تعرف الأسر الجزائرية خللا وظيفيا في بنائها، فرغم أن أفرادها يعيشون تحت سقف واحد، لكنهم متباعدون ثقافيا وعاطفيا، جراء استهلاكهم  منتجات ثقافية غربية عبر مختلف وسائط الإعلام و الاتصال، على ضوء تراجع دور مؤسسات التنشئة الاجتماعية، واقع دفع النصر،  إلى طرح عدة تساؤلات حول مستقبل الأسر الجزائرية و كيفية تفعيل منظومة اليقظة و التوعية لحمايتها، و كذا حجم تأثيرات العولمة، على أساتذة مختصين على هامش فعاليات الملتقى الوطني حول العولمة وتأثيرها على ثقافة الأسرة الجزائرية المعاصرة الذي احتضنته مؤخرا جامعة الجيلالي بونعامة بخميس مليانة .
إعداد :هشام ج
الدكتور بشير مصيطفى
يجب تفعيل منظومة اليقظة الثقافية لحماية الأسر
يرى الدكتور بشير مصيطفى بأن لكل قرن فكرته و أدواته و أسواقه، وبالتالي، فإن القرن 22 سيتحوّل إلى سوق للمنتجات الثقافية، وعليه لابد من دق ناقوس الخطر لحماية الأسرة الجزائرية من التفكك، عن طريق اليقظة الثقافية وذلك بتقوية المرتكزات الأساسية.
و قال بهذا الخصوص « حاليا نتكلم عن 17 مليون جزائري يستخدمون فايسبوك، وهذا الرقم يشكل 40 بالمائة من عدد السكان، حيث يوحي الرقم المذكور بأن عدد الحسابات المفتوحة أكثر من عدد العائلات المقدرة حاليا ب 10 ملايين عائلة، وهذا مؤشر تقني للقرن القادم، لأن الفايسبوك ليس أداة اتصال، بل أداة تفاعل مع الرسائل، وعلينا أن نتوقع في نهاية القرن الحالي وبداية القرن القادم تحول الفايسبوك الى أحد روافد الثقافة، وبالتالي فالعائلات الجزائرية مرشحة لتلقي منتجات ثقافية جديدة لها بوابتين للتأثير، البوابة الأولى العادية تتمثل في المحافظة على الهوية ،وهي فرصة تاريخية للتفاعل الايجابي ،وهناك خطر آخر للتفاعل السلبي، حيث ستتحول إلى سوق للمنتجات الثقافية، كما حدث في القرن 21 ، عندما تحولت المجتمعات إلى أسواق للمنتجات الاقتصادية ،وفي القرن ال20 للمنتجات السياسية و العسكرية ، وبالتالي لكل قرن فكرته وأدواته و أسواقه ومحاولة تدخلي في هذه الحالة استشرافية باقتراح منظومة اليقظة الثقافية التي تقوم على ثلاث أدوات ، منها أدوات الإحصاء الثقافي، مع وضع الثقافة في متناول العائلات من منظور رقمي مثل التراث المادي كالمخطوطات ،المراجع ،البنايات ...إلخ و اللامادي وهذا ما نعني به المرتكزات الأساسية، كالدين و المعتقد والمذهب، كالمذهب المالكي بالجزائر الذي يعد صمام أمان من التيارات الأخرى، وعليه ينبغي استغلال الفايسبوك و وسائط الاتصال الأخرى للترويج للمرتكزات و لابد على القائمين على الثقافة لعب هذا الدور» .
و بخصوص سؤالنا إذا كنا سنقع فريسة لاستعمار بثوب جديد، في حال عدم بلوغنا أهداف اليقظة الثقافية، رد الباحث:
«تكلمت عن سنة 2100 على أساس أن التجربة الإنسانية بينت أن الأفكار تتطور بالقرن ،حتى الصين تطورت بقرنية 1950-2050، و الاستعمار جاء في قرن محدد و الحرب العالمية الثانية جاءت في قرن آخر، إلى جانب منظمة التجارة العالمية وغيرها، إذا لم يحدث سيناريو اليقظة الثقافية في الوقت المحدد، فكل ما هو منتوج ثقافي تصبح الجزائر سوقا له ، هذا الطرح محتمل وفي حالة فشل السياسات الحالية في تثبيت المرتكزات للمشهد الجديد، فإن الاستعمار سيكون بثوب جديد بنفس المنهجية و بأدوات ثقافية ،وعليه لابد من تجديد الاستقلال على أسس ثقافية بمعنى عدم البقاء سوق لفكرة القرن «. و جرنا هذا الرد لطرح سؤال آخر على المتحدث:  نحن مقبلون على نمو و تطور الأسرة ما هي سبل الحفاظ على تماسكها أمام خطر وسائط الاتصال ؟ فرد الدكتور مصيطفى
«من المنتظر أن يتضاعف عدد الأسر ثلاث مرات، من 10 ملايين إلى 30 مليون  بتعداد إجمالي يصل إلى 99 مليون نسمة قبل نهاية القرن الحالي، وعليه تبقى النصيحة الجوهرية التي يمكن أن نسديها هي المساهمة في اليقظة الثقافية بواسطة تفعيل دور المجتمع المدني للحفاظ و استدامة المرتكزات مثلها مثل المبادرات الخاصة بترقية المرأة الريفية أو الرعاية الصحية ومحاربة الأمية وغيرها من المبادرات الخلاقة التي تحافظ على كينونة وتماسك المجتمع».

