شبان يقاطعون مسابقات التوظيف بسبب عقدة تفوق الأنثى
يفضل الكثير من الشباب خريجي الجامعات و مراكز التكوين المهني، مقاطعة مسابقات التوظيف التي تعلن عنها الدوائر الإدارية المختلفة، وحتى إعلانات العمل التي  تنشرها بعض المؤسسات عبر صفحات الجرائد أو مواقع الكترونية متخصصة  في عالم  الشغل ،بسبب  التفوق الواضح للعنصر النسوي فيها، حيث تصل نسبة مشاركة الفتيات إلى 80 بالمائة أو أكثر، بالمقابل لا يتعدى إقبال الذكور20 بالمائة.
 الخدمة الوطنية العائق الأكبر
جامعيون شباب و حملة شهادات، يتفقون على أن الإعلان عن فتح مسابقات التوظيف العمومي، سواء بمديرية التربية أو الصحة أو مصالح و إدارات أخرى ، لم تعد حدثا بالنسبة إليهم، حيث يعزف غالبيتهم عن المشاركة فيها، لأن جهد تحضير ملفات المشاركة يتعدى ،حسبه ، نسبة الأمل في النجاح، خصوصا في ظل المنافسة الشرسة للفتيات اللائي يشكلن بالعادة النسبة الأكبر من الملفات و تفلحن دائما في افتكاك 90 بالمائة من المناصب المفتوحة ،إن لم تكن جميعها ،كما قالوا.
 و يرى بعض من سألناهم من الشباب، السبب في تفوق الفتيات في المسابقات و عروض المؤسسات، إلى منطق السوق.و يفسر عماد خريج جامعة قسنطينة ،تخصص لغة فرنسية، ذلك  قائلا :» سوق الشغل حاليا، لم يعد يعترف بالكفاءة ، بقدر ما تهتم بالقدرة على جلب الزبون و إقناعه بكل السبل، لذلك تجد الفتيات أوفر حظا في الحصول على  الوظائف بالمخابر و المؤسسات المختلفة، فأرباب العمل يخترنهن بدلا عنا ،بناء على عاملي الجمال و الأناقة و المرونة في التعامل».
أما وليد و زين العابدين فيؤكدان بأن المشكل الأساسي يكمن في الملفات المطلوبة في المسابقات، و التي تفرض بطاقة الإعفاء من الخدمة الوطنية كشرط للمشاركة ،ما يعد تعجيزا بالنسبة للكثير من الشبان ، عكس الفتيات ، هذا بالإضافة إلى أن عدد الإناث خريجات الجامعات يزيد عن عدد الذكور، بسبب تركيزهن على مستقبلهن بشكل أكبر،ما يفسر حسب محدثينا، الفرق الكبير بين مشاركة كل عنصر، خصوصا في مسابقات التوظيف.
و يرى زين عبد الله ،الحاصل على ليسانس في علم المكتبات، بأن الأمر ناتج عن قرارات فوقية ،حسبه ، و يعتبر تجربته أفضل دليل ، حيث أنه عجز عن الحصول على وظيفة قارة، منذ تخرجه سنة 2010، بالرغم من أن تخصصه يخول له العمل بالمكتبات و الإدارات العمومية، و حتى السكريتاريا، مع ذلك كثيرا ما تلاشت كل فرصه في النجاح بسبب منافسة العنصر النسوي، سواء في المسابقات أو الوظائف المشروطة.
 و يستطرد محدثنا « قبل سنة تحديدا تقدمت للمشاركة في مسابقة توظيف بالبلدية التي  يوجد سكن أسرتي بها ، لكنني فوجئت بعدد كبير من المنافسات، و بالرغم من أنني تجاوزت الاختبار الكتابي ،فشلت في المقابلة الشفوية و حظيت إحدى المشاركات بالمنصب» ، و  يواصل قائلا :» أعترف بأنها كانت جميلة وراقية و ما كنت لأنافسها أبدا، لذلك انسحبت بشرف ، أقسمت يومها أن لا أعيد الكرة ، قررت التوجه لتجارة الملابس النسائية لكونها الأكثر رواجا».
نفس الموقف ذهب إليه جل من سألناهم، حيث يتفقون على أنهم ما عادوا قادرين على منافسة العنصر النسوي في العديد من قطاعات التوظيف، بالأخص السكريتاريا و الخدمات و التعليم و الصحة و حتى شبكة التشغيل التي باتت حكرا عليهن.

