عائلة من ستة أفراد تصارع الفقر  والجوع داخل كوخ بأعالي القماص
سامية سيدة في الثلاثين من العمر فقدت ملامح الشباب قبل الأوان ولم تعد تعرف عن الحياة سوى الوجه القاتم منها، بعد أن وضعت في ظروف صعبة هي وأبناؤها الأربعة، هي إمرأة تصارع المرض والفقر في نفس الوقت، تعيش بين نار تأمين الخبز لصغارها وتوفير الدواء لكبح مرض أجهز على قواها وقضى على آخر أمل لها في إنقاذ العائلة. كوثر، محمد، أيوب، إياد و لينة أطفال في عمر الزهور يفترشون الأرض داخل كوخ  تسكنه العتمة والرطوبة يقع في ربوة منسية،  يطلون من خلالها على من يسكنون منازل ويركبون سيارات، بينما يقتصر حلمهم في مصباح يكسر ظلمة الفقر ويد تمسح دموع أم تركت لوحدها في مواجه الجوع و قساوة الزمن.
روبورتاج:  أسماء بوقرن
زرنا بيت عائلة السيدة سامية، 35 سنة عند حدود الساعة الواحدة زوالا،   كانت  الحرارة جد مرتفعة وقد لامست سقف 40 درجة مئوية ، استعنا بدليل للوصول إلى المسكن نظرا لوقوعه  في منطقة معزولة و غير معروفة، تقع في مرتفع شاهق يربط  القماص بسيساوي،   تسمى « بأرض لفقون» ،  المنطقة تتميز بقساوة تضاريسها  و صعوبة المسلك المؤدي إليها، حيث  استعملنا منفذا   يعد الوحيد الذي يربط المنطقة بسيساوي ،   قطعنا مسافة حوالي 3 كيلومترات و نصف بين الطريق الرئيسي و المنزل، كان مجرد معبر ترابي   مهترئ  جدا و خال  من الحركة،  كلما سرنا أكثر كلما  قل عدد المنازل  شيئا فشيئا إلى أن وصلنا إلى آخر بيت،  هو في الحقيقة مجرد كوخ  يبدو كجسم مغروس بالقمة الجبلية،  يصعب على السيارات العادية الوصول إليه،   حيث لم يتمكن السائق من مواصلة طريقه.
فبالرغم من أن الطريق كان شاقا و صعبا للغاية إلا أن وضع العائلة كان أصعب بكثير، فلم نكن نتصور  على الإطلاق أن نجد الوضع بتلك الصورة التي وقفنا عليها، فالكوخ لا يتوفر حتى على باب خارجي و لا جدران تحدد معالم أجزائه عدا صفائح قصديرية ترسم  ما يشبه الفواصل بين الغرفة والحمام والمطبخ إن جاز  إطلاق تلك الأوصاف على ما وقفنا عليه ، فالمكان  مجرد فضاء مفتوح محاط بصفائح من القصدير و بقايا أقمشة، تتوسطه غرفتان صغيرتان مبنيتان بالطوب تغطيهما  صفائح «الترنيت»   تنتهيان عند باب مهترئة و نافدة واحدة هي  عبارة عن إطار دون زجاج، و لا تتوفر على أدنى متطلبات العيش.
  على بعد  أربعة أمتار من الغرفتين يوجد مربع إسمنتي  يستعمل كمرحاض ليس به باب و لا سقف، و بالقرب منه برميل من البلاستيك به القليل من الماء  يستعمله أفراد الأسرة للشرب و الاغتسال  ، بعد ملئه من أحد المنابع الواقعة في الجوار، في الجهة المقابلة  يوجد مطبخ لكن لا تتوفر فيه أدنى الوسائل  عدا  «الطابونة» و طاولة تصدق بها أحد الأشخاص عليهم، كما أن أرضيته غير مهيأة، و هو غير مجهز بحد أدنى من  مستلزمات الأكل ، حيث  بدا أشبه بقبو تنبعث منه رائحة كريحة و به خردوات ، كما يقع المدخل الرئيسي للمنزل بين هاتين الغرفتين و المطبخ لكنه دون باب، و الأخطر من ذلك   حفرة للصرف الصحي تتصدر المدخل  مملوءة عن الآخر و مغطاة بصفيحة قصدير يمر عبرها الأبناء يوميا و تشكل خطرا كبيرا على صحتهم وسلامتهم ، خاصة و أنهم يقفزون للمرور إلى الداخل ، لأن مدخل المنزل مرتفع عن سطح الأرض .
