انتعاش حياكة الألبسة الصوفية و الموظفات ينافسن الماكثات في البيت  
انتعشت حياكة الألبسة الصوفية باليد خلال السنتين الأخيرتين بقسنطينة بين النساء الماكثات بالبيت و الفتيات و حتى الموظفات، فالكثيرات منهن عدن إليها، من أجل توفير دخل مادي، و منهن من تعلمنها لصنع ألبستهن بأنفسهن و ذلك في ظل غلاء الألبسة الصوفية المستوردة، و التي يصل سعر القطعة الواحدة منها إلى 8 آلاف دينار، كما قالت  سيدات تحدثت إليهن النصر.
فعوض أن تشتري سترة أو «تريكو» يتجاوز ثمنه 3000 دج أو 5000دج، تقوم باقتناء الصوف بنفسها، خاصة و أن سعر الكبة الواحدة 50 دج و تحيكها بنفسها بأقل تكلفة لا تتجاوز في الغالب 1000دج، و بفضل المواقع المتخصصة على شبكة الإنترنت و العديد من البرامج التليفزيونية، أصبحن يواكبن آخر صيحات الموضة و يصنعن ألبسة عصرية، لا تختلف عن تلك المعروضة في المحلات.
حرفة توارثتها الأجيال
ومعروف أن الحياكة من الحرف التقليدية المتوارثة عبر الأجيال، حيث كانت الجدات و الأمهات يزاولنها في معظم البيوت الجزائرية و يعلمنها للبنات و الحفيدات ، فعندما يقترب فصل الشتاء، تشرع النسوة في اقتناء الصوف، لحياكة ما يلزمهن  و أفراد عائلاتهن من ملابس لمواجهة البرد و الصقيع، و كن يتفنن في حياكتها مع مراعاة ذوق من سيستعملها، سواء تعلق الأمر بفساتين البنات أو بذلات الصبيان و كذا السترات و الصدارات و القفازات و الأوشحة و القبعات و حتى الأغطية و المفارش و الوسائد. و كانت بعض قطع الألبسة الصوفية التي تحيكها النسوة يدويا، تقدم كهدايا للمواليد الجدد أو العرائس.
و كانت الحياكة مصدر رزق بالنسبة للعديد من الأسر، حيث كانت السيدات  ينسجن الملابس وفق رغبات زبوناتهن، أو يعرضنها جاهزة على أصحاب المحلات من أجل مساعدة أزواجهن في ميزانية البيت، غير أن الأغلبية قاطعن هذه الحرفة في السنوات الماضية، بسبب غزو المنتجات الصينية للأسواق بأسعار كانت تعتبر معقولة، إذ لا تتجاوز 2000 دج، بغض النظر عن حجم و نوعية القطعة.
عودة قوية إلى «صنعة» الجدات
قادتنا جولتنا الاستطلاعية بوسط المدينة، إلى محل يعتبر من أقدم المحلات المتخصصة في بيع الصوف بقسنطينة و يقع بزنقة «مقيس»، فوجدناه مكتظا بالزبونات، وأكد لنا صاحبه بأن السنتين الأخيرتين عرفتا انتعاشا كبيرا في تجارة الصوف، و ذلك بعد أن عرفت السنوات الماضية ركودا كبيرا، مشيرا إلى أن زبوناته لسن من شريحة النساء الماكثات بالبيوت فقط، كما في السابق، فهناك فتيات و شابات يقصدنه من بينهن موظفات، و أكد من جهة أخرى بأن أسعار كبب الصوف لا تزال مستقرة و لم تتغير منذ سنوات طويلة، و ترتبط عادة بالوزن  و السمك،  إذ تقدر سعر كبة الصوف الرقيقة التي يبلغ وزنها نحو 25 غراما 45 دج، فيما يبلغ سعر السميكة ذات 50 غراما، 50 دج ، أما سعر أدوات الحياكة فهو 100 دج  و هي أسعار وصفها بالمعقولة جدا، في ظل غلاء الألبسة الصوفية المستوردة.
محدثنا أضاف بأن العديد من زبوناته طلبن منه اقتناء الصوف المنتجة بتركيا نظرا لنوعيتها المناسبة لنسج سترات عصرية، و بالتالي تقليد تلك المعروضة في المحلات و التي يتم الترويج لها عبر مواقع الانترنت.
قصدنا بعد ذلك محلا لبيع الملابس، فقال لنا صاحبه بأن الملابس الصوفية تشهد هذا العام ارتفاعا كبيرا، مقارنة بالسنوات الماضية، نظرا لانخفاض قيمة الدينار، إذ تتراوح بين 4000 و 8000 دج، مشيرا إلى أن الإقبال عليها هذا العام ضعيف و لم يبع إلا كمية قليلة منها، و أضاف بأن جل الألبسة الشتوية عرفت ارتفاعا في أسعارها، حيث أن أسعار المعاطف مثلا تتجاوز 10 آلاف دج.
