يحترف الأستاذ المتقاعد الطيب ميروح صناعة المجسمات العلمية، حاملا خبرة عمرها 20 عاما في هذا المجال، مما جعله يتقنها بشهادة الأساتذة المختصين و الأطباء الذين انبهروا بنوعية مجسمات أعضاء جسم الإنسان و حواسه و كذا طبقات الأرض التي تصنعها أنامله باحترافية و إتقان و دقة متناهية.
ابن القرارم قوقة بولاية ميلة، البالغ من العمر 57 عاما، كان أستاذا لمادة علوم الطبيعة والحياة في الطور الثانوي، و هو يعاني الآن من التهميش و الإقصاء، رغم أنه يجيد تجسيد المجسمات العلمية كالعين، الكلى،القلب، الأسنان، و طبقات الأرض وغيرها. وصف الأستاذ ميروح نفسه بالعصامي في صناعة المجسمات العلمية، و تعود بداياته في هذا المجال إلى سنة 1985 ، أين تبلورت الفكرة لديه و جربها باستمرار دون كلل أو ملل في زاوية من زوايا منزله المتواضع، و تجسدت ثمار جهوده فعليا سنة 1996.  و أرجع سبب اهتمامه بهذه الصناعة إلى حبه للتلاميذ ومادة العلوم الطبيعية من جهة، ومن جهة أخرى النقص الكبير في المجسمات العلمية في العديد من مخابر المؤسسات التربوية، حيث لمس ذلك من خلال تنقله خلال مساره التعليمي بين مدينة شلغوم العيد، ميلة و القرارم قوقة أين استقر في ما بعد، ما أدى به إلى التفكير في تصنيعها لتغطية ذلك النقص، لكن الأمر لم يتوقف عند هذا الحد، بل تجاوزه إلى فكرة التسويق و البيع، لكنه لا يملك صفة رسمية تؤهله لدخول هذا المضمار والاستثمار فيه، خصوصا مع انعدام تصنيف رسمي وقانوني لهذا النشاط، ما جعل الأستاذ ميروح يحتار، و اختار بعد ذلك  أن يتعامل مع شركة مختصة في توزيع التجهيزات المدرسية يبيعها المجسمات بأقل من نصف الثمن الذي تتعامل به تلك الشركة مع المؤسسات التربوية، على أساس أنها منتوج أجنبي، على الرغم من أنها محلية الصنع 100 بالمائة،  وقد وصلت منتجاته إلى غاية ولاية أدرار.  الحسرة لم تفارق وجه محدثنا الذي لا يزال إلى غاية اليوم ينتظر من الجهات الرسمية التفاتة إلى نشاطه بتحديد تسمية و تصنيف له حتى لا يبقى محتكرا، و قد توجه بعد ذلك إلى صناعة التحف الفنية من أجل استخراج  بطاقة حرفي تسمح له بالمشاركة في المعارض، وعرض منتجاته من التحف و المجسمات العلمية التي هي بالأساس سبب توجهه لصناعة التحف وتحويل ما يجنيه من نقود لدى بيعها، لاقتناء المواد الأولية لصناعة المجسمات العلمية التي يتميز بها محليا وحتى مغاربيا، على حد قوله.  بخصوص المواد التي يستخدمها، بين بأن الخبرة جعلت كل المواد تقريبا، صالحة، لكن بشروط معينة هي الكمية، التركيز، درجة الحرارة و التوقيت إلى غير ذلك، حتى أنه أجرى العديد من الاختبارات على مدى صلابة المجسمات و مدى مقاومتها لعامل الزمن، و بحوزته الآن مجسمات يزيد عمرها عن 20عاما ، لم يتغير شكلها ولا لونها، الشيء الذي يزيد من دهشة الجمهور، عندما يسمع بأن أنامل هذا الرجل البسيط هي التي أبدعت تلك المنتجات و ليست الآلة التي عهدناها تنتج  مثل هذه الأعمال، و تزيد قيمتها لديه ويصعب عليه الاستغناء عنها، حتى وإن كان المقابل معتبرا.  كرمت أعمال الأستاذ ميروح  العلمية في عديد المرات في الصالونات و معارض الاحتفاء بيوم العلم في كل عام المنظمة من طرف قطاع التربية، بالإضافة إلى مشاركاته مع قطاع الثقافة والصناعات التقليدية والحرف،  على غرار مشاركته في تظاهرة قسنطينة عاصمة الثقافة العربية و شهر التراث هذا العام، أين لاقت الاستحسان والإقبال من السلطات الرسمية والجمهور . هذا كله لا يمحو الحسرة من ملامح الأستاذ ميروح، لأن أفكاره وأعماله حبيسة فضاءات تلك المعارض ولا تتعداها إلى الخارج، مع حاجته الماسة إلى مقر دائم يلقي عن كاهله مشقة البحث في كل مرة عن محل للكراء يزاول نشاطه به.  عن سؤالنا عن الآفاق المستقبلية لنشاطه، رد محدثنا بأن الغموض يلوح في أفق هذه الصناعة التي لا تحظى حتى بتصنيف من الهيئات الرسمية المعنية، و على رأسها غرفة الحرف والصناعات التقليدية، بل أنه و بعد مرور أكثر من 30 عاما من انطلاقه في مزاولتها،و 20عاما عن إتقانها  بشكل احترافي، يبقى التهميش والإقصاء حليفين له على حد تعبيره، رغم فوائدها الجمة، و  أضاف محدثنا بأن إيمانه بالله قوي وحبه للوطن خالص، لذلك يبقى أمله في الفرج كبيرا ليأخذ كل ذي حق حقه.  

  ب.ح. م

الرجوع إلى الأعلى