جراح مفتوحة و تمسك بمطلب الاعتذار

تحل اليوم الذكرى الثانية والستون لثورة أول نوفمبر المجيدة وجراح الجزائريين المادية  منها والمعنوية لم تندمل بعد، بل زادتها تصريحات بعض الفرنسيين مؤخرا غورا ووجعا، هؤلاء يتمادون في كل فرصة في التعرض للجزائر ورموزها بالإهانة والأوصاف الخبيثة، انطلاقا من ذهنية استعمارية لا تأبى الاستقامة.
لقد كانت جراح الجزائريين عميقة طيلة 132 سنة من الاستعمار الفرنسي البغيض لهذه الأرض، لكنها كانت أعمق بعد انطلاق ثورة أول نوفمبر المجيدة في سنة 1954، فقد تعرض الجزائريون أثناء الثورة التحريرية لأبشع أنواع الإبادة، والتعذيب، والتنكيل، والقتل الجماعي والاغتصاب، والقصف والقنبلة، بكل أنواع الأسلحة وحتى المحرم منها دوليا، و أبيدت قرى بأكملها، وشردت مدن وتجمعات، ووضع الآلاف من الجزائريين في المحتشدات، وهجر مثلهم قصرا نحو تونس والمغرب وبلدان أخرى.اليوم بعد 62 سنة عن هذا الحدث الهام الذي أعاد للجزائر سيادتها واستقلالها وكرامتها، و في كل عام تعود هذه الذكرى نحاول تسليط الأضواء على حالات لا تزال مجهولة ومغيبة تحت الظل، حالات التعذيب، والقتل، والسجن والتشريد، و البطولة والشهادة في ذات الوقت،  في كل نقطة من ربوع الوطن، نعم إن الثورة التحريرية بكل أحداثها وتفاصيلها ومآسيها وتضحيات ابنائها لا تزال بحاجة إلى الكثير الكثير من العمل في هذا المجال، و أن كتابة وتدوين وتسجيل وتصوير كل  الأحداث التي مرت بها ثورتنا ليس إلا في بدايته بعد، وهو ما يجعل من المسؤولية الملقاة على عاتق الأجيال الجديدة ثقيلة، ولكن ذات المسؤولية تقع أيضا على جيل نوفمبر الذي يملك الكثير من المفاتيح.   وبهذه المناسبة العظيمة يصر الجزائريون، كل الجزائريين، من المواطن البسيط إلى الرسمي المسؤول على ضرورة أن تعترف فرنسا بجميع جرائمها في هذه الأرض طيلة الفترة التي احتلت فيها جيوشها الجزائر، ويصرون على ضرورة أن تعتذر بعد ذلك، وعلى ضرورة أن تعوض كل من تضرر، و كل الجزائريين تضرروا دون استثناء، ويصر الجزائريون أيضا على ضرورة تصفية كل الملفات العالقة مع فرنسا، من ملف  الذاكرة بكل ما يحويه من محاور، إلى ملف التجارب النووية، إلى ملف التعذيب والاغتصاب، وملف المفقودين، والأموال التي نهبتها فرنسا الاستعمارية من الجزائر.
لا يمكن لجراحنا أن تندمل، ولا يمكن أن نسكت، ما لم نسو مثل هذه القضايا مع فرنسا بما يرضينا، وما لم تتخل بعض الأوساط الفرنسية عن ذهنيتها الاستعمارية البشعة التي لا تزال تدفع بها في مناسبات عديدة إلى إظهار الوجه القبيح لدولة الشعارات.. حرية إخاء مساواة.. 

تعتذر للحركى و تسعى إلى طي صفحة الجرائم المرتكبة في حق الجزائريين
بـاريـس لـم تتخـلـص من عقـدة الـجزائـر الـفرنسيـة و الحنيـن إلـى الـفتـرة الاسـتعمـاريــة
عملت فرنسا طوال أكثر من نصف قرن على محو أثار الجرائم المرتكبة في حق الشعب الجزائري، من الذاكرة الفرنسية والجزائرية والذاكرة الإنسانية. وظلت لسنوات تلعب على وتر «الكلمات» دون أن تقر بالذنب و تقدّم الاعتذار، ويردد الفرنسيون مقولة «الأبناء لا يعتذرون عن أفعال الآباء» وابتكروا مصطلح «الاعتراف المتبادل» أي المساواة بين الضحية والجلاد، ففرنسا التي تعتذر للحركى ترفض الإقرار بجرائمها الاستعمارية.
تعد الجرائم التي ارتكبها الاستعمار الفرنسي في الجزائر، من أكبر وأفظع الجرائم التي سجلها التاريخ الحديث والتي تعرضت للسطو والمصادرة، والتي تم اختطافها رسميا من التداول الإعلامي، ومن النقاش التاريخي الأكاديمي، بل حتى صور تلك الجرائم والوثائق والأرشيف تعرضت للسطو وتم التستر عليها أو على جزء كبير منها، في محاولة لطمس آثار تلك الجرائم ومحو آثارها إلى الأبد.
لعقود طويلة، مارست السلطات الفرنسية سياسة التغييب الرسمي الممنهج، والتضليل التاريخي والإعلامي للحقيقة خلال الحقبة الاستعمارية، والجرائم التي ارتكبتها بحق مواطنين عزل، ومنعت لسنوات المؤرخين والأكاديميين من دراسة وفتح الأرشيف لمعرفة تفاصيل تلك المجازر. واعتمدت أيضاً على طمس الحقيقة لعقود عبر إسقاط جميع التحقيقات القضائية التي حاولت تسليط الضوء على بعض المجازر المرتكبة في حق الجزائريين.وترفض الحكومات الفرنسية المتعاقبة رفضاً قاطعاً الاعتراف بمسؤوليتها أو تقديم الاعتذار حول مقتل مئات الآلاف من الجزائريين، رغم المطالب الجزائرية والحقوقية المتكررة. وحصل اختراق وحيد عندما زار الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند الجزائر قبل سنوات، واعترف بمآسي الحقبة الاستعمارية، كما شارك في الذكرى الخمسين لمجزرة أكتوبر وقام بوضع إكليل من الزهور على جسر كليشي، في نهر السين، وسط باريس وأكد لأول مرة «بوقوع قمع دموي» دون الاعتراف بمسؤولية الحكومة الفرنسية ودون تقديم اعتذار رسمي، وهو العهد الذي كان قد قطعه على نفسه حينما كان مرشحاً للانتخابات الرئاسية في 2011.
أما اليمين واليمين المتطرف فقد انتقدا بشدة تصريحات هولاند وحذرا من مغبة تحميل قوات الشرطة الفرنسية وبالتالي الدولة الفرنسية المسؤولية حول تلك الأحداث. وكانت مجموعة من النواب الاشتراكيين والشيوعيين الفرنسيين قد قدموا مشروع قانون للاعتراف بشكل رسمي بمسؤولية فرنسا لكن لم يتم التصويت عليه.
وفي الوقت  الذي كان فيه كثيرون ينتظرون من الرئيس الفرنسي خطوة في الاتجاه الصحيح قبل انتهاء عهدته الرئاسية، سارع هذا الأخير إلى الاعتذار وطلب الصفح من «الحركى» خلال حفل رسمي لتكريمهم وأقر بمسؤولية الدولة في التخلي عنهم قبل خمسين عاما. وقال الرئيس الفرنسي في اليوم الوطني المخصص لتكريم الحركى «إن فرنسا تكبر دائما عندما تعترف بأخطائها». ولكن رفض القول بأنها فرنسا التي تعترف بالحركى وترى أن هذا واجب عليها، ترفض الإقرار بالذنب والاعتراف بالجرم المرتكب في حق ملايين الجزائريين الذين راحوا ضحية الآلة الاستدمارية والهمجية الفرنسية.
وتظهر تلك التصريحات «تناقض» الفرنسيين في مواقفهم، فهم تارة يصرحون أن «الأبناء لا يعتذرون عن الأخطاء التي ارتكبها الآباء»، عندما يتعلق الأمر بجرائم الاستعمار في الجزائر، ولكن لا يتوانون عن الاعتذار للحركى، ويتضح جليا أن ما يبحث عنه صناع القرار في باريس هو «طي صفحة الماضي» دون اعتذار ولا تعويض، وهو ما عبر عنه وزير الخارجية السابق في حكومة ساركوزي، برنارد كوشنير، الذي قال في تصريح صحفي له أن «العلاقات مع الجزائر ستتحسن بعد رحيل جيل الثورة عن الحكم في الجزائر»، أي بعبارة أخرى انتهاء الجيل الذي عايش جرائم الاستعمار، فالدولة الفرنسية التي تتغنى بشعار المساواة والعدل لن تقبل يوما ما الاعتراف بوجهها الاستعماري القبيح.
ويبدو أن اللجان المشتركة التي تم تشكيلها هذه السنة عقب الزيارة الأولى من نوعها التي قام بها وزير المجاهدين إلى فرنسا، لتسوية ملفات المفقودين وضحايا الإشعاعات النووية، والذاكرة وكذا الأرشيف، لم تحقق أي هدف، أمام التعنت الفرنسي الذي يريد معالجة ملف الذاكرة على حساب معاناة ملايين الجزائريين الذين تعرضوا للتشريد والتعذيب والقتل على أيدي الجنود الفرنسيين وأعوانهم.
فالتصريحات الأخيرة للرئيس هولاند، وهو الذي اعتقد كثيرون عند بداية عهدته أنه سيتجاوز «الحاجز الذي وضعه اليمين المتطرف»، كشفت بوضوح أنه لن يقدم على أي خطوة بهذا الاتجاه، قبل عام واحد عن الانتخابات الرئاسية في فرنسا، بل تجاوزت تصريحاته كل الخطوط التي لم يتجاوزها أي رئيس فرنسي سابق، عندما وصف مجاهدي الثورة التحريرية الجزائرية بالإرهابيين في معرض حديثه مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
وكان الصحفيان بصحيفة «لوموند» الفرنسية، جيرار دافي وفابريس لومند، أوردا في كتاب نشراه منذ أيام بفرنسا تحت عنوان «ما كان على رئيس أن يقول هذا»، مضمون لقاءات جمعتهما بالرئيس الفرنسي خلال فترة حكمه منذ العام 2012. وأورد الكتاب حوارا نادرا منسوبا للرئيس الفرنسي ونظيره الروسي في فيفري 2015 حول الأزمة السورية جاء فيه أن بوتين خاطب هولاند بالقول إن «عليكم كفرنسيين أن تعترفوا بالدول وكان تدخلكم في مالي من هذا المنطلق (أي بطلب من حكومة مالي لمواجهة الإرهاب عام 2013)، وكان عليكم أيضا أن تفعلوا الشيء نفسه في سوريا، لأن المعارضة المسلحة غير شرعية وهي تقوم بأعمال إرهابية، ورد عليه هولاند بأن المعارضين في سوريا ليسوا إرهابيين».وجاء في الكتاب أن «الرئيس الروسي قال لنظيره الفرنسي في كل الأحوال أنتم تعرفون جيدا من هم الإرهابيون. إنهم هم أنفسهم الذين كنتم تقاتلونهم إبان احتلالكم للجزائر، فرد هولاند أيضا بحدّة مماثلة لكني اليوم أتناقش مع من قاموا بالحرب ضدنا في الجزائر».ولم ينتظر رمطان لعمامرة وزير الخارجية كثيراً ليعلق عليها قائلاً إن «الفرنسيين لم يتخلصوا من عقدة الجزائر الفرنسية». واستطرد قائلا:» يبدو أن فرنسا مازالت تحن إلى الفترة الاستعمارية». وأعرب على هامش الاحتفال باليوم الوطني للهجــرة عن استيائه من تصريحات الساسة الفرنسيين، مشيراً إلى أنه في الوقت الذي تحتفل فيه الجزائر بذكرى انتفاضة 17 أكتوبر 1961، ونترحم على من ضحوا بأرواحهم وسقطوا في تلك الانتفاضة في باريس، ما يزال هناك في الضفة الأخرى حنين للفترة الاستعمارية.بدوره قال الطيب زيتوني وزير المجاهدين إن «المسؤولين الفرنسيين وبينهم الرئيس فرانسوا هولاند مازالوا يحنون إلى الفترة الاستعمارية». واعتبر الطيب زيتوني « تلك التصريحات تتناقض مع تصريحات هولاند السابقة أثناء زيارته الرسمية للجزائر في 2012، (دعا خلالها لبناء شراكة استثنائية بين البلدين)، ويبدو لي أن بعض الساسة في فرنسا ما زالوا يحنون إلى الجزائر فرنسية”.
الحديث عن جرائم الاستعمار تزامن هذه المرة مع تفجر قضية جماجم الشهداء التي احتفظت بها فرنسا، بعد أن قامت أثناء فترة الاحتلال بقطع رؤوسهم، وكشف مؤرخون وباحثون جزائريون عن عدد كبير من الجماجم المحفوظة في أحد متاحف باريس لشهداء جزائريين قُطعت رؤوسهم، بأوامر جنرالات فرنسيين. وذكرت وسائل إعلام فرنسية أن 18 ألف جمجمة محفوظة بمتحف الإنسان في باريس، منها 500 فقط جرى التعرف على هويات أصحابها، من ضمنهم 36 قائداً من المقاومة الجزائرية، قُتلوا ثم قُطعت رؤوسهم من قبل قوات الاستعمار الفرنسي.وأكد وزير المجاهدين الطيب زيتوني وجود مفاوضات مع الطرف الفرنسي لإعادة تلك الجماجم إلى الجزائر، فيما قالت الخارجية الفرنسية الأسبوع الماضي، إن باريس والجزائر تجريان «حوارا وثيقًا»، وتعملان في إطار «مناخ من الثقة بشأن جميع القضايا ذات الصلة بالذاكرة، بينها إعادة نحو 50 جمجمة تحتفظ بها باريس في خزانات معدنية بالمتحف، بعيداً عن الزوار».      
أنيس نواري

حثّ جميع التشكيلات السياسية على  الإسهام في الحفاظ على استقرار البلاد
الرئيـــس بوتفليقـــة يدعـــو إلى جبهـــة داخليـــة قويـــة لرفـــع مختلــــف التحــــديات
دعا رئيس الجمهورية، عبد العزيز بوتفليقة، أمس الاثنين، إلى جبهة داخلية «عتيدة» و «قوية» من أجل مواجهة مختلف التحديات، مشددا على أن الجزائر تملك المكتسبات الضرورية للمضي قدما في تنميتها. و عبر عن قناعته بأن الجزائر بوسعها تقويم وضعها الاقتصادي والمالي، داعيا بالمقابل جميع التشكيلات السياسية إلى  الإسهام في الحفاظ على استقرار البلاد ،
و المواطنين إلى تحكيم العقل أمام الخطابات الشعبوية و الانتخابوية.
وشدّد الرئيس بوتفليقة في رسالته بمناسبة الذكرى الـ62 لاندلاع الثورة التحريرية،  على أن الشعب الجزائري «يحظى بالاحترام والإعجاب عبر العالم» لقدرته على المقاومة ومغالبة التحديات.
وتوقف رئيس الجمهورية في رسالته عند ثلاثة تحديات وجب على البلاد رفعها، أولها تحدي أمن البلاد والعباد والممتلكات «الذي من دونه لا تتحقق التنمية، بل تصبح غير مضمونة».
في هذا المقام، أكد أن الجزائر «مؤمنة بأن لها أن تعول على قدرات الجيش الوطني الشعبي، سليل جيش التحرير الوطني، وعلى احترافيته ووطنيته، وكذا على طاقات الأسلاك الأمنية وخبرتها في صون حرمة التراب الوطني واستئصال شأفة بقايا الإرهاب وقطع دابره في أرضها».
وشدد على أن أمن البلاد والقضاء على الإرهاب ودحر الآفات الإجرامية وحتى الأمن العمومي، «كلها قضايا تستوجب، أيضا، اليقظة الجماعية التي أدعو كل مواطن وكل مواطنة إلى الاضطلاع بها».
ولفت رئيس الدولة إلى إن الإرهاب «آفة ما فتئت تستفحل في العالم وفي جوارنا»، مضيفا أن المتاجرة بالأسلحة وبالمخدرات «بلغت مستويات خطيرة في منطقتنا».
و حرص رئيس الجمهورية، على الإشادة بقدرات الجيش الوطني الشعبي و كذا احترافيته و وطنيته في صون حرمة التراب الوطني و إستئصال شأفة بقايا الإرهاب.
كما نوه بتفاني أفراد الأسلاك الأمنية و احترافيتهم على سهرهم, خاصة, على أمن المواطنين و محاربتهم لشتى الآفات التي تهدد المجتمع الجزائري.  و شدد الرئيس بوتفليقة على أن أمن البلاد و القضاء على الإرهاب و دحر الآفات
بوسعنا تقويم الوضع الاقتصادي والمالي الحالي
و في تطرقه إلى الوضع الاقتصادي الصعب الذي تمر به البلاد، أكد رئيس الجمهورية أنه بوسع الجزائر تقويم وضعها الاقتصادي والمالي، داعيا إلى تعبئة وطنية لتقاسم الجهود التي تفرضها  المصاعب المالية الظرفية.
و قال في هذا الخصوص «أجل  إنه في وسعنا أن نقوم وضعنا الاقتصادي والمالي. وسيمكننا النموذج التنموي الجديد  المصادق عليه مؤخرا  من تثمين قدراتنا الكبيرة من أجل بناء اقتصاد أكثر تنوعا وقادرا على تلبية حاجات شبابنا في مجال التشغيل  وعلى ضمان ديمومة خياراتنا الاجتماعية»  يشدد رئيس الجمهورية في رسالة له بمناسبة إحياء الذكرى الثانية والستين لاندلاع ثورة أول نوفمبر 1954.
كما أشار الرئيس إلى أن الجزائر «على غرار غيرها من البلدان المنتجة للنفط  باتت تواجه منذ عامين  تراجعا حادا لعائداتها» غير أنه ذكر بالإجراءات المتخذة خلال السنوات الأخيرة ومنها التسديد المسبق للديون الخارجية والتسيير الرشيد لاحتياطي الصرف  والتي كان لها الفضل في الحفاظ على استقلالية قرارنا الاقتصادي.    
وشدد على أنه «علينا أن نسير قدما بإصلاحاتنا وأن نعمقها من أجل تحديث تسييرنا  وتنشيط الاستثمار  وتعزيز النجاعة في النفقات العمومية  وهي كلها مجالات من بين غيرها  نسجل فيها يوما بعد يوم  تقدما واعدا».
الدستور المعدل أثرى المنظومة الانتخابية بضمانات جديدة للشفافية و الحياد
وأكد الرئيس بوتفليقة، من جهة أخرى، أن الدستور المعدل في مطلع العام الجاري تعزز بقواعد الديمقراطية التعددية و أثرى المنظومة الانتخابية الوطنية بضمانات جديدة للشفافية و الحياد ستتجسد في الانتخابات التشريعية و المحلية القادمة.
و تابع قائلا:»ذلك هو السياق الذي نتجه فيه اليوم إلى تنظيم انتخابات تشريعية وبعدها انتخابات محلية، خلال العام المقبل، في إطار قانون الانتخابات الذي تم تحيينه منذ فترة وجيزة بغرض إدراج ضمانات الشفافية الجديدة التي نص عليها الدستور».
كما أشار إلى تنصيب الهيئة العليا المستقلة لمراقبة الانتخابات لتمكينها من الانطلاق في نشاطها قبل الانتخابات التشريعية المقبلة.
وشدد رئيس الجمهورية على أنه بصفته حامي الدستور سيسهر على «تجسيد كافة هذه المكاسب الجديدة وصونها حتى تقطع الديمقراطية أشواطا أخرى في بلادنا، ويشارك شعبنا أكثر فأكثر في اختيار ممثليه، وتسهم المجالس المنتخبة على المستوى الوطني والمحلي بشكل أكبر في إنجاح الإصلاحات، وفي التنمية على كافة الأصعدة».
و بعد أن ذكر أن طموح الوصول إلى السلطة هو الغاية المنشودة من وراء التعددية الديمقراطية و على أن نجاح الديمقراطية يقتضي الاستقرار، دعا رئيس الدولة جميع التشكيلات السياسية إلى  الإسهام في الحفاظ على هذا الاستقرار، مبرزا أنه «هذا واجب كل واحد منا تجاه الشعب الذي هو مصدر الديمقراطية، وتجاه الوطن الذي ليس لنا وطن غيره». كما دعا الرئيس بوتفليقة المواطنين إلى تحكيم العقل أمام الخطابات الشعبوية و الانتخابوية.
وجوب ترسيخ ذكرى أول نوفمبر 1954 في الذاكرة الوطنية
كما شدّد رئيس الجمهورية، بالمناسبة على وجوب ترسيخ ذكرى أول نوفمبر 1954 في الذاكرة الوطنية لتذكر التضحيات الجسام التي قدمها الشعب الجزائري من أجل استرجاع حريته و استقلاله.
و قال الرئيس بوتفليقة أن «الثمن الذي دفعه شعبنا في سبيل استقلاله يشمل كذلك مئات الآلاف من الأرامل واليتامى ومئات الآلاف من المعطوبين وملايين الأشخاص المهجرين من أراضيهم والمشاتي المحروقة، في غالب الأحيان، بقنابل النابالم».
و ذكر رئيس الدولة أن الشعب الجزائري «أبان على مدار قرن من الزمن، من خلال ثوراته المتعاقبة بكل بسالة وبطولة، عن رفضه الصريح البات للاحتلال»، مضيفا أنه «راود شعبنا الأمل في أن يعيد له إسهامه في تحرير أوروبا حريته بالتي هي أحسن، ولكنه باء بالخيبة. كما شهدت على ذلك مجازر ماي 1945 التي أودت بأرواح عشرات الآلاف من أبناء وطننا العزل».
ق و

