بدأت مخاطر الاستعمالات المغرضة لأخطبوط شبكات التواصل الاجتماعي في التعاظم، بانتقال تأثير الرسائل و المنشورات و الاشاعات المتداولة عبرها من الجرائم العادية إلى الجرائم التي يمكن بحسب باحثين و إعلاميين أن تمس بالاستقرار العام، و هو ما تم الكشف عنه من خلال الإطاحة بشبكات للجوسسة و عصابات لإثارة الفتنة و التحريض على الفوضى التي تتخذ من وسائل الاتصال الحديثة و مواقع التواصل الاجتماعي وسيلة لبلوغ مبتغياتها و أهدافها، لما تتيحه هذه المواقع و الشبكات من حرية النشر بدون ضوابط قبلية و حرية التلقي للجميع على اختلاف مستوياتهم التعليمية و الثقافية و امكانية التمويه و التخفي و انتحال صفات شخصيات و مشاهير على صفحات وهمية لأغراض مبطنة و أهداف مغرضة كشفت عنها عديد الأحداث و كان آخرها أحداث بجاية التي بدأت بانتشار دعاوي لإضراب عام و شل القطاع التجاري من قبل أطراف مجهولة، مستغلة بداية تطبيق قانون المالية 2017، لإثارة أحداث الفوضى و محاولة تأجيجها من خلال نشر و مشاركة صور و فيديوهات لأحداث منها ما لا علاقة له بما جرى من حقيقة في بجاية و بعض المناطق من ولايات الوطن، و هو ما تلقفته قنوات إعلامية تتهم بالتحريض في محاولة لإعطاء بعد عالمي للأحداث.
ملف من إعداد: عثمان بوعبد الله
من الجرائم الوهمية إلى التحريض على الشغب
إشــــاعات تشــــغل الـــــشارع وأخـــــرى تحركــــــه
و قبل أحداث بجاية شهدت الجزائر و المجتمع جرائم من نوع جديد بصبغة الكترونية، لكن أهدافها تعدت الجرائم العادية التي كانت تنقل عبر صفحات التواصل الاجتماعي كالفايسبوك و التويتر و غيرها من أجل الاثارة و زيادة عدد الإعجابات و التعليقات، في شكل الاشاعات التي كثيرا ما تتعلق بحياة الفنانين و المشاهير و بث أخبار مغلوطة و مجهولة المصدر عن وفاتهم أو تغييرات في حياتهم العاطفية، أو اشاعات عن المنتخب الوطني و كل ما يتعلق به من المعلومات، كالأخبار و الاشاعات المتداولة مؤخرا حول فصل لاعبين عن المنتخب و كذا القنوات الناقلة للكان الإفريقي و ما أثير حول امكانية نقل المباريات عبر القناة الأرضية الجزائرية قبل التأكيد على استحالة بثها بالنظر إلى المبالغ المالية الباهظة التي طالبت بها القناة المالكة لحقوق البث ، كما صنعت قضايا إجتماعية خاصة جدا الحدث كقصة المعلمة صباح الفيديو الملتقط داخل القسم، وهروب فتاة من زوجها المغترب في امريكا، ومؤخرا قضية وفاة إمرأة في باتنة والتي أشيع أنها توفيت من البرد في الشارع رغم أن المصالح المعنية تقول أنها وجدت ميتة داخل بيتها. .
