ترتمي مدينة شطايبي بأقصى غرب ولاية عنابة، وسط طبيعة عذراء، تسحر زائريها بغاباتها الكثيفة و شواطئها الصافية ذات الرمال الذهبية، غير أن غياب المنشآت الفندقية و نقص الخدمات و عدم توفر المياه، يجعل من الواقع السياحي للمنطقة بعيدا عن تطلعات المصطافين، الذين يكتفون بمشاهدة جمال مناظر أبدعها الخالق و فشل الإنسان في تطويرها.
روبورتاج : عبد الرزاق مشاطي
على بُعد دقائق من مدينة شطايبي عبر منطقة تريعات، و على طريق غابي ضيق كثير المنعرجات، يخطف جمال الطبيعة تركيزك للحظات، قبل أن يفاجئك صوت مكابح السيارة التي توقفت أمام أبقار تعبر الطريق، ليخبرك السائق بعدها أننا أصبحنا قريبين جدا من مدخل المدينة.. يتراءى لك البحر بعيدا، لكن كثافة الأشجار تحجبه بعد برهة من الزمن، و تدرك أنك أصبحت على مرمى حجر من الشاطئ دون أن تشاهده، فصوت الموج و صراخ الأطفال يثيران الفضول لمعرفة ما يخبئه المنظر التالي.
وصلنا المدينة و كان المصطافون قد بدأوا النزول إلى الشاطئ المركزي المحاذي لميناء الصيد الوحيد بالمنطقة، و سرعان ما امتلأ المكان و حجزت جميع المظلات التي يقوم بتأجيرها شباب من المدينة، و على الكورنيش القصير كانت تصطف سيارات تحمل ترقيم ولايات مختلفة معظمها من قسنطينة و أم البواقي و باتنة و تبسة و سوق أهراس.. الميناء كان مكتظا بقوارب صيد صغيرة دون صيادين، فقد أخبرنا بعض السكان أن جميع القوارب تعود من البحر قبل السادسة صباحا، أما حمولتها من السمك فقد وجدت من يشتريها بمجرد وصولها إلى الميناء.
لا أثر للفنادق و المياه و سكان يهجرون بيوتهم لإيواء المصطافين
بدأنا جولتنا في شوارع شطايبي الضيقة التي تزداد صعودا كلما تقدمنا، فالمدينة بأكملها مشيدة على جبل مرتفع يقع أعلى خليج بحري صغير، و على شرفة مقهى مكتظ جلسنا لدقائق نتأمل معالم المكان الذي لا يختلف جماله كثيرا عن الصور التي نشاهدها للمدن الساحلية في البطاقات البريدية، لكن سرعان ما عكرت صفو المنظر رائحة كريهة تنبعث من قمامة متراكمة أسفل المبنى، و هو نفس ما شاهدناه بالميناء و على الشاطئ أيضا.
واصلنا جولتنا بالمدينة، و أول ما لاحظناه هو وجود أشخاص يحملون دلاء بلاستيكية و يسلكون طريقا معينة، في نهايته طابور طويل أمام خزان مياه و الكل ينتظر دوره لملء بضعة لترات، و في تلك اللحظات نفذ المخزون و أغلق الحارس الباب أمام استياء الجميع، فيما أكد لنا بعض الحاضرين أن المياه لا تصل حنفيات بيوتهم إلا نادرا، و ذلك مرة كل عشرة أيام و أحيانا كل عشرين يوما، فيما ذكر بعض من التقيناهم من المصطافين أن يومياتهم تبدأ بالبحث عن قطرة ماء تكفيهم ليوم كامل.
أمام العمارات و البيوت شاهدنا سيارات تحمل أمتعة و أشخاصا يستعدون للتوجه نحو الشواطئ، و كأن جميع المساكن يقطنها أشخاص قدموا من أماكن أخرى، استفسرنا عن الأمر فأكد لنا من تحدثنا إليهم، أن أصحاب البيوت الموجودة في المدينة يغادرون صيفا إلى منازلهم القديمة الموجودة في أعالي الجبال، و يستأجرون مساكن المدينة للمصطافين، مشيرين إلى أن شطايبي تكاد تخلو من قاطنيها الأصليين صيفا و يعوضهم بالمقابل السواح و المصطافون.