البروفيسور الفوضيل رتيمي مختص في علم الاجتماع جامعة البليدة 2
الأزواج في ماليزيا يخضعون لدورات تكوينية لتفادي حالات الخلع و الطلاق
قال البروفيسور الفوضيل ريتمي «يشكل النموذج الماليزي نموذجا للأسر السعيدة التي تعرف حقيقة كيانها ووجودها ودورها في المجتمع، رغم وسائط الإعلام و الاتصال المتاحة بشكل كبير، فمن خلال دراستي الميدانية على هذا المجتمع الذي قمت بزيارته في السنوات القليلة الماضية، وجدت عدة نقاط إيجابية في تكوين الأسرة، من بينها دخول الزوج والزوجة  في دورة تكوينية لمعرفة الحقوق والواجبات والتحديات الاقتصادية و الصحية و كل شيء يمكن ان يقف حجر عثرة في استمرار العلاقة الزوجية، لكن الاستعداد و قابلية التعايش والاستمرار من شأنهما تذليل كافة المشاكل و العقبات، والأمر الذي خلصت إليه أن في ماليزيا المجتمع هو الذي يزوج الأفراد، فلأكثر من 48 ساعة، يظل الزوجان «العروس و العريس» في الشارع، يتلقون الهدايا و التبريكات، بمعنى أنه تم  اتفاق اجتماعي جماعي على زواج هذين الفردين اللذين يتحملان مسؤولية بناء الأسرة التي تصب في معين المجتمع».
في حين المجتمعات العربية تفتقد، حسبه  لهذا النوع من الدورات التكوينية للأزواج، فإذا نزلنا إلى الشارع واستطلعنا آراء الأزواج عن الحقوق و الواجبات الزوجية، لا نكاد نحصل على إجابات واضحة ومحددة، بالرغم من أن الزواج يفترض أنه حق ديني واجتماعي وطبيعي و نفسي. مصيبة الزواج في مجتمعنا الحالي، ليس العنف فقط، بل بلوغنا مستويات أعلى من الطلاق والخلع الذي بات يهدد كيان الأسرة برمتها ،إذ تشير الإحصائيات، وفق ما أكده، إلى أن عدد حالات الخلع في العاصمة سنة 2014 قد بلغ نحو 23 ألف حالة، و بالتالي فإذا كانت الزوجة تطالب بالخلع و البنت تهدد بالتمرد والابن بالهجران، فماذا تبقى من الأسرة؟ من الضروري التفكير في مثل هذا النوع من الدورات التكوينية، حتى لا تسقط هذه الأخيرة في مثل هذه المطبات، لابد من هندسة هذه المؤسسات ثقافيا واجتماعيا، قبل أن يصبح المجتمع «ذرات اجتماعية، وليس أفرادا اجتماعيين»، على حد تعبير المفكر العراقي علي وردي .
إن الإشكال القائم الذي تعاني منه الأسرة الجزائرية تحديدا، وفق البروفيسور رتيمي، أن أفرادها يعيشون في عالم افتراضي أكثر من عالمهم الحقيقي، و هذا العالم تسوده حالة من الخوف والقلق و الحذر ومن علاقات باردة ينسجونها عبر وسائط الاتصال ،حيث أصبحت الأسرة على ضوء كل ذلك موجودة شكلا  بفعل الخلل الوظيفي، حيث تعيش تحت سقف واحد،  لكن أفرادها متباعدين ثقافيا وعاطفيا ،حتى أن الفرن أضحى غير وظيفي في المنزل، باعتبار أن البعض يتناول وجبات سريعة على الطريق و ينفرد بنفسه داخل غرفة مظلمة .

