قصة قرية ممزّقة بين قسنطينة و أم البواقي
رأس العين أو الجنة المنسية، قرية تقع على بعد حوالي 20 كيلومترا عن بلدية الخروب، نصفها تابع لولاية قسنطينة و النصف الآخر تابع لولاية أم البواقي، ما تسبب في تعثر العديد من عمليات إنجاز المرافق الضرورية، و على رأسها توصيلات الغاز و الماء و الكهرباء و كذا إنجاز قنوات صرف المياه، حيث يعيش سكان المنطقة معاناة و صراعا يوميا مع الحياة منذ نشأة القرية خلال الحقبة الاستعمارية.  
القرية معزولة بقرابة 3 كيلومترات عن الطريق الوطني رقم 3 الرابط بين قسنطينة و عين مليلة عبر مقطع الخروب و بلدية أولاد رحمون، و لا تبعد سوى كيلومترات قليلة عن منطقة القراح المعروفة بالقرزي، تتميز بطابعها الفلاحي و الرعوي و ببساطة عيش العشرات من العائلات التي لا تزال متمسكة بتواجدها في المنطقة، رغم مرارة الحياة و صعوبة الظروف المعيشية ، إلا أن موقعها في منتصف النقطة الفاصلة بين الولايتين حسب التقسيم الإداري المعمول به، أصبح حجرة عثرة في وجه التنمية خاصة بالنسبة لسكان الجهة العلوية التابعين لولاية أم البواقي، و الذين يشتكون من حرمانهم من مشاريع ضرورية كإيصال الغاز مثلا، بخلاف جيرانهم في الضفة الأخرى التابعة لولاية قسنيطنة، و التي لا تتجاوز مسافة الفصل بينهما عشرات الأمتار سيرا على الأقدام.
التكفل بانشغالات جهة على حساب جهة شتت السكان  
جولتنا في رأس العين بدأت من مفترق الطرق المؤدي إلى القرية بعد اجتيازنا لمسافة حوالي 17 كيلومترا انطلاقا من بلدية الخروب، قبل أن نترك إحدى القرى الواقعة على الجهة اليمنى من الطريق المؤدي إلى القراح و عين مليلة، و ننعطف يسارا باتجاه هذه القرية التي تقطن بها عشرات العائلات التي تعاني في صمت من قساوة الطبيعة من جهة، و الظروف المعيشية المتواضعة من جهة أخرى، و قبل الوصول إلى هذه المنطقة، سلكنا طريقا يمتد على مسافة حوالي 3 كلم غير معبد بشكل جيد، ما يهيئك للاقتراب شيئا فشيئا من منطقة ريفية بدأت تختفي معها مظاهر الطرقات المعبدة و الإشارات المرورية في المناطق الحضرية، و بعد توغلنا بمئات الأمتار على متن المركبة التي كنا على متنها، تراءت لنا الأراضي الفلاحية و قطعان المواشي التي كانت ترعى في المنطقة، وسط طبيعة خلابة تسحر الناظر إليها و تأسر الزائر الوافد لأول مرة، و كلما تقدمنا أكثر، كلما لاحظنا بعض السكنات على جنبات الطريق الضيق المؤدي إلى القرية، و التي كانت مبنية بالطوب و القرميد في صورة تعبر عن بساطة سكانها، قبل أن نصل إلى القرية التي يتواجد في مدخلها مسجدا صغيرا ذو طلاء أخضر.
أول وجهة قصدناها داخل القرية كانت الجهة العلوية التابعة لولاية أم البواقي، و التي تتواجد بها أكبر كثافة سكانية مقارنة بالجهة السفلية التابعة لولاية قسنطينة حسب السكان، الذين لمسنا في وجوههم غضبا و تشاؤما بسبب ما وصفوه بالتهميش الذي يعانون منه، حيث أخبرنا المعنيون أن هذه الجهة من القرية لم تستفد من أي مشروع لتوصيل الطاقة أو تعبيد الطريق و المسالك المؤدية للسكنات، بخلاف الجهة السفلية حسبهم كونها تابعة لولاية قسنطينة، و التي استفادت حسبهم من عدة عمليات كان آخرها توصيل الغاز دون استفادة الجهة العلوية التي تضم حوالي 80 عائلة على حد قولهم، فيما اشتكوا بمرارة من انعدام الكهرباء و الماء و قنوات صرف المياه، و ذلك منذ أن سكنت أولى العائلات بهذه المنطقة خلال الحقبة الاستعمارية و إلى غاية يومنا هذا، و هو ما خلق نوعا من التفرقة و التمييز ،حسبهم، بين عائلات القرية الواحدة، و قالوا أن جميع المطالب و الانشغالات تصطدم بالتقسيم الإداري بين الولايتين، ما يتطلب حسبهم في بعض الأحيان سنوات لتسوية بعض الإشكالات أو إنجاز مشاريع معينة، بسبب بطء تدخل الجهات المعنية.