و على الرغم من أن الاشاعات البسيطة كانت تترك أثرا على المجتمع الجزائري، إلا أن خطورتها لم تصل إلى ما وصلت إليه حملات التحريض التي سبقت أحداث بجاية الأخيرة، و كذا أحداث غرداية من قبل و ما أسفرت عنه تحقيقات الجهات الأمنية حول تورط جهات داخلية و خارجية في تأجيج  الوضع و اثارة الفتنة باستغلال قنوات التواصل الإجتماعي، بالإضافة إلى الحملات التي تزامنت مع امتحانات البكالوريا السابقة و ما صاحبها من تسريبات للأسئلة، و غيرها من الأخبار المغلوطة و المجهولة المصدر التي تمس برموز الدولة على مدار السنوات الفارطة، التي لا شك أن غايتها لم تكن نبيلة بل تصب في أغلبها في سياقات معادية و ناقمة على ما تم تحقيقه من استقرار أو ما تنعم به الجزائر من هدوء. و أمام بلوغ تأثير هذه الاشاعات إلى البعض من أهدافها في ظل ما يصفه الباحثون باستغلال مطلقيها للفراغ السائد خلال بعض الفترات في الساحة الإعلامية أمام شح و ندرة المعلومة الرسمية بشأن قضايا هامة على صلة بأمور الحياة اليومية للمواطن، ما يجعل المتربصين و أصحاب المصالح الشخصية سواء كانوا أفرادا ( مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي) أو جماعات (هيئات و دول معادية) يسارعون لبث سمومهم و توجيه اشاعات مع تلبيسها و تلوينها بمعلومات تبدو حقيقية لضمان تصديقها من قبل المتلقين. في ظل كل هذه المستجدات و تزايد مخاطر سوء استعمال مواقع التواصل الاجتماعي، ارتأت النصر في هذا العدد أن تفتح الملف للنقاش من خلال استضافة أساتذة و باحثين مختصين في الإعلام و الاتصال و دراسات الجمهور و علم الاجتماع و التشريعات الإعلامية  للوقوف عند هذه القضية وطرح العديد من الأسئلة، التي تتمحور حول قدرة مستعملي شبكات التواصل الاجتماعي على توجيه الرأي العام بإطلاق الاشاعات التي تتنوع أهدافها و أساليبها؟ و مدى تأثيرها على الرأي العام؟ و هل تعد استعانة قنوات الإعلام المكتوبة و الثقيلة ( القنوات التلفزيونية الخاصة) بما يتم تداوله عبر مواقع التواصل الاجتماعي من معلومات دون التحقق من مصادرها كالمبالغة في نقل الدعوة المجهولة لإضراب التجار احتجاجا على قانون المالية  أمرا عاديا؟ أم أن من شأنه إعطاء مصداقية أكبر للإشاعة؟ و هل هي معذورة لتحجج صحفييها بغياب المعلومة الرسمية؟
هل لما تتيحه قنوات التواصل الاجتماعي و الانترنت بصفة عامة من امكانية النشر و تبادل المعلومات و التعاليق للجميع على اختلاف مستوياتهم التعليمية و الثقافية و تخصصاتهم و أعمارهم  إسهام في نقل الأخبار المغلوطة و الموجهة و امكانية مشاركتها على نطاق واسع؟ من هم مثيروا الإشاعات؟ و هل يمتلك المواطن الجزائري المناعة الكافية لتحصينه من الهجمات الإعلامية المحرضة و المبطنة؟ وما هي الأساليب و الإجراءات الواجب اتخاذها للحد من خطورة تداول الإشاعات عبر قنوات التواصل الاجتماعي؟ وهل حقا فيه حالات لدخول دول و هيئات معادية على الخط و استغلالها لحسابات وهمية على الفايسبوك لنشر سمومها و توجيه الرأي العام في محاولة لإثارة الفتنة.

ع/ب

علي قسايسية أستاذ بكلية العلوم السياسية والإعلام بجامعة الجزائر 03
الذكــــي هو  من يــــكيّف نفســـــه مع هــــذا التـــــيار الجارف
يرى الأستاذ علي قسايسية الباحث في دراسات الجمهور و التشريعات الإعلامية، أن جمهور وسائل الاتصال الحديثة ومستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي لا يمكن أن يتم توجيههم خارج سماتهم السيكولوجية و السوسيولوجية و خارج دائرة اهتماماتهم الاجتماعية و النفسية، أو على حساب مصالحهم و منفعتهم، مضيفا أن المتمعن فيما يحدث من تطورات و قضايا أفرزها التطور في وسائل نقل المعلومات و إمكانية استغلالها في «التضليل» الذي وصفه بالتيار الجارف هو من يكيف نفسه مع هذه التحولات للاستفادة منها.  و يضيف محدثنا الأستاذ بمعهد علوم الإعلام و الاتصال بجامعة الجزائر 03، الذي سبق له و أن أصدر عديد الكتب و الدراسات و البحوث العلمية حول دراسات الجمهور و التشريعات الإعلامية في الجزائر، أن التكنولوجيا بريئة كنتاج للبحث العلمي، و كبقية وسائط الاتصال الشخصية والجماعية والجماهيرية القديمة منها والجديدة، من التحريض أو الإشاعة، بل يقف الأمر ويتعلق على من يستخدم هذه التكنولوجيا من المنتج والمستعمل و المستهلك، أي بين أطراف  العملية الاتصالية التي اتخذت و اكتسبت مزايا التفاعلية في وسائط الاتصال المتعددة و شبكات التواصل الاجتماعي، بما يعني أن الأمر يقع على المرسل أو ناشر الإشاعة سواء كان فردا أو نظاما و المشاركين في تناقلها و تعاظمها و المتلقي الذي تختلف مدركاته و غاياته و فهمه للرسائل المتدفقة عبر حوامل التواصل الاجتماعي.
