نساء و أطفال يقضون أيام رمضان في المساجد
تقضي الكثير من النساء و الشابات، خاصة في أيام الشهر الفضيل، معظم وقتهن في المسجد، للاستمتاع بروحانيته و التقرب إلى الله من خلال أداء الصلاة و ترتيل القرآن و تفسيره و تعلم أحكامه، بعيدا عن ضجيج المنزل و أشغاله التي لا تنتهي، و يعتبر مسجد البيضاوي بباب القنطرة ،  قبلة للعديد من بنات مدينة قسنطينة و البلديات المجاورة،  اللائي أكدن بأن قراءة القرآن في المسجد لها ميزة خاصة تختلف عن المنزل، لأنه مكان للعبادة يوفر الهدوء التام و الخشوع.  
النصر زارت المسجد البيضاوي بباب القنطرة، الكائن بنهج عبد الله شاوش أحمد على الساعة التاسعة صباحا، حيث صعدنا السلالم المؤدية إلى مصلى النساء، فصادفنا متطوعتين تقومان بتنظيف المائضة و المساحة الخارجية للمصلى.
و أخبرتنا المتطوعتان بأن مصلى النساء، و بالرغم من كبر مساحته، لا يتسع للمصليات، ما جعلهن يستغللن الفضاء الخارجي لأداء صلاة التراويح.
عندما دخلنا إلى المصلى، وجدنا العديد من النساء و الفتيات من مختلف الشرائح العمرية، إلى جانب صبيان لا يتجاوز عمرهم  4 سنوات، و يبلغ العدد الإجمالي للحضور نحو 50 شخصا.
شكلت النساء نحو ست مجموعات، منهن من كن يرتلن آيات الذكر الحكيم بشكل فردي، و منهن من كن يرتلنه جماعة،  و منهن من كن بصدد حفظ القرآن و تعلم أحكام ترتيله، و كانت تشرف على تأطيرهن متطوعة.  
 و تشكل الفتيات اللائي تتراوح أعمارهن بين 6 سنوات و 15 عاما، أكبر نسبة من الحضور ، حيث وجدناهن رفقة المتطوعة المسؤولة يحفظن آيات بينات و يطبقن عليها أحكام الترتيل.
تحدثنا إلى سيدة في الأربعينات من العمر، وجدناها رفقة والدتها البالغة 69 عاما، ترتلان القرآن الكريم في مجموعة تضم 10نسوة،  و سألناها عن الدافع الذي جعلها تحفظ القرآن و ترتله في المسجد بدل البيت، باعتبارها ربة أسرة، فقالت بأنها تفضل  حفظ القرآن و ترتيله في المسجد  للاستمتاع بأّجوائه  الروحانية  و بالخشوع ، بعيدا عن ضجيج المنزل و أشغاله التي لا تنتهي، و كذا لتحظى بتأطير مرشدة، تشرح لها  معاني الآيات ، مشيرة بأنها تتردد على مسجد البيضاوي على مدار العام، و ليس في الشهر الفضيل فقط، و ذلك منذ نحو خمس سنوات، حيث حفظت لحد الآن نحو 30 حزبا، بالإضافة إلى سورة البقرة، فيما تحفظ والدتها 20 حزبا.
و بخصوص ظاهرة تحويل البعض بيت الله إلى مكان للتجمع و طرح الانشغالات، و الهروب من ضغط المنزل، أكدت بأنها غير موجودة بمسجد البيضاوي، حيث لا يسمح للنساء  بتجاذب أطراف الحديث و طرح مشاكلهن و الضوضاء أثناء تعلم أحكام التجويد بالمصلى، فكل واحدة منهن ملزمة باحترام  قدسية المكان و الالتزام بالهدوء، مشيرة إلى أنهن  يلجأن إلى المسؤولة عن تعليمهن، لطرح  انشغالاتهن خارج الأوقات المخصصة للتعلم.