رسـالة رئيس الجمهـورية إلى الشعـب الجزائـري بمنـاسبـة إحيـاء الذكرى  الثــانية  والستــين لانـدلاع ثــورة أول نـوفمبـر 1954
وجّه رئيس الجمهورية، عبد العزيز بوتفليقة، أمس الاثنين رسالة إلى الشعب الجزائري بمناسبة إحياء الذكرى الثانية والستين لاندلاع ثورة أول نوفمبر 1954. هذا نصها الكامل:
 “بسم الله الرحمن الرحيم
 والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، 
وعلى آله وصحبه إلى يوم الدين    
 بني وطني الأعزاء،
إن إحياء الذكرى الثانية والستين لاندلاع ثورة أول نوفمبر 1954 المجيدة هو بمثابة ترحم وطني خاشع جامع على شهدائنا الأبرار، وعرفان نسديه لمجاهدينا ومجاهداتنا الأشاوس، الذين رحلوا والذين مازالوا على قيد الحياة وندعو لهم جميعا بموفور الصحة ومديد العمر.
بالفعل,، إننا سنحيي غدا، ( اليوم الثلاثاء) إن شاء الله، بكل انتشاء واعتزاز، ذكرى الكفاح التحرري الذي جاهر شعبنا برفضه الذي دام عهودا طوالا، لغزو المستعمر واحتلاله لأرضه.
ما أكثر المجازر، التي كانت من قبيل الإبادة أو كادت، التي تخللت الليل الاستعماري، ذلكم الليل الحالك الدامس الذي اكتنف السلب الكاسح الذي طال أراضينا لتصبح ملكا لمستوطنين أجانب في حين كان الإجلاء إلى ديار المنفى مآل الآلاف من الجزائريين. وكان من مغبة ذلكم الليل الرهيب أن يحاول محو هويتنا الوطنية، هي الأخرى.
ذلكم بعض من كل الحقائق النكراء، حقائق الاستعمار الذي ناخ بكلكله على الجزائر، الحقائق التي لن يقوى أبدا أي خطاب يعلو من وراء البحار لا على تزييفها ولا على محوها.
لقد أبان شعبنا، على مدار قرن من الزمن من خلال ثوراته المتعاقبة بكل بسالة وبطولة, عن رفضه الصريح البات للاحتلال. ولقد راود شعبنا الأمل في أن يعيد له إسهامه في تحرير أوروبا حريته بالتي هي أحسن، ولكنه باء بالخيبة كما شهدت على ذلك مجازر مايو 1945 التي أودت بأرواح عشرات الآلاف من أبناء وطننا العزل.
تلكم هي المسببات العميقة لهبة أول نوفمبر 1954، هبة الخلاص التي بفضلها أقدم الشعب على استرجاع حريته واستقلاله بقوة السلاح.
وكان الكفاح قاسيا مكلفا وغير متكافئ من حيث الوسائل، وارتوت تربة الجزائر بدماء مليون ونصف مليون شهيد, أي ما يربو عن سدس الساكنة، منهم من استشهد استشهاد الأبطال في ساحات الوغى والسلاح في يده، وراح البقية من الرجال والنساء والأطفال ضحية الاختطاف في المدن والقرى أو قتلوا غيلة في سجون الاستعمار أو ماتوا تحت التعذيب.
والثمن الذي دفعه شعبنا في سبيل استقلاله يشمل كذلك مئات الآلاف من الأرامل واليتامى ومئات الآلاف من المعطوبين وملايين الأشخاص المهجرين من أراضيهم والمشاتي المحروقة، في غالب الأحيان بقنابل النابالم. تلكم هي التضحيات الجسام التي نحيي ذكراها اليوم. وهذه هي الذكرى التي من واجبنا أن نرسخها في ذاكرتنا الوطنية، ليس لزرع الحقد وإنما لكي لا ينسى أحد منا الثمن الذي دفعه شعبنا في سبيل أن يعيش حرا مستقلا.
  بني وطني الأعزاء،
لقد جلبت ثورة نوفمبر المجيدة لشعبنا الإعجاب الذي هو أهل له بجدارة في كافة القارات, وكانت ثمرتها إعادة بعث دولتنا المستقلة ذات السيادة. وما كان لثورتنا هذه أن تؤتي أكلها إلا بتحقيق كافة غاياتها لعهد ما بعد الاستقلال، تلك الغايات التي نص عليها بيان أول نوفمبر 1954، ومنها على الخصوص بناء ديمقراطية اجتماعية في إطار المبادئ الإسلامية وفي ظل احترام الحريات الأساسية بلا تمييز من حيث العرق أو المعتقد.
وكانت الورشة كبيرة كبر التأخر الذي كان لابد من تداركه، وعظيمة عظمة الآمال المشروعة لشعبنا الذي كان سخيا في تضحياته. وسرعان ما هب الشعب، بإيمان وحماس إلى إعادة بناء بلاده.
فلقد اعتمد أول دستور ارتضاه الشعب الجزائري لنفسه، تلك المبادئ الأساسية المرجعية المنصوص عليها في بيان نوفمبر كثوابت وطنية تواصل تأكيدها وتمتينها من خلال التحيينات التي أدخلت على دستورنا.
ابتداء من العشرية الأولى بعد الاستقلال، شرع في العمل على قدم وساق، في التنمية الاقتصادية والاجتماعية للبلاد التي سجلت لاحقا تقدما كبيرا رغم بعض العثرات.
وقبل ربع قرن حدث الانفتاح الديمقراطي الذي تخللته، ويا للأسف مأساة وطنية أليمة وفق شعبنا في معالجتها بمقاومة اضطلع بها وحده، ثم تجاوزها بفضل جنوحه إلى خيار حميد مجد, خيار المصالحة الوطنية.
ولما سبق لي أن تناولت، بمناسبة احتفالنا الفارط بذكرى عيد الاستقلال والشباب،الإنجازات الكبيرة التي وفقتم في تحقيقها في كنف السلم المسترجع والاستقرار الذي تعزز، فدعوني أقاسمكم بعض الأفكار حول مستقبلنا الوطني.
  بني وطني الأعزاء،
يقتضي إنجاز تنمية اقتصادية واجتماعية كفيلة بتلبية حاجات الساكنة مجهودا مطردا موصولا يظل معرضا لتقلبات الظروف الاقتصادية والجيوسياسية الخارجية. لهذا، كان النجاح في ربح هذه المعركة يحتاج إلى جبهة داخلية عتيدة قوية من أجل مغالبة التحديات الكثيرة، التحديات التي أتوقف عند ثلاثة منها.
في المقام الأول، تحدي أمن البلاد والعباد والممتلكات الذي من دونه لا تتحقق التنمية،بل تصبح غير مضمونة.
إن الجزائر مؤمنة بأن لها أن تعول على قدرات الجيش الوطني الشعبي، سليل جيش التحرير الوطني، وعلى احترافيته ووطنيته، وكذا على طاقات الأسلاك الأمنية وخبرتها في صون حرمة التراب الوطني واستئصال شأفة بقايا الإرهاب وقطع دابره في أرضها.
هذا، وأنتهز هذه المناسبة لأوجه تحية الإكبار لضباط الجيش الوطني الشعبي ولضباط صفه وجنوده على ما هم عليه من تعبئة وتحفز واستعداد وما يبذلونه من تضحيات في سبيل الوطن. كما أنوه بتفاني أفراد أسلاكنا الأمنية واحترافيتهم وسهرهم خاصة على أمن المواطنين ومحاربتهم لشتى الآفات التي تهدد مجتمعنا.
إن أمن البلاد والقضاء على الإرهاب ودحر الآفات الإجرامية وحتى الأمن العمومي، كلها قضايا تستوجب أيضا، اليقظة الجماعية التي أدعو كل مواطن وكل مواطنة إلى الاضطلاع بها.
إن الإرهاب آفة ما فتئت تستفحل في العالم وفي جوارنا. وقد بلغت المتاجرة بالأسلحة وبالمخدرات مستويات خطيرة في منطقتنا. لذا، وجب أن يلقى جيشنا وأسلاكنا الأمنية المؤازرة من المواطنين ويعولا على تنامي الحس المدني في سائر أرجاء بلادنا.
بني وطني الأعزاء،
أتطرق,في المقام الثاني، إلى تحدي التنمية الاقتصادية والاجتماعية التي علينا أن نواصلها ونكثفها.
في هذا المضمار وخلال قرابة عقدين من الزمن، بذلت جهود جبارة أثمرت نتائج معتبرة. فقد تمت تعبئة مئات المليارات من الدولارات من عائدات النفط لبناء المدارس والجامعات والمستشفيات والسكنات وتوصيل الطاقة والماء الشروب وتشييد المنشآت القاعدية.
وقد ساهمت الدينامية هذه فيما ساهمت في تراجع البطالة وتحسين ظروف معيشة فئات عريضة من الساكنة. كما أن هذه الإنجازات، رغم عدم كفايتها بالنظر لفداحة كم الحاجات، تعد تجسيدا ملموسا لحرص الدولة على العدالة الاجتماعية والتضامن الوطني.
والحال أن الجزائر، على غرار غيرها من البلدان المنتجة للنفط، باتت تواجه منذ عامين تراجعا حادا لعائداتها.
وكان للإجراءات التي اتخذت خلال السنوات الأخيرة، ومنها التسديد المسبق للديون الخارجية والتسيير الرشيد لاحتياطي الصرف، كان لها الفضل في الحفاظ على استقلالية قرارنا الاقتصادي. وإنني على يقين من أن كل واحد منكم حريص على حماية هذه الاستقلالية التي تتوافق وأنفتنا الوطنية وإباءنا.
ولنا في هذا مدعاة أخرى للدعوة إلى تعبئة وطنية لكي نتقاسم الجهود التي تفرضها علينا مصاعبنا المالية الظرفية, ونواصل مسارنا التنموي الواعد.
أجل، إنه في وسعنا أن نقوم وضعنا الاقتصادي والمالي. وسيمكننا النموذج التنموي الجديد، المصادق عليه مؤخرا، من تثمين قدراتنا الكبيرة من أجل بناء اقتصاد أكثر تنوعا وقادرا على تلبية حاجات شبابنا في مجال التشغيل، وعلى ضمان ديمومة خياراتنا الاجتماعية.
لذا، علينا أن نسير قدما بإصلاحاتنا وأن نعمقها من أجل تحديث تسييرنا، وتنشيط الاستثمار، وتعزيز النجاعة في النفقات العمومية، وهي كلها مجالات، من بين غيرها، نسجل فيها يوما بعد يوم, تقدما واعدا.
كما يتعين علينا أن نسهم, يدا واحدة, في الحفاظ على السلم الاجتماعي لإنجاح مسعى الإعمار الوطني.
في سبيل ذلك، باشرت الحكومة الحوار والتشاور مع شركائها الاقتصاديين والاجتماعيين.
وإني أدعو هؤلاء جميعا إلى الإسهام في صون السلم الاجتماعي. كما أدعو المواطنين إلى تحكيم العقل أمام الخطابات الشعبوية والانتخابوية.
بني وطني الأعزاء،
التحدي الثالث والأخير الذي أود التطرق إليه اليوم هو تحدي الاستقرار السياسي.
بفضل المولى عز وجل ارتضت بلادنا لنفسها بنية مؤسساتية وطنية ومحلية منبثقة من الانتخابات التي تجري بانتظام. كما أن الدستور الذي تمت مراجعته، في مطلع العام الجاري، تعزز بقواعد الديمقراطية التعددية ودعم مكانة المعارضة وحقوقها حتى داخل البرلمان، وأثرى منظومتنا الانتخابية بضمانات جديدة للشفافية والحياد.
ذلكم هو السياق الذي نتجه فيه اليوم إلى تنظيم انتخابات تشريعية وبعدها انتخابات محلية، خلال العام المقبل، في إطار قانون الانتخابات الذي تم تحيينه منذ فترة وجيزة بغرض إدراج ضمانات الشفافية الجديدة التي نص عليها الدستور. وفي ذات الوقت تم الشروع في وضع الهيئة العليا المستقلة لمراقبة الانتخابات لتمكينها من الانطلاق في نشاطها قبل الانتخابات التشريعية المقبلة.
وبما أن حماية الدستور منوطة برئيس الجمهورية، فإنني سأسهر على تجسيد كافة هذه المكاسب الجديدة وصونها حتى تقطع الديمقراطية أشواطا أخرى في بلادنا ويشارك شعبنا أكثر فأكثر في اختيار ممثليه، وتسهم المجالس المنتخبة على المستوى الوطني والمحلي بشكل أكبر في إنجاح الإصلاحات وفي التنمية على كافة الأصعدة.
أجل، إن طموح الوصول إلى السلطة هو الغاية المنشودة من وراء التعددية الديمقراطية، غير أن نجاح الديمقراطية يقتضي الاستقرار. لذا، أدعو جميع تشكيلاتنا السياسية إلى الإسهام في الحفاظ على هذا الاستقرار. وهذا واجب كل واحد منا تجاه الشعب الذي هو مصدر الديمقراطية وتجاه الوطن الذي ليس لنا وطن غيره.
بني وطني الأعزاء،
إنكم شعب يحظى بالاحترام والإعجاب عبر العالم وذلك لأنكم شعب يتمتع بمقدرة على المقاومة ومغالبة التحديات، وقد برهنتم على ذلك مرات ومرات.
بعون من الله استطاعت الجزائر أن تسترجع أمنها وستواصل الحفاظ عليه في هذا المحيط المضطرب.
هذا، وإن الجزائر تملك أيضا المكتسبات الضرورية للمضي قدما في تنميتها والاستجابة أكثر فأكثر للحاجات الاجتماعية لكل واحد من مواطنيها والالتحاق بركب البلدان الصاعدة.
كما أنها اعتمدت ديمقراطية حقة سيتواصل تطويرها وترسيخها حتى نثبت للعالم أننا لا نقل عن غيرنا شأنا في هذا المجال.
كل هذا إنما هو ثمرة جهودكم وتضحياتكم. وكل هذا يدعوكم إلى مواصلة المسيرة وإنجاح الجهاد الأكبر من أجل أن تبقوا في مستوى عظمة ثورة نوفمبر وتضحيات شهدائنا الأبرار.
على نغمة هذا الأمل المشروع، أختم رسالتي هذه متوجها إليكم, بني وطني الأعزاء، بأحر التهاني بمناسبة إحياء عيدنا الوطني، عيد أول نوفمبر، متمنيا لكم مزيدا من السعادة و الرفاه في كنف الجزائر المستقلة ذات السيادة، راجيا من المولى جل جلاله أن يكلأ شعبنا بعنايته ورعايته ويحفظ وطننا من كل سوء ومكروه.
 المجد والخلود لشهدائنا الأبرار.
تحيا الجزائر.
أشكركم على كرم الإصغاء».