 و قال بائع آخر متخصص في ملابس الأطفال بأن أسعار البذلات الصوفية الجاهزة للأطفال ملتهبة هذا الموسم، لأن جلها مستورد من الخارج و ذات نوعية جيدة، إذ يقدر سعر بدلات حديثي الولادة بـ 5000 دج، مضيفا بأن إقبال الحوامل على شرائها لم يعد كما كان في السابق لتحضير جهاز الرضع.
مواقع الإنترنت ساهمت في تنويع الموديلات و مواكبتها للموضة
محطتنا التالية كانت بيت السيدة نفيسة، 47عاما،  التي تلقن النساء و الفتيات الراغبات فنون الحياكة ، قالت لنا بأنها تعلمت نسج الصوف باليد و تمارسها منذ كانت في الثامنة من عمرها، و قد لاحظت بأن الثلاث سنوات الأخيرة شهدت  عودة الإقبال على الحياكة اليدوية بشكل لافت ، حيث أصبحت تستقبل على مدار العام، عددا كبيرا جدا من النساء الراغبات في تعلمها من مختلف الفئات العمرية و المستويات التعليمية، مشيرة إلى أن الموظفات أيضا أصبحن يقصدنها  و يوجد عدد كبير منهن ضمن الفئة التي تخرجت هذا العام.
محدثتنا أضافت بأن بعض النساء اللائي كن يمارسن هذه الصنعة، تخلين عنها في فترة من الزمن، بسبب توفر مختلف أنواع الألبسة الجاهزة ، و التي وفرت عليهن عناء اقتناء الصوف و الأدوات و كذا الوقت اللازم لحياكتها، غير أن المعطيات الراهنة غيرت نمط التفكير الذي كان سائدا، خاصة مع الارتفاع الفاحش لأسعار الألبسة الشتوية، ما جعل هذه الحرفة تنتعش و تلقى رواجا، خاصة من قبل النساء الحوامل اللائي أحيين عادة قديمة تتمثل في حياكة لوازم جهاز المولود الجديد من الأفرشة و الأغطية و البدلات، إلى جانب ألبسة منسجمة الألوان لهن، لارتدائها في يوم للولادة ، كما أن أسعارها معقولة، خاصة ملابس الأطفال إذ لا تتجاوز بدلاتهم، حسبها، 1000دج، موضحة أن الانترنت ساعد كثيرا في عصرنتها، عن طريق الإطلاع على أحدث الموديلات و صقل خبراتهن.  محدثتنا قالت بأنها توقفت فترة من الزمن عن الحياكة، و ذلك فترة  زواجها، لكن حبها للحرفة جعلها تعود إليها، مشيرة إلى أنها تعلمتها من والدتها و جاراتها عندما كانت تقطن بولاية جيجل، إذ كانت والدتها ترفض منحها الأدوات التي تحيك بها، نظرا لعدم توفر الإمكانيات آنذاك، مضيفة بأن رغبتها الجامحة في إتقانها، جعلها تتعلمها بالملاحظة و بالتجريب بوسائل بسيطة، حيث كانت تستعمل أعواد الكبريت و أسلاك المظلات، قائلة بأن أول قطعة قامت بحياكتها عبارة عن غطاء طاولة.
من جهتها قالت إحدى الموظفات في مؤسسة عمومية، بأنها تخرجت السنة الماضية من مركز للتكوين في حياكة الألبسة الصوفية باليد تابع لجمعية الإصلاح و الإرشاد بقسنطينة، موضحة بأنها تعلمتها لحياكة ألبسة لها و لأبنائها، و ذلك لتوفير المال الذي تهدره وزوجها سنويا في اقتناء الألبسة، خاصة الشتوية منها، باعتبار أن دخلهما لم يعد يكفي لسد كل الاحتياجات. و أضافت بأنها نسجت سترات و أوشحة لأبنائها و بناتها ذات موديلات عصرية في العام الماضي و لم يكلفها ذلك مبلغا كبيرا، إذ اشترت الصوف و الأدوات التي تحيك بها و كذا الخيط بسعر لا يتجاوز 5000 دج، في حين أن القطعة الواحدة المعروضة في السوق تتجاوز 4000 دج ،كما قالت، مؤكدة بأنها وفرت الكثير من المال بعد أن تعلمت هذه الحرفة.
أسماء بوقرن

الرجوع إلى الأعلى