دخلنا إلى بيت هذه العائلة أين وجدنا الأم البالغة من العمر 35 سنة و التي بدت و كأنها في 50 من العمر،  كانت برفقة أبنائها الخمسة ، وهم على التوالي،  كوثر 14 سنة، محمد 10 سنوات،  أيوب 9 سنوات، إياد 5 سنوات و لينة ثلاث سنوات،    وجدنا لينة و اياد يحملان قطعا صغيرة من الكسرة في أيديهم لأنهم لم يجدوا ما يتناولونه في الغذاء، فيما بدت على  الطفل الصغير تصرفات غير طبيعية، و عند الاستفسار قيل لنا بأنه أصبح يعاني من مرض الأعصاب، و يتم حاليا معالجته عند مختصين بمستشفى الأمراض العقلية بجبل الوحش عن طريقة جمعية سبل الخيرات، فيما كانت تبدو الحالة النفسية لبقية أفراد الأسرة سيئة، خاصة الأم التي تصارع مرض سرطان الثدي.    
تحدثنا إلى الأم سامية التي كانت تبدو في حالة نفسية و صحية حرجة للغاية و تجيب على أسئلتنا بصعوبة دون أن ترفع رأسها أو تنظر إلينا، قائلة بأنها إنتقلت للعيش بهذه المنطقة منذ 6 سنوات، بعد أن كانت تقيم في منطقة نائية جدا بجيجل،  وذلك بغية تعليم أبنائها، و لم تشعر بالاستقرار منذ زواجها ، مضيفا  بأن الزوج يضربها ضربا مبرحا، أمام مرأى أبنائها، كما أنه لا يقوم بواجباته المنزلية و لا يوفر أدنى متطلبات العيش من أكل و شرب،  إذ هي من تتكفل بكل الواجبات الأسرية، حيث عملت كمنظفة في البيوت لتطعم فلذات كبدها ، لكن و بعد إصابتها بمرض سرطان الثدي توقفت عن العمل، ما جعلها تعاني أكثر فأكثر و وصلت إلى حد العجز عن إيجاد ما تطعم به أبناءها ، و هو ما حتم عليها طلب مساعدة إحدى الجمعيات بحي سيساوي، و التي أصبحت تتكفل بتوفير المتطلبات الرئيسية، من أكل و شرب، و كذا بعلاجها و شراء الدواء لها، قائلة بأنها مكثت في عديد المرات في المستشفى أين خضعت للعلاج الكيميائي ، و تعاني من آلام شديدة و تزداد أكثر في فترة الليل ما يضطرها إلى الاتصال ليلا بسيارات الفرود لنقلها للمستشفى، مضيفة بأنها لم تتمكن من الصيام نظرا للأدوية التي تتناولها ، و للمرض الذي أصاب قدمها، و بخصوص تكاليف العلاج قالت بأنها باهضة جدا ، إذ تجري تحاليل بصفة دورية، كما أن الأدوية و الحقن التي تأخذها باهضة الثمن، حيث يبلغ سعر الحقنة الواحدة التي تأخذها بشكل دوري 4آلاف دينار ، مع العلم أن الطبيبة المعالجة وصفت لها 60 حقنة تأخذها تدريجيا.
و قد تحدثنا إلى رئيس جمعية سبل الخيرات و معلم القرآن بمسجد فاطمة الزهراء بسيساوي الذي رافقنا إلى بيت هذه العائلة، حيث قال بأنه و بعد أن علم بحالة العائلة منذ نحو 3 سنوات قدم للإطلاع على وضعها في فصل الشتاء   أين وقف على كارثة إنسانية، بعد أن وجد كل الأولاد مجتمعين فوق فراش واحد  « مطرح» و البيت مليء بالمياه، إذ كان لا يتوفر على نافذة،  كما أن الأمطار تدخله من كل النواحي ، و قد تكفل بتلبيسه من الداخل بالإسمنت ، و تركيب نافذة له غير أن وضعه لا يزال سيئا ، مضيفا بانهم يجدون صعوبة في توفير الدواء للأم لأنه باهض الثمن خاصة بعد أن ظهرت عليها أعراض أخرى زادت حالتها سوء.
أ/ب

الرجوع إلى الأعلى