أما مراكز الإيواء و الفنادق فلا أثر لها بكل المدينة، التي تخلو تماما من أي فندق حتى لو كان غير مصنف تماما، و حتى المطاعم غير متوفرة، باستثناء بعض محلات الأكل السريع التي لا تستجيب للطلب، و هو ما يثير الاستغراب بمدينة ساحلية يُفترض أنها سياحية.. بعد نصف ساعة من منتصف النهار كانت جميع المحلات و المقاهي قد أغلقت أبوابها، فقد حان وقت الراحة على حد تأكيد أحد الباعة، و حسب ما فهمناه فإن الأمر يرتبط بتقليد قديم دأب على تطبيقه تجار المنطقة منذ عشرات السنين، حيث أنهم يغلقون محلاتهم و يتوقفون عن البيع من منتصف النهار و حتى الساعة الثانية بعد الزوال، و هو الوقت الذي تبدأ فيه الحركة بالعودة تدريجيا إلى المدينة.
زوار يخيمون في الغابة و شواطئ ذهبية تنتظر من يستثمرها
شاطئ النافورة الرومانية هو أحد أقدم معالم شطايبي، حيث يحوي بعض الآثار الرومانية التي تؤكد على أن عدة حضارات مرت على المدينة بداية من الرومان، و رغم صغر مساحته، غير أنه مميز بقربه من المدينة حيث يقصده معظم الزوار، كما أن الأرض فيه عبارة عن حصى صغيرة، و هو نوع من الشواطئ لا يوجد بكثرة على السواحل الجزائرية.
في طريقنا إلى شاطئ الخليج الغربي، و على طريق ضيق يشق غابة ظليلة، لاحظنا عددا كبيرا من المخيمين الذين اتخذوا من أشجار الغابة ملجأ لنصب خيمهم الصغيرة، فبعضهم يملك سيارة و البعض الآخر جاء دون مركبة، و هي حال مجموعة من الشباب لا يتجاوز عمر أكبرهم 20 سنة، أكدوا لنا أنهم قدموا من ولاية سوق أهراس و اختاروا هذا المكان لهدوئه و قربه من شاطئ جميل، مضيفين أنهم متواجدون بالمنطقة منذ أسبوع، و لم يتعرضوا لأية مضايقات، حيث يبيتون داخل خيمة صغيرة مفترشين الأرض دون مشاكل، كما صادفنا مجموعة من الكشافة من ولاية جنوبية، خيموا أمام الطريق بعد أن نصبوا ثلاثة خيم كبيرة، و معظمهم أطفال يقودهم ثلاثة كشافين شباب.
أول ما يلفت الانتباه عندما تطأ قدمك الخليج الغربي هو حجر أساس لانطلاق أشغال تهيئة منطقة التوسع السياحي، وضع حسب ما هو مكتوب عليه بتاريخ 30 أكتوبر 2014، لكن يبدو أن التهيئة بدأت و لم يكتب لها أن تكتمل، أما المشروع فلا أحد من سكان المنطقة يعلم مصيره، فقد نزعت مئات الأشجار و توقفت الورشة منذ أكثر من سنة دون أن تُستأنف.
أما شاطئ الرمال الذهبية، فهو اسم على مسمى حسب عدد من المصطافين، الذين أوضحوا بأن أساس التسمية هو المياه الصافية التي تسمح بمشاهدة الرمال ذات اللون الذهبي أسفل منها، لكن الشاطئ الذي يمتد على مئات الأمتار، يفتقر لأدنى الخدمات، فباستثناء محلات قصديرية تبيع أكلا غير مضمون، لا يجد الزائر مكانا لشراء طعام يسد به رمقه أو شراب يوقف به العطش، أما حظيرة السيارات فمتوفرة و سعر ركن السيارة 100 دج، بينما يقدر بـ 200 دج بالنسبة للحافلات.
