مجتمع مصغّر و مساحة أكبر للتكيّف و الاستقلالية   
  يعلمك العيش في الإقامة الجامعية، الاستقلالية و يمنحك مساحة أوسع من الحرية و فرصة للانفتاح على عقليات تختلف عما عهدته في محيطك الضيق، قد تبدو الأمور بالنسبة للبعض بسيطة و إيجابية، لكن واقع الانتقال من العيش في كنف الأسرة إلى غرفة في حي جامعي يسكنه مئات الطلبة، قد تكون فكرة يعجز عن هضمها الكثيرون، خصوصا الفتيات، وهو ما ينتهي ببعضهن إلى التخلي عن الدراسة لعجزهن عن التأقلم، بالمقابل تنجح أخريات في الاندماج و تشكلن مجتمعا صغيرا له خصوصياته.  هو واقع حاولنا نقل بعض جوانبه من خلال رو  بورتاج جمعنا بعدد من طالبات الإقامات الجامعية بقسنطينة، ممن تحدثن عن تجربة العيش في حي جامعي.
السنة الأولى الأصعب دائما
هل الحياة في الإقامة الجامعية سهلة وهل يسهل التأقلم معها؟ هو سؤال طرحناه على عدد من الطالبات على مستوى الإقامة الجامعية علي منجلي1، و الحي الجامعي نحاس نبيل بقسنطينة ، فكان الجواب كالتالي « نسبيا، الأمر يتوقف على الجو العام للإقامة و زميلات الغرفة و شخصية الطالبة، فالانتقال من الحياة الأسرية إلى الاستقلالية و من العيش في بيت واسع إلى العيش في غرفة مشتركة مع غرباء، من الأمور التي لا يستوعبها الجميع بنفس الدرجة،  خصوصا خلال السنة الأولى، لأن عملية الانتقال تكون أصعب و التعود على التغيير يسير بوتيرة بطيئة»، هكذا علقت خديجة طالبة بقسم علم الاجتماع من مدينة فرجيوة ولاية ميلة، التي التقينا بها فور وصولنا إلى الإقامة الجامعية علي منجلي1.
 محدثتنا أوضحت بأنها كانت من بين الطالبات اللائي واجهن صعوبة في التأقلم داخل الإقامة، وهو ما اضطرها إلى تعليق سنتها الدراسية الأولى بعد أقل من أربعة أشهر عن التحاقها بالجامعة، فالجو العام في الإقامة كان موحشا، كما قالت، و زميلاتها في الغرفة كن مختلفات عنها، أما المشكلة الأكبر التي واجهتها فهي الاستقلالية المالية، فقد كانت مضطرة للعودة إلى المنزل مرتين في الأسبوع على الأقل، كما أنها لم تتقبل نوعية الطعام الذي يقدم لها في الإقامة، ما استنزف كل مصروفها، زيادة على ذلك، فإن تكاليف طبع و نسخ الدروس أرهقتها، لذلك قررت تعليق السنة الدراسية 2015، و استئنافها مجددا هذا العام، بعدما وجدت رفيقة من مدينتها و هي صديقة قديمة التحقت هذه السنة بالإقامة الجامعية.
خلال جولتنا في الإقامة، تحدثنا إلى بعض الطالبات و غالبيتهن كما لاحظنا من  مدن شلغوم العيد و فرجيوة و ميلة،  فأخبرننا بأن التأقلم صعب خلال السنة الأولى، و تحدثن عن نماذج لطالبات علقن سنواتهن الدراسية و أعدن البكالوريا من أجل الالتحاق بجامعة ميلة، لكي لا يضطررن إلى العيش في الإقامة الجامعية بسبب عجزهن عن الاندماج و الإحساس بالعزلة، مشيرات إلى أن الاكتئاب يعد القاسم المشترك بين هؤلاء الفتيات.

اختيار «المعسكر» يحدد مستقبلك في الإقامة
 في ذات الإقامة الجامعية جمعنا حديث بفاطمة، طالبة من  مدينة عين البيضاء، سنة ثانية ماستر تخصص حقوق، خلال حديثنا إليها لاحظنا بأن كل زميلاتها يتحدثن بنفس اللهجة، وعلمنا لاحقا بأنهن جميعا من مدينة عين البيضاء، سألنا عن سر هذه الصدفة ، فقيل لنا بأنه أمر مخطط له، فحسب فاطمة هناك تقسيم إداري جهوي غير رسمي داخل الإقامة، فهناك أجنحة تسكنها فقط طالبات منطقة معينة ، فطالبات فرجيوة مثلا ، موزعات عبر الجناح « أ»، وطالبات عين البيضاء غالبيتهن يقمن بالجناح «ك»، و عندما تلتحق الطالبة الجديدة بالإقامة، عليها أن تختار معسكرها لتكون أكثر أريحية، وحتى و إن كان توجيهها الإداري مختلفا، يمكنها أن تتفق مع طالبة أخرى لتبادل الغرفة.