الدكتور الحاج تيطاوني، مختص في علوم الإعلام و الاتصال
العالم أصبح قطيعا إلكترونيا و الأسر تئن تحت وطأة التفكك
يرى الدكتور الحاج تيطاوني مختص في علوم الإعلام و الاتصال، أن المؤسسات الكلاسيكية كالمسجد و الأسرة والمدرسة، تضاءل دورها  الأساسي المتمثل في التنشئة الاجتماعية و حلت محلها وسائل الاتصال التي هيمنت على عقول الناس، وفق النموذج الثقافي الأمريكي الذي بات يهدد خصوصيات المجتمعات التي أصبحت عبارة عن أضداد يراد لها أن تكون على خط واحد لما يسمى بالمواطن العالمي، وهذا النموذج بات يهدد، كما قال، الدول الغربية كفرنسا التي رفعت الاستثناء الثقافي كاللغة و المبادئ، و كندا التي تئن هي الأخرى تحت وطأة المنتجات الثقافية الأمريكية، بدليل أن أحد وزرائهم تساءل «إذا كان أبناؤهم يدركون أنهم كنديون»، بفعل الانبهار والانسياق خلف كل ما هو أمريكي ،وهو ما يعبر عنه المفكر توماس فريدمان في كتابين له « زيارة فلاكسيس وغصن الزيتون»  و «العالم المسطح « و يؤكد من خلالهما بأن مصلحة شعوب العالم أن تظل تحت العباءة الأمريكية، نفس الطرح يذهب إليه المفكر فرانسيسكو فوكو ياما في كتابه» نهاية التاريخ و خاتم البشر»، باعتبار أن الحضارة الغربية هي أجود ما جاءت به البشرية في القرن العشرين، فأي شخص يفكر خارج دائرة هذا المفهوم، هو متخلف، لكن للأسف، كما قال «نحاول كعرب أن نتماهى مع العولمة بمفهوم حوار الحضارات  الذي لم يعد قائما من منظور الولايات المتحدة الأمريكية التي تقفز على الضوابط الأخلاقية» مضيفا «كافة المؤشرات و الدلائل تلخص في وجه الرئيس الأمريكي الجديد دونالاد ترامب، فالصراع اليوم، كما ذهب إليه صموئيل هيغنتون هو صدام للحضارات،و  ليس صراع إيديولوجيات، بل قيم وثقافات، وبالتالي كيف أصبح المسلم العربي في مخيال العالم إرهابيا؟»
 وينادي الدكتور تيطاوني بضرورة تفعيل دور المؤسسات الكلاسيكية في التنشئة و الوعي بقضايا المجتمع للحفاظ على تماسكه، قبل أن تلتهم التكنولوجيا وسائل الاتصال بمنتجاتها المتعددة و التغريبية ما تبقى من أفكارنا و ذواتنا .

الأستاذ علي كفسي من جامعة الجزائر 3
التيارات الدينية الدخيلة مؤشر سلبي على تفكك الأسرة
 يري الأستاذ كفسي أن المجتمع الجزائري عرف خلال 40 سنة الأخيرة، تحوّلا في الهوية الدينية و الثقافية، بفعل ظهور بعض التيارات الدينية كالشيعة و الوهابية و الأحمدية مؤخرا، التي استغلت الظروف التي مرت بها البلاد، خصوصا خلال تسعينيات القرن الماضي التي غابت خلالها الجهات الوصية لمكافحة التطرف الديني. وقد ساهمت وسائل الإعلام الثقيلة و تدفق المعلومات عبر وسائط الاتصال في انتشار هذه التيارات، لكن لحسن الحظ، وفق منظوره،  استبقت وزارة الشؤون الدينية الميدان وترتيب شؤون المساجد من خلال توعية الناس بالمخاطر المحدقة لهذه التيارات الدينية التي تؤثر على اتجاهات الأفراد داخل المنزل الواحد. ويكمن الحل، كما يضيف، في إعادة  الاعتبار لمكانة المذهب المالكي الذي يعد صمام أمان المجتمع و وحدته من كل تمزق، حيث ينادي للسلم و التعقل وقاعدته الأساسية العلم و المعرفة، إلى جانب الزوايا القرآنية التي ما فتئت تتولى دور التنشئة الاجتماعية بمفهومها الواسع ولا يمكن إنكار دورها تاريخيا وحضاريا ، يقول محدثنا.              
هـ.ج

الرجوع إلى الأعلى