وزير المجاهدين الطيب زيتوني للنصر
طال الزمن أو قصر يجب أن يكون هناك تعويض و اعتذار من فرنسا
  لا تعويض للأقدام السوداء والحركى كانوا عملاء و التاريخ سيشهد ضدهم
أكد وزير المجاهدين الطيب زيتوني ، أنه مهما  طال الزمن أو قصر فإنه يجب على فرنسا الاعتراف و الاعتذار وتعويض الشعب الجزائري عن الجرائم التي ارتكبتها خلال الحقبة الاستعمارية، واعتبر أن العلاقات بين الجزائر وفرنسا تبقى دائما غير مستقرة على خلفية ملف الذاكرة، حيث تظل العديد من الملفات عالقة بين البلدين إلى غاية اليوم وهو ما يتسبب في زعزعة الثقة بين الطرفين.   وأوضح الوزير في حوار مع النصر، أن تصريحات بعض المسؤولين الفرنسيين المتحاملة على الجزائر، تدخل في إطار الحملة الانتخابية الفرنسية. وبخصوص ملف الحركى قال زيتوني، أن هؤلاء اختاروا طريقهم فهم فرنسيون، و التاريخ سيشهد ضدهم لأنهم خانوا وطنهم وإخوانهم. كما تحدث وزير المجاهدين بالمناسبة عن مسائل أخرى وقضايا هامة منها ما يتعلق بكتابة التاريخ ونقله للأجيال، إضافة إلى ملف الأقدام السوداء وغيرها..
أجرى الحوار: مراد حمو
• النصر: تحتفل الجزائر بالذكرى الـ62 لثورة أول نوفمبر الخالدة ، ما أهم ما يميز الاحتفالات بهذه الذكرى ؟
•  وزير المجاهدين، السيد الطيب زيتوني: في البداية أشكر جريدة النصر على ما تقوم به بالنسبة للإعلام وتبليغ رسالة المجاهدين والثورة والثوار، والذي يدخل في صميم العمل الذي تقوم به وزارة المجاهدين ومن خلالكم أحيي كل قراء جريدة النصر بهذه المناسبة، وبالنسبة للبرنامج المسطر للاحتفال بالذكرى الـ62 لثورة أول نوفمبر، سيكون تحت الرعاية السامية لفخامة رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة  تحت شعار « مجد ومرجعية خالدة» وتم إعداد برنامج ثري يشمل كل القطاعات في الثقافة والتاريخ والتعليم وغيرها، و البرنامج بدأنا في تجسيده وقد شرعنا على مستوى البلديات والولايات في تنظيم مسابقات وملتقيات وغيرها كما غيرنا توقيت المتاحف وأصبح عملها ونشاطها دائما وتكون مفتوحة بعد أوقات العمل حيث تنظم كل المحطات التاريخية وتحتفل بها مع الشركاء لاسيما الاحتفال بهذه الذكرى وبالنسبة لقطاع المجاهدين توجد نشاطات ثقافية، علمية، تاريخية، من ندوات، محاضرات، ملتقيات وعرض أشرطة ولاطلاعكم فإن وزارة المجاهدين تتوفر على 44 متحفا تتوزع على معظم ولايات الوطن، وكلها مزودة بوسائل سمعية بصرية لجمع الشهادات وتسجيلها ومكتبات وقاعات للمطالعة وقاعات للمحاضرات ولعرض الأفلام والأشرطة وقاعات يلتقي فيها المجاهدون و الشباب من خلال الاتفاقيات الموجودة على مستوى الولايات بين وزارة المجاهدين ممثلة في مديرية المجاهدين أو المتحف وكذلك القطاعات الأخرى ، زيادة على النشاطات الرياضية  والثقافية في القطاعات الأخرى والتي كلها تدخل في صميم برنامج موحد على المستوى المحلي والوطني، زيادة على تنظيم في بعض الولايات استعراض لمختلف أنشطة الشباب  ونشاطات مختلفة ومسابقات في عدة ميادين، فهذه الذكرى غالية على الشعب الجزائري،  فإنه بفضل  1 نوفمبر 1945 ، نتمتع بالاستقلال والكرامة واستعادة السيادة الوطنية في  5 جويلية 1962 .
•  النصر: ماذا تقولون بشأن العلاقات بين الجزائر وفرنسا، سيما بعد التصريحات الأخيرة لبعض المسؤولين الفرنسيين؟
•  الطيب زيتوني: العلاقات بين الجزائر وفرنسا  تشهد فترات عدم استقرار، والسبب الرئيسي هو الذاكرة ، لأن موضوع الذاكرة هو المحور الرئيس بالنسبة للعلاقات بيننا وبين فرنسا، بحكم أن هناك ملفات عالقة بين البلدين و مادام هذه الملفات مطروحة والتي هي الآن قيد النقاش بين الطرفين وما لم تجد الحل و تحقق مرادها، فلا يمكن أن تكون هناك علاقات عادية. وبالنسبة لتصريحات المسؤولين الفرنسيين، فإنها تدخل في إطار الحملة الانتخابية للرئاسيات الفرنسية و الملفات التي بيننا وبين فرنسا ليست وليدة الظرف.
• النصر : لا تزال بعض الملفات عالقة بين البلدين، إلى أين وصل عمل اللجان التي تم تنصيبها والمتعلقة بملف الأرشيف ومسألة التعويضات عن التجارب النووية الفرنسية وملف المفقودين الجزائريين إبان الحقبة الاستعمارية ؟
• الطيب زيتوني:  تم الاتفاق في إطار المباحثات مع فرنسا على تنصيب ثلاث لجان، فهناك لجنة خاصة بالأرشيف الوطني ولجنة خاصة بالمفقودين ولجنة ثالثة خاصة بالتعويضات عن التفجيرات النووية في الجنوب الجزائري، هذه اللجان تشتغل بصفة دورية، ونستطيع أن نقول أن العملية لا تزال في طور الأخذ والعطاء من طرف اللجان ولم نلمس الجديد أو الملموس من طرف الجانب الفرنسي بخصوصها، و ستعقد اجتماعات أخرى نتمنى أن تأتي بالجديد، وعندما تسمع تصريحات الفرنسيين فيما يخص هذه الملفات فهي إيجابية لكن لا أثر لها في الميدان تقريبا، فالأرشيف الوطني الموجود بحوزة فرنسا لا يزال ينتظر نتائج المباحثات لاسترجاعه. وبالنسبة لملف المفقودين لم نعرف وضعيتهم الحقيقية والتعويضات عن التفجيرات النووية الفرنسية في الجنوب، لم تعوض فرنسا أي شخص في الجنوب الجزائري ولهذا تبقى الملفات عالقة دائما، وهذا ما يتسبب في زعزعة الثقة بين الطرفين وكذلك يعرقل العمل الجاد الذي تقوم به الجزائر والإرادة الصادقة في التعامل مع هذه القضايا المطروحة.
• النصر : آثار ومخلفات التجارب النووية التي قامت بها فرنسا في الجزائر تبقى شاهدة إلى اليوم على جرائم الاستعمار في حق الإنسان والطبيعة، ماذا بخصوص العمل المتعلق بإزالة هذه المخلفات الخطيرة؟
• الطيب زيتوني:  هم يرجعون إلى ما  يسمى بقانون موران ولما نقرأ هذا القانون نستطيع أن نقول أنه لا يأتي بالجديد أو الشيء الإيجابي للجزائر والجزائريين. ولما قام العلماء المختصون في المجال النووي بزيارة  المنطقة من بينهم جزائريون وأجانب  أشاروا إلى شساعة الرقعة الملوثة بفعل تعرضها للإشعاعات النووية ، ناهيك عن الأعراض الجسدية والنفسية و الأمراض التي أصابت وتصيب الآن المواطنين من مخلفات التفجيرات النووية .
• النصر : ماذا عن ملف استرجاع جماجم المقاومين الجزائريين من فرنسا وهل هناك اتصالات جديدة مع الطرف الفرنسي بخصوص هذه القضية ؟
• الطيب زيتوني: الجديد لن يأتي بين عشية وضحاها لأن هذه العملية عندها أكثر من قرن ونصف، لكن أظن أن الجزائريين كانوا يبحثون عن قانون لتجريم الاستعمار فصدر قانون من طرف جماجم شهداء المقاومة الشعبية المخزّنة في متحف الإنسان بباريس، فالذي أصدر قانون التجريم هو هذه الجماجم، أولا كشفت الغطاء عن الهمجية وعلى التنكيل وكذلك كشفت حقيقة المستعمر والعمل لاسترجاع هذه الجماجم تتكفل به الدولة الجزائرية عن طريق سفارتنا بباريس من خلال القيام بالإجراءات التقنية لاسترجاع هذه الجماجم ودفنها في أرض الشهداء والأبطال التي سقوها بدمائهم..
• النصر : فرنسا ارتكبت مجازر رهيبة منذ بداية الاحتلال ماذا عن مطلب الاعتذار وتقديم التعويضات للشعب الجزائري؟
• الطيب زيتوني: الدولة ممثلة للشعب الجزائري وهذا مطلب شعبي وواقعي وعادي بالنظر إلى ما ارتكبه المستعمر الفرنسي في حق الشعب الجزائري، و طال الزمن أو قصر يجب أن يكون هناك اعتذار واعتراف وتعويض ، هذه مطالب الشعب الجزائري والدولة تمثل الشعب الجزائري وهذا مطلب منطقي و من خلال كتابة التاريخ وإبراز جرائم الاستعمار ، هذا دليل قاطع على أن المطالب لازالت مستمرة وستبقى مستمرة إلى أن تحل هذه المشاكل المطروحة والملفات العالقة بين الطرفين .
• النصر:  الأقدام السوداء كانوا قد طالبوا بتعويضات مقابل أملاكهم التي كانت في الجزائر خلال فترة الاستعمار، ما رأيكم؟
• الطيب زيتوني: تصريح فخامة رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة كان واضحا في هذا الشأن ، فقد طويت الصحف وجفت الأقلام،  فليس لهؤلاء أي حق.
• النصر :  ملف الجزائريين الحركى الذين خانوا بلادهم وإنسانيتهم وإخوانهم فصل فيه الوقت والتاريخ ماذا تقولون في هذه القضية ؟
• الطيب زيتوني: هؤلاء اختاروا طريقهم فهم فرنسيين، طبعا التاريخ سيشهد ضدهم لأنهم خانوا وطنهم و بلدهم وإخوانهم وأرضهم، فهم عملاء لا نستطيع أن نغطي الشمس بالغربال، الأمر واضح هم اختاروا طريقهم حيث كانوا ضد الثورة، و ضد   المجاهدين وكانوا السبب في قتل الكثير من الجزائريات والجزائريين.
• النصر: إلى أين وصلت عملية التسجيلات الخاصة بالذاكرة الوطنية المتعلقة بالشهادات الحية للمجاهدين وكيف تنظرون إلى عملية كتابة التاريخ وتدريسه للأجيال ؟
• الطيب زيتوني:  عملية التسجيل ما زالت مستمرة إلى يومنا هذا، وقد وصلنا إلى تسجيل بعد الاجتماع التقييمي الذي قمنا به مع مديري المجاهدين ومديري مراكز الراحة والمتاحف إلى 16 ألف ساعة مسجلة وهي في أقراص مضغوطة، وبدأ المؤرخون والباحثون باستغلالها ، و في الحقيقة وزارة المجاهدين لا تكتب التاريخ ولكن تحضر المادة الخام لكتابة التاريخ وقد بدأنا في هذه العملية والآن أغلبية المجاهدين، خاصة ضباط جيش التحرير الوطني كتبوا مذكراتهم وسجلوا شهاداتهم ، كما أن معاهد التاريخ والجامعات تهتم بالتاريخ والصحافة والإعلام كذلك يهتم بالتاريخ، الكتب التي صدرت مؤخرا، خاصة الإصدارات الخاصة بالذكرى الـ60 والذكرى التي سبقت والإصدارات التي أصدرتها وزارة المجاهدين من أفلام وأشرطة وثائقية وأفلام طويلة كلها تحكي عن التاريخ، المكتبات الموجودة داخل وزارة المجاهدين أو داخل متاحف المجاهدين كلها كتب تاريخية حول ثورة التحرير الوطني والمقاومة والحركة الوطنية، نحن متقدمون جدا في هذا الميدان، ويوجد لدينا حاليا 44 متحفا ولائيا زيادة على المتحف الوطني بالعاصمة زيادة على بعض المشاريع الآن التي هي في طور الانجاز والتجهيز، وفي المستقبل نسعى إلى أن يكون لكل ولاية متحف خاص بها للمجاهد وهذا هو البرنامج المسطر لدى وزارة المجاهدين، زيادة على الحفاظ على المعالم التاريخية ومقابر الشهداء ومراكز التعذيب إبان ثورة التحرير الوطني والتي أحصتهم الوزارة والآن لديها ملفات الخاصة بها من أجل الترميم و المحافظة عليها فهي تعتبر شهود عيان وتاريخ ناطق بالنسبة للحقبة الاستدمارية في الجزائر .
• النصر: ماذا بخصوص إنشاء قناة تلفزيونية تهتم بتاريخ الجزائر ؟
• الطيب زيتوني: التفكير موجود و الملف جاهز لكن التمويل ينقصه ، نظرا للظروف المالية التي تمس كل دول العالم بما فيها الجزائر، فالمشروع قائم ، فإذا أنشأنا قناة لابد أن تكون دائمة ومستمرة، والمادة موجودة ولكن الوسائل المادية لبثها تنقصنا في الظرف الحالي ولكن نحن في اتصال مع المؤسسة الوطنية للتلفزيون وإذا استطعنا حل بعض المشاكل سنعلن عنها في الوقت المناسب إن شاء الله. أما الإذاعة الخاصة بالذاكرة فستكون في مركز الدراسات والبحث في الحركة الوطنية وثورة أول نوفمبر، وتقريبا الملف في اللمسات الأخيرة، و  سيكون بث هذه الإذاعة  لساعات قليلة في البداية، على أن يتم توسيع البث أكثر مع مرور الوقت ، لأننا نستطيع بوسائلنا الخاصة أن تكون لدينا قناة إذاعية عكس القناة التلفزيونية .
• النصر : كلمة أخيرة حول ذكرى أول نوفمبر المجيدة وعن الانجازات التي حققتها جزائر الاستقلال؟
• الطيب زيتوني: من الإنجازات المحققة ، وجودك أنت معنا اليوم أولا كشاب وكصحافي، و الاهتمام بالصحافة والصحافيين يشجعنا أكثر و نعمل أكثر وخاصة في هذا الموروث الثقافي التاريخي الذي تعرفه الجزائر، و وزارة المجاهدين بالأخص. فالجزائر معروفة بتاريخها وبماضيها وأحسن هدية نقدمها في عيد الثورة للشهداء والمجاهدين هي الاعتناء بتاريخنا، ومن خلال ذلك الاعتناء بالجزائر والتي هي كانت وصية الشهداء والمجاهدين ووصية من ضحوا من أجل الجزائر ونشكر جريدتكم المحترمة ونرجو كذلك من خلالها أن تخصص ابتداء من هذه الذكرى دائما على الأقل نصف صفحة حول التاريخ ولما نقول حول التاريخ ، حول شهيد أو معركة وتصبح ساهمت بشكل كبير في كتابة التاريخ وتبليغه للشعب الجزائري عامة.      
م.ح

رئيس المركز الوطني للأرشيف للنصر
الجزائر ستستلم 50 مليون وثيقة عن الثورة من الصليب الأحمر
لا يوجد بالأرشيف المحتجز لدى فرنسا ما يضر بالثورة والأرشيف المحلي لا يكفي لإعداد البحوث      جل الباحثين الذين يقصدون مركز الأرشيف أجانب وقلما نستقبل باحثين جزائريين
كشف رئيس المركز الوطني للأرشيف، السيد عبد المجيد شيخي، عن التوصل إلى اتفاق مع الصليب الأحمر الدولي، يقضي بتسليم الجزائر نسخ عن كافة التقارير التي أعدها الصليب الأحمر الدولي إبان الثورة، والمقدر عددها بحوالي 50 مليون وثيقة،من بينها صور المساجين الجزائريين، معلنا في حوار للنصر،  أن الأرشيف الذي ما يزال بحوزة الأشخاص والمنظمات والزوايا أكثر بكثير مما تحوز عليه الدولة، مبديا تفاؤله باسترجاع أرشيف الجزائر الذي استحوذت عليه فرنسا.
حاورتـه : لطيفـة بلحـاج
 النصر:  كثر الحديث مؤخرا عبر وسائل الإعلام عن ملف استرجاع الأرشيف، الذي يؤرخ لمراحل ما قبل وخلال الثورة التحريرية، هل ما تزال مساعي الجزائر مستمرة في هذا الإطار؟
عبد المجيد شيخي:  هذا الموضوع مطروح من الدولة منذ استرجاع السيادة على مختلف المستويات، حتى قبل إنشاء مؤسسة الأرشيف، على مستوى أجهزة الدولة ووزارة الخارجية، والسؤال حول ما إذا كان فعلا هناك أرشيف جزائري لدى فرنسا، والسلطات الفرنسية لا تريد أن تعيده، أنا أقول نعم، الأرشيف موجود وبكميات كبيرة جدا، لأن الاستعمار الفرنسي أخذ كل ما هو مهم في الأرشيف ولم يترك إلا الفتات، وهو لا يتعلق فقط بالفترة الاستعمارية بل يصل إلى أبعد ما يمكن أن يذهب إليه في التاريخ، لقد أخذوا كل شيء، مخطوطات كتب وثائق خاصة وعامة للدولة، كل هذا موجود في المخازن الفرنسية، وأن الفرنسيين لا يريدون إعادته، هذا صحيح أيضا، لأسباب عديدة، السبب الأول الذي يقدمونه كحجة هو أن هذا الأرشيف وضعه الفرنسيون في إدارة البلاد وبالتالي فهو فرنسي، وهذا يتعارض مع المنطق، ومع الأعراف والقوانين الدولية لأن الأرشيف ملك للإقليم الذي نشأ فيه، بغض النظر عن السلطة السياسية التي توجد به، إذا الأرشيف نشأ على أرض الجزائر فهو ملك للجزائر.
السبب الثاني أنهم يفرقون بين أرشيف التسيير وأرشيف السيادة، وهذا لا مجال له من الصحة، لأنها مصطلحات مطلوب تحديد معانيها ومحتواها، وهذا ما لم ترد السلطات الفرنسية أن تقدمه، حتى نعرف ما هو من أعمال السيادة التي تتمسك بها الدولة الفرنسية، وما هو من أعمال الإدارة الذي يهم تسيير البلاد. والمطالبة باستعادة الأرشيف بدأت سنة 62 ولا زالت قائمة، وهناك مساعي، وتشكلت لأجل ذلك لجنة مشتركة ما بين الأرشيف الجزائري والأرشيف الفرنسي، وهي تناقش الموضوع منذ سنوات، ولم يتم لحد الآن استرجاع أي شيء، سوى بعض الأرشيفات خلال الثمانينات، ولكنها كانت بمثابة هدية، أو طيبة خاطر، أما أن تكون منظمة في إطار عملية استعادة الأرشيف ، فهذا ما لم تقم به السلطات الفرنسية إلى اليوم، ونحن لا زلنا في مساعينا ومحادثاتنا، وفقد أحرزنا تقدما في توضيح المفاهيم، وقد نصل قريبا إلى إجراءات التسليم. علما أننا اتهمنا من بعض المواطنين الجزائريين، وخاصة من بعض الأرشيفيين  الذين غادروا المؤسسة، أننا تنازلنا عن ملكية الأصول،  وقبلنا بالنسخ، هذا ما لم يتم إطلاقا، لأن هناك اتفاقا بين الجزائر وفرنسا، ينص صراحة على أن الجزائر لا تتنازل عن الأصول، نحن نملكها ونريد استرجاعها، أما أن نقبل مرحليا بالنسخ، فهذا من منطلق حرصنا على تسهيل عمل الباحثين عندنا فقط.
ـ  كيف يمكن أن نعرف الحجم الإجمالي للأرشيف الجزائري الذي استحوذت عليه السلطات الفرنسية؟
ـ هذا سؤال لا يطرح، لأننا لا يمكن أن نقيم الحجم وكذلك العدد، هذا كلام غير منطقي، أنا أقول لك هناك أطنان وأطنان من الأرشيف لا نستطيع تقديرها، هذا الشيء أخذ من الجزائر على مدى سنين، وتراكم في المخازن الفرنسية، ولا يمكن أن نقدره إلا عندما نصل إلى مرحلة التسليم، وأنا متأكد أنه حتى عندما نستلم الأرشيف كاملا، سوف يبقى منه عند الفرنسيين ما هو مخفي أو غير معروف.
ـ البعض يتحدث عن أرشيف مضر بالثورة هو بحوزة الفرنسيين، وأن الجزائر تتماطل في استرجاعه خشية وقوع مشاكل وتصفية حسابات؟
 هذا كلام أيضا فارغ وغير صحيح، وهي حجة تقدمها السلطات الفرنسية وتروجها في المجتمع، والتي مفادها أن استلام الأرشيف سيؤدي إلى قيام حرب أهلية، وأنه ستكون تصفية حسابات و سيكون خونة، أنا أقول أن لا أحد مسؤول عن أمن الجزائر أكثر من الدولة، فهي مسؤولة عن الأمن والاستقرار، وعند دخول الأرشيف فإن الدولة تعرف ما سيقدم للباحثين وما يمكن أن يمنع عنهم، وهذا إجراء معمول به في جميع دول العالم، لا ننفرد في هذا عن الدول الأخرى.
 ـ إذا لمَ تأخر استلام الأرشيف طيلة كل هذه السنوات؟
 صحيح أن هناك ما يضر فرنسا، لأن تفاصيل المجازر التي وقعت في الجزائر، منذ 1830 تدينها فعلا، وهناك أدلة عليها، ويمكن أن تكون هذه حجتها، وإذا ثبتت بعض المسائل، التي تعد ثابتة بالنسبة لنا، وبعد العثور على الوثائق التي تؤكدها ستنجر عنها مسؤوليات، وأذكر على سبيل المثال مجازر 45 و مجازر أكتوبر 61 في باريس، لكن ما قبل هذا إبادة قبائل بكاملها، منها قبيلة العوفية، والمحارق التي وقعت في الظهرة بنواحي مستغانم وكذلك بقالمة، والقتل الجماعي في هجومات 55 بملعب سكيكدة، وغيرها كثير.
 ـ هل سيتم تحريك دعوى قضائية ضد فرنسا مع المطالبة بالتعويض في حال استلام الأرشيف؟
 ـ هذا موضوع لا يهم الأرشيف، ولا أستطيع التحدث باسم السلطات العليا في البلاد، أما أنا فمن واجبي، أن أحصل واسترجع الأرشيف، و أضعه في متناول الباحثين، أما ما يعمل به خارج المؤسسة فهذا من مسؤولية الجميع، وكل جهة لها اختصاصها.
ـ برأيك هل هذا هو أكثر ما يخيف فرنسا وماذا عن استرجاع الجماجم؟
ـ لا أعرف ما يحرك السلطات الفرنسية وما يدور في خلدها من منع تسليم الأرشيف، ولكن قد يكون هذا أيضا واردا بطبيعة الحال، وموضوع الجماجم لا يهم الأرشيف بل المتاحف.
 ـ ألا ترون أن استعادة خرائط الألغام هو أمر جد مستعجل، لأن الأمر يتصل بسلامة الأشخاص؟
 ـ الخرائط الصحيحة لم نستلمها، هذا كذلك بالنسبة لنا كهيئة أرشيف سيسلم لنا مستقبلا وهذا الموضوع مستعجل منذ سنة 62، ولكن لو انتظرنا أن نستلم الخرائط لندمر الألغام، لربما قتل نصف الشعب الجزائري، لكن الحمد لله هذه العملية بدأ بها جيش التحرير، مباشرة بعد استرجاع السيادة سنة 63، تمت عملية مسح كبيرة ودمر الكثير منها، ولكن المشكل في الألغام المتبقية التي لا يعرف مكانها لأن الأرض تتحرك، ولان السيول تلعب دورها، هذا الذي يجعل هذا الأمر دائما مستعجلا، إذا كانت روح مواطن جزائري واحد مهددة بالإزهاق، فعلينا أن نسرع لنحمي هذه الروح.
 ـ كم عدد الألغام التي تم زرعها قبيل الاستقلال والتي ما تزال تحصد أرواح الأبرياء؟
ـ هي تقدر بحوالي 20 مليون لغم، أما ما نُزع منها، فيمكن الرجوع إلى الإعلام الذي أعد تقارير بخصوص الموضوع، وأنتم أيضا كإعلاميين عليكم بالبحث قليلا؟
 ـ  لماذا  لم نحصل لحد اليوم على عدد ضحايا مجازر 17 أكتوبر 1961، الذين رمت بهم فرنسا في نهر السين؟
 ـ هو ضمن الأرشيف الذي لم يسلم، ونحن لم نقصر في هذا الملف، لأن موضوع الأرشيف يطرح برمته، ونحن لا يمكن أن نذهب للطرف الفرنسي ونقول له اعطني هذا الأرشيف، وعندما يرفض نمر إلى أرشيف آخر للمطالبة به، نحن نطرح القضية بصورة عامة، على أساس استرجاع ملكنا، وبالنسبة لمظاهرات 17 أكتوبر، الإحصائيات التي وضعها الفرنسيون موجودة عندهم، زائد البلاغ الرسمي «لبابون»، الذي يتحدث عن 10 قتلى، وحوالي 40 أو 50 جريحا، هذا موجود في تقارير جبهة التحرير الوطني التي تتحدث عن 300 ضحية، وأنا اعتقد أن العدد أكبر من هذا بكثير، لكن هناك وسيلة مقارنة، حتى نصل إلى أن العدد الذي تقدمت به مصالح جبهة التحرير في باريس في ذلك الوقت، قريبة من الحقيقة وهي ما كتبته الصحافة العالمية في ذلك اليوم، وهو ما كانت تخشاه السلطات الفرنسية، بحكم أن باريس هي عاصمة عالمية كبرى، لذلك فإن الصحافة العالمية كانت موجودة وكتبت في الموضوع، وأعطت إحصائيات، حول عدد القتلى في كل مكان، ويمكن بموجب عملية حسابية بسيطة معرفة عدد الضحايا في تلك الأيام، هذا يعطينا رقما ليس بعيدا عن رقم الجبهة، لكن الذي نجهله هو الذين ألقي عليهم القبض، وأرسلوا في الطائرات إلى جزائر، ومنهم الكثير ألقي بهم في البحر، من السماء، أما العدد الذي تحول من فرنسا إلى الجزائر، فيقول البعض أنه في حدود 11 ألف إلى 12 ألف مهاجر أبعدوا من فرنسا، وأتي بهم إلى مراكز التجمع والمحتشدات، لكن لا نعرف كم عددهم بالضبط، ويمكن أن تسهل العملية من خلال التقارير التي يكون الصليب الأحمر الدولي وضعها، والتي نحن بصدد تصويرها، وهو انفراد للجريدة قبل الإعلان عنه، نحن وصلنا إلى اتفاق مع الصليب على تصوير كل الوثائق الخاصة بمرحلة الثورة من 54 إلى 62، وتشكل حوالي 50 مليون وثيقة، بما في ذلك صور المساجين الجزائريين الذين كان الصليب الأحمر يزورهم، سواء في فرنسا أو الجزائر، وهو رصيد مهم جدا ربما سنبدأ في تصويره في غضون شهر أو شهرين.
 ـ  بعض المؤرخين يطعنون في الأرشيف الموجود لدى فرنسا على أساس أنه مزور، ويدعون إلى الاعتماد على الأرشيف المحلي ما صحة ذلك؟
ـ هو كلام غير صحيح، وأرفض الدخول في صراع معهم، وأقول إنه في جميع أنحاء العالم، وفي كافة الأحداث التي وقعت في التاريخ، لا يكفي الرصيد الموجود لتغطية الحقيقة التاريخية، وبالتالي نحن دائما نقول أن الأرشيف الموجود  عندنا غير كافٍ، وهذا يشجعنا على أن نبحث عن الأرشيف أينما وجد. وبالمناسبة فإن حجم الأرشيف الموجود عند الخواص حول أحداث الثورة وما قبل الثورة وحتى بعد الاستقلال ، أكثر مما هو موجود في مخازن الدولة، غير أنهم يرفضون تسليمه.
 و هل يمكن للدولة أن تمارس سلطتها في هذا المجال؟
لا يمكن أن نطلب من الدولة ما هو مستحيل وما فيه خطر، إذا كان لأحد أرشيف تملكه الأمة، وهو موجود في حوزته ولا يريد تسليمه، فإن  القانون يجيز لي كمدير الأرشيف الوطني أن أستعمل الشرطة وأقتحم البيوت لأخذ هذا الأرشيف، لكن تصوري أنني سأحضر الشرطة لأرغم مواطنا على تسليم الأرشيف، يمكن أن يدفع به ذلك إلى إشعال عود ثقاب ويحرقه، فأنا لا أغامر حتى لا أضيع أرشيف الدولة، باستعمال ما يخوله لي القانون، لذلك نحن نتفاوض مع الأفراد والجماعات، منها الزوايا ومنظمات دينية واجتماعية، نتفاوض معها بالتي هي أحسن، ولدينا طريقتان، من خلال القانون الذي يلزم كل شخص بالتصريح بالأرشيف، وإذا لم يصرح نطلب منه في حال عدم التسليم تصويره لنحتفظ بنسخة، لأننا لا ندري ما قد يحدث مستقبلا، قد تقع فيضانات أو حرائق، وقد يتلف الأرشيف، هذا ما نحن بصدده، وأحيانا ننجح وأخرى لا، ولكن نعيد الكرة في كل مرة.
 ـ وماذا عن أرشيف المرحلة العثمانية؟
ـ بالنسبة للمرحلة العثمانية هم لم يأخذوا الوثائق، الجزائر كانت مستقلة ولم تكن مستعمرة و كنا نكن الولاء للخليفة في المنابر، والأرشيف الموجود في تركيا في الفترة العثمانية يخص بعض المراسلات، على أساس أن الأصل موجود هنا، واتفقنا مع الأتراك تسليمنا نسخا طبق الأصل عن كل ما هو موجود في خزائنهم، وقد بدأوا،  وإن كانت الكميات غير كبيرة، ويبقى جل الأرشيف الجزائري في الحقبة العثمانية لدى فرنسا، مع وجود البعض منه على مستوى مركز الأرشيف الوطني.
ـ هل يتعامل الأرشيف مع الباحثين الجزائريين؟
ـ للأسف نستقبل الأفراد، لكن الباحثين لا يقصدوننا، في حين أن دور و مراكز الأرشيف في العالم مفتوحة للباحثين، وأنا فتحته حتى لتلاميذ الابتدائي،  كما نستقبل باستمرار باحثين يأتون من اليابان وأمريكا وألمانيا ودول أخرى لدراسة الثورة التحريرية.   
ل.ب

