قاصرات في ثوب سيدات مصابات بأمراض عصبية بسبب عنف أزواجهن
رغم أن عيد المرأة هو احتفالية عالمية، والجزائر تحتفل به على غرار بقية الدول، إلا أنه يوجد نساء لا يعرفن معاني هذا العيد ولم تذقن طعم الاحتفال به، لأن بعضهن تعشن في شبه غيبوبة جراء عنف معنوي ممارس من طرف الرجل. و قد صادفت النصر بعضهن عشية الاحتفال بعيد المرأة في مصلحة الأمراض النفسية و العصبية بمستشفى وهران، فرصدنا مآسيهن.
ريم.. فتاة لا تتجاوز 17 عاما من عمرها ، قدمت من إحدى قرى الغرب الجزائري، وجدناها  تقطع رواق المصلحة ذهابا و إيابا و الممرضة ترافقها لكي لا تنهار، كانت علامات التعب جلية على ملامح والدتها و رغم ذلك بدأت تسرد علينا قصة فلذة كبدها التي تحولت بين ليلة وضحاها إلى فتاة مضطربة عقليا، تقول الوالدة أنها من شدة الفقر لجأت إلى تزويج ابنتها من أحد أقاربها رغم سنها الصغير، و تم ذلك بشكل طبيعي بموافقة ورغبة ريم التي لم تكن تعرف شيئا عن الحياة الزوجية سوى أن نظيراتها في القرية تزوجن وأنجبن أولادا، وتضيف الأم بأنه في اليوم الموالي لليلة الدخلة ظهر على ريم بعض الاضطراب و هو راجع للعنف المعنوي الممارس عليها من طرف الزوج الذي هجم عليها كالحيوان، و رغم ذلك طلب منها جميع المحيطين بها التجاوب مع العريس.
  في اليوم الموالي أغمي عليها و عندما استيقظت وجدت نفسها في المستشفى، و قد أصيبت باضطراب عصبي و وصفت لها أدوية مهدئة، لكن حالتها تأزمت و نقلت إلى مستشفى الأمراض العقلية، أين مكثت شهرين، ثم عادت لتبدأ العلاج في مصلحة الأمراض العصبية. و خلال حوالي 5 أشهر من مرضها، لم يسأل الزوج عن ريم ولم يعرها أي اهتمام، بل انتشرت في القرية أخبار مفادها أنها أصيبت بمس من الجن و العديد من الإشاعات التي لن تعيد للفتاة قواها العقلية.
فاطمة فتاة أخرى من إحدى قرى غرب البلاد، لم تتجاوز 16 عاما، و كانت تنتمي إلى عائلة متواضعة، تقدم إلى خطبتها أحد الأشخاص، ففضلت والدتها تزويجها لأنها فتاة جميلة و بصحة جيدة و كل شباب القرية يلاحقونها، و لم تتجرأ فاطمة الصغيرة على المطالبة برؤية العريس الذي لم يسبق لها و أن لمحته ، كما أن  والديها لم يسمحا لها برؤيته، لأنهما كانا يخفيان عنها أمرا ما، هذا ما اكتشفته فاطمة ليلة الدخلة، لقد كان العريس مبتور الرجل بسبب تعرضه لحادث، فكانت الصدمة قوية على فاطمة، فانهارت و نقلت إلى المستشفى، و مكثت هناك للعلاج إلى غاية استرجاع قواها العقلية والنفسية، ثم عادت إلى بيت والديها وأصرت على عدم العودة إلى الزوج، لكن تحت ضغط العائلة والمحيط أعيدت فاطمة إلى زوجها، و مكثت معه عدة شهور، ثم فرت مرة ثانية إلى بيت والديها، لكنها كانت حاملا هذه المرة ، و عندما أصرت على الطلاق كان لها ذلك.
 فاطمة لا تزال تتابع إلى غاية اليوم علاجها عند طبيب الأمراض العصبية والنفسية، لأن مأساتها تضاعفت ، فقد ماتت والدتها فجأة و تركتها تعيل إخوتها و أباها المريض وابنها الذي تخلى عنه والده، فاطمة لم تبلغ 20 سنة، لكن حياتها الشخصية انتهت هنا، ودخلت عالم السيدات الكبيرات المسؤولات عن أسر، دون أن تعلم ودون أن ترغب  في ذلك.
مريم السمراء الجميلة تجسد أيضا مأساة اجتماعية أخرى، التقينا بها صدفة في إحدى العيادات الطبية، تقول بأنها و بمجرد توقفها عن الدراسة في السنة الثالثة متوسط، و كان سنها لا يتجاوز 16 سنة، بدأ الخطاب يطرقون بابها، و لم تشعر حينها بالرغبة  في الرفض، لكنها كانت تتحين الفرصة المناسبة، و فعلا ذات يوم طرقت باب عائلتها المتوسطة الحال، سيدة محترمة طلبت يدها لابنها الذي قالت بأنه يملك الإمكانيات المادية للزواج، لكنها لم تخبر مريم بسر عدم زواجه حتى الآن.
فارقت والدة مريم الحياة إثر إصابتها بأزمة قلبية، فلم تجد بدا من الزواج لضمان حياة أسرية مستقرة ، خاصة و أن والدها سيعيد الزواج حتما. و لم تتوقع مريم أنها ستظل تحمل صفة متزوجة فقط، و لن تربطها علاقة زوجية حقيقية بالرجل الذي نقلت إلى بيته ، فقد قال لها بأنه لا يحبها و بأن والدته أرغمته على الزواج منها و سيظل زواجهما على الورق فقط، فهو يعيش حياة الترف واللهو والسهر وله خليلات. و وجدت مريم نفسها بين مطرقة الزوج وسندان العودة إلى البيت الذي غادرته والدتها إلى الرفيق الأعلى . وتضاعف ضغط المحيطين بها، فقد أكدوا لها بأن عودتها و طلاقها فضيحة وعار، فدخلت في حالة اكتئاب حادة وعزلت نفسها عن كل الناس، وبعد حصص علاج اضطرت لاختيار حل يرضى الجميع إلا هي، حيث قررت البقاء في بيت الزوجية لخدمة والدي الزوج اللذين اعتبرتهما مثل والديها، وعدم العودة إلى بيت والدها الذي أصبح الحمل ثقيلا عليه لأنه مسؤول عن رعاية أخويها الآخرين. وهكذا تحولت مريم التي بلغت مؤخرا 20 عاما من عمرها، تعول شخصين مسنين وتتألم يوميا عند رؤية زوجها يخرج ويدخل ولا يعيرها أي اهتمام، وكأنها فعلا خادمة في البيت.
حالات كثيرة من هذا النوع يغلق عليها المجتمع الأبواب و يدفنها في صمت، فتظل تعاني دون أن ترتكب ذنبا وتتخبط في مآس لا تنتهي.        هوارية. ب

الرجوع إلى الأعلى