مشاريع في الأفق لتوفير المياه و ميزانية لا تكفي لتنشيط السياحة
توجهنا إلى مقر البلدية و أول ما لاحظناه من شكل البناية أنها تعود إلى العهد الاستعماري، و رغم أننا لم نطلب موعدا مسبقا، استقبلنا بحفاوة الأمين العام للبلدية غجاتي بشير، الذي أكد بأن تاريخ إنشاء شطايبي يعود لسنة 1870 تحت مسمى "أربيون"، نسبة إلى الجنرال الفرنسي "إيميل أربيون" و هو أول رئيس لهذه البلدية التي تحولت تسميتها سنة 1962 إلى شطايبي نسبة إلى الشهيد "عمار شطايبي".
و حسب ما أكده لنا الأمين العام فمساحة البلدية تمتد على 135 كلم مربع، أما عدد سكانها فيصل إلى 8300 نسمة، حيث تضم أربعة تجمعات سكانية، هي شطايبي مركز و الزاوية و العزلة و زقع، إضافة إلى عدة مشاتي، أما النشاط الأساسي للسكان، فهو الصيد البحري، حيث يتم اصطياد أنواع هامة من الأسماك التي يتم بيعها لتجار من مناطق أخرى كعنابة و سطيف، كما يمارسون بعض النشاطات كالفلاحة و تربية الأبقار.
و تتوفر المنطقة على مستشفى صغير أنجز في الفترة الاستعمارية و هو يقدم خدمات في العلاج العام فقط، إضافة لتوفر عيادة متعددة الخدمات و 4 قاعات علاج في كل تجمع سكاني، و رياضيا هناك ملعب بلدي و ملعبان صغيران و قاعة متعددة الرياضات تابعة لمديرية الشباب و الرياضة، كما أن البلدية تتوفر على ثلاثة دور شباب في شطايبي و العزلة و الزاوية، لكنها مجرد بنايات تظل "جسدا بلا روح" غير مشغلة و لا توجد بها أية نشاطات، على حد تأكيد الأمين العام.
60 ألف سائح يدخلون شطايبي كل صيف
أما مشكلة نقص المياه، فتفرض نفسها على حد تأكيد المسؤول، فمن جهة لا تتوفر مصادر للمياه، حيث أن المصدر الأساسي هي الينابيع و الآبار الطبيعية، و من جهة ثانية فالتوزيع لا يتم بطريقة مدروسة، مشيرا إلى أنه لا توجد مشكلة على مستوى خزانات المياه المتوفرة، حسبه، بعدد كاف، أما عن الحلول فقال المسؤول أن هناك مشروعا قطاعيا تتكفل به مديرية الري، لمد شبكة لتوصيل المياه من منطقة قرباز ببرحال سيتجسد بداية 2017.
كما أكد الأمين العام بأن مصالح البلدية قامت بدراسة تنقيب، حيث تم العثور بمنطقة "عين عبد الله" على قدرة مائية تصل لـ 10 لتر في الثانية، و سيتم تجسيد المشروع قبل جوان المقبل، و هي مشاريع من شأنها أن تضع حدا لمشكل التزود بالمياه بالمنطقة، على حد تأكيد محدثنا، الذي أوضح بأن هناك أيضا دراسة لانجاز سد بمنطقة "وادي بوحنكوش" قدرته تصل لـ 50 مليون متر مكعب و باستطاعته تمويل 4 بلديات، مضيفا أن إنجازه يبقى مرهونا بتحسن الوضع المالي للبلاد، أما عن مدّ شبكات الغاز الطبيعي، فأكد أنها في طريق الإنجاز.
و تستقبل شطايبي 60 ألف سائح فقط خلال الصيف حسب السيد غجاتي، الذي أوضح بأن غياب استراتيجية سياحية واضحة من طرف السلطات، يجعل من إمكانيات المنطقة ضعيفة، فالبلدية لا تملك الإمكانيات حتى للتنظيف بميزانية إجمالية لا تتجاوز 7 ملايير سنويا، كما أن قدرة الاستيعاب ضعيفة جدا، في ظل غياب المرافق الفندقية، مؤكدا بأنه لا يملك أية معلومات عن سبب توقف مشروع التوسع السياحي بالخليج الغربي لشطايبي.

الرجوع إلى الأعلى