و يضيف الأستاذ علي قسايسية مؤلف كتاب جمهور وسائط الاتصال و مستخدموها (من المتفرجين إلى المبحرين الافتراضيين ) خلال السنوات الأخيرة، الذي مثل باكورة بحث مضني و عمل دؤوب على مدار 25 سنة كاملة من الممارسة الإعلامية الميدانية و البحث العلمي الأكاديمي و التدريس بجامعة الجزائر و اصدار عديد الكتب و الدراسات المنشورة في مجلات أكاديمية بجامعات عربية و أمريكية، أن البيئة الاتصالية الجديدة بمزاياها ومساوئها ظهرت كنتيجة طبيعية للتطور التاريخي لوقائع وأحداث لا يمكن تغييرها أو تعديلها، وإنما التعامل معها كما هي والاستفادة من مزاياها العديدة وتفادي مخاطرها أو التقليل منها، فالذكي حسبما أضاف سواء كان فردا أو جماعة أو نظاما، هو من يكيّف نفسه مع هذا «التيار الجارف» ليستفيد منه، لا من يحاول تكييفه مع نفسه، و هو ما يفهم بالدعوة إلى مواكبة التطورات الحاصلة في مجال تكنولوجيات الاتصال و كذا ضرورة ارتقاء العقليات و انفتاحها على التطورات الحاصلة في الساحة الإعلامية العالمية بما فيها محاولة الاستفادة من شبكات التواصل الاجتماعي و تطويعها بما يخدم المصلحة العامة بدل لعب دور الضحية و محاولة تكييف هذه القنوات مع قناعات و إيديولوجيات تجاوزها الزمن بظهور وسائط التواصل الاجتماعي التي تتيح حرية النشر و تبادل المعلومات بسهولة.   و يشير محدثنا إلى أن استخدامات تكنولوجيات الاتصال الجديدة تتم في سياق ثقافي-اجتماعي وسياسي-اقتصادي ذي أبعاد متعددة تستوجب مقاربات متعددة التخصصات لتملك هذه التكنولوجيات والتحكم فى إسقاطات هذا العام الاستخدام.  و قال الأستاذ علي قسايسية أنه لا يظن أن دراسة استخدام شبكات التواصل الاجتماعي ستكون ناجعة من منظور ايديولوجي يوظف أساليب وتقنيات خارج السياق، و أنه لا يظن أيضا أن جمهور المستخدمين يمكن «توجيهه» و «تضليله» خارج سماته في السيكولوجية والسوسيولوجية، وضد مصالحه ومنفعته واهتماماته و إدراكاته.

الإعلامي مدني عامر
بعض القنوات تسقط في المحظور بحجة الاجتهاد غير المؤسس
يؤكد الإعلامي مدني عامر أن ما يتم تداوله من أخبار غير موثوقة و إشاعات و محاولات لتضليل الرأي العام، عبر مواقع و شبكات التواصل الاجتماعي، ما هو إلا نتاج لبيئة أو ساحة إعلامية تتميز بهشاشة في منظومتها المسيرة لتداول المعلومات و نشر الأخبار الرسمية، ما يفتح المجال واسعا لرواج الإشاعة بدل المعلومة الصحيحة التي يتم استقاؤها من المسؤولين المباشرين أو المصادر التي لا يرقى لها الشك. و يعتقد أن تعاطي المؤسسات الإعلامية و القنوات التلفزية الخاصة  مع المعلومات و الاخبار المتداولة في شبكات التواصل الاجتماعي، التي عادة ما تكون مجهولة المصدر و نقلها في بعض الحالات من دون التحقق منها على اساس أنها تحتمل الصدق أو الكذب، أو بنسبها إلى مصدر المعلومة غير الرسمي، يعود إلى غلق أبواب المعلومة الرسمية و احتكارها، في حين يفترض ان يخضع  عمل هذه القنوات التلفزيونية مهما كان إلى مبدأ التحقيق والتحقق، لكن كما أضاف وفي غياب الضابط القانوني و الأخلاقي الذي يحدد المسؤوليات ويحاسب على «الشطط والغلط والتجاوزات» يظل الأمر خاضعا إلى ما يمكن وصفه بالاجتهاد في المجرد غير المؤسس و غير المسؤول، بمعنى احتمال المعلومة للخطأ والصواب وهذا ممنوع بحكم مواثيق و أخلاقيات المهنة وتحاسب عليه المجالس والهيئات المهنية المتخصصة . و يجزم هذا الاعلامي الذي تعدت تجربته حدود الوطن أن الإشاعة تنمو و تترعرع في «البيئة والمحيط الذي تنعدم فيها المعلومة سواء بسبب الاحتكار أو بالإخفاء»، من طرف «الجهة ذات الصلة» و في غياب المعلومة من المصدر الموثوق المعروف الذي يحتكم ويخضع في تداولها إلى منظومة قانونية و أخلاقية تحتم ضرورة التأكد المسبق من المعلومة قبل نشرها وذلك بالتحقيق والتدقيق في عناصرها ومضمونها، لأن نشرها فيما بعد يرتب مسؤوليات وتبعات قانونية .