الباحث في التاريخ محمد لحسن زغيدي للنصر
الشهــادات الحيـة المسجـلة من أفواه المجـاهدين قد تصـحح كتـابـات سـابقة عن الثـورة
يدعو أستاذ مادة التاريخ بجامعة الجزائر، الباحث محمد لحسن زغيدي في هذا الحوار إلى استغلال كل الآليات المخولة لدى المركز الوطني للدراسات والبحث في تاريخ الحركة الوطنية وثورة التحرير من أجل تدوين الشهادات الحية المسجلة من أفواه المجاهدين لأهميتها الكبرى في كتابة تاريخ الثورة، معتبرا بأنه من شأن بعض الحقائق الواردة في هذه الشهادات أن تصحح بعض ما ورد في الكتابات السابقة عن الثورة وقد يصل الأمر كما يقول إلى تفنيد بعضها.
حاوره: عبد الحكيم أسابع
كما دعا زغيدي في لقاء خص به النصر إلى رفع كل العراقيل الإدارية والبيروقراطية من أمام الباحثين والدارسين على مستوى المركز الوطني للوثائق وعدم إجبارهم على الاطلاع على الوثائق في عين المكان بل السماح لهم بنسخها وتصويرها، ‹› تسهيلا لمهامهم البحثية البعدية››.
النصر: برأيكم كيف يمكن استغلال الكم الهائل من شهادات المجاهدين التي تم تسجيلها على مر السنوات الماضية وتوظيفها في كتابة تاريخ ثورة التحرير؟
اعتقد أن استغلال المخزون الأرشيفي الناطق، والكبير لشهادات المجاهدين الذي تعود بداية تسجيله إلى أكثر من 30 سنة، يتطلب تفعيل الآليات العلمية الموجودة تحت وصاية المركز الوطني للدراسات والبحث في الحركة الوطنية والثورة التحريرية، طبقا لمرسوم إنشائه ولخصوصية وهيكلة مهمته وهو جمع المادة التاريخية والإشراف على تدوينها.
وتقوم عملية تدوين الشهادات من خلال تسخير باحثين متخصصين في هذا الموضوع يعملون تحت وصاية المركز وتقديم التوجيهات اللازمة لهم لإنجاز البحوث اللازمة.
وحري بالمركز أن يسعى من جهة أخرى إلى تجنيد فرق بحث في إطار  المشروع الوطني للبحث العلمي بالتنسيق مع وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، بحيث يتكفل المركز بكل ما له علاقة بمهمته أي الحركة الوطنية وثورة أول نوفمبر، بتفعيل هذه الوحدات من خلال الميزانية التي رصدت لها وترجمتها إلى أعمال تاريخية، من خلال العمل على استغلال تلك المادة الموجودة بالمركز.
وعلى المركز أن يستفيد من التجارب المعمول بها من طرف نظرائه في البلدان الأخرى، بتخصيص فضاء مناسب للباحثين في مرحلة ما بعد التدرج في مؤسسات التعليم العالي كطلبة الماستر والدكتوراه، من خلال توفير الأشرطة والأقراص المضغوطة التي يسهر على إنجازها تقنيون مختصون ، ما يجعل المركز يصبح أداة بحثية إنتاجية تنتج المذكرات والرسائل الجامعية.
النصر: وبرأيكم هل من شأن استغلال هذه الشهادات الهامة، المسجلة من افواه من صنعوا أوعايشوا الثورة، أن تغير بعض المعطيات المتداولة حول ثورة التحرير؟
إن أهمية هذه الشهادات تكمن في كونها تنبع من صانعي الثورة ومن شأنها أن تصحح ما هو موجود من بعض الكتابات السابقة عن ثورة التحرير، غير انه يجب التأكيد على أن الشهادات المسجلة لا يمكن اعتبارها حقيقة مطلقة سوى إذا ما قورنت بالشهادات الأخرى والوقائع الميدانية، لأنه ليس كل ما يقال يجب التسليم المطلق به، وذلك يدخل طبعا ضمن اختصاص المؤرخ المتخصص، الذي يلتزم بقواعد المنهجية العلمية المتفق عليها والمتبعة في الدراسات التاريخية.
وطبعا فمن دون شك أن الشهادات المسجلة من أفواه صانعي الثورة التي قمت بالإشراف شخصيا على تسجيل عدد معتبر منها على مستوى متحف الجهاد، الذي كان تحت وصاية مقام الشهيد، قبل أن يتحول إلى متحف للمجاهد، تساعد المؤرخ على الوصول إلى الحقيقة، سيما وان الكثير منها تم تسجيلها من أفواه قيادات فاعلة في الثورة قبل رحيلهم والبعض لازال على قيد الحياة مثل جميلة بوحيرد، ومن شأن هذه الشهادات، أقول، أن تثبت ما هو متداول أو مكتوب أو تنفيه بتقديم ما يثبت بطلانه.
كما أن هذه الشهادات من شأنها أن تبقى رصيدا معرفيا لأي عمل علمي تاريخي مستقبلي للأجيال المتعاقبة لأنه لا يمكن أن يتولى كتابة التاريخ جيلا واحدا، باعتبار أن التاريخ تصنعه وتكتبه أجيال متعاقبة، وعليه فإن الجيل الحالي مطالب بجمع الشهادات وترتيبها وتبويبها وتدوين ما أمكن من خلال إعطاء تعريف شامل وكامل للثورة، وتبقى مهمة التدقيق والتفصيل، بذكر صغائر الأمور وكبائرها وظاهرها وخفيها، مهمة ملقاة على عاتق الأجيال المتعاقبة، بشرط أن نحافظ على ما هو موجود ونعمل على إثرائه.
النصر: مؤسسة المركز الوطني للأرشيف تؤكد بأنها فتحت أبوابها على مصراعيها أمام الباحثين لاستغلال المادة المتوفرة وتوظيفها في بحوثهم ودراساتهم، فما المطلوب برأيك من الباحثين المهتمين بكتابة تاريخ الثورة قصد إثراء المكتبة الوطنية بالكتابات المتخصصة في هذا المجال؟
المعروف أن مهمة المركز الوطني للوثائق يتمثل في جمع الوثائق والعناية بها وصيانتها بهدف استغلالها في الأخير من طرف الباحثين ووضعها في متناولهم بسهولة وبدون بيروقراطية أو عوائق إدارية، وليس بتخزينها والإغلاق عليها ما يجعلها ذات قيمة.
النصر: لكن ما يفهم من تصريحات مدير المركز الوطني للأرشيف أنه لا توجد أي عوائق أو قيود أمام الباحثين لاستغلال الوثائق التي يتوفر عليها؟
العوائق موجودة في أرض الواقع ونحن نطالب من هذا المنبر تمكين الباحثين والدارسين من الحصول على نسخ من هذه الوثائق، أو السماح لهم بتصويرها، لكي يتمكنوا من التعامل معها في أرياحية من أمرهم في مكاتبهم أو مخابرهم، لأن الممارسات البيروقراطية التي تفرض على الباحث بتمكينه فقط من ‹› التفرج ‹› عليها، دون السماح له بتصويرها يعتبر خرقا وتعطيلا للبحث العلمي وللباحث في هذا المجال.   
 فأي حرمان للباحث من نسخ أو تصوير الوثائق الموجودة في مؤسسة الأرشيف الوطني، يعتبر عرقلة للباحث وهو إجراء مخالف لما هو معمول به في مراكز الأرشيف عبر العالم أين يطلب من الباحث تسديد مستحقات ما يريد نسخه في عين المكان ولو بمئات آو آلاف النسخ، ليستغلها وقت ما يريد وفي المكان الذي يريد.

الشباب والمثقفون في فرنسا يعارضون سياسة حكوماتهم بشأن التوبة والاعتذار
  أكثـر من نصف الفرنسيـين يؤيدون تقديـم اعتـذار رسـمي للجزائر 
أظهر استطلاع للرأي أجراه المعهد الفرنسي لسبر الآراء «ايفوب» بطلب من الموقع الالكتروني «كل شيء عن الجزائر» أن أزيد من 52 بالمائة من الفرنسيين يؤيدون مطلب تقديم الاعتذار عن الجرائم التي ارتكبتها فرنسا الاستعمارية في حق الشعب الجزائري، في موقف يبدو مغايرا تماما لموقف الحكومات الفرنسية المتعاقبة التي كانت دوما تتجاهل هذا المطلب، ويوضح المسح الذي أجراه معهد فرنسي معروف، التباين الواضح بين موقف غالبية الشعب الفرنسي من مسألة الذاكرة، و النهج الذي تتبعه فرنسا الرسمية.
نشر موقع «كل شيء عن الجزائر» أمس، استطلاعا للرأي وذلك عشية الذكرى الـ62 لاندلاع الثورة التحريرية، يتناول العلاقات بين الجزائر وفرنسا، وتناول المسح الذي أجراه المعهد الفرنسي «ايفوب» الذي يعد احد المعاهد الأكثر تأثيرا في فرنسا، مسائل تتعلق بالعلاقات بين البلدين، خاصة ما يتعلق بالذاكرة والاعتذار، وجماجم الشهداء الجزائريين المتواجدة في متحف الإنسانية بباريس.
وأظهرت نتائج المسح الذي يعد الأول من نوعه، وجود تباين بين موقف فرنسا الرسمية، وموقف الشعب الفرنسي، ففي الوقت الذي رفضت كل الحكومات الفرنسية المتعاقبة الاعتراف بالذنب وطلب العفو من الجزائريين عن الجرائم المرتكبة في حق ملايين الجزائريين، يميل غالبية الشعب الفرنسي إلى تأييد مبدأ طلب الاعتذار، وهو ما قد يحدث زلزالا سياسيا في فرنسا، وقد يفتح المجال أمام السياسيين الفرنسيين لمراجعة موقفهم بشأن طلب الصفح من الشعب الجزائري.
هذا المسح الذي اظهر ولأول مرة تأييد غالبية الفرنسيين لمطلب تقديم الاعتذار عن الجرائم الاستعمارية، عكس ما كان يشاع في أوساط الرسميين الفرنسيين بوجود معارضة شعبية لهذا التوجه، كشف بان 52 بالمائة من الفرنسيين يؤيدون مبدأ تقديم الاعتذار للشعب الجزائري، ويدعمون بذلك ضمنيا المطلب الذي رفعته منظمات وجمعيات جزائرية، ودافع عنه مسؤولون و وزراء، بان تقوم فرنسا الرسمية بتقديم اعتذار علني ورسمي عن الجرائم المرتكبة من قبل الاستعمار الفرنسي في حق ملايين الجزائريين، الذي قتلوا وشردوا وصودرت ممتلكاتهم وأحرقت قراهم ومداشرهم. و وفقا لنتائج استطلاع معهد «ايفوب» فان 15 بالمائة من المستجوبين «موافقون جدا» على مبدأ تقديم الاعتذار، و 37 بالمائة منهم «موافقون»، مقابل 21 بالمائة فقط «يعارضون بشدة» أي خطوة من هذا القبيل.
ويظهر التقرير تباينا واضحا بالنسبة للفئات العمرية، حيث يميل الشباب الذين لا تتجاوز أعمارهم 35 سنة لتأييد مطلب الاعتذار، وهذا ما قد يشكل عاملا ايجابيا في مستقبل العلاقات بين البلدين، بالمقابل فان غالبية الرافضين ينتمون إلى فئات عمرية متقدمة، ويؤكد المسح، بأن 61 بالمائة من المؤيدين لمبدأ الاعتراف والاعتذار هم تحت سن 35 سنة، مقابل 38 بالمائة فقط من الأشخاص الذين تزيد أعمارهم عن 65 سنة، والذين يدعمون بدورهم مبدأ الاعتذار، ويشير التقرير بان 32 بالمائة من المستجوبين الذين هم فوق 65 سنة يعارضون بشدة تقديم أي اعتذار، ويتعلق الأمر هنا بالفئات التي عايشت الاستعمار الفرنسي للجزائر.
ويشير المسح كذلك إلى وجود تباين بين الجنسين، ففي الوقت الذي أبدت فيه 56 بالمائة من النساء تأييدهن لمبدأ الاعتذار، فان هذه النسبة تقدر بـ 47 بالمائة بين الرجال، ويشير مدير المعهد في تحليله للنتائج، أن الأشخاص الذين يعارضون مبدأ تقديم الاعتذار «يعتقدون انه لا يوجد اي اعتذار يمكن تقديمه عن الأخطاء المرتكبة والتي كانت من الجانبين»، بينما يرى المستجوبون من فئة الشباب والأشخاص الذين يتمتعون بمستوى اجتماعي مناسب، انه «لا يوجد اي مشكل في تقديم الاعتذار طالما أن تلك الجرائم موثقة وليس محل جدل أو نقاش».
ويسلط التقرير، الضوء على التباين في المواقف بين أنصار اليمين واليسار، ففي الوقت الذي يؤيد فيه 74 بالمائة من المنتمين لليسار، على غرار الحزب الاشتراكي الحاكم، والشيوعيين، وأحزاب أخرى يسارية، تأييدهم للاعتذار، بينما لا تتجاوز نسبة المؤيدين لمبدأ الاعتذار عن الجرائم المرتكبة خلال الفترة الاستعمارية بين أنصار اليمين 31 بالمائة. وهم غالبا ما يشكلون خزان أطروحة «الجزائر فرنسية» وبحسب التقرير فان 62 بالمائة من أنصار الحزب الجمهوري (حزب الرئيس السابق ساركوزي) يعارضون فكرة تقديم الاعتذار، وترتفع نسبة المعارضين إلى 75 بالمائة بين أنصار حزب الجبهة الوطنية التي تتزعمه مارين لوبان المعروفة بمواقفها العدائية والرافضة لفكرة التوبة والاعتذار. 
أنيس نواري

