الفايسبــــوك واجهــة جديــدة لفضح أسرار العائـــلات
زوجات ينشرن غسيلهن المتسخ ، و كل ما يتعلق بخلافاتهن  بأزواجهن و مشاكلهن مع الحموات و بناتهن ، و فتيات و سيدات يشكلن جبهة للدفاع عن أمهاتهن في صراعهن مع كناتهن و يتفنن في نشر قصص و حكايات و أمثال و رسائل مشفرة تارة و أخرى  صريحة واضحة تصل لحد القذف و الإهانة، و رجال يتفاخرون بسياراتهم أو يتنابزون بالألقاب أو يسلطون الضوء على حياتهم العاطفية ،و كذا مشاكلهم في العمل،على صفحات موقع التواصل الاجتماعي فايسبوك التي غدت واجهة جديدة لحروب باتت تنشر تفاصيل و أسرار خاصة، ليطلع عليها أناس غرباء بمختلف أنحاء العالم، كما يستغلها أحيانا الأقارب و الجيران و الزملاء للتدخل في أبسط الأمور التي جعلت و كأن الجميع يعيش في محيط واحد أو بيت واحد.
مفارقة جديدة يصنعها بعض الفايسبوكيين على صفحاتهم الخاصة، فبعد أن كانت هذه الأخيرة مخصصة لنشر مواضيع عامة، أو صور تتعلق بموضوع شامل، أو تبادل الأفكار و التعبير عن الرأي ، حولتها شريحة واسعة إلى ساحة حرب باردة، تستغلها بعض الأطراف لنشر تفاصيل كان حريا بها أن تبقى خارج  الصفحات الافتراضية  التي يطلع عليها العام و الخاص دون استئذان.
بعد أن بدأت صفحات الفايسبوك تحتضن بعض الأشياء الخاصة كالصور، بدأت تأخذا منحى آخر، بإخراج خصوصيات الأسر، خاصة في ما بين الأصدقاء و في  نفس العائلة أو بين الجيران الذين بدأوا بنشر صور خاصة بنوعية الطعام المعد للغذاء أو العشاء، أو أي من أشغال البيت التي تقوم بها الأم أو الأب، إلا أن الأمور قد تخطت هذا، فيلاحظ المبحرون في هذا الموقع بأن البعض قد بلغ به الأمر حد نشر ملفات عائلية أكثر سرية.
فبعض الصفحات و إن كانت تحمل الاسم الشخصي لأصحابها و حتى صورهم، تحولت إلى معترك لخوض حرب أمام الملأ، تنشر فيها تفاصيل و يتم تبادل التهم من خلالها و حتى السب و الشتم، فضلا عن محاولة تمرير رسائل عبر شفرات لغوية غالبا ما يفهمها أي قارئ، و إن كان ليس معنيا بها، كالخلاف الحاصل بين فتاة و زوجة أخيها التي استغلت صداقتها معها على صفحة الفايسبوك و قامت بنشر تفاصيل خلاف بات يعلم به كل المشتركين في الصفحتين.
و بعيدا عن الحديث عن القصص المتعلقة ببعض الزملاء الذين يحاولون تشويه صور زملائهم في الدراسة أو العمل، و آخرين يتبادلون التهم، نجد أمثلة توصف بالأكثر خطورة، و هي تلك الخاصة بفتيات  تحاولن إثارة غضب أفراد عائلتهن بشتى الطرق و إن كانت عبر نشر صور خاصة للغاية، أو قيام بعض الفتيات بما يشبه سبر الآراء على الفايسبوك حول التسريحات و الأزياء المناسبة لهن في حفل خطوبتهن أو زفافهن.
و بالمقابل هناك زوجات ينشرن بانتظام تفاصيل حياتهن و خلافاتهن الزوجية أما الملأ دون خجل أو وجل .على سبيل المثال إحدى الفايسبوكيات المتعودات على نشر كل صغيرة و كبيرة في حياتها الشخصية و العائلية ، بلغ بها الأمر إلى حد نشر صورة امرأة مدعية بأنها “خرابة بيوت” خطفت منها زوجها الذي تحبه .و سألت بقية الفايسبوكيين :”هل هي أجمل مني؟ “و تهاطلت عليها ردود وتعليقات المجاملة و الغزل مغلفة بالمواساة من الجنسين . و في اليوم الموالي أطلت هذه السيدة من نفس الصفحة و نشرت صورة أخرى لها رفقة زوجها ، معلقة بأن زوجها عاد إليها و عادت المياه إلى مجاريها مرة أخرى و يعيشان فترة من السعادة و الانسجام و كأنهما في شهر العسل.
كما بادرت سيدة أخرى إلى نشر خلافاتها و شجاراتها مع زوج لا تحبه و لا تطيق العيش معه ،و كل ما يربطها به ،كما أكدت خوفها من كلمة “مطلقة” و مجموعة من الأبناء لم تتردد في نشر صورهم البريئة على الفايسبوك .وصبت جام غضبها على الظروف و التقاليد التي ترغمها على البقاء داخل سجن الزوجية.و هناك حكايات الحموات و الكنات التي يتابعها الخاص و العام ، فالأمثلة كثيرة عن هواة نشر الغسيل المتسخ في فضاء حولوه للإفضاء بأسرار ليست أصلا للنشر .
 في ظل كل هذا، يحاول الكثيرون الإطلاع على أسرار العائلات، و بات الكثير من الفضوليين ينتظرون يوميا تفاصيل جديدة عن أي خلاف، لمتابعة إحدى مسلسلات الحياة التي انحرفت كثيرا عن مسارها.
كما يجد بعض الشبان و الشابات من هذا الفضاء مجالا خصبا للإغراء و استعراض الصور بملابس تكون أحيانا غير لائقة ،خاصة في ظل موضة “سيلفي” و “هايرفي”.  
الدكتورة في علم الاجتماع، مازوز بركو، ترى بأن الظاهرة ناتجة عن غياب الحوار البناء داخل الأسرة، من خلال الإصغاء لانشغالات و مشاكل الآخر، بالإضافة إلى استقالة أفراد الأسرة ،خاصة  بعض الوالدين عن أداء واجباتهم الحقيقية، ما جعل البعض يتوجه إلى العالم الافتراضي الذي تمثله شبكات التواصل الاجتماعي لتفريغ الشحنات السالبة و الموجبة ، أين حل ما يعرف بالتحاور مع العالم الافتراضي الذي يسمح بتعبير الفرد عما يشاء دون وجود رادع أو من يوقفه ،حسب الأخصائية.
و من الأحاديث العامة، إلى الخاصة، إلى الأكثر خصوصية، حولت العولمة حتى الحياة الخاصة إلى عامة، و لم يعد بذلك لأسرار الكثير من البيوت معنى، و أسقطت التكنولوجيا بذلك إحدى أهم المقولات القديمة التي تقول منذ قرون بأن “البيوت أسرار”.                     

إ.زياري

الرجوع إلى الأعلى