كما يضيف أن من أهم أسباب رواج الإشاعة هو غياب المعلومة وحينها يمكن لأي كان بحكم ما تتيحه تقنيات التواصل الاجتماعي في عالم اليوم، من إلقاء خبر غير مدقق وغير محقق سواء بحسن نية أو بسوء نية، الأمر الذي يهيئ لها عبر تلك المنصات للتواصل القدرة على الإنتشار والوصول إلى أوسع الشرائح من المتلقين الذين يصبحون بدورهم روابط جديدة لنشر الاشاعة ما يزيد من تعاظم مخاطرها لما يمكن أن تحدثه من أضرار أو إساءات، مشيرا إلى وجود أصناف أخرى للإشاعة كتلك التي تقوم على اختلاق ما هو غير موجود بالأساس والترويج له بسوء نية بغرض إحداث البلبلة وبث الارتباك بحسب كل حالة،  أو الاشاعة التي تلجا إليها بعض الدول والحكومات والدوائر الرسمية وتطلقها في الشارع كبالون اختبار لمعرفة حجم ردة الفعل الشعبي وبالتالي معرفة أثار و أبعاد القرار، كما يكون لبعض الإشاعات غايات أخرى وهي التضليل وتحويل الرأي العام عن دائرة الاهتمام بقضايا معينة وتحويله إلى جهة أخرى، ولذلك فان الإشاعة صناعة تنتج وتنشر بتقنيات ووسائل الاتصال الحديثة عبر المنصات المختلفة.
و يرى هذا الإعلامي المخضرم أن أنجع وسيلة لمحاربة الإشاعة، هي إتاحة الفرصة للمحترفين للوصول إلى مصدر المعلومة وتداولها بمرونة وسهولة، ما يتيح وصولها إلى المتلقي في الوقت والحين اللازمين، و التصدي للإشاعة وقطع الطريق عليها بالتوضيح، ولكن بصيغ فيها كثير من المهنية وليس عن طريق البيانات و الإدانات التي تشتم منها عادة رائحة الصراعات وتصفيات الحسابات.
كما أن على العامة مثلما أضاف أن تعي أن الأخبار المتداولة عبر شبكات التواصل الاجتماعي لا يخضع مروجها وناشرها لأي ميثاق شرف ولأي ضابط مهني وعليه وجب الانتباه والتيقظ لبعض تلك الأخبار، وعدم التأسيس والبناء عليها في اتخاذ موقف أو قرار.

زهرة فاسي محللة اجتماعية و نفسانية
عندما تصدر الإشاعة من صحفيين في الخارج كيف لا يصدقها الناس؟
ترى زهرة فاسي أن ما يتم تداوله في مواقع وصفحات التواصل الاجتماعي من إشاعات، عادة ما تستهدف عواطف المواطنين و اهتمامات المتلقين عبر هذه المواقع الذين غالبا ما يعانون من افتقار أو نقص في التكوين السياسي و العقائدي و التعليمي، فيسهل توجيههم و يصبحون فريسة سهلة للإشاعة التي يتم توظيفها وفقا لأهداف مخططة و مرسومة تخدم مصالحهم، فتصبح الإشاعة و كأنها حقيقة بعدما يلبسونها و يغلفونها بحقائق جانبية في حين يكون جوهرها تحريضي.
و تضيف زهرة فاسي المحللة الاجتماعية و النفسانية أن الإشاعة تكثر في مجتمع أو وطن يراد له التهديم الداخلي، لأنها أقوى من الفتنة تأتي الإشاعة في المرتبة الأولى ثم تليها الفتنة بعد التصديق و التطبيق، فالإشاعة أصبحت في مجتمعاتنا أخطر سلاح من ورائها أعداء الوطن.
