ساسل.. من أحسن شاطئ في الجزائر إلى أطلال تصارع لأجل البقاء
مع نهاية موسم الاصطياف لهذه السنة، تمر 14 سنة على اختيار شاطئ ساسل بعين تموشنت، كأحسن وأنظف شاطئ في الجزائر سنة 2003، وهذا ضمن مسابقة المخطط الأزرق التي كانت تنظم سنويا لتشجيع و ترقية السياحة، ولكن الزائر لهذا الشاطئ اليوم سيقف على الأطلال ويتحسر على الوضع الذي آل إليه، بعدما كان يشتهر بكونه من أجمل المناطق السياحية في الوطن، بدليل شاليهات الاصطياف التي يعود بعضها لعهد الإسبان الذين استوطنوا الغرب الجزائري قبل مجيء الأتراك ومن ثم الفرنسيين الذين تركوا بدورهم بصماتهم في جزء آخر من شاليهات و منازل قرية ساسل.
شاليهات ساسل آخر بصمات الإسبان
في حضن سلسلة جبلية غرب ولاية عين تموشنت،  يغوص شاطئ ساسل في العمق ليصنع حميمية خاصة ظلت تطبع المنطقة لحد اليوم حيث يعد قبلة أولى للعائلات، مثلما لا زال يطبعه الهدوء وهي الملاحظة التي يسجلها كل زائر للشاطئ، بدليل تلك العبارات التي خطها مصطافون على جدران بعض الشاليهات، على غرار عبارة «ساسل راحة البال» التي عادة ما يذكر بجانبها رقم ولاية الزائر.
النصر تنقلت للشاطئ لتعرف المزيد عن هذا المكان الساحر، وتكون دليلا يوجه المصطافين و حتى المستثمرين و رجال الأعمال إليه، وخلال تواجدنا في المنطقة حاولنا معرفة أصل تسميته    بهذا الاسم، لكننا لم نوفق إلى حد بعيد، فالبعض يعتقدون بأنها كلمة إسبانية توحي بأن المنطقة كانت غنية بالملح، و هو التفسير الوحيد القريب إلى المنطق، كون عدة مناطق بعين تموشنت تحمل تسميات إسبانية  قريبة للمعنى مثل بلدية المالح التي أطلق عليها المستوطنون الإسبان تسمية «صالتو» بمعنى المياه المالحة.
أنظف شاطئ في الجزائر تغزوه القمامة و تغرقه مياه الصرف

خلال تجوالنا في الشاطئ، اشتكى بعض المصطافين من نقص النظافة، فما عدا الحاوية الوحيدة التي شاهدناها في المكان لا وجود لتجهيزات بلدية خاصة بالنظافة، ما انعكس سلبا على محيط الشاطئ الذي تغزو القاذورات السور الذي يلفه، علما أن المشكل لا  يقتصر فقط على القمامة و مخلفات المصطافين بل أن المنطقة تعرف معضلة حقيقية تتمثل في فوضى قنوات الصرف الصحي التي يصب بعضها فوق الرمال وهو مشكل يؤرق سكان المنطقة وزائريها على حد السواء.
استفسرنا عن أسباب انعدام النظافة على مستوى شاطئ صنف قبل سنوات بأنه الأحسن وطنيا، فعلمنا بأن مسؤولية تنظيف المكان السنة الماضية أوكلت لمجموعة من الشباب أصحاب مؤسسة مصغرة لرفع القمامة وذلك وفق عقد امتياز مع الجهات المختصة لكن هذه الجهات لم تسدد مستحقات المؤسسة لغاية اليوم، وبالتالي تفادى أصحابها المغامرة مثلما قال ممثل عنهم هذا الموسم، لتبقى نظافة الشاطئ رهينة مبادرات فردية من قبل بعض الشباب من السكان أو المصطافين.
ضعف الإقبال ينعكس سلبا على النشاطات التجارية في المنطقة
بمجرد دخولنا للشاطئ على الساعة الحادية عشرة صباحا، وجدنا عشرات الطاولات والكراسي و الشمسيات، مصفوفة على الشاطئ  ونحن هناك تقدم منا شاب لعرض خدماته، وبعد مد وجزر بيننا تم الاتفاق على مبلغ 400دج مقابل استغلال إحدى الطاولات، وخلال مناقشتنا لتكلفة الكراء  انضم إلينا شباب آخرون  يمارسون نفس النشاط، أردنا أن نفاتحهم في موضوع مجانية الشواطئ، ولكننا لمسنا حالة إحباط كبير لديهم  سببها كما قالوا، هو ضعف الإقبال و تراجع الاصطياف خلال هذا الموسم، إذ عبر أحدهم  قائلا «تكبدنا خسارة كبيرة هذا الموسم بسبب قلة المصطافين الذين توافدوا على الشاطئ، دفعنا الكثير لشراء الطاولات و الكراسي لكننا لم نتمكن من استغلالها، حتى أننا لم نسترجع المبالغ التي خصصناها لتسديد مستحقات عقد الامتياز و التي راوحت 230 مليون سنتيم».
يقول بوجمعة وهو شاب متزوج وأب لبنتين، أنه إضطر لبيع مجوهرات زوجته ليستثمرها في هذا العمل، وهذا بعد أن فشل لعدة مرات في تحقيق حلم الالتحاق بجهاز الحماية المدنية، ولكن حتى كراء الطاولات لم ينفع هذا الموسم حسبه لأن الإقبال ضعيف جدا نظرا لوضعية الشاطئ و تراجع الخدمات، ويضيف عبد القادر الذي هو بدوره متزوج وأب لطفلين، أنه إستثمر كل مدخراته ليشارك أصدقاء له  في عملية كراء الشمسيات، لكنه لم يحقق الربح المطلوب و لم يستطع حتى جمع قيمة المبلغ الذي كان بحوزته سابقا.
باقي الشباب الذين كانوا جالسين  إلينا، قالوا أنهم المتضرر الأكبر فقد شغلهم أصحاب عقود الامتياز لاستغلال الشاطئ وظنوا بأنها ستكون فرصة تحررهم من البطالة و توفر لهم إمكانية الحصول على دخل قار على الأقل إلى غاية نهاية موسم الاصطياف و لكنهم صدموا بتراجع الحركية السياحية و هو ما حال دون استفادتهم من الموسم الذي يشارف على الانتهاء.
من جهة ثانية، أجمع هؤلاء الشباب على أن الثروات الطبيعية موجودة والإمكانيات البشرية موجودة أيضا لترقية وتطوير السياحة، ولكن الإدارة هي العائق أمام تطوير السياحة في المنطقة وتحقيق التنمية، مطالبين بإعادة النظر في مضمون عقود الإمتياز وكيفية العمل بها ميدانيا في إطار سياسة مجانية الشواطئ، حيث عبروا  بالقول «لا نريد أن يفر المصطاف الجزائري للخارج، بل أن يتم التكفل به بشكل جيد في بلاده»، وذكر هؤلاء أيضا أن أبسط مثال على عرقلة العمل هو قرار تقليص مساحة حظيرة السيارات التابعة للشاطئ، مما جعل المصطافين ينفرون لعدم وجود أماكن لركن سياراتهم خاصة وأن المنطقة جبلية و يصعب إيجاد فضاء لركن سياراتهم مما قلص عدد الزبائن.
ساسل.. شاطئ «الحراقة»

