستشفى، الذي يتوفر على طاقم طبي يتكون من 217 طبيبا بينهم 12 برتبة بروفيسور، و 474 شبه طبي، يستفيدون من تكوين دوري يشمل التمارين التكتيكية أو التدريبات على المخاطر كالزلازل و حوادث الطائرات وغيرها.
كما يوفر المستشفى إمكانية تكوين الأطباء المقيمين و الداخليين في القطاع المدني بالإضافة إلى طلبة البيولوجيا، و ذلك في إطار التعاون الطبي بين مختلف المؤسسات الاستشفائية، بالتنسيق مع وزارة الدفاع الوطني و وزارة التعليم العالي و البحث العلمي و كلية الطب، و بالرغم من أن خدمات المستشفى موجهة للعسكريين و شبه العسكريين و ذوي الحقوق، إلا أنه يفتح الباب أمام المدنيين في الحالات الإنسانية المستعجلة و الحالات التي تندرج في إطار البحث العلمي.المستشفى حسب البروفيسور، يُعد تجربة وطنية رائدة في مجالات طبية عديدة و قد اختير السنة الماضية كأحسن مؤسسة استشفائية في القطاعين المدني و العسكري على المستوى الوطني، بفضل خبرته و كفاءة أفراده المتخرجين من المدرسة الوطنية للصحة العسكرية و الأكاديمية العسكرية بشرشال، في مجالات عديدة كمكافحة السرطان و جراحة الكبد، جراحة العظام و الصدر و الأعصاب بالإضافة إلى عمليات زرع القرنية، و جراحة الأعضاء الداخلية للعين، و هي عمليات تتم وفق نسب نجاح عالية رغم دقتها، بفضل التكوين المتواصل للأطباء و تكريس البحث العلمي، إذ يناقش دكاترة المستشفى سنويا رسالتين علميتن أو أكثر في كل التخصصات و التدرجات، بالإضافة إلى التركيز على الملتقيات و المحاضرات الطبية للصحة العسكرية. من جهة ثانية، فإن المستشفى يعتزم الانفتاح على تخصصات جراحية كجراحة القلب و زرع الكبد، إذ تعمل المؤسسة الاستشفائة العسكرية على تكوين أطبائها في هذه المجالات على مستوى مراكز امتياز طبية متخصصة في فرنسا لاكتساب الخبرة اللازمة، كما ينتظر أن يتدعم المستشفى بمشروع مدرسة للتكوين الشبه الطبي. و قد عرفت سنة 2015 إجراء 5291 تدخلا جراحيا في عديد التخصصات و بتكاليف متفاوتة، بالإضافة إلى إحصاء أزيد من 100 ألف معاينة على مستوى مختلف المصالح، و يحظى المستشفى، حسب المتحدث، باحترام كل من يزوره من وفود طبية أجنبية سواء من ألمانيا أو الولايات المتحدة الأمريكية و كوبا، فرنسا و دول أخرى، باعتبار المؤسسة مكلفة بضمان الرعاية الصحية للأجانب المتواجدين بقسنطينة و ولايات الاختصاص و العاملين في المؤسسات الأجنبية التي تربطها اتفاقيات شراكة اقتصادية مع وزارة الدفاع الوطني في مجال الصناعات العسكرية و غيرها.
سقوط الطائرة العسكرية بجبل فرطاس و ذكريات الحريق
يتذكر الطاقم الطبي للمستشفى العسكري حادثة تحطم الطائرة العسكرية بجبل فرطاس بولاية أم البواقي بكثير من التأثر، فالحادثة خلفت حالة استنفار شامل بالمستشفى، الذي نقلت إليه جثث الضحايا و أسعف نحوه الناجي الوحيد من الكارثة جلول نمير، الذي لا يزال يتردد على المستشفى بشكل دوري من أجل المتابعة.