بطل معركة الحوران بالمسيلة المجاهد سعيد سعود يدلي بشهادته للنصر
فاجأنــا العساكــر الفرنسيين بالهجــوم و كسرنــا قاعــدة «العـدو الذي لا يقهـر»
تعتبر معركة الحوران التي دارت في 4 فيفري 1958، بالهجوم على مركز القاعدة العسكرية لسلاح الفرسان التابعة لقوات العدو الفرنسي شمال منطقة حمام الضلعة بالمسيلة، من بين المعارك الهامة و الكبيرة التي مكنت جنود جيش التحرير البواسل من قهر آلة الدمار التابعة للعدو و تلقينهم درسا في التضحية و الكفاح و التخطيط المحكم للعمليات العسكرية، بعدما كللت مهاجمة مركز العدو، بقتل و أسر أغلب العساكر الذين كانوا به، و لم ينج منهم سوى عسكريين إثنين، ناهيك عن غنيمة المعركة من العتاد الحربي و تدمير الدبابات و العربات، التي مكنت من تزويد خزائن جيش التحرير الوطني بالولاية الثالثة بكميات كبيرة من الأسلحة الثقلية و الذخيرة و الألبسة، و إيصالها على ظهور البغال إلى منطقة أكفادو، مقر قيادة الولاية الثالثة و العقيد عميروش.
المعركة كسرت شوكة العدو الفرنسي و قاعدة «العدو الذي لا يقهر»، حسب المجاهد سعيد سعود بطل هذه المعركة الذي أدلى لنا بشهادته في منزله ببلدية اليشير بالبرج، و عاد بنا إلى تضحيات رفقائه في السلاح و شجاعتهم  في الدخول إلى ثكنة العدو، بعدما فتح الطريق بتسلله أولا إلى داخل المركز ومن ثمة إلى المطعم الذي كان يجتمع به عساكر العدو لتحديد مخطط العمل لليوم الموالي، بعد تطويق المكان و الإحاطة به، وفقا لمخطط محكم جرى التدبير و التحضير له قبل أشهر من قبل الشهيد «زرنوخ محمد»، و أسفر عن تدمير المركز عن آخره و تدمير و حرق العربات و الدبابات و قتل و أسر عساكر العدو، ما سمح بالحد من الخناق الذي كان يعاني منه جنود جيش التحرير خلال تحركاتهم بالمنطقة، بفعل التعداد الكبير لعساكر العدو بالثكنة و قاعدة سلاح المدرعات المدججة بالأسلحة الثقيلة و الدبابات و العربات التي تستعمل في عمليات التمشيط و قصف مواقع الجنود الجزائريين. و يضيف محدثنا أن عملية الاقتحام لم تكن سهلة لكنها كانت ناجحة بفعل التخطيط المحكم، الذي مكّن من السيطرة على الوضع و قتل جنديين فرنسيين و أسر آخرين، مع الحصول غنائم كبيرة، منها أربعة مدافع الهاون و مدافع رشاشة و أجهزة اتصال و كذا 25 بندقية و مسدسات، فضلا عن حرق 7 دبابات و عربتين مجنزرتين و سيارة من نوع «جيب».
العقيد عميروش هنّأنـا  على عملنــا البطولــي
بعد غنم الأسلحة و الذخيرة و تدمير مركز العدو عن آخره، عاد جنود جيش التحرير محملين بالغنيمة و الأسرى إلى جبال البيبان بمنطقة بني وقاق مشيا على الأقدام على مسافة 30 كيلومترا، أين وجدوا في انتظارهم فيلق المنطقة الثانية، ليبلغ عدد المجاهدين حوالي 300 تم تأطيرهم و توزيعهم بشكل محكم لمجابهة قوات العدو في حال اعتراض مسارهم لإتمام مهمة نقل الغنيمة إلى قيادة الولاية الثالثة، التي دامت لمدة تقارب الأسبوع بقيادة قائد الناحية بلجرو رابح للوصول إلى منطقة أكفادو، أما قوات العدو الفرنسي فقد كثفت من عمليات البحث و التمشيط قصد اللحاق و اكتشاف مواقع تواجد المجاهدين، بعد إعلانها عن حالة الطوارئ، كما تم اعتراض مسار المجاهدين في الطريق بين إفري و أوزلاقن، لكنهم استطاعوا إيصال الأسلحة و الذخيرة و الأسرى إلى مركز قيادة الولاية الثالثة بأكفادو، بعد مواجهات خلّفت خسائر في الجانبين، و قد استقبلهم العقيد عميروش المجهادين، يضيف المجاهد سعود، و هنّأهم على هذا العمل البطولي، و قام بتوزيع الأسلحة الخفيفة على الوحدات فيما تم تخزين الثقيلة من القذائف و المدافع لاستعمالها في المعارك الكبرى و لتحصين القاعدة، كما أنها سمحت بتوفير الذخيرة و السلاح.
محمد زرنوح ساعد في اختراق المركز و التخطيط للعملية
نجاح العملية كما يضيف المجاهد سعيد سعود في شهادته لجريدة النصر، لم يكن لولا النية الصادقة للشهيد محمد زرنوح، الذي كان مجندا في صفوف الجيش الفرنسي لكنه كان يصر على خدمة ثورة التحرير من خلال تقديم يد المساعدة للمجاهدين و دعمهم بالذخيرة و الألبسة و نقل المعلومات إلى قيادة الولاية الثالثة، عن طريق مسؤول الاتصال و العلاقات زموري مسعود الذي كان يلتقي معه ببيت السيد بهلولي بحمام الضلعة.
و يقول المجاهد سعيد سعود في شهادته أن محمد زرنوح كان شديد التعلق بالثورة التحريرية، و كان يتنقل كل يوم سبت إلى حمام الضلعة من مركز الحوران المجند به على بُعد حوالي كيلومترين، مموها قوات العدو بالتنقل من أجل الاستحمام و شراء ما يلزمه من حاجيات، لكنه كان يمضي معظم وقته مع سكان المنطقة الذين يكنّون له محبة خاصة لما يقدمه من دعم للثورة في سرية تامة عن قوات العدو الفرنسي، حيث كان يقصد بيت الشيخ بهلولي ليعرض عليه فكرة الاتصال بالمجاهدين و قادة الثورة بالمنطقة من أجل مساعدتهم، لكن مساعيه باءت في أول الأمر بالفشل لعدم ثقة الشيخ البهلولي في نواياه و التخوف من محاولة جره للكشف عن أسرار الثورة، غير أنه أبان عن صدق نواياه مع مرور الوقت بعدما توطدت العلاقة بينهما، إلى أن كشف الشيخ البهلولي عن عضويته في اللجنة الخماسية لاستتباب نظام الثورة و تحقيق أهدافها، و من ذلك تنظيم لقاء ببيته مع السعيد زموري المكلف بالاتصال و جمع الأخبار. و قد تطورت علاقة محمد زرنوح مع الثورة التحريرية من جمع المعلومات و التدعيم بالذخيرة و الألبسة، إلى لقائه بقائد الناحية رابح بلجرو المدعو» الثايري» شهر نوفمبر من عام 1957، أين عرض عليه فكرة اقتحام المركز و طلب منه مدّه بجميع التفاصيل و إعداد مخطط عن المركز، إلى جانب جمع كل المعلومات عن المركز، من المخطط إلى عدد العساكر و الضباط و الأسلحة المتواجدة و مخططات التصدي للهجمات و مواقع المراقبة و مواقع الذبابات و الأسلحة الثقيلة و غيرها من المعلومات الواجب توفرها للتخطيط بشكل محكم لعملية اقتحام الوحدة العسكرية لقوات العدو، حيث منحه مدة شهر لجمع هذه المعلومات و إعدادها في تقرير مفصل، و هو الطلب الذي تقبله محمد زرنوح، الذي جمع المعلومات و منحها في تقرير مفصل إلى عبد الحفيظ عدوان الذي قام بدوره بتسليمه إلى عيسى بلاندي مسؤول الاتصال و الأخبار الجديد و عضو الناحية الأولى، بعد إجراء بعض التغييرات على قيادة الناحية، ليسلمه الأخير إلى قائد الناحية رابح بلجرو.
اعتمدنا خطة دقيقة قبل الاقتحام و 33 مجاهدا نفذوا المهمــة بنجــاح
و تضمّن التقرير المفصل أن مركز الحوران يحتل مكانا استراتيجيا، حيث اتخذته قوات العدو لإقامة وحدة عسكرية لمراقبة تحركات جيش التحرير الوطني في كل الاتجاهات، ناهيك عن أنه كان يحتوي على وحدة من سلاح الدبابات و الفرسان بقيادة الضابط «دي بواز»، الذي قتل بعد عملية الاقتحام، كما أنه كان معززا بترسانة حربية من السلاح الثقيل و المدافع و الدبابات و المركبات المصفحة. و قد اجتمع قائد الناحية بمسؤولي الناحية أواخر شهر نوفمبر 1957 لعرض المخطط و دراسته، ليستغل بعدها فرصة لقائه بالعقيد عميروش خلال اجتماعه برؤساء النواحي أواخر شهر ديسمبر لعرض الفكرة عليه، حيث لقيت الترحيب من عميروش الذي بقي على اتصال دائم بقائد الناحية طيلة ثلاثة أيام لإعداد خطة اقتحام مركز الحوران، و بعد إعطاء الضوء الأخضر من قبل العقيد، عقد قائد الناحية اجتماعا مع مسؤولي الناحية عيسى بلاندي و النعيمي بن عوف و بوبكر مسعودي، لدراسة الفكرة بجدية و تقسيم المهام و المسؤوليات بعد الاتفاق على الخطة، التي كان من ضمنها تقديم طلب للعقيد عميروش لتدعيم المنطقة بالفيلق المتكون من ثلاث كتائب بالنظر إلى النقص المسجل في جنود جيش التحرير و الإمكانيات بالناحية العسكرية الأولى و منطقة حمام الضلعة، و ذلك لضمان نجاح العملية و حماية المقتحمين، مع تعطيل قوات العدو من الوصول إلى مكان المعركة، فقد كلفت كتائب بحماية المجموعة المكلفة بالاقتحام و التي كان بطلها محدثنا المجاهد سعيد سعود.
و قد توّلت بقية الفصائل عملية تأمين الطريق و وضع الكمائن على طريق سيدي عيسى بني يلمان حمام الضلعة و الطريق الرابط بين حرازة و المهير و طريق بن داود المهير، فيما تتولى الفصيلة الثالثة مهمة نصب كمين للقوات المتواجد بالبرج و التي يمكن لها التنقل عبر طريق المنصورة المهير، بينما أوكلت للفصيلة التي يقودها محمد أورابح، مهمة التمركز في جبال بني وقاق لتسهيل عملية عودة المقتحمين بعد إنهاء العملية .
يضيف محدثنا أن العقيد عميروش أعطى تعليمات في أواخر شهر جانفي 1958 لقائد المنطقة النقيب عبد الله لتسليم فيلق محمد أورابح إلى الناحية الأولى، ليكون تحت إشراف قائدها، و يضيف «لما كنت بمنطقة قنيطيس على رأس الكتيبة التي اختيرت للقيام بعملية الاقتحام، توجهت يوم 2 فيفري 1958 إلى منطقة أولاد سيدي أعمر أين التقيت قائد الناحية عمر بلجرو و أعضاء آخرين، و هناك تم إخباري بقرار اقتحام المركز و احتلاله و تعييني لتنفيذ العملية... شعرت بإحساس غريب حينها بالنظر إلى المسؤولية الكبيرة التي ألقيت على عاتقي، و قد أمرت بتحضير ثلاثة أفواج من جنود الكتيبة من النشيطين و المسلحين بأسلحة أوتوماتيكية» .
أشرف سعيد سعود بعد تكليفه باختيار و انتقاء ثلاثة أفواج معنية بالمهمة تضم 33 مجاهدا، و تحديد مهام و دور كل فرد في هذه الأفواج، باحتلال مواقع الدبابات و الحيلولة دون استعمالها من قبل عساكر العدو، و احتلال مواقع الأسلحة الثقيلة و أماكن الحراسة و المراقبة، و كذا اقتحام المركز خلال فترة تناول العساكر الفرنسيين لوجبة العشاء بالمطعم و منعهم من استعمال الأسلحة، حيث كان اختيار التوقيت دقيقا لتواجد أغلب العساكر بالمطعم في تلك الفترة، باستثناء الجندي المكلف بالحراسة الذي أعدت لأجله خطة لإبعاده عن مكان المراقبة من قبل محمد زرنوح، الذي كان في صفوف الثورة، غير أنه بقي يوهم قوات العدو بإخلاصه لها كونه مجندا بالمركز، و قام بالاحتيال على الحارس بعدما طلب منه التوجه إلى المطعم لتناول وجبة العشاء على أن ينوب عنه في الحراسة و هي الخطة التي نجحت، ما جعل محمد زرنوح يسارع إلى استعمال الإشارة المتفق عليها مع جنود جيش التحرير الوطني بمصباح كهربائي، في حدود الساعة السابعة مساء.
أصبـت في الكتـف أثنــاء المداهمــة
تلك الإشارة كانت كافية لبداية المهمة و توزيع المهام على الكتائب الثلاث، حيث قام جنود الفوج الثالث بقيادة محمد واعلي باقتحام مكان الدبابات و العربات و حجز المدافع المحمولة و الرشاشة، كما قام جنود الفوج الثاني بقيادة بلقاسم شرفاوي بالاستيلاء على الأسلحة الثقيلة من مدافع الهاون و احتلال أماكن الحراسة و المراقبة، فيما تسلل جنود الفوج الأول نحو المركز و منها إلى المطعم، في هذه الأثناء يقول محدثنا المجاهد سعيد سعود «دخلت عبر رواق يؤدي إلى المطعم بينما اتجه إبراهيم بن عوف  نحو الغرف، بمجرد دخولي إلى المطبخ وجدت الجنود الفرنسيين قد أتموا وجبة العشاء و كانوا بصدد قراءة لائحة العمل اليومي، ومن حسن الحظ أنهم كانوا في وضعية استعداد، ما دفعني إلى توجيه أوامر بالاستسلام و رفع أيديهم إلى الأعلى غير أنهم رفضوا و قام أحدهم كان على يميني بإطلاق النار من مسدس، ما تسبب في إصابتي على مستوى الكتف، استندت إلى الحائط و وجهت وابلا من الرصاص من بندقيتي من نوع مات 49 نحوه، أين أرديته قتيلا قبل أن أقوم بمراقبة البقية و قتل كل من يحاول التسلل أو الخروج خارج المطعم». و أضاف المجاهد أن إبراهيم بن عوف قام حينها مع رفقائه بالفوج، بالتسلل إلى داخل المطعم و أسروا بقية العساكر الذي بلغ عددهم 18 جنديا، في حين فر 7 عساكر عبر النفق الأرضي و كان من بينهم 5 مصابين بجروح خطيرة أدّت إلى مقتلهم، بينما فرّ اثنان منهم على متن مركبة نحو مدينة المسيلة و لم يصلا إليها إلا في حدود الساعة الثانية بعد الزوال، أي بعد جمع غنائم المعركة و تدمير جميع الدبابات و المركبات و العربات و العودة إلى جبال بني وقاق، قبل إتمام المهمة بالتنقل إلى منطقة أكفادو مكان تواجد العقيد عميروش لنقل غنيمة المعركة من أسلحة ثقيلة و خفيفة و الذخيرة إلى مقر الولاية الثالثة.                          
ع/بوعبدالله

مجاهدون من أم البواقي يوثقون  بشاعة الإستعمار
مــذكــرات مــن قـلـب الـثـورة
لجأ عدد من المجاهدين بأم البواقي لتوثيق شهاداتهم الحية عن بشاعة الاستعمار الفرنسي في مؤلفات يسعون من خلالها لتلقينها لجيل ما بعد الاستقلال، سعيا لنقل صور متوارثة عن بشاعة الاستعمار الفرنسي والصعوبات التي واجهها المجاهدون في سبيل استقلال الجزائر، حيث لجأ عدد من المجاهدين لمقربين منهم وصرفوا من أموالهم الخاصة لطبع مذكراتهم وتوزيعها على المؤسسات التي تعنى بتاريخ الجزائر.
قراءة: أحمد ذيب
المجــاهـد بحـري رابــح  "السـر أحـد أسلحـة الـثـورة"
يكشف المجاهد بحري رابح في مذكراته التي نشرها في كتابه الأول ، والصادر عن دار الهدى بعين مليلة في 112 صفحة عن جرائم الاستعمار البشعة في حق المعتقلين من المواطنين العزل عبر عدة سجون ومراكز تعذيب كان المجاهد رابح أحد المعذبين فيها.حيث استهل مؤلفه بالمراحل التعليمة التي اجتازها والصعوبات التي واجهها رفقة أفراد عائلته في بداياته الأولى بمشتة الهنشير بسوق نعمان أين نشأ وترعرع، و كشف بأنه وخلال اندلاع ثورة التحرير كان بفرنسا التي توجه إليها بحثا عن عمل، غير أنه عاد سنة 1955 وروجت حينها صحف فرنسية بأن قطاع طرق تسببوا في فوضى، ليحضر نفسه بعدها باحثا عن الانضمام للمجاهدين، الذين اتصل بهم خلال عمله كتاجر متنقل يساعد والده الذي فتح له دكانا.المجاهد بحري كشف بأنه التقى أخيرا بمسؤول في منطقته من ضمن مفجري الثورة ويتعلق الأمر بـ”سي النور العموري”، وهو الذي طلب من بحري القيام بعمل فدائي كتأشيرة للالتحاق بصفوف المجاهدين، وقبل قيامه بالعملية الفدائية كلف من طرف مسؤولين بالمنطقة على غرار “التوهامي” و”الحسن” توزيع المناشير على المواطنين، وتم تكليف المجاهدين بقتل مساعد رئيس بلدية عين مليلة آنذاك المدعو “جيلبار”.وبين صاحب المؤلف بأن “القايد” المكلف ببلدية الشمرة بباتنة ولحظة توجهه رفقة والده لسوق الشمرة الأسبوعي أوقفه واتهمه بمحاولة دهسه بمركبة والده التي كان يقودها، ليتدخل حينها بعض من كبار عرش “أولاد ملول” وينجحوا في فك أسره.صاحب المذكرة بين بأن قريبه في مقابل ذلك المسمى “عبد الحفيظ بحري” نجح في القيام بعملية فدائية بعد أن رمى قنبلة يدوية سعيا وراء قتل “جيلبار” الذي كان في سهرة عائلية بمنزل صهره، لتقتل القنبلة صهر مساعد رئيس بلدية عين مليلة “جيليان دوار” شهر جوان من سنة 1956، ليقوم خائن مجهول الهوية ويشي بملقي القنبلة ما جعل جيش الاستعمار يشن حملة بحث واسعة بحثا عن قريبه، وقام باعتقال كل الحاملين للقب “بحري” في مدرسة العرفان التي حولت لمركز تعذيب، وبعد بحث عقيم انتقمت فرنسا الاستعمارية من هاته العملية بقتلها كلا من “قرابصي إبراهيم” و”موسى بن البحري بومنجل” وهما شخصيتان معروفتان بعين مليلة وكانا من بين المناضلين الأوائل للثورة.
وبعد القبض عليه من ضمن المشتبه بهم جاء دوره للقيام بعملية فدائية، أين التقى بالمسؤول عن الفدائيين ويتعلق الأمر بـ”التهامي” بمزرعة الحاج مبارك بوطي بعين مليلة، وهو المكان الذي التقى فيه بالمعني الذي كان رفقة المسؤول عن المنطقة آنذاك المسمى “سي الخثير لمرد”، أين سلماه قنبلة بريطانية الصنع يطلق عليها تسمية “40 قطعة”، وبين رابح بحري بأنه كتم سر القنبلة عن والده وكذا سر التحاقه بالثورة مشيرا أنه من غرائب الثورة أن يكون السر هو أحد أسلحتها، كاشفا بأن والده وشقيقه التحقا  كذلك بالثورة من دون أن يعلم أي منهما بالآخر.
وبتاريخ 23 جويلية 1956 قام بإلقاء القنبلة بمحاذاة محل قصابة للمدعو “الزاوي الفرطاس”، أين رمى القنبلة على سيارة جيب لجنود الاستعمار متسببا في قتل ملازم بعد نقله لمستشفى قسنطينة وجرح عريفا فرنسيا، وهي العملية التي كانت سببا في اعتقاله رفقة شقيقه ووالده بعد وشاية من شخص يعرفه جيدا ورفض تسميته بشكل كامل في كتابه ، ليتعرض لأبشع أنواع التعذيب.
وبعد 17 يوما من التعذيب وفي ظل رفضه المتواصل، أودع بحري رابح السجن المدني بعين مليلة، غير أنه لم يظل هناك كثيرا بعد أن نجح المجاهدون في قتل الشاهد الذي أكد تورطه في مقتل الملازم، وهو ما دفع بقاضي المحكمة العسكرية بقسنطينة لإصدار قرار بانتفاء وجه الدعوى في حقه، وفضلت إدارة السجن تحويله مباشرة صوب ثكنة الجيش بالتلاغمة كونه متخلف عن الالتحاق ، أين تدرب لفترة ثم نجح في الهروب بمعية “قدور عبد القادر” حين علم برحلة منظمة لاقتياد المجندين لفرنسا، ليلتحق بجبل عنودة تحت قيادة المجاهد “محمود غديري” الذي يترأس فرقة مكونة من 17 جندي.وقدم  المجاهد بحري رابح تفاصيل عن معركة جبل عنودة التي جرت بتاريخ 24 أفريل من سنة 1975 وهي معركة حامية الوطيس سقط فيها “شوشان أحمد” شهيدا وأصيب فيها “بولعراس قرفة” برصاصة في رجله، واستعان خلالها الجيش الفرنسي بالقذائف وحرق محيط المغارة التي يختبئون بها سعيا وراء استسلامهم، و انتهت باعتقال ستة منهم أين توجهوا بهم صوب مدرسة العرفان بعين مليلة التي حولت لمركز تعذيب، أين تم عرضهم لساعات على التعذيب والاستنطاق، ليتم تحويلهم باتجاه مركز التعذيب الآخر بالثكنة العسكرية بأولاد حملة المعروف بـ”الكبانية”.وبالكبانية تغيرت طرق التعذيب إلى اقتلاع الأسنان على غرار ما حصل مع “أحمد بن دعاس” المكنى بـ”الروج”، والذي توفي بطلقة نارية بمحاذاة المغارة التي اعتقل بها بعد أن أوهم ضباط المستعمر بمكان تواجد القوائم الاسمية والأسلحة، وبعدها حول بحري رابح رفقة المجاهد المسمى “الحسن” للمحكمة العسكرية التي أدانتهما بالإعدام، ليلج بعد ذلك سجن القصبة فيما ولج “الحسن” سجن الكدية، وهناك تم إخطاره بالعقوبة النهائية التي صدرت ضده وهي الإعدام، وهي العقوبة نفسها التي نطقت بها المحكمة العسكرية بالتلاغمة، وبعد استئنافه الحكم أدانته المحكمة بقسنطينة بعقوبة 15 سنة سجنا فيما ظل حكم الإعدام غيابيا ساريا من محكمة التلاغمة، لينقل بعدها لسجن الكدية أين وضع بالغرفة نفسها التي كان بها الشهيد “بن بولعيد”، ثم حول بعدها للسجن المركز بتازولت المعروف بـ”لومباز” الذي يسع 2500 سجين، وهناك مورست على المعتقلين شتى أنواع التعذيب وفي الوقت نفسه منحت لهم فرصة التدريس في دروس كان يقدمها كل من “أحمد حماني” و”الشيخ الصادق مخلوف”، ليطلق صراحه رفقة عدد كبير من المعتقلين بتاريخ 4 ماي 1962.