خلال حديثنا لبعض سكان قرية ساسل، أخبرونا بأن أغلب شباب المنطقة المجاورة غادروا التراب الوطني بطرق غير قانونية أي عن طرق  «الحرقة» أو الهجرة غير الشرعية، وهذا لعدم وجود مناصب بسبب غياب التنمية وغيرها من المبررات التي يختفي وراءها الشباب لينتقلوا للضفة المقابلة للمتوسط، حيث تستغرق رحلة بحرية  نحو إحدى شواطئ إسبانيا خاصة أليكانت التي تبعد حسب محدثينا ب 6 كلم بحرية عن ساسل، مدة ثلاثة ساعات فقط حسب من حدثناهم، وهو ما جعل الجميع يحلمون بمغامرة الموت. وفي هذا الإطار قال لنا أحد الشباب، أن جيرانه الذين وصلوا للضفة المقابلة، يبعثون كل يوم صورا وفيديوهات عن حياتهم هناك، مما جعل أولاد قرى بوجمعة و قرية الطاوي و البواعشية  و المساعيد، وغيرها من المناطق النائية بعين تموشنت، يحلمون ويبادرون برحلات الموت، رغم أن بعض من حدثونا أكدوا أيضا أن هناك حراقة إنحرفوا وهم اليوم ضائعون في شوارع أوروبا.
للتذكير، فقد نظمت عدة رحلات للهجرة غير الشرعية إنطلاقا من شاطئ ساسل هذا العام، منها التي نجح مغامروها في الوصول لأوروبا، بينما أغلبها أحبطت من طرف حراس السواحل ولعل أبرزها تلك العملية التي نفذت في فبراير من السنة الجارية والتي مكنت من إفشال رحلة 17 حراقا، كانوا على متن زورق مطاطي، على بعد 6 أميال، شمالي منطقة فيغالو غير بعيد عن شاطئ بوزجار، حيث أن  الحراقة الذين تتراوح أعمارهم ما بين 20 سنة و 30 سنة، انطلقوا من شاطئ ساسل باتجاه الضفة الأخرى من البحر الأبيض المتوسط.
وحي الطبيعة ألهم مصطافين شعراء
في ظل تلك المشاكل والتناقضات، أضفى مجموعة من الشعراء جوا مغايرا على الشاطئ الهادئ، حيث إمتزجت شاعريتهم بشاعرية الجو الذي كان، فقد تزامن وجودنا في ساسل مع تواجد شعراء من وهران، قضوا نصف يومهم في السباحة و استلهام القصائد من المناظر الطبيعية التي يزخر بها المكان، ومن البيوت المحيطة به التي تؤرخ لحقب تاريخية مختلفة، على غرار الحقبة الإسبانية العثمانية و الفرنسية، وكان النصف الثاني من اليوم مخصصا لبعض القراءات الشعرية، التي إمتزجت بحورها مع صوت مياه بحر ساسل، قبل أن يغادر الجميع الشاطئ عندما بدأت الشمس في المغيب و رسم أشعتها الرمادية.
ومن أجمل من وجدنا أيضا في شاطئ ساسل، عمي عبد القادر بائع الشاي الذي يطبع كلامه نفحات الفكاهة النابعة من معاناة ترسمها تجاعيد وجهه المبتسم رغم كل شيء، يقول محدثنا، أن ضعف إقبال المصطافين أثر على مدخوله هو أيضا هذا الموسم، لدرجة أنه أصبح يوزع الشاي مجانا كي لا يفسد، ولجأ لتعويض خسارته من خلال بيع الفول السوداني و الذرة للأطفال، ورغم هذا فعمي عبد القادر متفائل في كلامه بمستقبل زاهر تعود فيه الحياة للمنطقة و تزدهر خلاله السياحة والتجارة في الشاطىء.
هوارية ب

الرجوع إلى الأعلى