يقول البروفيسور حمادة أحمد عن تلك الحادثة « كان يوما عصيبا و مأساويا، صور الجثث لا تزال تحفر عميقا في ذاكرة الكثير منا، فما شاهدناه في ذلك اليوم لم نر  له مثيلا، أذكر أن رائحة الحريق كانت تعم المستشفى لم نكن نشتم غيرها، حتى اضطررنا لتعقيم الاستعجالات و مصالح عديدة أخرى لنتمكن من مواصلة العمل، كان العدد الإجمالي للضحايا 76 ضحية، أغلبها متفحمة، أذكر ضحية بدا جليا بأنه كان يحاول الهرب لكن ألسنة اللهب أدركته قبل ذلك، كان يبدو متحجرا في مكانه».يواصل المتحدث « شكلنا خلية أزمة و عملية فرز الضحايا تطلبت منا يومين كاملين لم نذق خلالهما طعم النوم، بعدها باشرنا عملية تحديد هوية الضحايا و كان الأمر صعبا نظرا لوضعية بعض الجثث، منهم من تعرفنا عليهم من خلال بطاقاتهم المهنية العسكرية أو بطاقة تعريفهم الوطنية أو القلادة العسكرية، أما البقية فقد تطلب تحديد هويتهم، أسبوعا كاملا مع الاستعانة بخبرة المعهد الوطني للأدلة الجنائية و علم الإجرام، بعد ذلك  باشرنا في استدعاء عائلات الضحايا و كانت تلك المرحلة الأصعب على الصعيد الإنساني.. خلاصة القول كانت بالفعل مأساة كبيرة». 
تعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية لتطوير الطب النووي

تعد  مصلحة علاج مرضى السرطان بالمستشفى الجهوي العسكري بقسنطينة، رائدة في مجال مكافحة الداء و علاجه على المستوى الوطني، باعتبارها المصلحة الوحيدة التي تتكفل بتشخيص و علاج كل أنواع السرطانات، إذ تُقدم تكفلا نوعيا للمرضى القادمين من مختلف ولايات الوطن و ليس الشرق فحسب.
المصلحة التي انطلق نشاطها سنة 2010 بطبيبين مختصين، تستقبل أزيد 500 مريض في السنة من الجنسين و من مختلف الفئات العمرية، بمعدل معاينات يومية يتراوح بين 15 إلى 16 حالة، و تكمن أهميتها حسب رئيسها الرائد يونس زهيد، في أنها شاملة التخصصات و توفر تغطية طبية كاملة لجميع أنواع السرطانات، سواء ما تعلق بالجراحة أو العلاج الكيميائي، مع استيفاء شرط الخبرة.
إضافة إلى ذلك فإن برنامج مواعيد المرضى  لا يتعدى 15 يوما كأقصى تقدير، و يسهم في تشخيص الحالات المستجدة مجموعة من الأطباء يشكلون لجنة مختلطة لمتابعة حالة المريض، منذ وصوله إلى المستشفى بحيث يخضع للكشف و يوجه مباشرة إلى المصلحة في حال ثبتت إصابته، و هو تنسيق نجح العمل به بفضل برنامج معلوماتي متخصص لجرد ملفات المرضى، تم استحداثه للسماح لكل طبيب في أي اختصاص بالاطلاع على الملف الطبي لأي مريض عن طريق الكمبيوتر و الحصول على ملخص شامل لحالته منذ دخوله إلى المستشفى لأول المرة. المصلحة توفر راحة عالية للمرضى حسب ما وقفنا عليه خلال جولة بين أروقتها، فهي تتكون من فضاءات نظيفة مصفوفة مخصصة للانتظار و المعاينة، تضمن الخصوصية لكل مريض كونها معزولة عن بعضها، بالإضافة إلى غرف مهيأة خاصة بالمرضى الذين يخضعون للعلاج الكيميائي، طاقة استيعابها 16 سريرا و تضم كل غرفة سريرين إلى ثلاث أسرة جديدة و مريحة.غرفة تحضير جرعات العلاج الكيميائي معزولة عن رواق المرضى، مجهزة بأحدث التقنيات و تتميز بنسبة تعقيم عالية، و حسب الرائد يونس زهيد، فإن المصلحة تنفق سنويا ما يعادل 40 مليار سنتيم على العلاج الكيميائي، بينما تصل تكلفة التدخلات الجراحية إلى 20 مليار سنتيم، علما أن مريضات سرطان الثدي تشكلن الفئة الأكثر استفادة من هذه العمليات بمعدل 150 مريضة سنويا، أما تكلفة علاج كل مريضة فتتجاوز سنويا سقف 300 مليون سنتيم، وهو ما يترجم الارتفاع المضطرد في عدد المرضى الذين يقصدون المصلحة. أهمية مصلحة مكافحة السرطان بمستشفى الرائد بن بعطوش، تستمد أساسا من كفاءة مصلحة الطب النووي التي يكمل نشاطها عمل أخصائيي الجراحة، و تعتبر هذه المصلحة الأعلى تكلفة تقريبا نظرا لنوعية نشاطها و طبيعة الأدوية و التجهيزات التي تتوفر عليها فضلا عن دقة تخصصاتها.المصلحة رائدة وطنيا تستقبل مرضى من القطاعين العسكري و المدني أحيانا، كونها الوحيدة في الجزائر المتوفرة على بعض التجهيزات الخاصة بالرسوم التخطيطية لفحوصات نادرة، تكلف المرضى  في حال إجرائها خارج المستشفى، ما يعادل 25 مليون سنتيم.
