شبكات التواصل الاجتماعي بديل يهدد مصداقية الإعلام
أثر الإعلام الجديد الذي تروج له مواقع التواصل الاجتماعي،  في ماهية الخبر، حيث أضحت سرعة نقله قيمة أساسية على حساب صحته ومصداقيته ، كما انساق عديد الصحفيين في وسائل الإعلام التقليدية كالصحف و التلفزيون و الإذاعة وراء هواة و رواد «الفايسبوك» و «التويتر» كمصدر للمعلومات، دون التحقق في حالات كثيرة منها ، و ضمن هذا المنحى، فإنه لا يمكن إنكار أبعاد هذا الإعلام الجديد على القيم و المنظومة المجتمعية ككل، لكن هناك تساؤلات عديدة حول تأثيراته و انعكاساته على الفرد و المجتمع ككل، و كذا التحديات والرهانات التي يواجهها .
أعدها:  هشام جبار
هي   أسئلة طرحتها النصر على مجموعة  من المختصين، فسلطت الضوء على تجاذبات هذا النوع من الإعلام بين الأصيل و الدخيل و تكريس الواقع، أو التحليق في عالم الخيال من أجل الإثارة و استقطاب الاهتمام، تجسيدا لنزعة نرجسية.
الدكتور أبو الفضل أحمد ربابعة من جامعة الأردن
الرسالة بسيطة وتحمل  في طياتها المناشدة
«الإعلام الجديد قوي وله تأثير كبير وفي مقدمته موقعا التواصل الاجتماعي فايسبوك و تويتر، على تغيير الأوضاع بالسلب أو الإيجاب، إن ثلث العالم يستخدم كافة الوسائط، حيث أضحت هذه الوسائط مصدرا للأخبار و كشف وفضح المستور، دون وسيط أو رقيب أو حراس للبوابات، فالخبر يتسرب مباشرة عكس الإعلام التقليدي، أين يمر الخبر عبر مرحلتين، وتتحكم فيه عدة بوابات لمروره إلى المتلقي، وما يزيد من حجم تأثير الإعلام الجديد جاذبية الصورة و ذات الوسيلة في حد ذاتها غير مراقبة، الرسالة انقرائية تعتمد على لغة بسيطة وتحمل في طياتها المناشدة في الغالب، أي تتضمن صورا حزينة وعبارات رنانة تستميل الوجدان ،وقد تجلت تأثيرات ذلك، وفق الشواهد القائمة في توجيه مستخدميه، مثلما كان للخطابة و الشعر قوة في التأثير في الأزمنة السابقة باعتراف عدة مسؤولين وساسة في العالم فقد أجمعوا بأن  الدكتاتورية راحلة و الفايسبوك باق، فالإعلام الجديد له حضوره القوي، مما أدى إلى حجبه في الكثير من المرات في إيران وتونس وفي إسرائيل التي تمكنت من فرض سلطتها على إدارة الفايسبوك بغلق صفحة الانتفاضة الثالثة للشباب الفلسطيني التي تضم أزيد  من ربع مليون شخص ، وبعيدا عن قيمة مضمون الرسالة التي يحملها الاعلام الجديد في سياق الجدل القائم حول مصداقية ما يتم تداوله والأشخاص الافتراضيين الذين ينشرون الأخبار ويتحكمون في إدارتها من وراء الشاشة الزرقاء، إلا أن تأثير ذلك يبقى قائما وعليه لابد من تحسيس الجميع و الوقوف عند مخاطر استخدامه وحسن استغلاله .
البروفيسور العربي بوعمامة رئيس مخبر دراسات الإعلام و الاتصال بجامعة مستغانم
هناك تجاذبات  في القيم بين المحلي والعالمي  و الرمزي والواقعي
«إن الانفتاح عبر وسائــط الإعلام الجديد أحدث ثـورة في المحتـوى الإعلامي من خلال رفع الضوابط الرقابية و تحرير صيرورة إنتاج المضامين الإعلامية ، الأمر الذي أدى إلى التعجيل باستنبات جملة من التحولات على مستوى المعايير الاجتماعية  و الأنماط الحياتية، إضافة إلى تغييرات محسوسة في بنية العلاقات الفردية والاجتماعية، مما جعل تلك الوسائط تبدو كمحرك مستمر لهذا المجتمع المعاصر، و أحد أهــم فواعل صياغة الوعي الفردي و الجمعي، لما تحمله من أفكار و توجهات و مضامين يصعب فرض رقابة عليها، وهو الأمر الذي أعطى شعورا واضحا بقدرات هذه الأخيرة على التأثير في القيم بأبعادها الروحية والنفسية والاجتماعية والثقافية و السياسية والجمالية.
