يعتبر الفنان القسنطيني سليم أمين خوجة  من بين أواخر أعضاء ما يعرف  بفرقة البوخالفية، و هي فرقة غنائية قسنطينية، لطالما أحيت أفراح الفقراء و المعوزين مجانا، و قد توقفت اليوم عن النشاط، نظرا  لكبر سن مؤسسيها أو وفاتهم، لكن سليم  الذي قضى نصف قرن في عالم الموسيقى و التراث، يرفض البقاء في الظل، و لا يزال يحن للفرقة و يمارس هوايته المفضلة و هي جمع الآلات  الموسيقية القديمة و بحوزته الآن، كما قال للنصر، 21 آلة بين وترية و إيقاعية لشيوخ الفن القسنطيني، من بينها مندول الشيخ سي إبراهيم العموشي و كمان الشيخ العربي بلبجاوي و تسرد كل آلة في مجموعته الفريدة قصة حب و أغان و ألحان سكنت ذاكرة مدينة و وطن قبل ذاكرة الفنان.
التقت النصر بالفنان سليم أمين خوجة، تلميذ الشيخ درسوني، و هو يعرض مجموعته من الآلات الموسيقية، إلى جانب تحف تجسد يوميات المرأة القسنطينية العريقة «البلدية» في مختلف فصول السنة، و ذلك في بهو دار الثقافة محمد العيد آل خليفة وسط مدينة قسنطينة، و أكد لنا الفنان بأنه استطاع جمع 21 آلة بين وترية و إيقاعية ، يعود تاريخ بعضها لحوالي قرن من الزمن، و قد أهداه بعضها شيوخ المالوف ، وأخرى ورثها عن والده مولود أمين خوجة، أحد العناصر المؤسسة لفرقة البوخالفية التي كانت تحيي أعراس البسطاء ، دون مقابل وتوقفت عن النشاط نظرا لكبر سن أفرادها أو موتهم، كما قال.
أعضاء الفرقة   كانوا حرفيين و تجار
سليم أمين خوجة بين بأن ال»بوخالفية»، فرقة فنية قسنطينية تأسست في حوالي سنة 1968، و كانت تتكون، وفق ما كان سائدا بالنسبة لهذا النوع من الفرق،  من «الرايس» و هو  الشيخ عمار بوحوالة ، و ما يعرف ب»الخمامسة»و هم: عبادي عبد السلام ، و العربي ، ومحمد ولد المكّاس ، وكذا بلوم عبد الوهاب و محمد الشريف بوحوالة، الوحيد الذي كان يسجل حفلات البوخالفية ، بمعية والد سليم، مولود أمين خوجة ، مضيفا بأن جميع هؤلاء الأعضاء توفوا ، باستثناء المتحدث و محمد الشريف بوحوالة و سليم الفرقاني. بخصوص تسمية الفرقة، قال سليم أمين خوجة، بأن أعضاء ذات الفرقة عبارة عن هواة للمالوف ، ممن ليسوا في حاجة إلى مداخيل الأفراح ، و يحيونها لفائدة المواطنين الفقراء و البسطاء الذين لا يملكون مقابلا ماديا لجلب فرق محترفة تنشط مناسباتهم السارة.  كلمة «بوخالفي» ،حسبه، تعني الذي يهتم كثيرا بالجانب المادي، على اعتبار أن أعضاء الفرقة من التجار و أصحاب الحرف، و قد اختفت الفرقة اليوم بعد سنوات طويلة من العطاء و إدخال البهجة على العائلات المحدودة الدخل و المعوزة، و اعتبرها سليم من الفرق التي كانت تؤدي نوعا من أنواع الغناء المعروفة في قسنطينة و التي هي على التوالي، كما قال، المالوف ، العيساوة، الوصفان، حصالة ، الفقيرات، البنوتات، الشعبي وأخيرا البوخالفية، غير معروفة لدى العامة حاليا ، و بقيت أخبار الفرقة و روادها تقتصر على مجالس أهل الفن، دون غيرهم.
أنا تلميذ الشيخ درسوني و سجلت أغنياتي في الإذاعة و التليفزيون
 الفنان و جامع تحف الآلات الفنية القسنطينية، قال بأنه دخل عالم الفن سنة  1966  مع فرقة لشيوخ عيساوة الأوائل ، التي كان يترأسها سي بن جلول و الشيخ بلقاسم ، ثم التحق بالمعهد البلدي للموسيقى، وهناك درس قواعد الموسيقى على يد الشيخ درسوني.