و حسب المقدم حسان محتوت رئيس المصلحة، فإن العلاج على مستواها ينقسم إلى شقين التشخيص و العلاج، باستعمال فحوصات تعتمد على مواد مشعة، و يشكل مرضى السرطان نسبة 90 في المائة من الوافدين عليها، يتقدمهم مرضى سرطان العظام و الغدة الدرقية و هي تخصصات تنفرد بها المصلحة وطنيا، و يأتي في المرتبة الثانية مرضى سرطان الثدي و من ثم مرضى القلب و الكلى    و تستقبل المصلحة من 8 إلى 14 حالة فقط شهريا من الجنسين كبارا و صغارا، نظرا لكون الأدوية المشعة المستخدمة في العلاج جد مكلفة و يصعب توفير ما يزيد عن علبتين منها شهريا، و ذلك لأسباب تقنية تتمثل في خطورة تحميل عدد إضافي في طائرة واحدة، بسبب خطر الإشعاعات حتى و إن كان وزن العلبة الواحدة يعادل 6 كيلوغرام من الفولاذ.المصلحة تتوفر على تجهيزات عالية التقنية، للفحص و العلاج، كل شيء فيها تقريبا مصنوع من الفولاذ لعزل الإشعاعات الواردة من الأدوية، حتى أن سترات العمل في غرفة الحقن تزن حتى 17 كيلوغراما، الخزائن من الفولاذ و الأرضية عازلة للمياه لمنع تسرب أي إشعاع عن طريق الماء، كما تتوفر المصلحة أيضا على نظام طوارئ و كذا غرفة خاصة لعزل المرضى، بعد حقنهم كونهم يتحولون إلى مصدر إشعاع، ما يتطلب عزلهم لمدة 8 أيام كاملة بعد كل إجراء علاجي إشعاعي.يبقى التكوين المتواصل و البحث من أبرز العوامل المساعدة على التقدم و الريادة في مجال علاج السرطان، كما علق الدكتور حسان محتوت، و هو ما حول مستشفى بن بعطوش إلى قطب امتياز في هذا المجال، و حسب مسؤول النشاط الطبي بالمستشفى العقيد البروفيسور حمادة أحمد، فإن المصلحة و بفضل كفاءتها استطاعت التفوق على عروض قدمتها مستشفيات وطنية أخرى مدنية و عسكرية و أفتكت مشروعا للتعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، سيسمح لها على المدى القريب، بالاستفادة من تجهيزات طبية جديدة عالية الجودة، بالمقابل ينتظر أن يتدعم المستشفى بمركز جهوي عسكري لعلاج الأورام السرطانية، مشروع وصفه بالضخم مؤكدا بأن الدراسات الخاصة به قد انتهت في انتظار انطلاق تجسيده.

 

العميد شدادي مبروك المدير العام للمستشفى العسكري الجهوي الجامعي الرائد عبد العالي بن بعطوش بقسنطينة للنصر
هدفنا تخطي الجراحة العامة و تكريس التخصص بداية بعمليات القلب و الكبد
أكد العميد مبروك شدادي المدير العام للمستشفى العسكري الجهوي الجامعي الرائد عبد العالي بن بعطوش، في حوار خص به النصر، بأن تطوير التخصص الجراحي، يعد هدفا أساسيا للمؤسسة الصحية العسكرية التي تستعد على المديين المتوسط و البعيد لتجاوز الجراحة العامة و إرساء برنامج تدخل دقيق يختص في مجالات جراحة العيون و الكبد و كذا القلب، مشيرا إلى أن الأفاق الطبية المستقبلية تفرض البحث العلمي و التكوين المتواصل و التخصص الدقيق، كحتمية لتطور قطاع الصحة في الجزائر، بما يسمح بتخفيض نفقات العلاج في الخارج و توفير التجهيزات و التقنيات اللازمة لتغطية الطلب الداخلي، وهذا تطبيقا لتعليمات سيادة الفريق نائب وزير الدفاع الوطني رئيس أركان الجيش الوطني الشعبي، الذي يحرص حرصا شخصيا على تطوير البحث العلمي في مجال الصحة العسكرية.
