فوبيا الحسد.. وسواس لتبرير الفشل  غذته الشعوذة
تحولت  فكرة الخوف المفرط من العين إلى حالة مرضية تؤرق حياة الكثيرين، ممن أصبحوا يفسرون كل ما يتعرضون له سواء من  مرض أو خصام أو تعطل قضاء حوائجهم بالعين و بحسد أقاربهم، و  وصل الحد بالبعض إلى قطع الصلة بأقاربهم خشية التعرض لشر الأعين   ، فيما أكد مختصون في علم الدين و الاجتماع انتشار الظاهرة و تفاقمها و قالوا بأن الكثير أصبح له وسواس العين و السحر، مرجعين ذلك إلى ضعف الوازع الديني  و انتشار القنوات المتخصصة التي ضخمت الأمر.
أســـــماء بوقــــــرن
« فوبيا العين» ترسخت لدى أفراد المجتمع الذي انتشرت فيه طقوس الوقاية من الإصابة بها،  كوضع العجلات في البيت من الخارج و الخمسة خلف السيارة  و غيرها من الأساليب، بعد أن تكرس في  أوساط المجتمع أن الحسد سبب  رئيسي  ينسب له  أي إخفاق أو فشل، حيث تحول هذا الخوف إلى حالة مرضية عند الكثيرين،  كالانطواء على  النفس و عدم حضور  المناسبات،  كما  أن هناك من يبتعدون عن اقتناء كل ما هو باهض  الثمن خوفا من العين، ويصل الأمر لدى آخرين  حد    الوسوسة و الاكتئاب حسب مختصين، وهو    سجلناه  خلال حديثنا إلى بعض الأشخاص، الذين  عبروا للنصر عن  مدى خوفهم من الإصابة بالعين.  السيدة فضيلة في الأربعينات من العمر، متزوجة و أم لخمسة أولاد، و فور الاستفسار منها عن مدى ربط الأحداث التي تقعها بالعين، قالت «أنا و أولادي تجري لنا العين»، و عندما طلبنا منها التوضيح قالت بأنها منذ أن تزوجت و هي تواجه عراقيل و صعوبات في حياتها، إذ أصبحت كثيرة المرض الذي في غالب الأحيان يكون آلام في الرأس و الرجلين، دون أن يجد له الأطباء لحالتها  تفسيرا علميا على حد تعبيرها ،  وأضافت أن  أولادها كانوا ممتازين في الدراسة و لهم طموحات عالية لاستكمال مشوارهم التعليمي و اعتلاء مناصب عليا، لكن بمجرد أن يصلوا للسنة الثالثة متوسط يتراجع مستواهم بشكل كبير و يكرهون الدراسة،    «فحتى عندما أشتري شيئا جديدا للمنزل و يقع على عين شخص ما ممن يكننون لنا الحسد   يتعرض للتلف» ، مستدلة بما حدث لها مؤخرا، إذ اشترت ثلاجة و آلتين للخياطة ، قالت أنه وبمجرد أن وقعت أعين أحد قريباتها عليها  قبل استعمالها   ،  تفاجأت فور تشغيل الثلاجة بأنها لا تعمل، مع  أنها أخضعتها للتجريب عند صاحب المحل و كانت تعمل بشكل جيد، فيما لم تتمكن من استعمال آلتي الخياطة بحكم  عزوف الزبائن عنها، مضيفة بأن أبناءها أيضا يخسرون في كل نشاط تجاري يمتهنوه، و قد أحضرت في عديد المرات الرقاة إلى بيتها برضى زوجها ،  قالوا لها بأن بيتها و أولادها يجلبون العين على حد تعبيرها، ما جعل أي شيء تخوض فيه يفشل. من جهتها قالت شابة في العشرينات من العمر متزوجة و تنتظر مولودا بأن أي شخص يجب أن يكون حذرا في التعامل مع المحيط الخارجي و خاصة الأقارب، لأن في هذا الوقت حسبها «لا أحد ينوي الخير للآخر» و تغيب كلمة « الله يبارك» عن أفواه الأغلبية، ما يحتم على أي شخص أن يأخذ احتياطاته، موضحة بأنها لم تعلم أي شخص عن حملها، و قد تفادت خلال السبعة أشهر الفارطة من الحمل الذهاب عند الأقارب خشية الإصابة بالعين، كما قاطعت إحدى قريباته لأنها تحسدها على كل شيء تقوم بها، مضيفة بأنها أخفت أمر حملها عن الأم التي ربتها و هي في الأصل خالتها ، لأنها لم تنجب أولاد و خافت أن تحسدها، هذا بالرغم من أنها تقيم معها في بيت واحد  نظرا لعمل زوجها خارج الوطن،  مشيرة أنها تعمدت لبس الثياب الفضفاضة و قضاء معظم الوقت بمفردها في بيتها لكي لا تلاحظها، إلى أن اكتشفت الأمر بمفردها عندما أصبح حملها في أواخر الشهر السادس، قائلة بأن الأم التي ربتها تألمت كثيرا عند تأكدها من خبر الحمل و تأزمت نفسيتها، قائلة « لم أكن أقصد أن أجرحها لكن العين حق و يجب أن آخذ احتياطاتي». و أضاف شاب في 25 سنة من العمر قائلا بأنه يذهب للرقاة بشكل دوري، باعتباره يصادف عراقيل كثيرة في حياته، خاصة بشأن عمله، حيث كان يشتغل تاجرا في بيع الدواجن رفقة أخيه، غير أنهما خسرا الكثير من المال و أصبحا مدانين للبعض، ما جعلهما يغيران النشاط إلي بيع الأثاث،إلا أنهما وقعا في ذات المشكل و خسرا مجددا،   وهو ما كان دافعا لأن يقصدا أحد الرقاة المعروفين من  خارج الولاية و الذي قال، حسب رواية الشاب،  بأن سبب مشكلتهما هي العين و الحسد، و أوضح ذات المتحدث بأن العين التي أصابتهم حسبه هي سبب فشل نشاطهما التجاري، لأن الأشخاص لا يذكرون اسم الله كما أن جيرانه كثيرو الاهتمام بأمورهما ما جعل عملهما يفشل.

