نساء ينهشهن الفقر داخل غرف أشبه بالقبور بالسويقة المنهارة
شافية مطمط و الحاجة حورية و ماني، ثلاث نساء قسنطينيات رمت بهن الأقدار داخل أحد المنازل الآيلة للسقوط، بالجهة السفلية لحي السويقة العتيق بقسنطينة، رفقة أطفال تتراوح أعمارهم بين 3 إلى 19 سنة، منهم من ألزمه المرض الفراش و منهم من يعاني من اضطرابات نفسية، سببها ظروف المعيشة الصعبة، ينتظرون ساعة الترحيل و يناشدون المحسنين إعانتهم على تحمل مشاق الحياة.
لم نكن نتوقع ونحن في طريقنا لمقابلتهن، بأن ظروفهن سيئة لتلك الدرجة، فهؤلاء النسوة يعشن داخل غرف تشبه القبور، هي جزء من منزل منهار بشكل جزئي يفتقر للماء و الغاز، ظروفهن قاهرة لدرجة أنهن يفترشن أكياس البلاسيتك خلال كل تساقط للمطر لتجنب البلل، أما حاجتهن فيقضينها في العراء، نظرا لكون المكان أشبه بجحر لا يتوفر على شيء.
 وضعية كارثية و غير إنسانية يعيشها أيضا أطفال صغار، هم أبناء السيدة شافية  46سنة، ضحية زوج غير مسؤول هجرها، كما أخبرتنا، بعد انهيار منزلهم القديم بالسويقة و الذي قضوا فيه قرابة 20سنة،  ما اضطرها لحمل أبنائها الثلاثة و البحث عن مأوى آخر لهم، لتجد في أحد المنازل القريبة بحي السيدة، غرفة متماسكة لجأت إليها هربا من بطش الشارع، لكن وضعها زاد سوءا بعدما أصيب ابنها البكر بمرض الصرع، خصوصا و أن المعني معاق و يعتمد بشكل كلي على حفاضات الكبار في قضاء حاجته، أما شقيقته الصغرى فتعاني، كما قالت والدتها، من اضطرابات نفسية سببها ظروف المعيشة الصعبة، خصوصا و أن المكان الذي يعيشون فيه جحرا ، اتخذ منها المنحرفون وكرا لهم، و يصعب على الإنسان الطبيعي أن يتحمل ما يحدث فيه خلال الليل.
شافية التي كانت تعيل أبناءها من تنظيف المنازل و صناعة العجائن التقليدية وبيعها، تحتاج اليوم لمن يتصدق عليها بقطعة خبز و بعض الأغطية  و حفاضات الكبار و ملابس للأطفال، بعدما تعرضت قبل سنة لكسرين في قدمها أقعداها عن الحركة، وذلك جراء سقوطها وسط الردوم التي تغطي المسلك المؤدي إلى الغرفة التي تقيم بها، و تطالب المحسنين بانتشالها منها و منحها مكانا بسيطا  و آمنا تأوي إليه رفقة أبنائها إلى غاية ترحيلهم من قبل السلطات، في إطار برنامج إعادة إسكان قاطني المدينة القديمة.  على بعد خطوتين من غرفة شافية، تعيش ماني شابة في عقدها الثالث، تخلى عنها زوجها هي الأخرى بعد انهيار منزلهما، وتركها وحيدة في الشارع فآوتها جارتاها شافية و السيدة حورية، داخل غرفة مهجورة تحيط بها القمامة و الردوم من كل جهة.  غياب الأمن في المكان الذي يشبه ساحة معركة، دفع بماني للاحتماء بعدد من الكلاب التي تقاسمها اليوم الغرفة و تكفيها شر المعتدين، في مشهد يصعب تصديقة، لكنه يمثل واقع بشر يعيشون على الهامش، أملهم الوحيد في الحياة هو ورقة صغيرة  تتضمن وعدا بالترحيل بتاريخ غير محدد.                                    
ن/ط

الرجوع إلى الأعلى