النصر: على أي أساس تعتمدون في تسيير مؤسسة بهذا الحجم؟ وكيف استطاع المستشفى العسكري الحفاظ على مردوده و مستواه طيلة 8سنوات كاملة؟
ـ  العميد مبروك شدادي: تسيير مؤسسة صحية بحجم المستشفى الجهوي العسكري يحتاج الخبرة، و هو شرط استطعت استيفائه بفضل تكويني المتواصل في مجال الصحة العسكرية.
 الخبرة تعد عاملا أساسيا للتسيير و تجربتنا السابقة مع مستشفى « مايو» سنوات السبعينات و الثمانينات، وبعد ذلك تجربة المستشفى المركزي للجيش بعين النعجة، مهدت لاستحداث و تسيير المستشفيات الجهوية ببشار و وهران ، ورقلة و كذا قسنطينة.
بالنسبة لتجربة مستشفى قسنطينة الذي يصنّف كأحسن المؤسسات الصحية على الصعيدين المدني و العسكري ، فإن الانضباط و المواكبة عاملان سمحا له بالاستمرار على نفس النسق منذ دخوله حيّز الخدمة و إلى غاية اليوم، كما مهدا أمامه الطريق للتطوّر و الريادة الطبية.
ـ ماذا عن ميزانية التسيير؟
ـ ميزانية التسيير معقولة بدون ذكر أرقام محددة، كما أنها لا تتجاوز متطلبات المستشفى، تحدد عموما بالنظر إلى حجم كل مؤسسة استشفائية عسكرية و حسب مردودها السنوي.
ـ إلى أي درجة تفتحون الأبواب أمام المرضى المدنيين من غير ذوي الحقوق، و كيف تحددون أطر التعاون مع المستشفيات المدنية؟
ـ  المستشفى يعرف ضغطا كبيرا باعتباره مسؤولا عن استقبال العسكريين و ذوي الحقوق من 15 ولاية شرقية، لذلك فالتكفل بالحالات الأخرى أي المدنيين جد محدود، و استقبال أي حالة قادمة من مستشفى مدني مرهون بمدى أهميتها لنا فيما يخص مجال البحث العلمي، إذ نتكفل عموما بالحالات التي تهمنا علميا و تتطلبها الدراسات الخاصة ببعض الأبحاث و الرسائل و الأطروحات العلمية التي يعدها  أساتذة المستشفى.
بالنسبة لجانب التعاون في المجال الطبي،  فهو واسع جدا سواء ما تعلق بالقطاعين العسكري أو المدني، فمستشفى قسنطينة العسكري يعد رائدا في مجالات عديدة لذلك يفتح الأبواب دائما، أمام تبادل الخبرات مع المؤسسات الاستشفائة الجهوية العسكرية. و تطبيقا لتعليمات سيادة الفريق نائب وزير الدفاع الوطني رئيس أركان الجيش الوطني الشعبي، فأننا نوفد مختصين إلى مؤسسات استشفائية عسكرية بشكل دوري من أجل العلاج و التكوين.
على الصعيد المدني هناك تعاون كبير مع المستشفيات العمومية، فغالبا ما نلبي احتياجاتها بإيفاد طواقم طبية لإجراء عمليات متخصصة في إطار التعاون و التكوين.
 يذكر أنه سنة 1995 كان أخصائيو الصحة العسكرية أول من باشر عمليات الجراحة بالمنظار، وقد كوّنا 90 في المائة من ممارسي الصحة العمومية في هذا المجال بكل من مستشفيات قسنطينة، جيجل، سكيكدة، قالمة، تبسة، الطارف و بسكرة.
ـ نستنتج إذن بأن البحث العلمي يحظى باهتمام كبير إلى جانب التشخيص و العلاج؟
ـ بالفعل البحث العلمي أولوية أساسية ضمن استراتيجيات تسيير المستشفى الجامعي العسكري، وقطاع الصحة العسكرية عموما لأنه يشكل أفاق المستقبل، و عليه فإن وزارة الدفاع الوطني و على رأسها سيادة الفريق تولي اهتماما بالغا لهذا الشق و تخصص ميزانية مستقلة هامة لتكريس و تطوير الأبحاث الطبية.
مع العلم أن هذه الميزانية تكون عادة على شكل تجهيزات، فمثلا عند انطلاقنا في إجراء عمليات زرع القرنية طلبنا تجهيزات متخصصة كلفت مبالغ هامة، وهو نفس الإجراء الذي اتخذناه بالنسبة لمشروع جراحة الكبد، حيث اقتنينا تجهيزات جد هامة تدخل في إطار تطوير التقنيات الجراحية و التعمق أكثر في مجال البحث العلمي، و كذلك الأمر بالنسبة لطب العيون و الجهاز الهضمي.