و أشارت إلى أن الحملات التضليلية و المعلومات مجهولة المصدر و الأخبار الكاذبة و التوجهات المبطنة و المشكوك في أمرها، أصبحت تطلق من منصات إلكترونية و مواقع تحمل تسميات عادة ما تكون هي في حد ذاتها «تمويهية و احتيالية غير شرعية»، فمثلا بعض المواقع –كما أضافت- تطلق تسميات «المنظمة الوطنية لكذا... أو الرابطة الوطنية...» و عادة ما ترفق تسمياتها بالوطنية أو أشياء من هذا القبيل التي تجذب اهتمام الجمهور و تلعب على العواطف، معتبرة أن أغلب هذه الصفحات التي لا يعرف أصحابها، تنقل أخبار و معلومات و أراء غالبا ما تكون مغلوطة و موجهة، لكنها و انطلاقا من تسميتها التي تبدو و كأنها صفحات رسمية تترك أثرا في المتلقي و رواد شبكات التواصل الاجتماعي بتصديق كل ما يكتب و «تزيد هذه المناشير فتنة و تحريضا في التعليقات التي تتخذ أبعادا أخرى أكثر هولا و خطورة من المنشور أو الصورة أو مقطع الفيديو المنشور»، و هذه التعليقات هي الأخرى «ليست بريئة و منها من يقف وراءها «أصحاب صفحات الفتنة بأسماء مستعارة أو أشخاص آخرين يحرضون على الفتنة في محاولة للنجاة من العقاب»، و في اعتقادهم أن الإشاعة التي تتولد منها الفوضى الفكرية ستبعدهم عن العقاب فكل مصدر للإشاعة هو مصدر مشكوك فيه سياسيا و ماليا و اقتصاديا و عقائديا، فعندما تصدر الاشاعة من «دول أجنبية و صحفيين جزائريين معروفين مقيمين بدول أجنبية» فكيف لا يصدقها الناس رغم بعدها عن الحقيقة، كما أن هناك «أشخاص معروفين في الخارج يستغلون شبكات التواصل الاجتماعي لترويج العديد من الإشاعات و يستهزئون بالشعب الجزائري من الخارج بالتساهل في نشر أخبار كاذبة تمس مسؤولين كبار و مؤسسات الدولة في منشورات تبدو جادة، تمكنوا من خلالها مراوغة بعض الصحفيين الجزائريين و حتى المثقفين و السياسيين فما بالك بالأشخاص العاديين الذين يجهلون حقيقة هؤلاء الأشخاص و يصدقون تدويناتهم لأنهم يلبسون ثوب الإعلامي، لكن الأيام كشفت زيف «ادعاءاتهم و أكاذيبهم»، فلما تصدر اشاعات من سياسيين و مثقفين و أشخاص معروفين يكون تأثيرها كبير لأنها تبدو جدية، و هنا لا بد من التذكير أن اطلاق الاشاعات ليس بالسهولة التي يعتقدها المواطن العادي، بل أصبحت من صميم عمل هيئات و جهات معادية تفرد لإطلاقها دراسات و تعمل على تضمينها بعض المعلومات الجانبية التي سبق و أن تأكد المواطن من صحتها لكن هذه المعلومات ليست جوهر القضية و الإشاعة المغرضة بل جزء منها، كما أن مطلقو الاشاعة أصبحوا يعتمدون على طرق و أساليب تبدوا من خلالها المعلومات المكذوبة المتداولة و كأنها حقيقة، حتى أن هناك تزوير في التصوير باستغلال حوادث أجنبية و اسقاط صورها على أنها في الجزائر و تستشهد على حديثها بما أشيع حول وجود عائلة تعيش حياة البؤس بقرية معدومة يتناول قاطنوها لحوم القطط في الجزائر، لكن بعد التحري في الصور المنشورة و الفيديو تبين أن هذه القرية تتواجد في بلد مجاور و لا علاقة لها بالجزائر . و تضيف زهرة فاسي أن هذه الظاهرة لا بد لها من رقيب قانوني و مصالح الأمن اليوم أصبحت أكثر احترافية في متابعة الجريمة الالكترونية فأصبح بالإمكان تعقب أصحاب الصفحات و المواقع المغرضة، كما قالت أنه «لا بد من رقابة قانونية و عقاب فوري لهؤلاء، باعتبارها ليست مقيدة للحريات بقدر ما هي ضابطة لاستعمالات مواقع الانترنيت و مواقع التواصل، لأن الاخبار الكاذبة التي تمس بسمعة رموز الدولة و أمنها و استقرارها مخالفة للحرية و تتعدى ذلك إلى التحريض و الفتنة»، ففيروس الإشاعة خطير و لا ننسى أن ثورات ما وصفته بالربيع «العبري» قد أججها الفايسبوك.
و دعت في الأخير زهرة فاسي إلى ضرورة تحلي المتلقي باليقظة من خلال تبين ما ينشر و البحث عن مصادر المعلومات و الابتعاد عن تصديق كل ما يرى أو يسمع أو يقرأ، خاصة في مواقع التواصل الاجتماعي التي ليست بريئة من النوايا السيئة، بل لا بد أن نبحث عن الأخبار من مصدرها و أن لا نتسرع في الحكم على كل ما يكتب و» نرتبك و نخرج إلى الشارع و نهدم لأن من زعزع الجزائر و خانها هم أصحاب هذه الاشاعات».

