مرتفعات بوحمدان تتحوّل إلى قطب للسياحة و الرياضة الجبلية

إلى أقصى غرب ولاية قالمة و على الحدود مع ولايتي سكيكدة و قسنطينة تمتد غابات كثيفة بلا نهاية و جبال صخرية حادة فيها كهوف عجيبة و قمم يفوق علوها الألف متر عن سطح البحر و منابع مائية عذبة و آثار ضاربة في أعماق التاريخ، جنة فوق الأرض و اخضرار دائم و ربيع ساحر و شتاء قطبي طويل، عوامل جعلت من المنطقة واحدة من أهم الأقاليم الطبيعية الجميلة التي حافظت على توازنها الإيكولوجي بقالمة منذ سنوات طويلة، منطقة لم تمسسها يد البشر بسوء و لم تصلها فوضى العمران و لم تطلها كوارث النفايات الصناعية و المنزلية التي أغرقت محميات طبيعية وغابات واسعة بحوض قالمة الكبير.
فريد.غ 

قبل سنوات قليلة لم تكن مرتفعات و منتجعات بوحمدان معروفة بهذا الشكل و الزخم الكبير حيث ظلت معزولة و بعيدة عن الاهتمام و فضول السياح الباحثين عن الطبيعة و الهدوء و الهواء النقي و نسيم البحر القادم من الشواطئ البحرية التي تظهر من بعيد، من مرتفع حجر شواف أحد أجمل المعالم الطبيعية و الأثرية بالمنطقة.  
لم يكن أحد من سكان ولاية قالمة و الولايات المجاورة يعرف كنوز المنطقة من غابات و كهوف و قمم حادة و فضاءات خضراء بلا نهاية و مجار طبيعية،  فقط سكان المنطقة القدامى هم من يعرفون كل هذا و قليل من سكان بلديات بوحمدان، حمام دباغ، الركنية، برج صباط و أولاد حبابة من يعرف غابات بوعربيد و غار الجماعة و حجر شواف و العين الصفراء و شلالات عين شويخة و الوادي الأبيض و غيرها من المواقع الساحرة النادرة التي تحولت في غضون سنة تقريبا إلى قطب سياحي كبير فاقت شهرته حدود ولاية قالمة و بلغت كل ربوع الوطن تقريبا بفضل شباب المنطقة الذين قرروا رفع التحدي وخوض مغامرة شجاعة للتعريف بالمنطقة و جلب السياح و تحريك التنمية المحلية و إعادة إعمار الإقليم الذي مر بوضع صعب حوله إلى فضاء مهجور منتصف التسعينات.  
شباب مغامر من أبناء بلدية بوحمدان التاريخية قلعة الثورة و إحدى المناطق المحرمة خلال حرب التحرير، و إرادة قوية من السلطات الولائية التي اتخذت قرارا شجاعا بفك العزلة عن الإقليم و إطلاق برامج إعادة الإعمار، و كانت البداية بخطوط الكهرباء و طريق معبد بدد سنوات المعاناة و فتح آفاقا جديدة لتنمية الإقليم و تحويله إلى قطب سياحي كبير يعول عليه كثيرا خلال السنوات القادمة.     
الإقليم الأخضر يحتضن أكبر تظاهرة رياضية وسياحية منذ الاستقلال   