تضيف محدثتنا، الحياة في الإقامة ليست سهلة، فهناك عقليات مختلفة، بعض المقيمات يكن محظوظات بزميلاتهن في الغرفة لكن بعضهن يعانين كثيرا، فهناك طالبات محترمات و أخريات لهن نمط حياة معين « سهر و  تدخين».
فاطمة أخبرتنا بأن زميلتها الحالية في الغرفة، عائشة، قالت لها بأنها واجهت في البداية إشكالا سببه النظافة، عندما كانت تقيم مع طالبتين في غرفتها السابقة، و كانت تنشب بينهن شجارات مستمرة, الأمر الذي جعلها تقدم طلبا للإدارة لتغيير الغرفة وقد تم قبوله فورا،  نظرا لمعاناتها من مرض الربو.
محدثتنا كشفت  أيضا بأنها، انضمت منذ التحاقها بالجامعة إلى أحد التنظيمات الطلابية، وذلك لتكوين علاقات جديدة و تتمكن من الاندماج بسرعة و الحصول على الحماية كفرد في مجموعة، مضيفة بأن النشاط ضمن التنظيم، يملأ وقت فراغها، كما أنها استفادت من رحلات و امتيازات أخرى، في إطار نشاطاته الجامعية.
غرفة مساحتها 20 مترا قد تتحوّل إلى منزل
فاطمة أكدت بأن التواجد ضمن مجموعة معينة، يوفر للطالبة نوعا من الحماية، فبعض المقيمات تملكن طبعا عدائيا، بالإضافة إلى أن اختيار الرفيقات من البداية يسهل عملية الاندماج و التأقلم، خصوصا و أن طالبات الإقامات لا يكتفين، حسبها، بما تقدمه لهن الإدارة، بل يقمن عادة بتأثيث غرفهن على طريقتهن.
 “هناك من تتكفل بإحضار مسخن كهربائي و أخرى توفر مجفف الشعر، وهناك من تملك تجهيزات إلكترونية أخرى، بعضها يحظر إدخاله إلى الإقامة، لكننا ننجح في تسريبها داخل حقائبنا.و توجد بيننا من  تحب الطبخ و تلتزم بطهو وجبات جماعية لنزيلات الغرفة بين الحين و الآخر، و في أحيان كثيرة نحضر وجبات تقليدية”.
و تواصل المتحدثة” العيش في الإقامة لمدة سنة يجعل الطالبة تتحدى نفسها و تتعلم كيف تتأقلم، معظمنا أصبحن صديقات نزور بعضنا في منازلنا ، و نرتدي ملابس بعضنا البعض و نقترض النقود من بعضنا وقت الحاجة، و نقضي أوقات فراغنا في التجول معا في المجمعات التجارية، و قد أصبحنا نتبادل الأسرار  و نحضر المناسبات العائلية لكل منا. حتى أننا كثيرا ما نتشارك مصاريف تحضير الطعام خلال رمضان، فغالبية الطالبات  لا يقتنعن و لا يكتفين بما يقدمه مطعم الحي الجامعي، فضلا عن أننا نعشق خلق أجواء عائلية بيننا، حتى أننا ننظم أحيانا سهرات في غرفنا و ندعو إليها صديقاتنا، وقد نستقبل في بعض الأحيان صديقات من خارج الإقامة، باختصار نتعلم كيف نحول مساحة  20مترا مربعا، التي نعيش فيها، إلى منزل، و الدليل على ذلك بعض الصور التي تنشرها أحيانا طالبات لغرفهن في الأحياء الجامعية، حيث يحولنها إلى غرف فاخرة ومريحة”.


نهاية الأسبوع الهاجس الأكبر  
 غادرنا إقامة علي منجلي1 ، وقصدنا الحي الجامعي نحاس نبيل بوسط مدينة قسنطينة، ونحن نهم بالدخول  لاحظنا حركية كبيرة في بوابة الإقامة، غالبية الطالبات يحملن حقائب للأمتعة إلى جانب أكياس تضم بعض المواد الغذائية ذات الاستهلاك الواسع، كالحليب و القهوة و البسكويت و الأجبان و غيرها، و فئة أخرى من الطالبات كن متوجهات بسرعة نحو غرفهن و هن يحملن محافظ و حقائب يدوية ، فيما كانت أخريات متوجهات إلى الجامعة للدراسة.