الضابط بلخرشوش السعيد  و مغامرة إجتياز خط موريس
من جهة أخرى صدر كذلك عن دار الهدى مؤلف جديد لصاحبه بلخرشوش السعيد أحد من فجروا ثورة التحرير، وهو المؤلف الذي اختار له صاحبه الذي كشف في أزيد من 500 صفحة عن أحداث أساسية وثرية في حياته وكذا تاريخ الثورة عنوان “من قلب الثورة”.المجاهد المولود سنة 1932 بدوار سيدي معاش بتاملوكة بقالمة، التحق بالخدمة الإجبارية سنة 1951 بالموقع العسكري بعنابة تلقى تدريبات على فنون الحرب والقتال وتحصل على شهادة في المظلات للطيران، ليلتحق بعد انتهاء الخدمة الإجبارية بصفوف حزب الشعب، وتكونت له فيما بعد شخصية ثورية رافضة للاستعمار .ويذكر السعيد بلخرشوش بأن الهجمات الأولى على أهداف فرنسية في كل مدن وقرى المنطقة الأولى “أوراس النمامشة” إستهدفت “فيرمات” الكولون، وكذا توجيه مراسلات للجزائريين الموظفين بالإدارات الفرنسية ومطالبتهم بالاستقالة من مناصبهم ، ما ولد حماسا كبيرا للشعب الذي أبدى استعداده للعمل الثوري، غير أن التجنيد –يضيف صاحب الكتاب- كان في المرحلة الأولى يمس فقط من يقوم بعمليات ضد أهداف الاستعمار.
المجاهد بلخرشوش السعيد بين بأنه وفي شتاء سنة 1955 توجه لزيارة منزل خالته “حدة” بفكيرينة، وهناك التقى صدفة بمجموعة مجاهدين من ضيوف زوجها، يتقدمهم المسمى “شعبان لغرور” ونائبه “أحمد الغول” والمسمى “لاندوشين” وآخرين من الذين قدموا من أوراس النمامشة والمكلف بناحية أم البواقي وتاملوكة، أين أعجبوا بثقافته عن السلاح وحماسه في الالتحاق بالثورة، ليكون له ذلك ربيع سنة 1955 بعد أن قدم فوج “شعبان لغرور” ناحية سكنه بمسقط رأسه بدوار سيدي معاش، أين توجه برفقتهم ناحية سكن المدعو “جاب الله بلوصيف” الذي استضاف كل عناصر الفوج، لتوكل له بداية مهمة جمع السلاح رفقة المجاهد “الطيب النموشي” ثم مهمة تجنيد الشباب في صفوف جيش التحرير، ويكشف المؤلف بأن الأسلحة التي كانت متوفرة تلك الفترة تتعلق بأصناف بسيطة .وبين المؤلف بأن العمليات التي يقوم بها جيش التحرير تنوعت بين الاشتباكات الخاطفة ونصب الكمائن وقطع أعمدة الهاتف والكهرباء ونسف قضبان السكة الحديدية وكذا إحراق مزارع المعمرين، ويكشف المجاهد السعيد كذلك بأنه شارك في هجمات الشمال القسنطيني بتاريخ 20 أوت 1955، التي  أسبوعا كاملا ومست 39 موقعا عبر كل من الخروب وعين عبيد وعين رقادة ومنجم العالية والحروش، واسمندو وجبل تاملوكة وعزابة والقل وسان شارل “جمال رمضان” وبيزو “ديدوش مراد” وقسنطينة، وميلة والميلية وهضبة الزيتون وبني أولبان وبونة “عنابة” وبنييفر “عين الباردة”، وهي الهجمات التي حققت انتصارات باهرة لجيش التحرير وكانت أبرز منعرج في مسيرة الثورة، وقابلها ردة فعل عنيفة من طرف الاستعمار الفرنسي الذي شدد الخناق على مفجري الثورة في ظل فرار أكثر من 120 معمر من منطقة الشمال القسنطيني.ويكشف صاحب الكتاب بأنه كان من ضمن المشاركين في الهجومات بمدينة واد الزناتي بقالمة، أين تم استهداف مقر للشرطة ودار البلدية والثكنة العسكرية في وضح النهار، ونجحت قيادة المنطقة من خلال هاته الهجومات في الاستيلاء على كميات هامة من  الأسلحة تمثلت وكذا قتل العديد من ضباط وعساكر العدو في كل من عين عبيد وواد الزناتي وتعدى عدد القتلى والجرحى العشرات من العساكر وأكثر من 40 مدنيا مسلحا أوربيا وخائنا.
وشارك الفوج الذي انضم إليه المجاهد السعيد بلخرشوش في معركة بواد الشارف في اليوم الموالي لهجمات 20 أوت، والتي انتهت بتوقيف عدد من المجاهدين ممن أخذوا وجهة أخرى، وأسفرت عن مقتل 5 عساكر وإصابة اثنين آخرين واستشهاد مجاهدين وأصيب 3 آخرون بجروح، وكان المشهد الذي يظل خالدا في مخيلة صاحب المؤلف، هو استشهاد من كان سببا في التحاقه بالثورة ويتعلق الأمر بالشهيد “شعبان لغرور” إثر عملية تمشيط بمنطقة عين الكرمة بتاملوكة، في معركة انتهت بقتل أزيد من 20 عسكريا فرنسيا وإصابة 10 آخرين بجروح، ليخلف المجاهد الهادي رزايمية قائد الفوج غير أنه لم يطل كثيرا بعد عودته لتبسة أين تولى قيادة المنطقة السادسة هناك، ليتم بعدها وبقرار القيادة العليا للولاية الأولى تعيين فنطازي محمد المدعو حقاص برتبة ملازم ثاني قائدا للناحية الثانية من المنطقة الرابعة، وفي سنة 1957 عين صاحب الكتاب مهمة قيادة الفوج الثاني في الجيش الذي يتولى تسييره القائد حقاص ويضم 45 جنديا، ليتوجه رفقة عدد من قادة الفوج ومسير الجيش لتونس شهر جويلية من سنة 1957 في مهمة حددتها القيادة العليا للجيش من أجل مناقشة وضع التسليح وصعوبة التموين وعدة قضايا أخرى.
وخلال رحلة العودة للجزائر اصطدم المجاهد بلخرشوش رفقة الفوج الذي كان معه بصعوبات كبيرة في اجتياز خطين من الأسلاك الشائعة على طول خط موريس، وبعد عودته قاد معركة التروش شهر جويلية 1957 والتي شارك فيها المناضل التونسي “عامر بن عمر بن الفرشيشي” والتي وقعت في محيط منزل “الطاهر شنوف” الذي احتضن المجاهدين عند عودتهم من تونس، أما بتاريخ 27 مارس 1958 فاستشهد البطل فنطازي محمد «حقاص» في معركة الشبكة بمعية نائبه «لخضر بوشوشة»، الذي وشي به للعدو ليستعين الاستعمار الفرنسي بكل الوسائل للإطاحة بمجاهدين المنطقة الذين وصفهم بـ»ثعالب الشبكة»، ليعين صاحب الكتاب مساعدا للقسمة الرابعة من الناحية الثانية التي تولى قيادتها السعيد صغير الذي استشهد هو الآخر رفقة نائبه العربي وشام بمعركة سيدي معاش سنة 1958، ليرتقي المجاهد بلخرشوش السعيد لرتبة ملازم أول مسؤول إخباري سنة 1959، وبعد نحو 6 أشهر عين من طرف قيادة الولاية الأولى مسؤولا عن الناحية العسكرية الخامسة المعروفة بـ”المنطقة المحرمة” بالحدود التونسية إلى غاية الاستقلال.

يرصدون تحركات العدو ليلا و نهارا
حـــراس الثـــورة..عيـــون لا تنـــام أجهضـــت حمــلات  التمشيـــط السريـــة وأنقـــذت آلاف السكـــان
تعد الثورة الجزائرية الخالدة واحدة من أهم الثورات الشعبية تنظيما في العصر الحديث، كونت الإنسان و وضعت البرامج و الخطط للتسلح و مواجهة حصار العدو و ضمان التموين و التمويل و طورت أساليب الاتصال و التواصل بين وحدات جيش التحرير و المواطنين الملتفين حوله، و تمّ إنشاء شبكة قوية من نظم الاتصال لرصد تحركات العدو و إجهاض عمليات التمشيط و حماية وحدات جيش التحرير و السكان العزل الذين واجهوا تحديات و مخاطر كبيرة في السنوات الأولى للثورة قبل وضع جهاز الاتصال الجديد أو ما يعرف بنظام الحراسة أو «العسة» كما يسميها الجزائريون الذين عايشوا أحداث الثورة المجيدة بالمناطق الجبلية الصعبة التي تحولت فيما بعد إلى مناطق محرمة لخنق الثورة المتأججة و عزلها عن الشعب و تحطيم قواعدها الخلفية و عمقها الاستراتيجي.  
فريد.غ              
قالمة معقل القاعدة الشرقية الشهيرة و معبر قوافل السلاح و المؤن القادمة من الحدود التونسية الشرقية، هنا طبقت فرنسا سياسة الأرض المحروقة و أنشأت المناطق المحرمة و طبقت مخطط الحصار الشامل على القرى و المشاتي للسيطرة على الوضع و تدمير قدرات جيش التحرير المحتمي بالمناطق الجبلية الصعبة التي تراقبها طائرات الاستطلاع على مدار الساعة تقريبا، و هنا بقالمة أيضا طبقت الثورة نظام الحراسة لمواجهة تفوق العدو من حيث العدة و العتاد و تمكنت من الأخذ بأسباب القوة و السيطرة على الميدان بفضل رجال وهبوا أنفسهم لله و الوطن و الأمة، إنهم حراس الثورة العين التي لا تنام و الصوت البشري المدوي الذي أنقذ حياة السكان العزل و أجهض حملات التمشيط السري التي يقوم بها العدو ليلا معتمدا على عنصر المفاجأة للإيقاع بجيش التحرير و جبهته الشعبية الداعمة له بالمال و المؤن و الحماية.  
رجال أشداء عاهدوا الله على أن لا يخونوا القضية المقدسة، يتخذون من رؤوس الجبال مأوى لهم و يتناوبون أياما طويلة على الحراسة و مراقبة تحركات العدو انطلاقا من القمم العالية التي تسمح برؤية الأفق البعيد ليلا و نهارا، إنهم حراس الثورة الوجه المغيب عن واجهة الأحداث التاريخية و الذكريات و الدراسات و الأبحاث بعد الاستقلال.  
و قد وضع قادة الثورة بقالمة نظاما صارما لاختيار حراس الثورة الذين لا يقلون أهمية عن الوحدات المسلحة و فرق التموين و الدعم، يختارهم القادة حسب درجة الثقة، الكفاءة، الرؤية الجيدة، السمع القوي، القدرة على التحمل، الصبر الجميل و الاستعداد للموت و التضحية في كل لحظة لأن حراس الثورة صاروا هدفا للعدو بعد أن تحولوا إلى خطر حقيقي عليه و أثاروا قلقه عندما تمكنوا مرات عديدة من إجهاض مخططاته و حملات التمشيط التي ينفذها بالمشاتي و التجمعات الريفية الحاضنة للثورة.  
و تعد جبال بوعربيد، طاية، القرار، مرمورة، دباغ، هوارة و ماونة من أهم نقاط الحراسة و المراقبة التي وضعتها الثورة بعدة نواح ومناطق تابعة للولاية التاريخية الثانية الممتدة من قسنطينة و سكيكدة إلى القاعدة الشرقية على الحدود التونسية.  
و يتحدث سكان الإقليم الغربي بقالمة عن بطولات حراس الثورة الذين وقفوا الند للند في وجه الاستعمار و أجهضوا حملات التمشيط الجهنمية التي كان يقوم بها لملاحقة الثوار و اعتقال المواطنين و مصادرة ممتلكاتهم.  
كل ليلة ينتظر سكان الإقليم نداء الحراسة «آو عليكم...» و هو ينبعث من قمم جبال القرار، طاية، بوعربيد و مرمورة، يمزق سكون الليل معلنا عن تحرك قوات العدو من الركنية، قالمة، الحمام، محتشد الدريدرات، عزابة و غيرها من المحاور التي تستعملها القوات الفرنسية لمهاجمة معاقل الثورة عندما تتلقى معلومات عن تواجد وحدات جيش التحرير بإحدى المراكز الشعبية للراحة و التزود بالسلاح و المؤن.  
تتحرك قوات العدو ليلا حتى لا ينكشف أمرها، تتحرك راجلة أو بعربات بلا أضواء و قد ألحقت هذه التحركات الليلية السرية خسائر و أضرار بالغة بالثورة في الكثير من المرات حسب الشهادات التي تحدثت في وقت سابق عن جرائم ارتكبها العدو بالإقليم الغربي الذي وضعته فرنسا تحت تصرف أبرز قادتها بالمنطقة بينهم المجرم لومان و المظلي جون بيار ضابط حرب الهند الصينية الذي لقي حتفه بجبل مرمورة التاريخي في ماي سنة 1958 و قبله سقط لومان بنفس المنطقة بعد أن ارتكب مجازر فظيعة وجرائم حرب بالإقليم.  
واجهت الثورة صعوبات كبيرة و لم تتمكن من التعامل مع التحركات السرية الليلية للعدو و اضطر قادة الولاية التاريخية الثانية في منطقة قالمة إلى وضع نظام حراسة دائم يرصد تحركات العدو ليلا و نهارا و أثبت النظام فعاليته، و استراح الثوار و سكان الإقليم و أصبحوا يتعاملون مع حملات التمشيط المفاجئة و كأنها حدث عابر، فلم يعد العدو قادرا على اللحاق بالثوار في مراكز الاستراحة و محاصرتهم، كما أنه لم يعد قادرا أيضا على اعتقال نشطاء الثورة و تعذيبهم وقتلهم في مراكز الاعتقال و كل هذا بفضل حراس الثورة الذين صنعوا انتصارات كبيرة بالكلمة و الصوت المدوي الذي أزعج العدو وشل تحركاته.  

و مازال السكان القدامى الذين عاشوا الثورة بمنطقة القرار الواقعة ببلدية الركنية غربي قالمة يتذكرون ذلك الصوت المدوي الذي ينبعث من حين لآخر من قمة الجبل الكبير، مخترقا سكون الليل معلنا عن تحرك للعدو و محذرا السكان و وحدات جيش التحرير من الخطر القادم.  
 و جبل القرار له موقع استراتيجي بقمة ترتفع أكثر من ألف متر عن سطح البحر و يطل على مدن سكيكدة، قالمة و قسنطينة، و منه يغطي حراس الثورة مجالا جغرافيا واسعا و يرصدون تحركات العدو ليلا و نهارا و يرسلون النداءات ثم يختفون في لمح البصر حتى لا ينكشف أمرهم.  
صار حراس الثورة بقمة القرار وجبال طاية غربي قالمة مصدر فخر و اعتزاز وسط السكان، و كتائب جيش التحرير، و أيضا مصدر قلق و خطر على العدو الذي قرر وضع الكمائن لحراس الثورة بعد رصد مواقعهم بدقة عن طريق الأصوات المنبعثة ليلا و نهارا أو عن طريق الوشاية و الخونة أيضا، و تمكًّن العدو من عدة حراس بقمة جبل القرار و هوارة و طاية مستعملا الطائرات و القناصة المتخفين حول الموقع.  
سقط الكثير من حراس الثورة شهداء لكن نداء الوطن لم يتوقف و استمرت الرسالة المقدسة تدوي في سماء الولاية التاريخية الثانية حتى الاستقلال.  
يقول محمد غربية البالغ من العمر 81 سنة، و هو أحد أبرز نشطاء  المنظمة المدنية لجبهة التحرير خلال الثورة بالمنطقة الواقعة غربي قالمة على الحدود بين بوحمدان و الركنية متحدثا للنصر، عن حراس الثورة الذين سقطوا بمواقع الجهاد « كنا نعتمد على رجال «العسة» لمعرفة تحركات العدو و خاصة خلال الليل، كانوا في كل مكان يصلح للمراقبة و الرؤية البعيدة، أتذكر بورموم الطيب بن سليمان حارس الثورة بجبال طاية المطلة على بلدية بوحمدان، كان يرصد تحركات العدو منذ اندلاع الثورة، يحرس منطقة واسعة تمتد إلى مشارف جبال مرمورة و بوعربيد و السطحة، أدى دورا كبيرا بالمنطقة و أنقذ الآلاف من السكان و وحدات جيش التحرير المتمركزة بالمنطقة المحرمة، بقي سنوات طويلة على قمة الجبل صامدا حتى سقط شهيدا بإحدى المغارات القريبة من موقع الحراسة بجبل طاية متأثرا بغاز سام».  
و ذكر المتحدث حراسا آخرين للثورة سقطوا بالإقليم الغربي وهم يؤدون رسالة الجهاد و نصرة الوطن و الأمة بينهم الشهيد بوخميس صالح المكلف بحراسة جبل مرمورة و «كودية الحرايشة» الذي وقع في كمين للعدو و أُعدم بعد أيام من الاعتقال و التعذيب.  
و بمنطقة عين الرقبة سقط حارس آخر للثورة يدعى «بازكة مديني»، و بجبل القرار استشهد الحارس بوشارب بعد أن أدى دورا كبيرا في تأمين المنطقة الواسعة التي تتواجد بها قوة كبرى للجيش الفرنسي.  
و بالرغم من الأبحاث والدراسات التي أنجزت حول الثورة الجزائرية و خاضت في عدة مجالات غير أن حراس الثورة لم ينالوا حقهم من البحث و الدراسة حتى الآن و ظل صوت الإنسان صانع النصر مغيبا عن واجهة الأحداث التي تعج بها الساحة الوطنية عشية كل ذكرى من الذكريات التاريخية الخالدة في سجل الأمة الجزائرية التي خاضت واحدة من كبرى ثورات القرن العشرين.  
وباستثناء الفيلم الثوري الشهير «دورية نحو الشرق» للمخرج عمار العسكري أين وردت إشارة خاطفة لحراس الثورة من خلال عبارة «آو عليكم من قالمة» فإن نظام «العسة» الذي وضعته الثورة بمنطقة قالمة وغيرها من مناطق الوطن الأخرى لم يذكر في معظم المؤلفات و الأبحاث و الشهادات الحية، ويرى بعض المهتمين بكتابة التاريخ بأن هذا يعتبر تقصيرا في حق فئة دافعت عن الوطن و تحملت عبئا كبيرا خلال الثورة و كافحت بالسلاح وصوت مدوٍ و صبر و بعين لا تنام.

النصر زارت المنزل الذي عقد به الاجتماع
مصطفى بن بولعيد حضّر للثورة بالاجتماع التاريخي لقرية “لقرين” بالأوراس
لا يزال اجتماع لقرين التاريخي الذي عقده أب الثورة التحريرية مصطفى بن بولعيد بأولاد فاضل شرقي باتنة، يحمل الكثير من الأسرار التي دوخت المستعمر الفرنسي، والتي هي محل بحث من طرف المؤرخين والباحثين، نظرا للسرية التي كانت قد طغت على الاجتماع، الذي جمع عددا من قادة الثورة أياما قبل انطلاقها، وكان من أبرز ما تضمنه الاجتماع الذي عقد بمنزل المجاهد عبد الله بن مسعودة المدعو “مزيطي”، الكشف عن تاريخ الفاتح نوفمبر لإشعال فتيل الثورة من طرف القائد مصطفى بن بولعيد، بالإضافة لاتخاذ قرارات تتعلق بتوزيع السلاح وإعادة نسخ بيان أول نوفمبر وتوزيعه.
محطة مفصلية في تاريخ الثورة
أكد مؤرخون أن ثورة الفاتح نوفمبر54 يرجع الفضل في اندلاعها إلى سلسلة اللقاءات التحضيرية التي عقدت بنجاح وفي سرية، بعيدا عن أعين الاستعمار، وأهمها الاجتماع الذي عقده القائد الفذ أب الثورة مصطفى بن بولعيد بمنطقة لقرين بدوار أولاد عمر بن فاضل، حيث أكد مؤرخون وباحثون أحيوا ذكرى انعقاد الاجتماع الذي كان في الأسبوع الأخير من شهر أكتوبر، على أن الاجتماع لا يزال بحاجة إلى البحث في أبعاده، خصوصا وأن من بين أبرز قراراته كشف مصطفى بن بولعيد عن تاريخ الفاتح نوفمبر لاندلاع الثورة بجبال الأوراس وتوزيعه للمهام.
ويحمل اجتماع لقرين، الذي عقد أياما قبل موعد اندلاع الثورة، من طرف القائد الفذ الشهيد مصطفى بن بولعيد، دلالات عدَة تعبر عن حنكة هذا القائد في اختيار المكان والزمان لعقد اجتماع داخل مسكن قروي بسيط، كان قد اجتمع فيه حسب الشهادات التي تم تداولها القائد مصطفى بن بولعيد، عاجل عجول، عباس لغرور، شيهاني بشير، عبد الله بن مسعودة، الطاهر نويشي، حاجي موسى محمد خنطر وفي روايات وشهادات أخرى تشير إلى تواجد شخصيات أخرى، حيث أن هذا الاجتماع التاريخي وبشهادة الباحثين تبقى جوانب وتفاصيل عديدة منه غير معروفة.