وقد أصبحت منظومة القيم راهنا من أهم القضايا التي يتم إثارتها و بحثها جراء إفرازات المشهد التكنولوجي الذي نعيشه اليوم، فآثار الإعلام الجديد، قد أصبحت ظاهرة للعيان على القيم والبنى الاجتماعية وأنساقها المختلفة ، و خصوصا النسق القيمي للأفراد والمجتمعات ، لما أحدثه الإعلام الجديد من تجاذبات على مستوى القيم بين المحلي والعالمي وبين المادي والروحي وبين الرمزي والواقعي، وبين الأصيل والدخيل... الخ. ومن منطلق أن القيم ليست منفصلة عن الواقع، و إنما هي ماثلة في الأذهان، ظاهرة في الأعيان تعكس حقائق تعبر عن التدافع القائم بين الواقع والخيال ، على حد تعبير الدكتور عبد الرحمان عزي في طرح نظريته الحتمية القيمية في الإعلام و بالقدر ذاته ، فإن التأثير في المنظومة القيمية لا يحمل دائما الصبغة السلبية فالإعلام الجديد وبما يحمله من تأثيرات يمكن أن يكون وسيلة لتعزيز القيم وترقيتها في الممارسة و على مستوى البنى الاجتماعية و بالتالي الحفاظ و صون وحدة المجتمع من الصراعات و التفككات.  وتظهر قوة القيمة  في التفاعل مع الآخر ، إذ لا يكون هذا التواصل فاعلا ، إلا من خلال تبني هذا الإعلام الجديد للمنظومة الأخلاقية المتجددة و المسايرة لما يعتمل داخل رحم الثقافة العالمية، فتكون طبيعة الاستخدام هي الفيصل في هذا الأمر» .
الدكتور أشرف فالح الزعبي من جامعة الزرقاء بالأردن
شبكات التواصل أكبر مؤسسة جاسوسية
«أحذر من الثقة العمياء في شبكات التواصل الاجتماعي من خلال الصور و العبارات و الكلمات و الرموز المتداولة، فهي عبارة عن أكبر مؤسسة جاسوسية، يمكن أن تعرف وفق التطبيقات المعتمدة لديها لتحليل الاتجاهات والمستوى المعيشي وعدد أفراد العائلات والعلاقات الاجتماعية و الأسرية وكل صغيرة وكبيرة قد تتجاهلها، إلا أنها مخزنة في حاسوب كبير، فالرقابة موجودة على الفايسبوك، بدليل عندما يتعلق الأمر بأمن قومي لأي بلد صديق، تظهر الرقابة وأشكال المنع و الغلق لعدة صفحات قائمة و لا يمكن تجاهل ذلك بالغفلة أو النسيان، وعليه من الواجب التحفظ وعدم التسرع في نشر الأسرار البيتية و العلاقات الاجتماعية والتمادي في كشف المستور دون مبرر، فكل ما يكتب أو ينشر يوثق لدى إدارة المؤسسة .  
الإعلامي الدكتور صالح شبرة
الصحفي أصبح تابعا وغير فاعل في صناعة الخبر
إن صحفي اليوم أضحى تابعا لـ "تقنوية" الإعلام الجديد، على غرار فايسبوك وما ينقله تويتر، غير فاعل في صناعة ونقل الأخبار، كما كان يحدث في السابق، وبالتالي فإننا بلغنا عهد السرعة في نقل الرسالة، وليس الوسيلة هي الرسالة بمفهوم مارشال ماكلوهان، أو القيمة هي الرسالة، على حد وصف البرفيسور عبد الرحمان عزي، فالسرعة هي الأساس في نقل الخبر، وعلى الجمهور التحقق من صحة ومضمون الرسالة بعد ذلك ، فالتدافع وزخم الأخبار المتداولة كل ثانية، إلى جانب الانتشار المذهل لمختلف وسائل ووسائط الاتصال، فرضت منطق السرعة دون التحقق من مصادر الخبر. إن تأثير الإعلام الجديد تفوق على الإعلام التقليدي في مجال نقل المعلومة ،كما تراجعت  الرقابة لأن الحدث بات ينقل مباشرة وهنا تبرز في آخر المطاف إشكالية كيف تؤثر التقنية على القيمة في ضوء التزامنية .
