في الوقت الذي لا تزال فيه ثقافة الاستهلاك العقلاني للمواد الغدائية و المأكولات الدسمة و كذا الخبز بأنواعه غائبة تماما عن المجتمع الجزائري، الذي يصنف من ضمن أكثر المجتمعات إسرافا و تبذيرا للمواد الاستهلاكية الغدائية و خاصة مادة الخبز، التي يكون مآلها في كثير من الأحيان صناديق القمامة التي تلتهم بدورها أكثر مما يستهلكه الفرد في حد ذاته، حيث لا تلقى الظاهرة إهتماما من قبل  المجتمع المدني و لا حتى السلطات المعنية، فالمواطن يرمي كل يوم و بصفة عشوائية كميات كبيرة من الخبز و الأطعمة الصالحة للاستهلاك، و ذلك لغياب الرقابة و النصوص القانونية التي  تحد من تفشي مثل هذه الظواهر التي تتنافى و تعاليم ديننا الحنيف.

 نجد أن هذه الظاهرة تشكل هاجسا كبيرا لدى المجتمع المدني الفرنسي و كذا السلطات، حيث شنت عديد الجمعيات الفرنسية في الآونة الأخيرة حملة عبر مختلف المطاعم و المتاجر الفرنسية و كذا على مستوى المنازل من شأنها الحد من ظاهرة رمي الأطعمة صالحة الاستهلاك في أكياس القمامة، و العمل على تلقين المستهلكين و أصحاب المحلات و المتاجر طرق و كيفية استغلال المواد الاستهلاكية سواء المنتهية الصلاحية أو تلك التي تتكدس لفترة زمنية معنية و تصبح لا تلبي رغبة الزبائن رغم صلاحيتها، كما تحسسهم بمدى خطورة الظاهرة و ما قد تخلفه من أضرار بيئية و كذا إقتصادية، و من بين الطرق التي تعتمدها هذه الجمعيات إقناع أصحاب المطاعم بوضع كميات قليلة في الصحون، و كذا إقناع الزبائن بضرورة حمل ما تبقى في صحونهم الى منازلهم لإستهلاكه لاحقا بدل رميه في القمامة و ما قد يخلفه ذلك من أخطار بيئية.

الحملة التوعوية و التحسيسية التي قام بها المجتمع المدني الفرنسي مهدت الطريق لتقنين العملية بوضع أطر قانونية للحد من الظاهرة حيث لاقت تجاوبا من السلطات الفرنسية،التي أصدرت تشريعا جديدا نهاية الأسبوع المنصرم ضد إهدار الطعام  في إطار قانون يتعلق بالطاقة و البيئة ، يعاقب من خلاله بالسجن لمدة عامين و غرامة مالية تقدر بـ 75 ألف أورو كل من يخالف بنوده التي من بينها  يحظر على المتاجر الكبرى التي تتجاوز مساحتها 400 متر التخلص من الطعام غير المباع و يجبرهم على التبرع به إلى المؤسسات الخيرية أو لاستخدامه في إطعام الحيوانات أو استعمالها كأسمدة زراعية، و ذلك بتوقيع عقود بحلول جوان 2016 مع جمعيات خيرية التي تتكفل بعملية التبرع، و من المقرر أن يعرض هذا التشريع في إطاره الأشمل على مجلس النواب للتصويت عليه يوم 26 ماي الجاري قبل أن يعرض على مجلس الأمن .

و جاءت هذه التشريعات الردعية و الحملات التوعية  بعد أن قدمت وزارة البيئة الفرنسية مؤخرا إحصائيات عن مقدار كميات الأطعمة التي يتخلص منها المواطن الفرنسي سنويا، و التي كشفت أن كل مواطن يتخلص من ما مقداره 20 كغ من الطعام ، الذي تتراوح إجمالي تكلفته ما بين 12 و 20 مليار أورو، كما أشارت منظمة الفاو التابعة للأمم المتحدة إلى أن ثلث الطعام المنتج للإستهلاك الآدمي هو من نصيب صناديق القمامة في الوقت الذي يعاني مليار شخص عبر العالم من المجاعة.

الظاهرة نفسها يشهدها المجتمع الجزائري  لكن التعاطي معها يختلف، فبالرغم مما تشهده ظاهرة رمي الأطعمة الصالحة من تفشي رهيب إلا أنها لا تلقى إهتمام المجتمع المدني ،حيث تغيب الحملات التوعوية و التحسيسية في أوساط المجتمع للحد من الظاهرة التي تفاقمت بشكل كبير، بحسب ما كشفت عنه آخر الإحصائيات التي أجراها الإتحاد الوطني للتجار و الحرفيين الجزائريين في إطار تحقيق ميداني بالتنسيق مع الفيدرالية الجزائرية للمستهلكين وأعوان النظافةحول واقع التبذير في الجزائر خاصة في الشهر الفضيل، أن الجزائريين يبذرون و يسرفون بشكل غير عقلاني المواد صالحة الإستهلاك خاصة في الأحياء الراقية، أين وجدوا كميات معتبرة من المواد الغذائية ترمى في المزابل وهي صالحة للاستهلاك ، حيث تبين أن 10 بالمائة من الجزائريين مسؤولون عن 80 بالمائة من التبذير خاصة في شهر رمضان ، فقد كشف التحقيق أن متوسط استهلاك الفرد الجزائري في شهر رمضان قدر بـ250 دج يوميا، يبذر منها 12 دج أي ما قيمته 7500 دج من الاستهلاك و 350 دج من التبذير، بقيمة 10ملايير دينار في الشهر، و  أن الجزائريين يستهلكون 2،1 مليار خبزة خلال رمضان 50 مليون خبزة مصيرها صناديق القمامة.

أسماء بوقرن

الرجوع إلى الأعلى