الموقع الجغرافي والثقة في أهل المنطقة وراء اختيار “القرين”
زارت النصر، المنزل الذي عقد فيه اجتماع لقرين، على هامش إحياء ذكرى انعقاده، وهو المكان الذي تحول إلى متحف حيث لايزال يحتوي المنزل على المصحف الذي قام مصطفى بن بولعيد باستحلاف المجتمعين وأداء القسم عليه، وهو المصحف الذي يعود حسب الأستاذ الباحث في التاريخ ابن المنطقة حجازي فواز، إلى الشيخ سي عمر حجازي معلم القران بزاوية سي صالح عباس، وقد جلبه من عند الشيخ عثمان بن مسعودة.
ويتوفر المسكن المتحف أيضا على الآلة الراقنة التي أعيد نسخ بيان أول نوفمبر بها باللغتين العربية والفرنسية، وتعود ملكيتها حسب ذات الباحث إلى البرجوازي مقلاتي عيسى، وقد قام الأخير بتقديمها إلى صالح فاضلي والذي سلمها بدوره إلى الطاهر نويشي أحد الأعضاء المشاركين في الاجتماع.
وأوضح الباحث حجازي فواز، من خلال العدد الأول لمجلة لقرين التاريخية التي صدرت مؤخرا بمناسبة إحياء الذكرى، بأن اختيار مصطفى بن بولعيد للقرين ولمنزل مزيطي تحديدا لعقد اجتماعه له عدة أبعاد ولم يكن عشوائيا، مشيرا إلى أن للاختيار سببين متكاملين وهما الموقع الجغرافي ومعرفته وثقته في سكان المنطقة.
وأوضح ذات المصدر، بأن سي مصطفى بن بولعيد، كان على اطلاع بخبايا الدوار نظرا لعلاقته مع سكانه ولمسه لتقبل فكرة الثورة وكان قد عقد لقاءات قبل الاجتماع المصيري مع أعيان المنطقة منها لقاء الصلح بين التوابة وأولاد سي سليمان بمسجد بولفرايس، كما أن بن بولعيد وضع ثقته في عبد الله بن مسعودة لعقد الاجتماع في مسكنه وكان اللقاء قد جرى في سرية تامة حتى أن الحراس المعنيين بحراسة المنزل يوم الاجتماع لم يكونوا على دراسة بأسباب حضورهم.
ويتمثل السبب الثاني لاختيار المكان حسب ذات الباحث، في الموقع الجغرافي للدوار الذي يتوسط كل جهات الأوراس من الخروب إلى عين مليلة ومن خنشلة إلى كيمل، مرورا بأريس وهو ما يسهل تنقل القيادات إلى المنطقة، دون إثارة الشكوك خاصة وأن المنطقة مكشوفة ولايتبادر إلى ذهن أي شخص بينهم العدو أن بيتا بسيطا لقروي يمكن أن يحتضن اجتماعا مصيريا في تاريخ الجزائر.
ياسين عبوبو

أعطت إشارة انطلاق الثورة التحريرية بجيجل
عملية منجم بولحمام سقطت من كتب التاريخ  و لم تسقط من ذاكرة المجاهدين
 شهدت ولاية جيجل في الفاتح من نوفمبر  1954 تنظيم عملية منجم بولحمام ببلدية سيدي معروف ضد المستعمر الفرنسي،  إعلانا عن تفجير الثورة التحريرية المظفرة، لكنها و عكس مختلف المناطق التي شهدت عمليات مماثلة في نفس التاريخ ، لم تدرج  ولأسباب تبقى مجهولة ضمن عمليات أول نوفمبر، و لم تسجلها في قائمة  المناطق التي شهدت تفجير الثورة و خلدها التاريخ.
و في ظل احتفال ولاية جيجل كغيرها من ولايات الوطن بذكرى اندلاع  الثورة التحريرية، بادرت جمعية الرؤية للتنمية و رعاية الشباب والطفولة،بالتنسيق مع المجلس الشعبي البلدي لبلدية سيدي معروف، بزيارة مكان عملية منجم بولحمام، الذي يبعد بحوالي 7 كلم عن مقر البلدية، و يقع في أعالي جبل بولحمام، و اجتمع عشرات الأشخاص من بينهم مجاهدين و باحثين  في التاريخ، لاستعادة ذاكرة المكان.
التحضير و الانطلاق من منزل الشهيد عمار قعوير
أحد مجاهدي المنطقة و هو طبال الطيب، المدعو المسعود، أكد بأن عملية منجم بولحمام التي نفذها المجاهدون في الفاتح من نوفمبر كانت كبيرة، و قد انطلق التحضير لها بمنزل الشهيد عمار قعوير، من  أجل  الاستيلاء على البارود و لوازم المتفجرات الموجودة بمخزن الجيش الفرنسي.
و قد سلط من جهته الأستاذ و الباحث في التاريخ سفيان عبد اللطيف الضوء  على مجريات العملية ، مستدلا  بمجموعة من المعطيات التاريخية ، و محضر اجتماع أعد  يوم09 مارس 2000  بقاعة المداولات لبلدية الميلية من قبل مجموعة من المجاهدين و يتعلق بعملية منجم بولحمام، حيث كشف المحضر بأن العملية عرفت ترتيبات عسكرية جد هامة، فمن الجهة الشمالية الشرقية للميلية، انطلق 5 مناضلين من مشتة أولاد عنان، دوار أولاد قاسم، في اتجاه نقطة اللقاء، مرورا بجبل بوخداش، وصولا إلى دار الشهيد قعوير.
 أما من الجهة الشمالية الغربية، فقد انطلق مناضلان نحو نقطة اللقاء و هو منزل قعوير، لكنهما  لم يصلا، نظرا لبعد المسافة و وصول التعليمات متأخرة. و من الجهة الغربية لسيدي معروف، توجه عدد معتبر من المناضلين إلى منزل الشهيد، و بالجهة الشرقية دوار أولاد مبارك و بني تليلان، تهيأ عدد معتبر من المناضلين وتوجهوا نحو نقطة اللقاء، وهي منزل الشهيد ، لكن بعد المسافة حال دون وصولهم، فعادوا من حيث أتوا.
 و جاء في المحضر الذي اعتمد على شهادة المجاهد سعد لعمامر، بأن عملية منجم بولحمام تمت في ليلة أول نوفمبر ، تحت قيادة الشهيد قعوير  و الذي يعدّ نائبا للقائد الرمز لخضر بن طوبال و بين بهذا الخصوص»حضر وتجمع ما بين 32 إلى 35 مجاهدا بدار قعوير، حيث قام هذا الأخير بتقسيم و توزيع العدد إلى ثلاثة أفواج، كل فوج مكلف بمهمة. الفوج الأول يتوجه إلى مخزن الذخيرة بمنجم بولحمام، أما الفوج الثاني فيقوم بالحراسة، و الفوج الثالث يتكفل بأخذ الذخيرة.
 و قد تم إحضار 07 بغال لنقل الذخيرة و معدات أخرى في نهاية العملية، حيث أنجز الجميع مهامهم، و تم قطع أعمدة الهاتف الرابط بين سيدي معروف و الميلية، أما على مستوى المنجم، فقد تم تكسير الباب الحديدي الأول لمخزن الذخيرة، مع محاولة تكسير الباب الثاني، لكن صلابته وضعف جهاز التكسير حال دون ذلك»، و جاء في المحضر أيضا، بأنه وأثناء العملية شعر حارس المخزن بمنفذي العملية وأطلق النار في الهواء، فانسحب المجاهدون محققين الهدف الرامي إلى إعلان الثورة على المستعمر بالمنطقة .
و أكد الأستاذ سفيان عبد اللطيف، بأن العملية عرفت استعمال بعض بنادق الصيد التي يعود بعضها إلى زمن الأتراك ، و قد علق بن طبال بأن استعمالها  مجازفة ، لكن الشيخ سي عيسى أوسياف قال له « نفجر الثورة ولو نشعل عود ثقاب»، فحذرهم بن طبال من المجازفة، وترك الأمور لبن قعوير، و أشار الأستاذ بأن التنظيمات النقابية للمناجم بولحمام و بوجودون وسيدي معروف، كلها كانت في صف الثورة. و هذا الأمر ساعد كثيرا في تبني فكرة الهجوم.

 أما الأستاذة الباحثة بن زايد سهام التي شاركت في إعداد بحث تاريخي حول عملية منجم بولحمام، بالاستناد إلى معطيات و شهدات حية لمن شاركوا في العملية، فقد أكدت بأنه من خلال المسح التاريخي ثبت بأن المنطقة كانت تعرف بالجناح العسكري للمنظمة السرية لحركة انتصار الحريات بالميلية، مما جعل المنطقة تتبنى القيام بالعملية، مؤكدة بأن التحضير للعملية تم جزء كبير منه في منزل قعوير ، أما ابن الشهيد ،  المجاهد عمي أحمد قعوير، فقد أكد للنصر خلال زيارته  للمنجم بأن والده بعد ظهر يوم 31 أكتوبر 1954 ، ناداه  رجل يسمى على زغدود يدعى سي العواطي ،و طلب منه تحضير العشاء لأنه سوف يحضر حوالي 40 شخصا من أصدقائه إلى بيته، و طلب قعوير من أفراد عائلته التوجه إلى بيت أخيه. و أضاف محدثنا» لدى رجوعنا في الصباح إلى منزلنا وجدناه غير مرتب،  و به بعض الأسلاك و الأداوت المختلفة و كأنهم كانوا يصنعون شيئا هناك، نحن لم نكن نعرف طبيعة العمل الذي قاموا به ، و لكن بعد مرور فترة من الزمن، علمنا بأنهم قاموا بعملية من أجل الاستيلاء على مادة البارود بمنجم بولحمام».
 خلدها المجاهدون في شهاداتهم و مذكراتهم
رئيس منظمة المجاهدين بسيدي معروف أكد من جهته بأن العملية تمت ليلة الفاتح من نوفمبر، و عرفت مشاركة عدد كبير من المجاهدين، ورغم وجود كافة الدلائل، إلا أنها لم تدرج ضمن عمليات أول نوفمبر. و علق الأستاذ سفيان عبد اللطيف بأن المعركة ذات البعد الوطني لم تسجل لأسباب غير معروفة في سجل عمليات أول نوفمبر لكنها مسجلة في مذكرات بعض قادة الثورة،وحتى في جريدة «لاديباش دو كونسطنتين» يوم 02 نوفمبر1954، و ترى الأستاذة بن زايد سهام بأن تسجيل الشهادات الحية لمن عايشوا تلك الفترة،  كفيل بإدراجها لاحقا ضمن عمليات الفاتح من نوفمبر.            

ك طويل

المجاهدة حدَة عبوبو للنصر
فصلوا رأس زوجي عن جثته و لم يثنن ذلك عن مواصلة الكفاح
تعد المجاهدة حدَة عبوبو البالغة من العمر 92 سنة، من بين النساء المجاهدات اللواتي لعبن دورا لوجيستيكيا هاما إبان الثورة التحريرية بمنطقة الأوراس، وقد رفعت المجاهدة حدَة التحدي إبان الثورة، في وقوفها إلى جانب أخيها المجاهد الرجل، بمواصلة مهامها رغم وقوعها في أيدي جنود المستعمر وسجنها مرتين حيث لم تتوان لحظة عن العودة إلى نشاطها بعد خروجها من السجن، ورغم كل ما واجهته من صعاب وهي تحمل إبنها الرضيع معها أينما ارتحلت بعد أن أصبحت أرملة إثر فقدانها لزوجها الذي استشهد في ساحة الحرب سنة 1957، إلا أنها أبت إلا أن تواصل على درب زوجها فكانت في القاعدة الخلفية وراء الرجل تقوم بدور لوجيستيكي، تخيط وتغسل وتطهي للمجاهدين بينهم قادة للثورة على غرار الحاج لخضر ورابح بيطاط وغيرهم، وتروي لنا المجاهدة المعاناة التي عاشتها في جبال الأوراس حيث كانت تطهي للمجاهدين بالماء والملح فقط ليسدوا رمقهم.  
القوات الاستعمارية كانت تنتقم من المجاهدين بحرق وتدمير القرى والمداشر
المجاهدة ورغم تقدمها في السن، فهي من مواليد سنة 1942 إلا أن ذاكرتها لاتزال قوية وتحتفظ جيدا بكل صغيرة وكبيرة عمَا عاشته خلال الحرب التحريرية الجزائرية ضد المستعمر الفرنسي، وهو ما لمسناه في حديثنا إليها خلال استضافتها لنا بمسكنها العائلي رفقة ابنها أحمد علي جرادي بقرية شير أولاد عائشة ببلدية تيغانمين، دائرة أريس وهي القرية المجاهدة الواقعة في عمق الأوراس الأشم، ليس ببعيد عن منطقة ثاغيث التي عرفت انطلاق أولى رصاصات الثورة التحريرية.
المجاهدة حدَة عبوبو قالت لنا ونحن نخوض معها الحديث، بأنها لو تسرد لنا ماعاشته إبان الثورة في ظرف سبعة أيام بلياليها، فإنها لن تنتهي من السرد ولن توفي ذلك الماضي حقه فيما يخص يوميات الكفاح ضد المستعمر الغاشم، وقد راحت محدثتنا تغوص في الماضي وهي تحكي لنا كيف التحقت بالعمل الثوري وكانت تبدو متأثرة وهي تسرد كل مرحلة من المراحل التي عاشتها.
وتروي لنا المجاهدة، كيف انتشر صدى انطلاق شرارة ثورة الفاتح نوفمبر في ربوع الأوراس، خصوصا وأنها كانت تقطن بقرية شير أولاد عائشة التي لا تبعد إلا بكيلومترات عن منطقة ثاغيث التي انطلقت منها أولى رصاصات الثورة التحريرية لما اعترض مجاهدون الحافلة الفرنسية ووقع اشتباك مسلح بالمنطقة.وأوضحت لنا المجاهدة، بأن سكان قريتها اعتادوا بشكل يومي مرور الحافلة القادمة من بسكرة باتجاه أريس، غير أن الحافلة تأخرت على غير العادة ولم تمر في ذلك اليوم، دون أن يعلموا بأن سبب تأخرها هو اندلاع الكفاح المسلح من منطقة الأوراس قبل أن تمر الحافلة على قريتهم بعد ساعات عن موعد مرورها، وفي تلك الأثناء تضيف المجاهدة نزل  بوداود محمد المدعو محند أوبراهيم من الحافلة، وأخبرهم بواقعة هجوم المجاهدين عليها باعتراضهم طريقها، وقال لها بأنهم قتلوا القايد وفرنسيا دون أن يقتلوا امرأة فرنسية.
وأكدت المجاهدة، بأنه ما إن مرت ساعات على حادثة الهجوم على الحافلة بمنطقة ثاغيث، حتى حشدت فرنسا قواتها وعتادها بشكل رهيب، من دبابات وطائرات لاتدري كيف ومن أين أتت بتلك السرعة، وقد راحت تطوق المنطقة وتشن غاراتها محدثة هلعا وسط سكان القرى والمداشر
زوجي التحق بالثورة في سرية دون علمي
وفي خضم تعاقب الأحداث مع بداية انطلاق الثورة بمنطقة شير ببلدية تيغانمين، علمت المجاهدة حدَة عبوبو أن زوجها علي جرادي كان من بين المجاهدين الذين التحقوا بالثورة، وكانوا يحضرون لها في سرية تامة دون علمها مسبقا، حيث كان زوجها ضمن المجاهدين الذين أوكلت لهم مهام الحراسة الليلية للاجتماعات والتحضيرات التي كانت تجري تحت قيادة المجاهد المدعو سي محند حابة، وتقول المجاهدة بأنه لم يخطر ببالها أن زوجها كان مجاهدا رغم غيابه الدائم في كل مرة ليلا، مؤكدة بأنه لم يخبرها رغم أنها كانت تسأله عدة مرات وكان في كل مرة يخفي عنها الحقيقة إلى أن اندلعت الثورة وزاد لهيبها.
كنت في الجبال أطهي بالماء والملح فقط للمجاهدين بينهم القائدان الحاج لخضر وبيطاط
ولم تدرك المجاهدة الحاجة حدَة، بأن زوجها كان من ضمن المجاهدين إلا بعد أن جاء لزيارتها في منزلها عدد من المجاهدين في مهمة حتى يرافقهم زوجها فيها، وهي المهمة التي كانت تتمثل في جمع السلاح، وقد التحق زوجها برفاقه المجاهدين من أبناء المنطقة  تاركا إياها وهي حامل بابنه في بطنها، وأوضحت محدثتنا بأنها وفي الوقت الذي كان زوجها يحمل السلاح لمحاربة الاستعمار، كانت هي إلى جانب نساء أخريات يقمن بتحضير (الكسرة) وإعداد القهوة والسكر في أكياس وإرسالها للمجاهدين عن طريق المسبل والمناضل علي سبايعي، الذي أشارت إلى أن مهمته كانت تتمثل في نقل المؤونة الغذائية والمعلومات للمجاهدين.
ومع اشتداد لهيب الثورة في ربوع الأوراس تضيف المجاهدة حدَة، راح يزداد معها بطش الاستعمار الفرنسي بعد أن كان ينتقم في كل مرة من السكان البسطاء  في رده على هجمات المجاهدين، وقد لحق بطش الاستعمار قريتها شير، التي قام بتدميرها كلية سنة 1955، وتتذكر المجاهدة حدة كيف قام جنود المستعمر الفرنسي بالهجوم عليهم وكانت حينها قد أنجبت ابنها أحمد  شهر أفريل من سنة 1955 والذي أخذ فيما بعد تسمية والده الشهيد علي.
وتتذكر المجاهدة أيضا اسم ضابط فرنسي يدعى “غلادا” والذي راح يركل النساء ويعطي الأوامر لجنوده بنهب كل شيء يجدونه أمامهم أثناء هجومهم على القرية، وكان رفقة جنوده يفتشون النساء دون حياء وحتى أنه حاول الاعتداء على إحدى الفتيات قبل أن يهاجمنه ويمنعنه من المساس بشرفهن، وأكدت بأن أولئك الجنود لم تكن في قلوبهم أي رحمة حتى أنهم نزعوا منها رضيعها قبل أن يتركوهم ليلوذوا بالفرار إلى منطقة الرمل.         
ومن بين أقسى ما عاشته المجاهدة حدَة عبوبو، هو خبر قطع رأس زوجها بعد أن استشهد في اشتباك مسلح بمنطقة أبندوت، إثر كمين نصبته القوات الفرنسية للمجاهدين بالمنطقة. وهي تسرد لنا كيف استشهد زوجها بكثير من التأثر، وقالت بأن زوجها سقط شهيدا في عز شبابه و هو لم يتجاوز بعد 27 سنة رفقة كل من رفيقه في الدرب بخوش محمد، والمجاهد الشهيد بن صحيح في حين نجا من الكمين المجاهد ملكمي الذي كان معهم.
وأكدت المجاهدة، بأن زوجها علي جرادي والشهيدين اللذين سقطا معه راحوا ضحية خيانة بعد أن تم تغليطهم، حيث لم ينتبهوا لعدد العساكر الفرنسيين الذين لم يصعدوا الشاحنة التي كانت تقلهم وبقوا على جانب الطريق يترصدون حركة المجاهدين، وأضافت بأن السلطات الفرنسية الاستعمارية لم تكتف بقتل زوجها رميا بالرصاص خلال الاشتباك والتنكيل بجثته بل قامت بفصل رأسه.
أكدت المجاهدة حدَة عبوبو، بأنها وبعد استشهاد زوجها في شهر فيفري من سنة 1957 كان لا بد عليها الفرار بعد أن علمت السلطات الفرنسية الاستعمارية، بأنها زوجة الشهيد علي جرادي الذي سقط في ميدان الشرف، وأنها كانت وراء تموينه وغيره من المجاهدين ومدهم بيد العون، وخشية منها من أن تمسها عملية الاعتقالات التي شنتها قوات العساكر الفرنسية، وأدت إلى توقيف عدد من المناضلين بينهم محرزي الصالح، وبومعراف، ومحند بوباكر، فرت نحو الجبل وهي تحمل ابنها الرضيع معها، بعد أن حذرها المناضل علي سبايعي الذي أخبرها بأن القوات الفرنسية تبحث عنها وتعتزم اعتقالها، ليتحول دورها من الدعم غير المباشر إلى الدعم المباشر للمجاهدين في جبال الأوراس بعد التحاقها بهم.
رأس الشهيد قد يكون ضمن الجماجم التي نقلت إلى متاحف فرنسا
وأوضحت المتحدثة، بأن التحاقها بإخوانها المجاهدين كان بعد خمسة أشهر من استشهاد زوجها، حيث قامت بذلك بالتنسيق مع ثلاثة مجاهدين اثنين هما محمد يزغش وواحدي، ومجاهد آخر لم تكن تعرفه، وانضمت مباشرة بمركز تافرن بأريس الذي يتخذه المجاهدون معبرا للراحة وأخذ المؤونة، وظلت في ذلك المركز لمدة تسعة أشهر قبل أن ينكشف أمره، وكانت خلال الفترة التي قضتها بتافرنت تغسل ملابس المجاهدين، وتطهو الأكل لدفعات من المجاهدين المارة بمركز جيش التحرير الوطني من بينهم قادة للثورة على غرار الحاج لخضر ورابح بيطاط وبلعياط.
وأوضحت المجاهدة حدَة، بأنها وإخوانها من جيش التحرير الذين كانوا يمرون بمركز تافرنت عانوا ظروفا صعبة في سبيل الكفاح ضد المستعمر بالمركز، وكانت في كثير من الأحيان رفقة مجاهدة أخرى هي حدة عثماني يحضران الطعام بالطهي بالماء والملح فقط نظرا لعدم إمكانية توفير لوازم الطبخ، وكانتا تحضران ما يستلزم من القهوة والسكر في أكياس من الصباح الباكر إلى غاية توقيت المغرب قبل وصول المجاهدين إلى المركز حتى يتم تزويدهم بالمؤونة قبل أن يغادروا المركز.
وقالت المجاهدة، بأنها لم تتوان عن القيام بدورها لحظة في إطعام دفعات من المجاهدين تزيد عن المائة، وفي الوقت نفسه كانت تتكفل بابنها الصغير الذي شاءت الأقدار أن يولد ويتربى يتيم الأب، وتتذكر المجاهدة مرور الحاج لخضر بأزيد من مائة مجاهد ثلاث مرات عبر مركز الجيش لتافرنت تولت إطعامهم.
سُجنت مع ابني الرضيع وتعرضت للرش بالماء البارد في عزّ الشتاء
ولم تمض سوى تسعة أشهر عن التحاق المجاهدة حدَة بمركز الجيش لتافرنت، حتى انكشف أمره حيث دمرته القوات الفرنسية، غير أن المجاهدة كانت قد غادرت المكان وتم تحويلها بأمر من جيش التحرير نحو أولاد عزوز بثنية العابد، وواصلت مهامها في القيام بدعم المجاهدين بالمؤونة ونسج القشابيات و إرسالها للمجاهدين عن طريق المسبلين بينهم عيشاوي عمار وسمايعي علي، قبل أن ينكشف أمرها ليتم هذه المرة اعتقالها حيث تم تحويلها إلى منطقة الثلاث وبعدها إلى قرزة أو بايو بوادي الطاقة، حيث تم بحثها واستنطاقها حول من تعرف من المجاهدين وظلت في سجن عبارة عن إسطبل مدة 15 يوما وابنها معها وسط روث الحيوانات، وقالت لنا بأنها كل ما كانت تخشاه في تلك اللحظة هو الخوف على حياة ابنها الصغير خاصة وقد أنهكهما الجوع قبل أن تحن عليهما إحدى النساء اللواتي تقطن بالقرب من مكان احتجازهما رفقة أشخاص آخرين تم اعتقالهم أيضا.
ونجت المجاهدة حدَة مرة أخرى وهي تسرد لنا ما عانته أثناء اعتقالها من الوقوع بين مخالب جنود فرنسيين ذات يوم أحد، كان خلالها هؤلاء الجنود يحتفلون عراة وهم يحتسون الكحول وقد وجدت نفسها لوحدها بينهم قبل أن يتدخل شخص ينتمي  للجيش الفرنسي ويطردهم وهي المرة الثانية التي تنجو فيها من محاولات اعتداء.وقد عانت المجاهدة رفقة ابنها داخل زنزانة تعذيب يقوم الجنود الفرنسيون برشها بالماء في عز فصل الشتاء، وفي ظل تلك الظروف التي نجت منها فيما بعد نظرا لعدم توصل السلطات الاستعمارية لإدانتها بعد إصرارها على الصمت أطلق سراحها، ومن المواقف التي تتذكرها أثناء سجنها أيضا هي إنقاذها لحياة مجاهد تم الإتيان به مقيدا في حالة صحية يرثى لها بعد أن تنازلت له عن حصتها من الطعام مخالفة تعليمات الجنود الفرنسيين.
ابن المجاهدة والذي تمت تسميته باسم والده تخليدا لذكراه، أكد لنا بأن ذاكرته تحفظ شيئا من المعاناة التي قاسها رفقة أمه وهو طفل صغير خاصة أثناء وضعه في السجن على ذمة التحقيق مع والدته، ويرجح نجل الشهيد علي جرادي، أن تكون جمجمة والده ضمن الجماجم التي نقلتها فرنسا واحتفظت بها في متاحفها، وقال بأنه وعلى غرار كافة أبناء الشهداء وضحايا جرائم فرنسا الاستعمارية يرغب في معرفة مصير جثة والده الشهيد خاصة وأن فرنسا كانت تدون قائمة ضحاياها الذين كانت تسقطهم إبان ثورة التحرير.
أجرى اللقاء: يـاسين ع.