  أطفال تجاوزوا صعوبة النطق و الكلام بحفظ القرآن
أكدت الأستاذة المسؤولة عن تعليم أحكام التلاوة و تحفيظ القرآن و تقديم دروس في الفقه و التفسير و أصول الدين منذ نحو 10 سنوات بمسجد البيضاوي، الذي يتميز عن غيره من مساجد المدينة، بكثرة المصلين و لا يتفوق عليه في ذلك سوى مسجد الأمير عبد القادر، و يعود ذلك إلى صوت الإمام يوسف بوغابة الجهوري، و أضافت بأنها و باعتبارها الأستاذة المؤطرة تطوعا، لا تسمح بالسلوكات التي تمس بقدسية المسجد، فالتجمع لتبادل أطراف الحديث غير مسموح، لكنها تصغي خارج ساعات الدراسة للسيدات اللائي يرغبن في الاستفسار عن أمر ما أو طرح مشكلة و ترد على انشغالاتهن .
 و أضافت  الأستاذة التي رفضت ذكر اسمها، أن الحصص التي تقدمها ليست محصورة في شهر رمضان فقط، و إنما  تمتد على مدار العام، غير أن التوقيت و البرنامج يختلف في رمضان عن الأيام العادية، موضحة بأنه خلال الشهر الفضيل تكون الدراسة يوميا من التاسعة صباحا إلى غاية الواحدة بعد الزوال، أما في الأيام العادية، فتكون أيام السبت و الثلاثاء عند الساعة الواحدة بعد الزوال و إلى غاية الساعة الرابعة و في يوم الجمعة تبدأ من الثامنة و نصف صباحا ، و يخصص يوم الأربعاء للمبتدئات، أما المتمكنات اللائي حفظن جزءا كبيرا من الآيات ،  فتخصص لهن أيام الأحد و الخميس و الجمعة.
و أشارت المتحدثة إلى أن عددا من الأولياء يسجلون أبناءهم في سن ثلاث سنوات، من أجل الاستماع لتلاوة الآيات البينات، تمهيدا لبداية الحفظ و التعلم، و تخصص للأطفال الذين يدرسون الفترة بين المغرب و العشاء، و قد استقبلت في عديد المرات أطفالا يعانون من عسر النطق و الكلام، و تم التكفل بهم إلى غاية تجاوز المشكلة، حيث أصبحوا يتحدثون بطلاقة، كما يحفظون القرآن، و آخرهم طفلة في السادسة كانت مقيمة بفرنسا و لا تجيد إطلاقا القراءة بالعربية و لا الحديث بها و قد صادفناها بالمسجد ، و اكتشفنا أنها بدأت تتجاوز مشكلة النطق.
و عن سر استقطاب مسجد البيضاوي لحافظات القرآن خاصة الصغيرات،  قالت محدثتنا بأنها تتجنب الضغط و القسوة في التحفيظ، كما أنها صبورة جدا في التعامل مع تلميذاتها و تعتبرهن كبناتها و تقدم لهم تحفيزات كاللمجة ، بالإضافة إلى تقديم دروس تدعيمية مجانا في كل المواد و للأطوار الثلاث.
تحفظ 30 حزبا و هي في 12 من عمرها
مريم بودادة إحدى الفتيات الصغيرات المواظبات على حفظ القرآن، فقد شرعت في حفظه بالاستماع و هي في الثلاث سنوات الأولى من عمرها، و تمكنت من حفظ 30 حزبا عندما بلغت 12 سنة ، و كانت ترافق أختها التي تكبرها بسنوات الحافظة ل45 حزبا إلى المسجد، كما أن كل أفراد عائلتها الآخرين من حفظة القرآن ، و تتميز مريم بتفوقها الدراسي فمعدلها لا يقل عن 18 من 20، و قد توجت بعدة جوائز في حفظ القرآن، و أكدت لنا بأنها تخصص أوقات فراغها للحفظ.                  
أسماء بوقرن

الرجوع إلى الأعلى