سألنا  بعضهن عن خلفية هذه الحركية، فقيل لنا بأن اليوم هو الأحد و معظم الطالبات عدن للتو من منازلهن، أين قضين عطلة نهاية الأسبوع، فهذا الوقت تحديدا يعد هاجسا بالنسبة للكثيرات، كما قالت لنا فتيحة من شلغوم العيد، طالبة بقسم الشريعة بجامعة الأمير عبد القادر للعلوم الإسلامية، موضحة بأن غالبية الفتيات يغادرن الحي في نهاية الأسبوع، خصوصا من يقمن في مدن قريبة كمدينتها، و القليلات فقط يبقين في غرفهن، بسبب بعد المسافة أو التقشف أو نظرا لعدم امتلاكهن لمصروف كاف للذهاب و العودة.

أما المحظوظات فهن اللائي لديهن  أقارب في مدينة قسنطينة، فمعظمهن يقصدن منازل أفراد العائلة في نهاية الأسبوع، للاستحمام وتنظيف ملابسهن، و الراحة و الترفيه، و غالبا ما يحصلن على مصروف جيب من قريب أو قريبة، و يقلصن نفقات السفر إلى المدينة الأم.
وهناك ، حسب محدثتنا، سبب آخر، يتعلق بالهاجس الأمني، فمعظم الطالبات من خارج الولاية يتنقلن بين الإقامات الجامعية  خلال نهايات الأسبوع لقضاء العطلة مع صديقاتهن، ما يترك بعض الأجنحة في أحياء أخرى فارغة، الأمر الذي يبعث على الخوف و يجبر المتبقيات على المغادرة إلى منازلهن، خوف التعرض للاعتداء، كما أن قصصا مخيفة عن أشباح و عفاريت في المراحيض و الحمامات تتداولها بعض الفتيات أحيانا، وهو ما يدفع بعضهن إلى تسخين الماء و الاستحمام داخل غرفهن.
التجارة  حرفة تكتسب  في الحي الجامعي
خلال جولتنا داخل الإقامة، لاحظنا على جدران بعض الأجنحة إعلانات حائطية خطتها طالبات يمتهن نشاطات تجارية بسيطة،  فمنهن من تقوم بتأجير مجفف الشعر و مسخن الماء، مقابل 30 أو 25 دينارا للساعة، بالمقابل تحول أخريات غرفهن إلى صالونات حلاقة و تجميل، وتنشط طالبات في تحضير بعض الأطعمة و بيعها، و السبب هو ظروفهن المادية، التي جعلتهن ، كما قلن لنا، يلجأن إلى طرق مختلفة  للحصول على دخل مادي إضافي، يسمح لهن بتوفير بعض المستلزمات وحتى الكماليات أحيانا، مضيفات بأن المبالغ التي يجنينها تساعدهن في نسخ الدروس و اقتناء قارورات المياه المعدنية أيضا.
عادات يمنية و صحراوية تنصهر مع نمط الحياة الجزائري
لا تختلف الحياة في إقامات الفتيات الجامعية، كثيرا عما هو الحال عليه في أحياء الذكور، نفس اليوميات نفس الهواجس و التحديات، لكن الفرق بسيط جدا يكمن تحديدا في سرعة انصهار الطلبة الأجانب ضمن قالب الحياة اليومية للطالب الجزائري، وقد تحدثت النصر إلى بعض الطلبة اليمنيين و الصحراويين، فلاحظنا بأنهم أصبحوا نسخة معدلة عن الجزائري، نفس التعصب للكرة، الحلم بمستقبل أفضل و الخوف من بطالة ممكنة بعد التخرج، عفوية مطلقة و حنين دائم الى الوطن.
 الجميل أن غرفهم تزينها دائما أعلام بلدانهم، أما أطباقهم التقليدية فتكون أيضا حاضرة، حيث أنهم يحضرونها  خلال رمضان و في الأعياد، بنفس طريقة الطلبة الجزائريين، فهم كذلك يدخلون تجهيزات كهربائية خلسة إلى غرفهم، و يبحثون عن حميمية الأسرة و الوطن في رحابة صدر الطلبة الجزائريين و انفتاحهم.                                  
    هدى طابي

الرجوع إلى الأعلى