صالح بلخيري باحث في الإعلام العلمي و التقني
قانـــون الماليـــة كان مطيـــة لإثارة الفتنـــة و التحريـــض على العنـــــف
يرى صالح بلخيري أستاذ بقسم علوم الإعلام و الاتصال بجامعة المسيلة، أن أغلب المجتمعات بما فيها المجتمع الجزائري، تعيش في مرحلة القصف الإعلامي، مشيرا إلى أن بعض الدول أصبحت تمارس الحرب الاعلامية للحفاظ على مصالحها، و هو ما ظهر بحسبه في العديد من الدول العربية في صورة مصر و ليبيا و سوريا التي عانت على مدار السنوات الفارطة حروبا و معارك طاحنة حركتها دول و جهات معادية و استعملت فيها قنوات التواصل الإجتماعي و ما وفرته التكنولوجيا الحديثة من حرية النشر و التعليق لتأجيج الشارع و تأليبه ضد أنظمة الحكم، ما مكنها من تحقيق أجنداتها في بعض الدول، و محاولة تجريب نفس الخطة بالجزائر لكنها فشلت لحد الآن في الوصول إلى مبتغاها، لكن تبقى الأحداث التي تظهر من حين إلى أخر بحاجة إلى وضع آلية صارمة بحسبه لمواجهة الخطر القادم من قنوات و شبكات التواصل الاجتماعي.
و يضيف أن أخطر ما في الموضوع، هو أن أغلبية الدول أو الأشخاص من ذوي المصالح الذين لا يهمهم استقرار البلاد أصبح بإمكانهم استحداث مواقع و صفحات بأسماء مستعارة قد تخدم أهداف و أغراض و اتجاهات هذه الدولة أو الأجهزة المسؤولة عن نشر الإشاعات.
و يستشهد في هذا الصدد بالإشاعات التي صاحبت تسريب أسئلة بكالوريا 2016 و أحداث بجاية التي كان ظاهرها قانون المالية 2017، لكن ظاهرها وفقا لتصريحات مسؤولين في الحكومة يعود إلى أطراف مجهولة، وتبين أن المواقع التي كانت سببا في نشر الاشاعات و زرع الفتنة و الفوضى و مشاركة المقاطع و الصور التي تدعو إلى العنف، هي مواقع تديرها جهات معادية من دول أجنبية، قد يكون من بين مدبريها أشخاص مغرضون أو معارضون يحاولون اللعب على ورقة قانون المالية و استغلاله كحجة لتحريض الشارع في محاولة يائسة لزعزعة الإستقرار و العودة بالجزائر إلى تجربة مريرة لم تشف منها إلا مؤخرا، لكن كما قال فإن أبناء بجاية و الجزائريين بصفة عامة فوتوا الفرصة على مدبري الفتن، و امتلكوا حصانة من مثل هذه الدعوات المغرضة التي تدعو للعنف و التخريب، و منهم من فضل تحمل تبعات الزيادات التي برزت بشكل واضح في أسعار البنزين و المواد الطاقوية على إثارة الفتن و الفوضى في رد قوي و صريح على أعداء الجزائر. و من هذا المنطلق يرى محدثنا أن مواقع التواصل الاجتماعي و تكنولوجيات الإعلام، هي سلاح ذو حدين قد تستعمل في جوانب ايجابية كما يمكن أن تستغل في جوانب سلبية و تحريضية، فمواقع التواصل رغم أنها تبدو للعيان في خدمة التواصل الاجتماعي إلا أنها في الحقيقة قد أثرت بشكل سلبي على العلاقات الاجتماعية، بحيث أصبحنا نشعر الآن بنوع من الاغتراب الداخلي، تواصلنا مع الغير و تواصلنا مع البعيد لكن انقطعت العلاقة فيما بيننا، و هو ما فسح المجال أيضا لتعاظم دور تأثير الاشاعة في حياتنا.
و لعل ما زاد من انتشارها و تزايد مخاطرها هو سهولة إعداد مواقع التواصل الاجتماعي، التي تتيح إمكانية فتح مواقع بشكل رسمي و بأشكال غير رسمية، فيمكن  فتح حسابات للتواصل الاجتماعي و صفحات الفايسبوك بأسماء و صور مستعارة كونها لا تخضع للترخيص و لا إذن رسمي و قد ينتحل أصحابها أسماء شخصيات وطنية مشهورة أو مؤسسات، و لذلك نجد دائما أن كثيرا من مواقع التواصل الاجتماعي عبارة عن صفحات مغلوطة و ليس لها علاقة بالأشخاص المعنيين بالتسمية.