الحطب للطهي و للاحتماء من البرد القارص

في مدخل رأس العين يقابلك جبل صخري تقع أسفله هذه القرية الصغيرة المختفية في الغطاء النباتي و الأشجار العالية التي تحجب الرؤية من مسافات بعيدة، و يتواجد هناك طريقان، أحدهما على اليمين يؤدي إلى الجهة السفلية بترقيم ولاية قسنطينة، و الآخر على اليسار يؤدي إلى الجهة العلوية بترقيم ولاية أم البواقي رغم تواجد الجهتين في رقعة جغرافية واحدة و تحت إسم قرية واحدة، و عند توقفك في هذا المفترق بين الطريقين، تقابلك منشأة تابعة لمؤسسة المياه و التطهير، قيل لنا بأنها عبارة عن محطة ضخ تضم 7 آبار ضخمة تزود مدينة قسنطينة و عدة مدن و تجمعات سكنية أخرى بمياه الشرب منذ الحقبة الاستعمارية، و أضاف آخرون أن هذه المحطة بنيت من طرف الفرنسيين و أنها سبب نشأة و توسع القرية المحيطة بهذه المنشأة المائية التي تتربع على مساحة هامة. كما لاحظنا أن سكنات الضفة السفلية مبنية بطريقة حسنة نوعا ما مقارنة بسكنات الضفة العلوية، و التي لا يزال غالبية أصحابها يحتمون تحت الصفيح داخل مبان هشة بها نوافذ صغيرة و الكثير منها لم يتم طلاؤها، تم بناء العديد منها فوق صخور كبيرة بين مسالك غير معبدة، يتطلب الوصول إليها امتطاء ظهور الحمير أو ركوب الشاحنات.
و خلال تواجدنا مع السكان، لفت انتباهنا إشعال نار في إحدى الزوايا خارج السكنات من طرف بعض السكان الذين تجمعوا حول كومة من الأوراق المشتعلة، و عند استفسارنا قالوا بأنها وسيلة للاحتماء من شدة البرد القارص الذي يلازم المنطقة طيلة فصل الشتاء، كما قال المعنيون أن أغلب عائلات الجهة العلوية لا تزال تستعمل النار كوسيلة للطهي إلى غاية يومنا هذا، بسبب انعدام الغاز الطبيعي و ارتفاع ثمن قارورات غاز البوتان، كما لاحظنا خلال تواجدنا بالمنطقة، أن العائلات في هذه الناحية لا تزال تستعمل بعض الطرق التقليدية للطهي و التدفئة على النار، بالاعتماد على الخشب و بعض النباتات كالقندول.
عائلات تهدد بالنزوح الريفي
تجولنا بالمنطقة العلوية لقرية رأس العين أين تقطن العائلات التابعة إداريا لبلدية سيقوس بولاية أم البواقي، جعلنا نقف على حجم المعاناة التي يتخبط فيها المعنيون، و لو أن القرية ككل تعد منطقة ريفية تنقصها العديد من ضروريات الحياة كمركز صحي مثلا أو وسائل النقل و غيرها، لكن بؤس العيش في هذه الناحية يزداد كلما توغلنا في الجهة العلوية، و التي تتواجد بها العديد من السكنات الهشة فوق الجبل الصخري، تتواجد بجوار العديد منها إسطبلات و أماكن لتربية الدجاج، و أمام كل بيت رأينا مجموعة من الكلاب التي تحرس محيطاتها و تنبح بمجرد اقتراب شخص غريب أو مركبة من هذه البيوت، كما لاحظنا أن الجهة العلوية من القرية تتواجد بها العديد من بساتين التين الشوكي التي توارثتها العائلات المعنية أبا عن جد، حيث أخبرنا من تحدثنا إليهم، أن جل العائلات تقتات على ثمار هذه البساتين من خلال جنيها و إعادة بيعها، فيما تعتمد عائلات أخرى على بيع بيض دجاج المزارع و حليب الأبقار الذي بدأت كمياته تتناقص من سنة لأخرى بسبب عزوف المربين عن تربية المواشي، بسبب ظروف معيشية صعبة اضطرتهم إلى التخلي عن هذه المهنة.
و أكد سكان المنطقة، أن العديد من العائلات التي تقطن في الجهة العلوية التابعة لولاية أم البواقي، تخطط للرحيل من القرية و النزوح باتجاه المدن و التجمعات الكبرى بسبب تدهور الأوضاع الاجتماعية و انعدام الشغل في منطقة ريفية شبه معزولة، و قال آخرون أن استمرار المعاناة قد يضطرهم لبيع سكناتهم التي استفادوا منها في إطار البناء الريفي و مغادرة المنطقة، و قالوا أنه لا مستقبل في هذه المنطقة لأبنائهم من الجيل الصاعد، حيث أكدوا في هذا السياق، أنهم يواجهون صعوبات كبيرة مع انطلاق كل موسم دراسي بخصوص تحويل أبنائهم المنتقلين إلى المتوسط و الثانوي، إلى المؤسسات الواقعة بالقرزي و أولاد رحمون كونهم غير تابعين لولاية قسنطينة، و هو ما يضطر أبنائهم إلى الانتظار حوالي شهر لاستكمال إجراءات التحويل من مؤسسات ولاية أم البواقي إلى مؤسسات ولاية قسنطينة في المواقع المذكورة كونها أقرب إلى قرية رأس العين، حيث يناشد سكان هذه الناحية من القرية الجهات المعنية بأخذ انشغالاتهم على محمل الجد، و تخليصهم من معاناة تستمر منذ عشرات السنين.
روبورتاج   : خالد ضرباني

الرجوع إلى الأعلى