للإشارة فإن التكوين المتواصل للأطباء و الممارسين يعد كذلك بمثابة جزء هام من نفقات تطوير البحث، و بالتالي نحرص على إعطائه أهمية كبيرة تتماشى مع طموحاتنا بفتح تخصصات طبية جديدة لخلق أقطاب امتياز.

ـ كم كلفتكم عمليات زرع القرنية منذ انطلاقها، وأين وصل مشروع زراعة الكبد؟
ـ  زراعة قرنية العين كان مشروعا طموحا و ناجحا إلى أبعد الحدود، فمستشفى قسنطينة العسكري يعد الوحيد حاليا الذي يختص في هذا المجال، علما أننا تجاوزنا مرحلة الزرع و باشرنا تكوين أطبائنا في مجال الجراحة الموضعية المتخصصة للعين كالشبكية و جراحة الأعضاء الخلفية لخلق قطب امتياز كما سبق ذكره.
من الناحية المالية المشروع وفر الكثير، فعلمية الزرع في الخارج كانت تكلّف ما يعادل 25000 أورو، وهو مبلغ كبير إذا ما قارناه بقيمة التجهيزات التي  استقدمناها لهذا الغرض و التي لم تتخط عتبة 2 مليار سنتيم وهي تكلفة تغطي نفقات 15عملية زرع تقريبا. علما أننا نجحنا منذ بدأ تطبيق التخصص الجراحي سنة 2012 و إلى غاية اليوم في زرع 40قرنية، مع الإشارة إلى أننا نقتني القرنية الواحدة مقابل مبلغ 23 مليون سنتيم من معهد باستور، و بالتالي فإن المشروع سمح لنا بادخار العملة الصعبة و توفير تجهيزات هامة.
بالنسبة لمشروع زراع الكبد، نحن نسير في طريق تفعيله حاليا نجري عمليات جراحة الكبد وهي عمليات ناجحة وهامة يقوم بها البروفيسور لعمارة عبد الحق، وتعد خطوة ايجابية ستتكلل بالزراعة في المستقبل القريب، بعدما و فرنا التجهيزات اللازمة وهي تجهيزات جد مكلفة، كما ركزنا بشكل كبير على تكوين المختصين على اعتبار أن هذا التدخل الجراحي معقد و يتطلب تكوينا معمقا وفريقا متعدد التخصصات يملك الخبرة وكذا تحكما في التجهيزات المتطورة المستخدمة ومهارة كبيرة في هذا المجال، و نفس الأمر بالنسبة لزراعة الكلى إذ نعتزم أيضا التخصص في هذا المجال لكن الأولوية حاليا للمجالات الأكثر طلبا.
ـ هل يطرح مشكل ندرة الأدوية على مستوى المستشفى و كم تبلغ ميزانية الصيدلية المركزية؟
ـ ميزانية الصيدلية المركزية بالمستشفى تشكل حوالي 65 في المائة من حجم الميزانية الإجمالية، فالأدوية عموما مكلّفة بشكل كبير خصوصا أدوية الطب النووي الموجهة لعلاج السرطان، و المستشفى يعد رائدا وطنيا في هذا المجال لذا فتكلفة العلاج الكيميائي «المصوّب»  الخاص بشريحة المصابين بسرطانات الثدي و المعدة على سبيل الحصر مرتفعة جدا.
ـ و ماذا عن مشاريع تطوير المستشفى و أفاق الشراكة العربية و الإفريقية؟
ـ هنالك برامج و أهداف على المدى الطويل، نسعى كما سبق و ذكرت لتكريس التخصص في مجال جراحة العين و الجهاز الهضمي و الكبد بالإضافة إلى فتح تخصصات طبية جديدة أهمها جراحة القلب، وهو مشروع واعد باشرنا التحضير له من خلال الاهتمام بتكوين الأخصائيين و الإعلان عن مناقصة لتوفير التجهيزات الضروري، حيث ينتظر أن نشرع في تجسيد العمليات في غضون سنة إلى سنتين كأقصى تقدير.كما نعتبر تطوير البحث العلمي و رفع مستوى التكفل الطبي بشكل ينافس المستشفيات الأوروبية تحديا نعتزم رفعه بكل جدية.أما فيما يخص التعاون مع المستشفيات الإفريقية و العربية فهو غير وارد حاليا.
حاورته: نور الهدى طابي

الرجوع إلى الأعلى