الرغبة في الراحة و كسر الرتابة في محك الظروف المادية و التقاليد
مع حلول فصل الصيف، تبدأ أحاديث الناس حول العطلة، فهناك من يتساءل عن كيفية قضائها و أخذ قسط من الراحة ، و البعض يتحدث عن عدم جدوى قضاء العطلة في أماكن بعيدة عن البيت، بحجة التكاليف، و النظر إليها كعبء اجتماعي يُثقل على الأسرة، أو بسبب خلفيات  تعتبر العطلة بأنّها خارج سياق العادات و التقاليد، في حين يستثمر الكثير من الناس و العائلات كلّ ما يملكون من رغبة و مال من أجل قضاء عطلة سعيدة، بعد عام من التعب والإرهاق من العمل أو الدراسة.  لكن هل هناك مفهوم واضح للعطلة الصيفية عند العائلات الجزائرية؟، و هل طريقة قضائهم أو استغلالهم لها، ينم حقا عن تخطيط مسبق و ثقافة ملمة بأصول العطلة ومستلزماتها، أم هي نظرة عشوائية للراحة والعطل؟.
لمحاولة إيجاد أجوبة على هذه التساؤلات، اتصلت النصر بمجموعة من الشعراء و الكُتّاب، فرصدت هذه الآراء.

فـ.ياسمينة بريهوم

العطلة الصيفيّة تخضع للحالة المادية للأسرة و مدى تفتّحها على الحياة

"أكثر من أيّ وقت تتسرّب ثقافة العطلة إلى برنامج الأسرة الجزائريّة و نفقاتها الكثيرة، لكنها لم تتعدَّ بعدُ التفكير –عند الأغلبية المنكوبة في دخلها المادي- في قضاء أيام على شاطئ البحر، عن طريق الكراء لأيام في بيوت يتركها أصحابها للسياح صيفا، وفي أحيان أخرى في مخيّمات عائليّة متواضعة لا تتوفر فيها أدنى شروط الراحة، حيث يضطر السائح إلى اِقتسام دورات المياه والمطبخ...إلخ. أو بقضاء بضعة أيام عند الأقارب في مدن أخرى بنيّة التغيير، والاستراحة من تعب العام والعمل.
غير أنّ الأمر بالنسبة للميسورين والأغنياء مختلف، لأنّهم يستطيعون، دون تخطيط، توفير عطلة سنوية و حتى اِستثنائية في أيّ وقت يشاءون، إمّا بالكراء في فنادق في دول مجاورة، شهورا قبل موسم الاصطياف، أو بارتياد وجهات سياحيّة جديدة على السواء.
إن العطلة الصيفيّة تخضع للحالة المادية للأسرة ومدى تفتّحها على الحياة، كما تتأثر بالسياسة السياحيّة التي تشجّع السياحة الأجنبيّة، و لا تفكر في تطوير السياحة الداخليّة، بتيسير التنّقل وكلّ الخدمات التي يطلبها الجزائريّ في دول أخرى، و أقلمة البنية التحتية لقطاع السياحة لخدمة السائح المحليّ، وتشجيعه على المساهمة في عجلة تطوير اقتصاده.

محمد قسط

مفهوم العطلة غير مكتمل في ذهن الجزائري

"من المفاهيم التي لا يفقهها الجزائريون، جودة الحياة، وإن كان لهذا المصطلح تجذّرٌ في القطاعات الأساسية لنظام الدولة، الاقتصاد، السياسة والثقافة. و العطلة الصيفية كغيرها من الأحداث الموسمية، لها فقهها وتفسيرها الخاص، و مثل النقائص العديدة التي نسجلها في طريقة العيش والحياة، يرتجل الجزائري و يتكيّف بما يوفره له المناخ العام. رغم أن البلاد تنام على ساحل يتجاوز1200 كلم، إلّا أنّ كلّ المعطيات تقول أننا مفلسون سياحيّا، فالجزائري جرّاء تغييب ثقافة الاحتفاء سياحيّا بمعالمه الطبيعية، اقتصرت عطلته على بعض المحطّات القليلة، كالشاطئ و الغابة، رغم الثراء البيئي و المائي، و نتيجة هذا الإفلاس يحرم الكثير من قضاء استجمام حقيقي، مثلما نجده في بعض الدول الشقيقة، وهذا سبّب عزوف عدد لا بأس به من الجزائريين، و اختيارهم وجهات خارجية لقضاء عطلتهم التي ينتظرونها طيلة العام، وهذا ما عمّق الأزمة وجعلها تتراكم وتتفاقم.
لا أعتقد أن هناك تخطيط في عديد مناحي العيش عند الجزائري، هي عبارة عن مواسم تفتتح، كالدخول الاجتماعي، الثقافي، والصيفي، لذلك تجده يضيّع الكثير من المعالم و الاكتشاف، وينعكس ذلك في السلوكات المرافقة، كعدم احترام المعالم الأثرية، و تلويث الوديان والشواطئ و الغابات، تخريب المرافق الترفيهية، بالإضافة إلى تقلّص الفضاءات العائلية وغياب الأمن.
مفهوم العطلة غير مكتمل في ذهن الجزائري، ما هي إلا أنشطة عشوائية، لا تراعي الأبعاد المختلفة للمكان والزمان، إشباع لرغبات جسدية ومعديّة، لا ترقى إلى تحقيق الرفاهية المعيشية، السياحية والثقافية".