أقضّ مضاجع البوليس الفرنسي بعملياته الفدائية ومصالحه صنفته كأخطر مبحوث عنه
المجاهد عبد الباقي حرمال صاحب المهمات المستحيلة بالولاية السابعة في فرنسا
كان بطلا وعاش في الظل بعيدا عن الأضواء، رحل في صمت كان من خريجي الفوج الأول للمخابرات الجزائرية التي أسسها الشهيد عبد الحميد بوصوف يطلق عليه رجل المهمات الصعبة في الولاية السابعة بفرنسا، كان يتم اللجوء إليه دائما في المهمات المعقدة التي يستحيل على أحد تنفيذها هناك حتى أن البوليس الفرنسي صنفه في 1959 كأخطر شخص مبحوث عنه داخل التراب الفرنسي بسبب تنفيذه لعمليات جد معقدة وخطيرة. إنه المجاهد المرحوم عبد القادر حرمال المدعو «عبد الباقي». قليل من يسمع بهذا الاسم، لكن الذي يبحث في تاريخ هذا الشخص يتأكد بأنه كان بحق بطلا تاريخيا عاش بعيدا عن الأضواء وكان يفضل دائما العمل في صمت. الأرشيف الذي عثرت عليه عائلته بمسقط رأسه بالحروش بولاية سكيكدة يزيح اللثام عن شخصية عظيمة وبارزة في الثورة التحريرية الكبرى وحتى بعد الاستقلال، شخصية وهبت حياتها للجزائر. وقد دلتنا العائلة على السيد إبراهيم نوارة الذي يقيم بعنابة وهو الشاهد الوحيد على العمليات التي قام بها المرحوم بفرنسا وبالتحديد بمدينة ستراسبورغ، رحب بالفكرة وتنقل شخصيا إلى غاية الحروش مسقط رأس المرحوم للإدلاء بشهادته بقوله أن المرحوم كان قبل تنقله إلى فرنسا، قد انخرط في صفوف الثورة مبكرا بمسقط رأسه، قبل أن يتدخل ضباط الثورة وينصحوه بالتنقل إلى الخارج لمواصلة نضاله الثوري هناك بعد أن لمسوا فيه الرجل المناسب لمثل هذا العمل لتوفره على المواصفات والشروط المطلوبة. وأتذكر جيدا ـ يضيف محدثنا ـ أنه في 1959 استقبلته بمدينة ستراسبورغ كنت أقيم حينها عند ابن عمي عزوز وكان عمري حينها 17 سنة كنت أظن بأنه جاء كسائح،بعدها عرفت حقيقة مهامه في جبهة التحرير وأخبرني بأنه بصدد تنفيذ عملية وطلب منه إحضار رفاقه والتوجه إلى المكان المقصود، فأحدثوا فوضى بالدراجات النارية حتى يتسنى له تنفيذ العملية، وبعد فترة قليلة انفجرت القنبلة، وتلتها العملية وهي الأكثر تعقيدا، كان مقر محافظة الأمن هو المستهدف، حيث تلقى أمرا بوضع قنبلة بالمقر وكان حينها يتواجد به حوالي 60 عنصرا علمت فيما بعد بأن المقر تم محاصرته، بعد أن علموا بأمره، فتدخلنا مرة ثانية لإحداث فوضى بالدراجات النارية رفقة زملائي الفرنسيين فاستغل انشغال البوليس بنا لينتهز الفرصة ويلوذ بالفرار عبر الترامواي، قبل أن يكتشف البوليس الفرنسي اختفاء الشخص المحاصر.
 وأبرز عملية نفذها حسب محدثنا، كانت بمركز ضخم بوسط مدينة ستراسبورغ دائما في نفس العام، حيث وضع قنبلة خلفت مقتل عدد كبير من الأشخاص وكانت هذه العملية أبرز حدث تناولته آنذاك وسائل الإعلام الفرنسية، وكانت العملية تهدف إلى إثبات وجود جبهة التحرير وقوتها وتوغلها داخل التراب الفرنسي، وأتذكر أنه كان دائما يطلب المساعدة مني لتهيئة الظروف لتنفيذ عملياته.
السيد نوارة إبراهيم أكد في شهادته بأن المرحوم كان شجاعا ومغامرا، لا يخاف من الفرنسيين وعملياته كان يخطط لها بدقة متناهية، وتكلل بالنجاح دائما، ولعل العملية التي بقيت عالقة في ذهنه ويتذكرها كل مرة هي تصفيته لمحافظ شرطة بطريقة جد احترافية، تدل على صفتي الذكاء والشجاعة اللتين كان يتمتع بهما الفقيد، حيث قصد آنذاك مقر المحافظة حاملا معه ظرفا به رسالة وأخبر الشرطة بأنه المحافظ الجديد وتوجّه مباشرة إلى المكتب ليسلم قرار التحويل إلى مسؤول الإدارة بعد فترة دخل المحافظ الأصلي للمقر فتعجب رجال الشرطة على أساس أنه تم تحويله وأخبروه بتعيين محافظ جديد مكانه فتعجب للأمر، ليتجه مباشرة إلى المكتب ولما دخل وجد عبد القادر ينتظره فأجلسه في المكتب ونفذ مهمته وغادر مقر المحافظة كأن شيئا لم يكن. في تلك الفترة كانت قيادة الجبهة هناك قد حذرته قبل تنقله من باريس بخطورة الوضع في ستراسبورغ خاصة فيما يتعلق البوليس الذي يشبه في تشدده بوليس «الغستابو» الألماني، ومع ذلك أصرّ على التنقل وقام بعملية أخرى لا تقل خطورة عن الأولى عندما قام بتهريب شخص من أبناء الجبهة محكوم عليه بالإعدام، حيث قام بتقمص دور محامي وتنقل إلى المحكمة حاملا معه المحفظة وملف المتهم. أتذكر أنه قال للقاضي أن زوجة المتهم  متأثرة و تبكي منذ الصباح وتطالب برؤية زوجها قبل تحويله للسجن وحتى يوافق أكد له بأن الزوجة ليست جزائرية وانما تحمل الجنسية الفرنسية، عندها قبل القاضي الطلب وأمر الشرطي بمرافقتهما للرواق وهناك قام عبد القادر بضرب الشرطي بذراع المسدس حتى أغمي عليه، قبل أن يلوذا بالفرار رفقة مناضل الجبهة وتلك المرأة ركبوا سيارة من نوع «سيتروان 6» سوداء كانت تنتظرهم خارج المحكمة باتجاه الحدود الألمانية، وهناك منحت له وثائق وجواز سفر للدخول إلى ألمانيا وتمت العملية بنجاح باهر.
 كما قام بتنفيذ عملية أخرى، تم فيها القضاء على أحد الخونة «قايد» فاختار نهاية السنة وقصد مكتبه وقام بقتله. وأكد محدثنا أن المجاهد المرحوم كان في كل مرة تتم محاصرته يفلت من البوليس بأعجوبة، مما اضطر السلطات الفرنسية إلى تصنيفه كأخطر شخص على التراب الفرنسي وأصدرت نشرية بحث دولية للبحث عنه والتحذير منه. ويشير الأرشيف وهو عبارة عن نسخ أصلية من محاضر رسمية صادرة عن العدالة الفرنسية إلى العمليات التي قام بها المرحوم رفقة مناضلي جبهة التحرير ونشاطهم في جمع الأموال من أمثال جريبي، بيطاطاش، وتشير وثيقة من الأرشيف إلى عملية تدبير هروبه من السجن بإحداث فتحة من جدار رفقة رفاقه، وغير ذلك من البطولات التي لا تزال راسخة في ذهن عمي إبراهيم الذي وعد بالمزيد من الشهادات التاريخية التي تؤرخ لثورة عظيمة وأبطال عظماء و خلص إلى القول «يجب علينا كأشخاص عايشوا هذه الأحداث أن ننقل هذا الشهادات لأجيال الحاضر بكل أمانة».                              
كمال واسطة

 رفيقه في الكفاح عمار صامت يتحدث عن مسيرة الشهيد البطل
سويداني بوجمعة أقام مركزا لتصنيع المتفجرات بالمتيجة لتدمير الجسور ليلة الفاتح نوفمبر
 يروي المجاهد عمار صامت أحد رفاق الشهيد البطل سويداني بوجمعة في هذا الحوار الذي خص به النصر، الدور الذي لعبه الشهيد سويداني بوجمعة أحد مفجري الثورة في اندلاع ثورة التحرير بمنطقة المتيجة، وكيف استطاع سويداني أن يحول منطقة «حلوية» بالبليدة إلى مركز لتصنيع المتفجرات رفقة المجاهد المرحوم بوعلام قانون ورابح بيطاط،  ولم يكتشف أمرهم من طرف الإدارة الاستعمارية، وكيف استعملت هذه المتفجرات في اندلاع الثورة ليلة أول نوفمبر من خلال تفجير عدة جسور. كما تحدث عمي عمار عن خصال سويداني بوجمعة البطل الشجاع الذي تنقل بين عدة ولايات ومنها قالمة، بومرداس، وهران، والبليدة، وكيف انتحل هوية شخص آخر متوف يدعى الجيلالي رنان حتى لا يكتشف أمره من طرف الجيش الاستعماري وحتى المجاهدين لم يتعرفوا على اسمه الحقيقي إلا بعد أن نشرت مجلة فرنسية صورته.
يقول في هذا السياق المجاهد عمار صامت، بأن سويداني ابن ولاية قالمة استقر بمنطقة المتيجة و كان العقل المدبر للتحضير للثورة بهذه المنطقة، ويضيف بأن سويداني فرّ من قالمة إلى سكيكدة ثم توجه إلى بودواو بولاية بومرداس أين قتل ضابط شرطة فرنسي أمام منزله يدعى كيلي، ثم انتقل إلى وهران وشارك في عملية السطو على بريد وهران رفقة بن بلة، عمران، بيطاط، بوضياف وآخرين، ثم انتقل إلى العاصمة واستقر بمنطقة سيناردينا المعروفة اليوم باسم سويدانية ثم انتقل إلى منطقة البليدة أين استقر هناك وتزوج من عائلة محفوظ مواسي وكان يعتقد كل مجاهدو الثورة أن سويداني المعروف باسم الجيلالي في تلك الفترة بأنه ابن المنطقة.
ويضيف عمي عمار بأن أول من قابل سويداني بوجمعة أثناء وصوله إلى الصومعة بالبليدة هو كريتلي بن يوسف، وهذا الأخير اتصل بالمجاهد بوعلام قانون وتم نقله إلى المدعو زياني بمنطقة فروخة أين مكث هناك إلى أن اكتشفوا طريقة لينتحل صفة شخص آخر، وهو المدعو رنان الجيلالي المتوفي، في حين لم تستخرج شهادة وفاته، ولهذا انتحل سويداني بوجمعة هويته وأصبح يعرف باسم الجيلالي، ودخل يعمل بعدها عند معمرة فرنسية تملك عددا من الأحواش بالمتيجة تلقب ب «بيدوي» ويقول المجاهد عمار صامت بأنهم لم يتعرفوا على الاسم الحقيقي لسويداني إلا بعد أن تحدثت عنه مجلة فرنسية تحمل اسم الرادار مع مجموعة من المجاهدين الآخرين وتعرفوا عليه من خلال نشر صورته وتيقنوا بعدها بأن سويداني بوجمعة هو الشخص المدعو الجيلالي الذي يقودهم.
بوعلام قانون كان مهندس المتفجرات بمركز التصنيع
وفي نفس الإطار، تحدث المجاهد عمار صامت، عن مركز تصنيع المتفجرات الذي أقامه سويداني بوجمعة رفقة رابح بيطاط بمنطقة حلوية بالبليدة، وذلك تحت إشراف المجاهد بوعلام قانون الذي كان يعتبر مهندس المتفجرات لخبرته في هذا المجال، بحيث عمل عدة حرف منها نجار وحداد، كما عمل كهربائيا وميكانيكيا وغير ذلك. ويضيف عمي عمار بأن صناعة المتفجرات كانت في البداية على مستوى منطقة بوينان لدى صهر سويداني المدعو محفوظ موايسي، مضيفا بأن هذه المتفجرات كانت تستعمل لتفجير الجسور، باستعمال أنابيب السقي التي تقطع لأجزاء صغيرة، ويضيف نفس المتحدث، بأن اقتناء المواد الأولية لصناعة المتفجرات كان يشرف عليه سويداني بوجمعة الذي كان يقتنيها من ضواحي تابلاط بالمدية وخوفا من اكتشاف أمرهم من طرف الإدارة الفرنسية نقلوا مركز صناعة المتفجرات إلى عائلة العيشي بأولاد يعيش، ولنفس السبب وخوفا من اكتشاف أمرهم انتقلوا إلى مركز حلوية، ويضيف عمي عمار بأنه كان رفقة 05 أشخاص آخرين يديرون مركز تصنيع المتفجرات، ويتعلق الأمر بسويداني بوجمعة، بوعلام قانون، محمد بورقعة، عبد القادر بن رابح وبونيلة الطاهر، كما كلف سويداني شخصا آخر يدعى هجاني قدور بنقل هذه المتفجرات عبر شاحنات لجهات لا يعلمونها، مضيفا بأن مركز التصنيع كان يحظى بسرية تامة ولا أحد يعرفه سوى العاملين فيه، كما أنهم كانوا يدخلون إلى المركز في الظلام ويخرجون في الظلام حتى لا يكتشف أمرهم من طرف المستعمر، مضيفا في نفس السياق، بأن المتفجرات كانت تعبأ في علب مربى الفواكه التي كانوا يقتنونها من مصنع المربى ببوفاريك.
خططنا للهجوم على ثكنة بوفاريك ليلة الفاتح نوفمبر
كما حدثنا أيضا عمي عمر، عن تفاصيل محاولة الهجوم على ثكنة بوفايك ليلة الفاتح نوفمبر وكيف فشلت العملية، ويقول بأن خطة الهجوم على هذه الثكنة جاءت بعد اللقاء الذي جمع سعيد بن طوبال شقيق البطل عضو مجموعة22 والوزير الأسبق في الحكومة المؤقتة لخضر بن طوبال، بحيث أن سعيد بن طوبال كان مجندا لدى الجيش الفرنسي بثكنة بوفاريك وفي أحد الأيام التقى بالمجاهد بوعلام قانون بزنقة العرب بوسط مدينة بوفاريك وتحولا إلى صديقين، وعلى إثر ذلك طلب قانون من بن طوبال خريطة الثكنة، في حين هذا الأخير لم يكن يثق كثيرا في بوعلام قانون وسلم له خريطة مزورة و لا توضح معالم الثكنة، مضيفا بأنه في أحد الأيام طلب سويداني من بوعلام قانون أن يقابله ببن طوبال، وفي المرة الأولى اتصل به لم يجده كون أن بن طوبال كان في عطلة نهاية الأسبوع، وفي المرة الثانية تمكن من لقائه وأخبره بأن الجيلالي يريد مقابلته، ووافق على ذلك وتمت مقابلتهما بمنزله في حلوية. ويضيف عمي عمار بأنه أثناء مقابلة بن طوبال لسويداني وقع أمر طريف، بحيث بعد أن صافح بن طوبال سويداني رفع بن طوبال صوته قائلا سويداني...سويداني، فما كان على هذا الأخير إلا أن يلمح له بالسكوت، في حين لم يتفطن باقي المجاهدين الذين كانوا معهما لأمر سويداني وبقي يعرف في أوساط المجاهدين على أنه الجيلالي  وينحدر من منطقة المتيجة، ويضيف عمي عمار بأن في هذا اللقاء طلب بن طوبال من قانون أن يسلم له الخريطة التي قدمها له، ليقوم بعد تسلمها بتمزيقها ثم أظهر خريطة أخرى لثكنة بوفاريك وبعد لحظات طلب سويداني من باقي المجاهدين المغادرة وبقي معه بن طوبال فقط، ولم يعلموا ما وقع بينهما من حديث، ليطلب منهم في اليوم الموالي بوعلام قانون إحضار المطرقات ووسائل الحفر المختلفة لمحاولة هدم حجارة من جسر وادي مزفران الذي أنجز حديثا، في حين لم يتمكنوا من ذلك خلال مرتين تنقلوا إلى ذلك المكان .
وفي ليلة الفاتح من نوفمبر يقول عمي عمار بأن المجموعة انقسمت إلى ثلاثة أفواج للهجوم على ثكنة بوفاريك، وكان سويداني بوجمعة من بين الحاضرين والذي قاد أحد الأفواج للهجوم، مشيرا إلى أن التنسيق تمّ من داخل الثكنة مع السعيد بن طوبال، مشيرا إلى أن هذا الهجوم كان يرتكز على أمرين الأول يخص مخازن السلاح للاستيلاء عليها، والثاني يخص قتل الجنود الذين كانوا يحتفلون في تلك الليلة بانتصارات الحرب العالمية الثانية التي حققها الفرنسيون على النازية، وعند اقتراب ساعة الصفر في منتصف الليل بدأت التفجيرات تسمع بعدة مناطق مجاورة من بابا علي والكوبانية وغيرها، وفي تلك الأثناء سطعت الأضواء بثكنة بوفاريك والقاعدة الجوية المحاذية، وأمام ذلك ما كان على المجاهدين سوى الانسحاب من المكان، و يضيف عمي عمار بأنه بعد 10 أيام من هذه الحادثة، تحدثت مجلة الرادار الفرنسية عن مفجري الثورة ونشرت صورهم، وكانت من بين الصور التي نشرت صورة المدعو الجيلالي الذي كان يقود المجاهدين بالمتيجة، ويقول بأنه بعد اطلاعهم على المجلة تأكدوا بأن المدعو الجيلالي هو البطل الشهيد سويداني بوجمعة ولم يتعرفوا على هويته الحقيقية إلا بعد نشر صورته.  
سويداني استشهد في طريقه لمقابلة مساجين فارين من سجن شرشال
وعن وفاة الشهيد سويداني، يقول المجاهد عمار صامت، بأن البطل الشهيد كان لا يتحرك إلا بعد فتح الطريق له من طرف المجاهدين، مشيرا إلى أنه كان من ضمن المجاهدين الذين كانوا يقومون بهذه المهمة، ويقول بأن وفاته كانت بعد تنقله إلى ضواحي حجوط بتيبازة لمقابلة مساجين جزائريين فروا من سجن شرشال في سنة1956، ويشير إلى أنه في إحدى الليالي وصل إلى مركزهم بحلوية، المدعو خليفي بن يوسف الذي أخبر سويداني بخبر هروب المساجين وتم ترتيب له الأجواء للتنقل إلى الجبال المحاذية لمنطقة حجوط لمقابلتهم، وتنقل على متن سيارة بعد أن قام المجاهدون بفتح الطريق له إلا أنه في اليوم الموالي، وفي حدود الساعة الرابعة مساء وصلهم خبر استشهاد سويداني بوجمعة على مستوى طريق القليعة ويرجح أنه وقع في كمين للجيش الاستعماري.من جانب آخر، عقب المجاهد على كتابات بعض المؤرخين والمجاهدين الذين تحدثوا عن وصول 400 مجاهد من منطقة القبائل للمشاركة في اندلاع الثورة في الفاتح نوفمبر بمنطقة المتيجة، وأشار عمار صامت، إلى أن العدد الحقيقي للمجاهدين الذين وصلوا هو 19 بقيادة المجاهد أوعمران، وتحدث المجاهد صامت عن تفاصيل القضية، وقال بأنه كان من ضمن وفود المجاهدين الذين استقبلوا زملاءهم القادمين من منطقة القبائل بضواحي المدرسة التطبيقية للشرطة بالصومعة حاليا، وكان شخصيا من ضمن الذين قاموا بتوزيعهم على المراكز بضواحي حلوية، مؤكدا بأن عددهم الحقيقي كان 19 وليس 400، كما تحدثت بعض الروايات، مضيفا بأن الهدف من انتقال هؤلاء المجاهدين من منطقة القبائل إلى المتيجة ليلة الفاتح من نوفمبر هو المشاركة في اندلاع الثورة بهذه المنطقة والاستيلاء على الأسلحة والذخيرة ونقلها إلى منطقة القبائل أمام الشحّ الكبير في الأسلحة الذي عرفته الثورة في بدايتها.
نورالدين-ع

 

 

الرجوع إلى الأعلى