بساتيـن البـايـات تتـلاشـى أمــام البنـايـات الفوضويـة بمنطقة الغـراب
فقدت منطقة الغراب بأعالي حي بوذراع صالح بقسنطينة الكثير من خصوصيتها، و لم تعد تلك الأراضي الخصبة التي كان يقصدها سكان المدينة للاستجمام و التمتع بخيراتها، فقد تحوّلت إلى قرية صغيرة تعمها البنايات الفوضوية، و تفتقر إلى الكثير من الضروريات التي تسمح بتصنيفها في خانة المناطق الحضرية، رغم كثافتها السكانية المرتفعة و قربها من المدينة و كذا احتوائها على معالم أثرية و مقومات طبيعية.
روبورتاج: عبد الرزاق مشاطي
يقع حي صالح باي أو الغراب كما يعرفه عموم سكان قسنطينة، على مرتفع جبلي أعلى حي المنية، و لا يبعد سوى ببضع كيلومترات عن وسط المدينة، غير أن الوصول إليه يتطلب جهدا كبيرا، فالوسيلة الوحيدة لذلك هي حافلات النقل الحضري التابعة للخواص، إلا أنها لا تعمل سوى لأوقات محددة خلال اليوم، ما يحتّم على السكان اللجوء إلى سيارات «الفرود» للوصول إلى حي المنية و منها إلى وسط المدينة عبر سيارات الأجرة، أما الطريق إلى الغراب فهو ضيق و كثير المنعرجات ما يجعله غاية في الخطورة.
بالوصول إلى داخل الحي، لا تكاد تشاهد شيئا يؤكد بأن المنطقة تابعة لقطاع حضري، فالمكان أشبه بالقرى أو المشاتي، حيث أن مساحته جد صغيرة و لا أثر فيه للتهيئة، ما عدا بعض البنايات الأشبه بفيلات، فمعظم المساكن ريفية و تبدو جد قديمة، فيما لا يحتوي الحي سوى على محل واحد لبيع المواد الغذائية و مقهى، يجلس فيه الكثير من الشباب و الشيوخ، كما أن المكان لا يتوفر على أي مساحات للعب أو حتى ملعب جواري صغير، و حواف الطرقات و الشوارع القليلة، مُشوهة بالرّدوم و القمامة المرمية بشكل عشوائي.

معالم أثرية مهملة و مهددة بالزوال
التقينا بعدد من السكان أكدوا أن المنطقة جد قديمة، و هناك شواهد تثبت، حسبهم، أنها كانت مأهولة منذ العهد العثماني، حيث شاهدنا حماما قديما يبدو أنه يعود إلى الفترة العثمانية، غير أنه لا يزال مهملا تماما رغم أنه يشكل معلما أثريا هاما، كما شاهدنا بنايتين قديمتين تعودان إلى نفس الفترة، قال السكان بأن أحدها يسمى «البرج»، موضحين بأن الروايات المتداولة بين كبار السن في المنطقة تؤكد أن هذه البنايات كانت تابعة لبايات قسنطينة خلال الفترة العثمانية، و الذين كانوا يقصدونها مع عائلاتهم خلال الربيع و الصيف للاستجمام، غير أن حالتها بدت في وضعية كارثية، فأحدها مأهول من قبل إحدى العائلات، التي أجرت عليه تغييرات شوّهت شكله الخارجي.كما يضم «الغراب» ضريحا يقال أنه لولي صالح سكن المنطقة قبل أكثر من قرنين من الزمن، بجانبه بناء أثري يعود للفترة العثمانية به قبور و حجارة قديمة، مصقولة على شكل أعمدة، و قد لاحظنا أن أشغالا ترميمية انطلقت، حيث أخبرنا السكان أن هذه الترميمات شرع فيها قبل نحو سنتين، غير أنها توقفت بعد فترة وجيزة من بدايتها، رغم أن هذه البناية الأثرية تبدو مهددة بالسقوط في أي لحظة، و تهدد حياة سكان يقطنون بجانبها مباشرة، و غير بعيد عنها يوجد منبع مائي، بُني عليه خزان قديم أشبه ببركة سباحة، قال السكان أنها مربوطة بقنوات قديمة، تصل إلى الحمام العثماني.
خيرات الأرض تختفي..

سألنا السكان عن البساتين و الحقول التي كانت توفر لقاطني قسنطينة في وقت مضى أجود أنواع الفواكه و الخضروات و حتى الأزهار و الورود، فأكدوا أنها تقلصت بشكل كبير و بعضها اختفى تماما، جراء عوامل عديدة، منها انعدام المياه و بيع الأراضي من قبل مالكيها الأصليين، حيث لجأ المالكون الجدد إلى قطع الأشجار المثمرة من أجل البناء، و قد شاهدنا أراض فقدت خصوبتها و يبست أشجارها، فيما لاحظنا بنايات جديدة تنجز وسط بساتين مليئة بالأشجار، رغم أن البناء ممنوع فوق الأراضي الفلاحية، حيث أن بيع هذه القطع الأرضية يتم بعقود عرفية، على حد تأكيد السكان.و قد أكد محدثونا أن الحي يحتوي على مساكن قديمة أنجزت خلال الفترة الاستعمارية، تتكون من 43 بيتا ذو مساحة لا تتجاوز 43 متر مربع، حيث لا تزال مسكونة بشكل عادي، رغم اهترائها و ضيقها، كما يضم المكان مساكن القرية الاشتراكية التي يعود بنائها إلى سنة 1963، فوضعيتها كارثية أيضا حسب ما أكده محدثونا، حيث تجد أكثر من عائلة في كل بيت رغم ضيق المساحة، مما دفع الكثير من أصحابها إلى إنجاز توسعات فوضوية، أما كافة البيوت الأخرى فهي عبارة عن بنايات فوضوية، يمتلك قاطنوها عقودا عرفية و بعضها عبارة عن مبان مرتفعة أشبه بفيلات.رئيس جمعية حي صالح باي أوضح أن عدد السكان المنطقة يتجاوز 3 آلاف نسمة، غير أن هذا التجمع السكني يفتقر، حسبه، إلى الكثير من الضروريات، في مقدمتها السكن اللائق، فمعظم العائلات تقطن في مساكن ضيقة و قديمة، كما أن المياه لا تصل إلى الحنفيات سوى لأربعة ساعات في اليوم، أما الإنارة العمومية فضعيفة و النقل غير كاف، حيث أن التنقل إلى مدينة قسنطينة يتطلب ساعتين، رغم أن المسافة لا تزيد عن 5 كيلومترات.و أضاف رئيس الجمعية أن الحي لا يتوفر سوى على مدرسة ابتدائية واحدة أصبحت مكتظة، بينما يتوجه تلاميذ الطورين المتوسط و الثانوي إلى وسط المدينة، أما العلاج فمتاح فقط لمن يملكون بطاقة «شفاء»، لأن المركز الصحي الوحيد تابع لمصالح الضمان الاجتماعي، و أكد محدثنا أن الملحق البلدي مغلق منذ أشهر و بأن أماكن الترفيه منعدمة، فمشروع الملعب بقي، حسبه، مجرد كلام منذ سنوات رغم أن أرضيته متوفرة، حيث يطالب السكان بتحسين الأوضاع و إعادة إحياء منطقة كانت في زمن مضى مقصدا للبايات و عائلاتهم.

الرجوع إلى الأعلى