بن عبد الرحمن محمد مصطفى إمام بمسجد الأمير عبد القادر بقسنطينة
ضعـــف الوازع الدينــي و انتـــشار القنـــوات المتخصصـــة خلـــقا فوبــــــيا العيـــــن و الحســـــد
  قال بن عبد الرحمن محمد مصطفى إمام بمسجد الأمير عبد القادر بقسنطينة و عضو المكتب الوطني لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين بأن ظاهرة الخوف من الإصابة بالعين و المبالغة في ربطها بكل ما يحدث انتشرت بصفة كبيرة في المجتمع الجزائري، حيث أصبحت جل  القنوات تهتم بذلك، موضحا بأن العين حق و لا يمكن نُكران وجودها ، لأن هناك نصوص صحيحة تتحدث عن ذلك،  و لكن لا يجب أن ننسى بأن الكون كله بيد الله، و صلاح الزواج أو العمل هو بيد الله، فالحياة فيها السراء و الضراء و على  الإنسان أن يرضى بقضاء الله و يصبر على ما أصابه، مستدلا بقول رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم» عَجَبًا لأمرِ المؤمنِ إِنَّ أمْرَه كُلَّهُ لهُ خَيرٌ وليسَ ذلكَ لأحَدٍ إلا للمُؤْمنِ إِنْ أصَابتهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فكانتْ خَيرًا لهُ وإنْ أصَابتهُ ضَرَّاءُ صَبرَ فكانتْ خَيرًا لهُ «، مرجعا في ذات السياق سبب هوس الكثيرين من الإصابة بالعين، إلى الكم الهائل من القنوات الفضائية المتخصصة في علاج السحر و ما إلى ذلك، و التي هولت الأمر، حيث أصبح أي شخص يتعرض لمكروه ما في حياته يربطها بالعين و الحسد و السحر ، كما أن حسبه ضعف الوازع الديني لدى الأشخاص و ابتعادهم عن قراءة القرآن و ذكر الأدعية التي تحصنهم من ذلك جعلتهم يتخلون عن عيش حياتهم كما ينبغي و القيام بواجباتهم تجاه أسرهم و الابتعاد عن أقاربهم، مشيرا في هذا السياق إلى  أن تفكك الروابط الأسرية يعد من أبرز الأسباب،  إذ أصبحت الأسر المصغرة لا تلجأ إلى العائلة الكبيرة لحل مشاكلها و استشارتها خوفا من العين ما يجعلهم يخفقون فيما ما يقومون به لعدم درايتهم بذلك و يبررون ذلك بالعين، فالفرد، يقول الإمام عليه أن يسعى و يجتهد في عمله و يقوي إيمانه بالأدعية و قراءة القرآن فقط و الأمور الأخرى هي شعوذة و لا تمت للإسلام بصلة.

مختصة بمركز الصحة المجتمعية بالخروب فاطمة الزهراء بلفطار
أغلــب الحالات التي نسجلها تتعلــــق بوســـواس العيــــــن و السحــــــــر
من جهتها أوضحت مختصة في علم الاجتماع بمركز الصحة المجتمعية بالخروب صادق جون ماسبوف أن فوبيا الحسد و الإصابة بالعين أصبحت ظاهرة في المجتمع الجزائري، و أغلب الحالات التي يسجلها المركز لها وسوسة من العين و تبرر فشلها بالسحر و الشعوذة، و هذا للهروب من الواقع و لعدم الاعتراف بالفشل،  فالفرد أصبح يرى بأنها موجودة في كل تفاصيل حياته الاجتماعية، وتجده لا يلبس ويتأنق ولا يظهر للناس بمظهر ميسور الحال خوفا من العين والحسد، ما جعله يشك بنفسه وبمن حوله و ينعزل عن المحيط الخارجي، كما أن معظم الناس لا يريدون تحمل المسؤولية في أي شيء، ويتهربون منها، كما يتهربون من عواقبها حتى لا يتعرضون للوم، أو الاتهام بالتقصير، أو عدم التحصيل والاجتهاد، مشيرة إلى أن التنشئة الاجتماعية تعتبر أيضا من أبرز أسبابها لتفاقمها كون المحيط الأسري يتحدث بكثرة عن موضوع العين و يفسر كل المطبات التي تواجهه بذلك .

الرجوع إلى الأعلى