لكن انطلاق الاشاعة في مواقع التواصل الاجتماعي التي تمنح لأي كان نشر ما يريد و تقاسم الصور و الفيديوهات التي عادة ما تكون بنية إثارة الفوضى، بدون وازع ديني و لا أخلاقي و بدون مراقبة، جعل المجتمع الجزائري يتقبل الاشاعة و يتفاعل معها باعتباره شعب يميل للعاطفة و انفعالي و متسرع في غالب الأحيان حسبما أضاف.
و في سياق حديثه عن الأساليب المنتهجة لمواجهة الإشاعة و تأثيراتها، أضاف أن اللوم لا يقع على مواقع التواصل الاجتماعي و الأطراف و الدول المعادية لأن أهدافها واضحة، بل من المفروض أن ترفع الجهات المسؤولة في الدولة من درجة يقظتها و انتباهها لهذه الأمور، فليس كل أفراد المجتمع بنفس المستوى الثقافي و التعليمي، مضيفا أن أحسن شيء لمحاربة الاشاعات هي الاعتماد على الشفافية المطلقة في تسيير أمور الدولة و في مختلف القضايا على غرار قانون المالية الأخير، وفرض مزيد من الشفافية في ادارة المسابقات و التصريح الرسمي حول ما يتعلق بجميع المسائل و المعيقات التي تشغل بال الرأي العام الجزائري، و بالتالي يعرف المواطن الجزائري من أفواه المسؤولين خير من أن يتلقى المعلومات المغلوطة من مواقع أخرى عادة ما تكون تخدم اجندات مطلقيها. و يردف قائلا أنه شاهد قانون جديد للمالية في كل الدول في كل سنة جديدة، فيه ميزانية تعد لها قوانين و نظم تخدم هذه الميزانية، و «في الجزائر إذا أخذنا بعين الاعتبار مشكل الميزانية الجديدة 2017 فلحد الآن الزيادات الوحيدة التي أحس بها المواطن، هي الزيادات في أسعار الوقود» مشيرا إلى عدم وجود زيادات محسوسة خلال هذه الفترة بالذات في المواد الاستهلاكية، و يستدل بتأكيد التجار على عدم فرض أي زيادات في الأسعار مع بداية السنة، فكيف أصبح المواطن يستبق الأحداث قبل تطبيق الزيادات و يحتج على قانون المالية و على زيادات لم تمس بعد المواطن العادي بل كانت مطبقة من قبل ومر عليها عدة أشهر، ما يستدعي يقظة و الإعداد لمنظومة اعلامية متطورة للاستفادة من التطور التكنولوجي و إعداد مخططات استباقية لمواجهة الإشاعات و عمليات التحريض التي تنطلق من صفحات التواصل و مواقعها سواء تعلق الأمر بالفايسبوك أو التويتر أو المدونات و المواقع الالكترونية و غيرها من وسائل الاتصال الحديثة.

عبد العالي يوسفي باحث في التشريعات الإعلامية
الجزائـــــــر بحاجــــــة لتحييـــــن المنظومــــــة التشريعيـــــــة صـــــونا لمصلحـــــة المجتمـــــع
قال عبد العالي يوسفي أستاذ بقسم علوم الإعلام و الإتصال بجامعة المسيلة و باحث في التشريعات الإعلامية، أنه ينبغي في ظل تزايد المخاطر الناجمة عن الإستعمال غير البريء لمواقع وشبكات التواصل الاجتماعي في الجزائر، أن يتم تفعيل المنظومة التشريعية بما يتماشى مع التطورات التكنولوجية لتنظيم وتأطير التعبير والرأي عبر الأنترنيت والوسائط التكنولوجية التي تشهد تطورا رهيبا.
وركز في حديثه على ضرورة تفعيل مواد القانون رقم 09-04 المؤرخ في 5 أوت 2009 المتضمن للقواعد الخاصة للوقاية من الجرائم المتصلة بتكنولوجيات الإعلام والإتصال ومكافحتها كونها أخذت أبعادا أخرى كشفت عن بعض خباياها مختلف الأحداث و كذا نتائج التحقيقات و التحريات حول نشاط شبكات تعمل لصالح جهات معادية لأجل إثارة الفتن و التحريض و نشر المعلومات المغلوطة و الأخبار المضللة في محاولة لإثارة الرأي العام و زرع الفتنة و الفوضى، ما يستدعي تحيين المنظومة التشريعية بما يتماشى مع متطلبات التطور الحاصل في وسائل الاتصال و ما تتيحه من حرية النشر للجميع على اختلاف مستوياتهم و أهدافهم، فضلا عن انعدام الرقابة القبلية.