الدكتورة شهر زاد صوفي من جامعة باتنة
مستخدمو شبكات التواصل يتداولون قضايا جادة في قالب هزلي
إن المتصفح لشبكات التواصل الاجتماعي يلاحظ أن أغلب القضايا الجادة تقدم بقالب تنكيتي أو بسخرية و لغة هزلية، نشأت في ثقافة فرعية، فيما غيبت اللغة الحقيقية واستبدلت برموز وألفاظ مدجنة ومؤدلجة مكتوبة باللاتنية، وهي لغة أضحت مفهومة ومتداولة بين مستخدمي شبكة الانترنت ومن بين إفرازات الإعلام الجديد نقل ثقافة جديدة، الخسف أو الخرس الفايسبوكي داخل المحيط الأسري وذلك بانعدام التواصل بين أفرادها بفعل انشغالهم وانبهارهم بما تنقله التقنية .
هـ. ج

البروفيسور عبد الرحمن عزي صاحب نظرية الحتمية القيمية
الإعلام العربي تجاوز سقف الحرية لينال من الأخلاق و الخصوصية
يدعو الباحث الأكاديمي والإعلامي الجزائري البروفيسور عبد الرحمن عزي، من جامعة الشارقة، وسائل الإعلام إلى  التحلي بالمسؤولية الأخلاقية، باعتبار أن الرسالة الإعلامية لها بعد ومدلول قيمي منطلقه الأساسي المعتقد، لذلك فإن تأثير وسائل الإعلام يكون إيجابيا، إذا كانت محتوياتها وثيقة الصلة بالقيم، وكلما كان الابتعاد عن القيمة أكبر كان التأثير السلبي جليا مؤكدا على أهمية الارتقاء بالرسالة الإعلامية لتكون في خدمة المجتمع وعدم العبث به .
ويرى صاحب نظرية الحتمية القيمية عبد الرحمن عزي، أن بعض وسائل الإعلام غرقت في مستنقع البحث عن الإثارة والسلبية والخوض في الصراع، في الوقت الذي تتضافر الجهود في الغرب نحو التأسيس لإعلام السلم لضمان استقرار وتماسك المجتمع، عن طريق ضبط إيقاع الأداء الإعلامي عبر المهنية، بحيث لا يمكن المس بالذوق العام و التطفل على خصوصية الأفراد، مع تنبيه المتلقي للمشاهد الصادمة، تجنبا لإحداث صدمة إدراكية هو في غنى عنها. و يضيف محدثنا أن وسائل الإعلام في الغرب، ذات توجه ليبرالي و لها هامش كبير من الحرية، لكنها تفطنت إلى المزالق التي وقعت فيها من خلال تبنيها لنتائج بحوث التأثير، كما تحركت مقابل ذلك الجمعيات المهنية وتدارك الإعلاميين و الصحفيين لواجب التحفظ في بعض الأخبار التي لا تخدم قضايا المجتمع وحتى أسلوب المعالجة الإخبارية يكون  بمستوى عال من المهنية ،فكل ذلك نابع، يقول أستاذ جامعة تكساس سابقا والشارقة حاليا البرفيسور عزي، نابع من القيم الشخصية التي يتحلى بها الإعلامي والتي تتقاطع مع قيم المؤسسة الإعلامية والتي تصب في مجملها مع المبادئ و القيم المعلنة من طرف الجمعيات المهنية .
 تشدد مقاربة نظرية الحتمية على أولوية الثقافة لدى وسائل الإعلام، فالثقافة تستوعب وسائل الإعلام، بينما تشمل وسائل الإعلام جزءا محدودا من الثقافة، أي كل ما يحمله المجتمع وما ينتجه من قيم ورموز معنوية و مادية وذلك في تفاعله مع الزمان والمكان، انطلاقا من بعض الأسس التي تشكل ثوابت الأمة و أصولها. ويحدد الباحث الجزائري صاحب مؤلف «نحو فكر إعلامي متميز «، عدة ركائز، فالاتصال منبثق من الأبعاد الثقافية الحضارية التي ينتمي إليها المجتمع ويكون تكامليا في أنماطه و وسائله السمعية البصرية، المكتوبة والشخصية،  مع التركيز على المطبوع، لأنه من أسس قيام الحضارات، مع ضمان  المشاركة الفعالة من قبل الجمهور الذي يكون  حاملا للقيم الثقافية والروحية التي تدفع المجتمع إلى الارتقاء.
و تتضمن النظرية الجديدة التي تبناها عديد الباحثين عبر العالم،  عدة مفاهيم للتمعقل ، أي استعمال العقل بحثا عن الحقيقة و « التمخيل « لإعادة تصور الواقع للوصول إلى أفضل حالات التموضع مع سعي الإنسان إلى تغيير أوضاعه  نحو الأفضل عن طريق التمعقل، أما الرأسمال الرمزي فيعبر عن الواقع باللغة والصورة والصوت، إلى جانب المخيال الإعلامي الذي يعبر عن وجدان الأمة .
هـ. ج

الرجوع إلى الأعلى