80 بالمائة من الإناث يفضلن القطاع الإداري عن المجالات الاقتصادية

أكد مسؤول مصلحة الامتحانات بمدرية التربية بقسنطينة، بأن حجم الإقبال النسوي على المشاركة في المسابقات التي تفتح سنويا يتعدى 80 بالمائة، و كذلك نسبة النجاح، مرجعا السبب في ذلك  إلى التفوق الكبير للإناث على الذكور دراسيا، و ارتفاع عدد الفتيات خريجات الجامعات.
مدير التشغيل بالولاية خليل الزين ، بين من جهته ، بأن تفوق العنصر النسوي ينحصر فقط في الجانب الإداري، حيث يتعدى عدد طلبات التشغيل في هذا المجال 80 بالمائة ،بالنسبة للإناث. أما بخصوص الإقبال عموما، فتشكل النساء نسبة 44 بالمائة من طالبي الشغل، كما يمثلن نسبة 46 بالمائة من المعنيين بجهاز المساعدة على الإدماج المهني، مقابل 54 بالمائة ذكور.
ذات المسؤول أوضح بأن  نسبة الفتيات المعنيات بعقود العمل المدعم، و المقدرة بـ 7 آلاف عقد، لا يتعدى 20 بالمائة ،على اعتبار أنهن أقل ميلا للقطاع الاقتصادي، مقارنة بالذكور.  بالرغم من أن ذلك لا ينفي ،حسبه، المشاركة الفعالة للمرأة كعنصر منتج .علما أن مساهمته أخذت منحنى تصاعديا، بداية من سنة2011. 


تحدي المجتمع و التحرر من نظرته السلبية أهم دوافع تفوق المرأة

 وعن أسباب هذا التفوق الأنثوي، أكد أستاذ علم الاجتماع بجامعة قسنطينة، زيان محمد، أن «الحافز اللاشعوري» للفتاة أو للمرأة بصفة عامة ،هو الذي يدفعها لبذل مجهودات أكبر لتحقيق التفوق والنجاح في مشوارها الدراسي و العملي ، وذلك بغية  تحدي نظرة المجتمع إليها كعنصر مستهلك، و حصولها على مكانة لائقة بالمجتمع الذي تعيش فيه، مؤكدا في ذات السياق، بأن ذلك "الحافز اللاشعوري" يعد عاملا إيجابيا و هو بمثابة "الأوكسجين" الذي يمنحها هامشا من الحرية، خاصة و أن المرأة تدرك جيدا بأن الفرصة الوحيدة للحصول على مكانة مرموقة في المجتمع و التحرر من قيوده، هي"مواصلة الدراسة و العمل " تحت أية ظروف، المهم هو تحقيق الذات وفقط.
وأضاف محدثنا أن المرأة على وعي كبير، بأن الفتاة العاملة ، ليست كالفتاة الماكثة بالبيت، كما أنها على وعي أكبر بأن المرأة المثقفة الحاملة للشهادات، ليست كالمرأة محدودة المستوى، وعليه فإننا نجد أنها في رحلة تحد دائم اسمه»المقارنة» بين كل هذه المعطيات السالفة الذكر و البحث عن التميز كغيرها.
كما أشار الأخصائي ، إلى أن الجانب النفسي الإجتماعي يعد من الحوافز الإيجابية التي تدفع المرأة الجزائرية لبذل مجهودات أكبر ، لتحقيق النجاح في الدارسة، ومن ثمة في الحياة العملية، حيث ذهب إلى أبعد من ذلك، مؤكدا بأن المرأة الريفية أو المرأة المتواجدة بالمناطق النائية أو المعزولة، في غالب الأحيان، تتمكن من تحقيق نتائج إيجابية ، أحسن من النتائج التي تحققها المرأة المتواجدة بالمدن الكبرى، لأنها على علم بأن الدراسة هي السبيل الوحيد الذي من شأنه أن يمنحها هامشا من الحرية و يحسن مستواها المعيشي والاجتماعي. أما عن سبب تفضيلها عن الرجل في طلبات التوظيف، فيرى الأستاذ زيان محمد، بأن الأمر راجع إلى تغير عام في نظرة المجتمع للمرأة، و التوجه للثقة أكثر في قدراتها، خصوصا شخصيتها كفرد اجتماعي تعد أكثر استعدادا للتفاني و التفرغ بشكل كامل لأداء مهامها دون تذمر، عكس  الرجل.                                 

ن/ ط

الرجوع إلى الأعلى