  و في الفترة ما بين 1970 و 1973 انضم إلى تلاميذ الشيخ العموشي ، وفي السنة الموالية، انخرط في فرقة والده مولود أمين خوجة، و هي  فرقة البوخالفية المختصة في المالوف،  و بعد توقفها أدى النغمة القسنطينية ، وعزف الكمان مع عائلة رحماني « فيصل و الهادي « ، و ريغي عبد المجيد، و أضاف محدثنا، بأن برصيده أشرطة مسجلة في الإذاعة و التلفزيون الجزائري، كما قام بإحياء الحفلات في كل قاعات قسنطينة، ليتوقف عن النشاط الموسيقي في بداية التسعينيات.
عائلتي هرّبت تراثا فنيا مكتوبا و مسجلا
و تابع الفنان بأنه و خلال تلك الفترة أي التسعينات من القرن الماضي، قامت عائلته بتهريب ما تحوز من تراث مكتوب و مسجل إلى الخارج، و ذلك بعد أن تلقت تهديدات، مؤكدا بأنه يفكر في استرجاعه و إهدائه إلى متحف سيرتا، حفاظا على تراث المدينة. إلى جانب ذلك، ينوي إنشاء رواق يعرض فيه ما يملك من آلات موسيقية ، و «سفاين» و قصائد مكتوبة باليد يحتفظ بها في بيته الصغير الكائن وسط المدينة الذي أخضع للترميم، مشيرا إلى أنه غادره إلى سكن جديد، في إطار ترحيل سكان المدينة القديمة لأنه لم يعد لائقا للإقامة جراء قدمه.
الكويترة آلة  عمرها قرن
عن مصدر ما يحوز من آلات وترية وإيقاعية ، التي وصل ،حسبه، عددها إلى 21 آلة ، قال بأنه ورث المندولين عن والده ، و الدربوكة كانت ملكا لعمار بوحوالة ، و المندول كان خاصا بسي إبراهيم بلعموشي ، و الكمان للشيخ العربي بلبجاوي. و أعز آلة لديه هي  الكويترة، و قد  عزف عليها شيوخ كثر و يعود تاريخ صنعها إلى سنة 1920 ، وهي آلة وترية لها شكل عود، انقرضت صناعتها من قسنطينة، مشيرا إلى أن كل تلك الآلات  تلقاها كهدايا من شيوخ المدينة ، وأخرى تعود للوالد ، هذا إضافة إلى نماذج مصغرة لكل الأواني النحاسية القسنطينية التقليدية العتيقة، المصنوعة  من النحاس الأحمر الفاخر على غرار  الطنجرة و القطار ، وأدوات الحمام و صينية العصر.
جدير بالذكر أن سليم أمين خوجة ، سليل عائلة فنية أصيلة ، فوالده كان فنانا و شقيقه صاحب دار النحاس الأحمر الوحيدة في قسنطينة، و شقيقه الثاني رسام شهير، و يقوم حاليا سليم بالبحث والتنقيب في تراث المدينة و خاصة حول الآلات الفنية القديمة و نوبات الموسيقى الأندلسية ، التي ضاع نصفها، وهذا لإتمام ، كما قال، جهود الشيوخ الذين كتبوا حول المالوف، من أمثال الشيخ إبراهيم العموشي ، الذي جلب من العاصمة حوازة على غرار «  عقلي بهواكم « من الشعبي و دمجها «خواها» مع «من ذا الحب كيف نواسي بالألم» ، و كذا الشيخ حسونة علي خوجة  الذي جلب استخبارات من تونس. سليم أتيحت له الفرص لزيارة الكثير من الدول على غرار الولايات المتحدة و ألمانيا وتونس و مصر والمغرب ، و عاش فيها تجارب كثيرة واختلط بأهل الفن هناك، و استنتج بأن  المديح صنعة قسنطينية.
آخر نشاط له خارج مسقط رأسه، كان مشاركته في معرض بالعاصمة حيث عرض فيه الآلات الموسيقية التي يعرضها هذه الأيام بدار الثقافة محمد العيد آل خليفة، مشاركا أصدقاء متحف سيرتا في تسليط الضوء على تراث المدينة.                            
ص/ رضوان

الرجوع إلى الأعلى