تقاليد للتفاؤل بموسم زراعي خصب يجمع شمل العائلات
يحافظ سكان قرى تيزي وزو على العادات و التقاليد المتوارثة الخاصة باستقبال فصل الربيع، أو ما يعرف بـ «أمقار تفسوث»، و التي تعود إلى أزمنة غابرة، للتعبير عن الفرح بحلول أجمل فصول السنة و التفاؤل بموسم زراعي خصب ثماره وفيرة، و كذا جمع شمل العائلات و إنهاء الخلافات و الخصومات .
تبدأ الاحتفالات عموما انطلاقا من تاريخ 31 مارس و تستمر أسبوعا كاملا، رغم أن تقليد «ثفسوث»، حسب التقويم الأمازيغي يصادف يوم  28 فيفري، و في عدد من مناطق تيزي وزو، يكون الاحتفال ب «ثفسوث» خلال الفترة الممتدة بين 17 و 23 أفريل، فيخرج أفراد العائلات كبارا و صغارا في الصباح الباكر في أجواء منعشة ربيعية إلى الحقول و البساتين و المساحات الخضراء ، لاستنشاق الهواء النقي و الاستمتاع بجمال الطبيعة في أوج خصوبتها و سحرها.

الأطفال يزهرون كالربيع و ينمون كالسحاب

ويتسابق البراعم الصغار نحو الحقول وهم يرتدون الزي القبائلي التقليدي و يرددون أغان خاصة بالربيع، و لعل أشهرها «ثفسوت ثفسوت أننجوجوق...  أم ثفسوت أنتسنارني أمتقوت» بمعنى «الربيع الربيع نزهر كالربيع و ننمو كالسحاب»، حاملين في أيديهم سلالا صغيرة مصنوعة من الحلفاء،  لقطف مختلف أنواع الأزهار و الورود التي تنمو و تتكاثر في هذا الفصل و العديد من النباتات الخاصة بهذا الموسم، من بينها نبتة «أذرييس» ذات الرائحة الطيبة التي تستعملها الأمهات في إعداد عشاء الربيع، حيث تضعها أسفل القدر لتغلي مع الماء، و تقوم بطهي الكسكسي فوقها بالبخار لتضفي عليه نكهة مميزة، و بعد أن ينضج العشاء تجتمع العائلات للاستمتاع بتناول هذه الأكلة الشعبية.
تقول السيدة «فاطمة»، 83 سنة، المنحدرة من قرية برقوقة، بدائرة معاتقة جنوب تيزي وزو، أن الاحتفال بعادة «ثفسوث» أو «أمقار تفسوث» الذي يعود لأزمنة غابرة،  تراث لا مادي و يعد مناسبة لتوطيد العلاقة بين الطبيعة و الإنسان خاصة الأطفال الصغار الذين يكتشفون الثروات التي  تزخر بها و يتعرفون على مختلف أنواع النباتات التي تتكاثر في موسم الربيع.

«أمقفول» الطبق الأساسي للاحتفال

وأضافت محدثتنا أن التحضير لعيد الربيع يكون مسبقا، حيث تتهيأ العائلات  كلها لإحياء طقوس «ثفسوث» أو الربيع ، بالتوجه إلى السوق و اقتناء بعض المواد الغذائية و المكسرات و الخضر و الفواكه، إضافة إلى الحلويات التي تقدم للأطفال الصغار، مشيرة إلى أن هذا التقليد ،رغم انه تراجع نوعا ما في فترة التسعينيات، إلا انه عاد من جديد في القرى الجبلية المعروفة بإحيائها للطقوس الخاصة بهذه المناسبة، على غرار قرية آث عيسي في إيعكوران و قرى آث واسيف و  مشطراس و معاتقة التي لا تزال العائلات فيها متمسكة بعاداتها، لاسيما و أن «ثفسوث» تخلق جوا من السعادة و السرور، كونها تجمع أفراد العائلات و الجيران و الأقارب الصغار و الكبار معا بين أحضان الطبيعة فوق بساط أخضر، للتمتع بالهواء العليل وسط أجواء من الفرح والتفاؤل.
بالنسبة للنساء، تضيف السيدة فاطمة  بأنهن يخرجن في الصباح الباكر قبل طلوع الشمس، لجمع النباتات التي تتكاثر في موسم المطر مثل «لحلاحل» و «ثراسث» و «ثغماس تمغارث» و «بيبراس» و هن يرددن الأغاني التقليدية أو ما يعرف محليا ب «ثيبوغارين»، ثم يقمن بتحضير أكلة «أمقفول» وهو الكسكسي الذي يُطهى على البخار كما تطهى النباتات التقليدية الطازجة على البخار أيضا، ثم تخلط مع الكسكسي و تدهن بزيت الزيتون الطازج الذي تم عصره في نفس الموسم، و  يضاف البيض المسلوق إلى الأكلة.
و عند اقتراب منتصف النهار تحمل النساء الطبق إلى الحقول و البساتين،  ليتناوله سكان القرية  على شكل وعدة في أجواء من البهجة وسط  لوحة طبيعية تبعث على الراحة و السرور، إعلانا بقدوم الربيع.
و يمتد الاحتفال إلى أواخر النهار ثم يعود الجميع إلى بيوتهم يغمرهم التفاؤل بموسم تكثر فيه الغلة، مليء بالخيرات و الاستقرار يميزه أيضا انتهاء الخلافات بين المتخاصمين و المودة.  
ساميةإخليف

الرجوع إلى الأعلى