رشيد فيلالي

العائلة الجزائرية تُخطط لعطلها كما تخطط لأي نزهة عادية وعابرة

"في السنوات الأخيرة بدأ الجزائريون يمارسون نوعا من التخطيط في ما يتعلق بكيفية قضاء عُطلهم وخاصة منها العطلة الصيفية، وهذا في الحقيقة مؤشر إيجابي، لكن المؤسف في الموضوع، أن هذا التخطيط تطبعه في الغالب العشوائية و الاعتباطية، كون العائلات الجزائرية لا تزال في تصوري، وحسب تجربتي مع المحيط الذي أعيش فيه، تفتقر لثقافة التخطيط المحكم وهذا له ما يفسره و يبرره في الواقع، إذ أن غياب الثقافة السياحية في الجزائر والاحتكاك بالسياح الأجانب خاصة، وما يتبع ذلك من اكتساب لمفاهيم السياحة، كلّ هذا جعل العائلة الجزائرية تخطط لعطلها، كما تخطط لأي نزهة عادية وعابرة، طبعا هذا يترتب عنه، منطقيا، نتائج سلبية على المدى البعيد، حيث في الغالب تسمع شكاوى بالجملة حول الكثير من المعوقات التي لا تزال تميز نوعية الخدمات في مدننا وضعفه، بل وانحطاطها إلى درجة تفضيل مع مرور الوقت السفر إلى الخارج، خاصة إلى تونس الشقيقة، كون هذا البلد الجار يحوز على كل ما يطلبه السائح من خدمات ضرورية، إذ عرف كيف يكتسب ثقافة سياحية خلال السنوات الماضية، الأمر الذي لم نفعله نحن لأسباب يطول شرحها هنا، علما بأنّ الجزائر في السبعينيات كانت قِبلة لآلاف السياح القادمين من العالم أجمع، غير أن الحال لم يعد كذلك اليوم، لاسيما بعد أحداث العشرية السوداء، فهل ترانا اليوم نراجع حساباتنا ونتعلم ما نفتقده؟ سؤال مفصلي بحاجة إلى إجابة حاسمة".

فريدة بوقنة

مفهوم العطلة الصيفية في الجزائر يبقى قيد عدة خلفيات

"لطالما ارتبط مفهوم العطلة الصيفية عموماً بالسفر و الاستجمام، ويتمّ ذلك وِفْق تخطيطٍ ماديٍّ مُسْبَق، باعتبارها من الأولويات الملحّة للفرد أو الأسرة. محلّياً مرّت ثقافة العطلة بمراحلٍ بيّنةٍ، برز من خلالها تطوّر ذهنية المجتمع الجزائري، باختلاف تموقُعه على خارطة المُدن، إذ كانت الأسرة قبل سنواتٍ ترتّبُ لزياراتٍ عائلية مطوّلة وغير مكلّفة، وغالباً ما تتمظهر في التنقّل عبر وسائل السفر المتاحة من المدينة إلى الريف أو العكس، إلاّ أنّ هَبّة العولمة التي اخترقتْ حدود المعهود، اقتلعتْ الكثير من هذه العادات، وبرمجتْ لوعْيٍ مختلف، سيّج "أنا" الأسرة، و فكّك صيغة العائلة الكبيرة المكوّنة من الأعمام والأخوال، ورسم منحىً جديدا للعُطل، تمثّل في خرجاتٍ محتشمة نحو الغابات و الحمّامات المعدنية وأحيانا الشواطئ، وقد ساهم إشراك الأبناء في الحوار الأسريّ مؤخرا، في دسّ اقتراحات أخرى أكثر رفاهية، حسب الميزانية المحدّدة، فأصبحت المركّبات السياحية و المخيّمات الصيفية من الوجهات الغالبة. وتلتْها في السّنوات الأخيرة موضة قضاء العطلة في البلدان المجاورة. و بالرغم ممّا سبق ذكره، يبقى مفهوم العطلة الصيفية في الجزائر قيد الخلفيات الأخلاقية، وتفاوت المستويات الاجتماعية، ومحدودية الدخل الأسريّ.

نوّارة لحــرش

الرجوع إلى الأعلى