و يضيف عبد العالي يوسفي أن الأخبار غير المؤكدة التي يتم تداولها من حين لآخر عبر الانترنت ومواقع التواصل الاجتماعي، من المدونين وأحيانا من أطراف مجهولة، تتضمن مضامين قد تكون معلومات أو أفكار أو صور يجهل مصدرها وتفتقر إلى المصداقية، كما أن هذه المضامين لها وجهان فإن كانت تصب في خانة التسلية ونشر «الثقافة الهابطة» عبر وسائط الإعلام فإنها قد لا تشكل خطرا كبيرا على المجتمع ويمكن معالجتها من خلال التوعية ونشر ثقافة الانتقاء وتفعيل التربية على وسائل الإعلام في أوساط مختلف فئات المجتمع من الأولياء إلى النشء .
أما الوجه الثاني لهذه المضامين التي تبث عبر النت والتي تفتقر إلى المصداقية وتدخل فيما يسمى بالإشاعة وتغليط الرأي العام، يرى أنها الأخطر كونها قد تمس بالنظام العام وأمن الدولة والمجتمع  بانطوائها على معلومات  قد تصنف في خانة الجنح والجنايات والجرائم المرتكبة عن طريق وسائط الإعلام و الإتصال فقد تتضمن معلومات خاطئة ومضللة  وتحتوي القذف والتشهير والتحريض وغيرها من الجرائم التي تضر الفرد والمجتمع والنظام العام واستقرار البلاد، وغيرها من نتائج تلك المضامين السلبية، التي يعاقب عليها القانون، الذي يتمثل دوره في ضمان حرية التعبير والرأي من جهة و حماية الفرد والمجتمع من انزلاقات حرية الرأي والتعبير إذا تجاوز الحدود و كانت مضامينه تشكل خطرا وتلحق ضررا بالمجتمع ككل، لذلك يتوجب مثلما أضاف تفعيل القانون الذي ينص في المادة 2 منه على أن الجرائم المتصلة بتكنولوجيات الإعلام و الاتصال هي جرائم المساس بأنظمة المعالجة الآلية للمعطيات المحددة في قانون العقوبات وأي جريمة أخرى ترتكب أو يسهل ارتكابها عن طريق منظومة معلوماتية أو نظام للإتصالات الإلكترونية، فيما تذهب المادة 3 منه إلى أنه يمكن لمقتضيات حماية النظام العام أو المستلزمات أو التحريات أو التحقيقات القضائية الجارية وفقا للقواعد المنصوص عليها في قانون للإجراءات الجزائية وفي هذا القانون تم وضع ترتيبات تقنية لمراقبة الإتصالات الإلكترونية، وتجميع وتسجيل محتواها في حينها والقيام بإجراءات التفتيش والحجز داخل منظومة معلوماتية .
كما نص القانون في المادة 4 على الحالات التي تسمح باللجوء إلى المراقبة الإلكترونية ومن بين الحالات الواردة، الوقاية من الأفعال الموصوفة بجرائم الإرهاب أو التخريب أو الجرائم الماسة بأمن الدولة، في حالة توفر معلومات عن احتمال اعتداء على منظومة معلوماتية على نحو يهدد النظام العام أو الدفاع الوطني أو مؤسسات الدولة أو الإقتصاد الوطني.
كما ذكر بدعوة وزير الإتصال حميد قرين الصحافيين إلى ضرورة الالتزام بأخلاقيات المهنة في استخدام وسائل الاتصال الاجتماعي من خلال فرض رقابة ذاتية لما ينشرونه، باعتبار أنهم يمثلون المؤسسات التي يعملون بها، لذلك فإن أي شيء يكتبه الصحفي على الفايسبوك بالنشر أو التعليق بأسلوب «غير أخلاقي» سيترتب عنه تأثير سلبي، مشيرا إلى تأكيد الوزير حينها على التحضير لإعداد نصوص قيد الدراسة و التحضير على مستوى الحكومة لتقنين و وضع ضوابط للنشر عبر شبكات التواصل الاجتماعي، و تنبية المسؤولين على القنوات الخاصة المعتمدة بضرورة احترام أخلاقيات المهنة وكذا كل ما ينص عليه قانون الإعلام والقانون السمعي البصري، بخصوص استعمال القنوات الخاصة لمضامين شبكات التواصل الإجتماعي كالفيديوهات و المعلومات مجهولة المصدر.                

ع/بوعبدالله

الرجوع إلى الأعلى