موظــــفات ينافســــن ربات البيـــوت في تعلـــم الحــــرف التقليديـــــــة
احتضنت أمسية أول أمس القاعة الشرفية بمقر بلدية قسنطينة حفل تخرج الدفعة  15 من مدرسة الحرف، التابعة لغرفة الصناعة التقليدية و الحرف للولاية، و تتكون الدفعة من رجال ونساء عاملات و ربات بيوت  و صادف هذا الحفل اليوم الوطني للحرف.
ضيوف القاعة الشرفية بمقر البلدية، التحفة المعمارية و الفنية النادرة، هذه المرة و على غير العادة ، ليسوا سياسيين و لا شخصيات رسمية ممن دأب المكان على احتضانهم، بل جيل جديد يشع الفرح من ملامحه سيحمل لواء حرفتين من الحرف الكثيرة التي تزخر بها المدينة ودأبت المدرسة على تكوين الراغبين في تعلمها، و هما حرفة صنع الحلويات التقليدية و حرفة الخياطة و التفصيل.
 و في مقدمة الحلويات التقليدية التي تهافت الطلبة على تعلم أسرارها التي كانت حكرا على فئة من العائلات القسنطينية عريقة، كما قال أستاذ هذه الشعبة، حلوى تعرف باسم  "جوزية العروس"، بعد أن تحولت إلى حرفة بإمكانها خلق مناصب شغل دائمة.
 و قال ب . وليد ، أصغر طالب في الدفعة، بأنه  قرر فتح ورشة في بيته العائلي مؤقتا، في انتظار تمكنه من الحصول على ورشة خاصة يزاول فيها حرفته، التي يقول أنها بدأت تخلصه من صفة بطال، جراء الطلب الكبير على الحلويات التقليدية الذي لن يتمكن من تغطيته، مؤكدا بأنه بصدد إعداد مجموعة كبيرة من بطاقات الزيارة لتوسيع مجال نشاطه.
و لفت انتباهنا في حفل التخرج، شاب علمنا من الحضور بأن اسمه جيكيل ساليف و هو رعية من مالي، مقيم بصفة قانونية و شرعية ببلادنا و متزوج من جزائرية، و قد كان بمعية أخيه عندما سلمت له شهادة التخرج في فن الخياطة والتفصيل و كانت الفرحة جلية في وجهه .
اقتربنا منه فقال لنا أنه كان ينشط  في شعبة الطرز النيجيري وبعد تراجع الطلب عليه، فضل الانخراط في مدرسة الحرف ليوسع نشاطه، لأنه يرى في الخياطة والتفصيل شعبة جد واسعة لا يمكن تغطيتها وتتسع للجميع جراء الطلب الكبير عليها، إضافة إلى أن ما يمكن إنتاجه محليا، حسبه، بوسعه منافسة ما يجلب من الخارج، من حيث النوعية و التكلفة، ما من شأنه أن يخلق مناصب عمل جد هامة، و هذا ما دفعه إلى تعلم الخياطة والتفصيل، و يرى بأن المستقبل جد واعد أمامه  .
نفس الشيء أكدته للنصر سيدة  في منتصف الأربعين، مشيرة إلى  أن السترة التي ارتدتها في حفل التخرج، صممتها و قامت بخياطتها بنفسها و قد كلفتها 1200دج فقط و هو ثمن القماش وبعض الإكسسوارات التي تزينها، و قد تمكنت من خياطتها في ليلة واحدة،  ومثيلاتها في السوق يصل سعرها إلى أكثر من 3 آلاف دينار جزائري ، و أكدت سيدة أخرى بأنها درست الخياطة لتفتح أمامها أبواب الرزق و تحسن دخلها، و أيضا لتشبع رغبتها في ارتداء  أفخم الملابس من صنع أناملها.
و تشاطرها الرأي ربة بيت في العقد الثالث من عمرها ، مشيرة إلى سترة بنية اللون كانت ترتديها و قد تمكنت من تصميمها و خياطتها بيديها في ليلة واحدة ، موضحة بأن آلة الخياطة التي تحوزها لم تطاوعها في خياطة أجزاء سترتها ذات القماش السميك الذي اشترته من نهج العربي بن مهيدي و لم يكلفها كثيرا، معلنة  بأنها تتحدى أيّ كان في القاعة إذا انتبه بأن رداءها خاطته يدويا بإبرة خياطة.و قالت ربة بيت أخرى تجاوزت الثلاثين « بعد 15 سنة من الانغماس في أشغال البيت وروتينها الذي لا ينتهي قررت الشروع في رحلة إثبات الذات وتحسين الدخل والمستوى المعيشي، فاخترت فرع الخياطة والتفصيل  جراء الطلب الكبير جدا عليه،  و لأنني لم أكن أتحكم في كل قواعد الحرفة قررت تعلمها بطريقة علمية صحيحة واحترافية، بعد أن كنت مجرّد هاوية، و كان لي ذلك وبهذا أكون قد حققت ذاتي وفتحت أبواب الرزق أمامي بتوفيق من الله و كل ما أتمناه الآن تجسيد مشروع صغير».
أما مفاجأة دفعة التخرج فهي طبيبة مختصة في الأمراض الصدرية، صاحبة خبرة طويلة في هذا التخصص، و قد بدت جد سعيدة و هي تمسك بشهادة التخرج، و قالت للنصر، بأنها كانت دائما تحب الخياطة وما يعرض في مختلف المحلات لم يكن يشبع رغبتها أو يناسب ذوقها، لهذا قررت أن تتكون في هذا المجال و تخيط بنفسها ما تلبس، كهواية تدفعها لإبداع موديلات جديدة تحافظ على الموروث المحلي بلمسات عصرية.و كانت ضمن المتخرجات العديد من الموظفات في مختلف القطاعات، و القاسم المشترك بينهن الفرح و السرور و هن يستلمن شهاداتهن .جدير بالذكر أن حفل التخرج أشرف عليه الأمين العام للولاية، إضافة إلى رئيس غرفة الصناعة التقليدية و الحرف ومعلميهما ورئيس البلدية الذي أكد أن تخصيص القاعة الشرفية  لهذا الحفل، يدل على مدى اهتمام السلطات المحلية بالحرف في مدينة تعج بالصناعات التقليدية التي يسعى حرفيوها  لتوريثها ونقل أسرارها بين الأجيال للمحافظة على الهوية الوطنية، إضافة إلى خلق الثروة والتنوع الاقتصادي وخلق مناصب الشغل الدائمة.
 ص/ رضوان

الرجوع إلى الأعلى