بعد نشاطات محتشمة و مبادرات فردية قررت مجموعة من شباب بلدية بوحمدان تكوين جمعية محلية أسموها جمعية غار الجماعة السياحية و الأثرية مهمتها ترقية السياحة الجبلية و المحافظة على الآثار و التنقيب عن المزيد من المعالم بالمنطقة و التعريف بها لجلب مزيد من السياح و تحريك التنمية المحلية، و في غضون أشهر قليلة من تكوين الجمعية الفتية ذاع صيت المنطقة عبر الفضاء الأزرق و بدأت صور المغارة العجيبة تشد إليها الانتباه و تجلب مزيدا من الاهتمام على المستويين الشعبي و الرسمي المحلي و المركزي و أصبح غار الجماعة قبلة لآلاف السياح من مختلف مناطق الوطن و على مدار السنة تقريبا و هو ما شجع "أولاد غار الجماعة" كما يسميهم السكان المحليون على توسيع النشاط و إخراجه من الكهوف السحيقة إلى الفضاء الأخضر الكبير، إلى غابات بوعربيد و بني عمران و حجر شواف و غيرها من الفضاءات الطبيعية الجميلة التي احتضنت مؤخرا أكبر تظاهرة رياضية و سياحية بالولاية و ربما بمنطقة الشرق الجزائري منذ الاستقلال.  
إنها تظاهرة يوم الجبل التي استقطبت مئات المشاركين من ولايات قسنطينة، قالمة، البليدة، ميلة و سكيكدة و استمرت يوما كاملا حيث كانت البداية من كهوف غار الجماعة ثم غابات بني عمران و مرتفعات حجر شواف التي تروي قصص الثورة و قادتها الذين مروا من هناك.  
و قالت جمعية غار الجماعة للنصر بأن ما لا يقل عن 250 شخصا من 5 ولايات تقريبا قد شاركوا في تظاهرة يوم الجبل التي تعد أكبر نشاط سياحي و رياضي تعرفه ولاية قالمة و الشرق الجزائري حتى الآن.  
و عرفت التظاهرة تنظيما محكما و دعما قويا من محافظة الغابات و قيادة الدرك الوطني ممثلة في فرقتها الإقليمية ببلدية بوحمدان و هي فرقة لها خبرة كبيرة في تسيير قوافل السياح و مسح المرتفعات الجبلية و حماية المنتجعات السياحية و المواقع الأثرية و هي دائمة التواجد بالإقليم الذي يعرف تدفقا مستمرا للسياح على مدار السنة.  
و حضرت التظاهرة جمعيات كثيرة لها خبرة في تسلق الجبال و السير المنظم في الطبيعة و التجوال في الغابات و المحافظة على إيكولوجيا الوسط الطبيعي.
و عبر المشاركون عن دهشتهم الكبيرة و هم يغوصون في أعماق الكهف العجيب و يتسلقون معلم حجر شواف و ينتشرون بين غابات الزان و الفلين الكثيفة، مؤكدين بأن المنطقة مؤهلة لأن تصبح بالفعل قطبا سياحيا وطنيا ، كل الفضاءات الطبيعية و المعالم موجودة هنا في مكان واحد، كهوف، معالم أثرية، غابات، مياه دائمة الجريان، ثروة حيوانية نادرة و طريق معبد و فوق كل هذا أناس طيبون يجعلونك تشعر و كأنك في بيئتك و بين اهلك و ذويك.  
و شكلت حشود المشاركين طابورا طويلا بين غار الجماعة و مرتفعات بني عمران و رسموا صورة نادرة لم يعرفها المكان من قبل و التزموا بالمسار المحدد و تعليمات المنظمين و المكلفين بتأمين التظاهرة التي استمرت يوما كاملا تلقى خلاله المشاركون مبادئ السياحة الإيكولوجية و الرياضة الجبلية و تقنيات تسلق القمم الصخرية الحادة حيث دعت الجمعيات المشاركة إلى ضرورة ترقية الرياضة الجبلية و السياحة الإيكولوجية في الجزائر و وعدوا بالعودة إلى المكان مرة أخرى في تظاهرة وطنية كبرى قد تستمر عدة أيام و يشارك فيها آلاف السياح من الشرق و الغرب و الشمال و الجنوب و ربما من خارج الوطن أيضا.  
و تبدي السلطات الولائية و بلدية بوحمدان اهتماما كبيرا بالمنتجعات السياحية الطبيعية و المعالم الأثرية الموجودة بالمنطقة من خلال تعبيد الطرقات و فتح المسالك الجبلية و تهيئة المنابع المائية و تنظيف الغابات و إقامة الخنادق المضادة للحرائق في محاولات جادة لتطوير السياحة الجبلية و تحويلها إلى مصدر اقتصادي يساهم في تحريك التنمية و إعادة إعمار الإقليم الكبير الذي بدأ يثير اهتمام السياح الجزائريين و الأجانب و أيضا المؤرخين و الباحثين من مختلف مناطق الوطن.  
"الروندوني" سياحة و رياضة جبلية بعيدة عن الاهتمام بالجزائر  
يقول عبد الرحيم من البليدة و زكريا من سكيكدة و آخرون شاركوا في تظاهرة يوم الجبل بمرتفعات بوحمدان بقالمة بأن هذا النوع من الخرجات الجماعية إلى الطبيعة يسمى "الروندوني" و معناه السير في الغابات و تسلق الجبال و القمم الحادة و هي رياضة معروفة في الكثير من الدول الأوروبية على وجه الخصوص لكنها مازالت بعيدة عن الاهتمام بالجزائر رغم وجود مواقع ممتازة و مناظر و جبال لا تقل أهمية عن تلك الموجودة بدول أخرى تعطي هذا النوع من السياحة و الرياضة الجبلية اهتماما كبيرا لما له من فوائد على الصحة و الاقتصاد و المجتمع.  
و هذا النوع من الرياضة المغيبة عندنا له تقنياته و مبادئه و لباسه أيضا و هو يمارس جماعيا و يهدف إلى استكشاف الطبيعة و المحافظة عليها و المحافظة أيضا على الصحة العامة و تعليم الأجيال كيف تتعايش مع الطبيعة دون أن تلحق بها أضرارا.   
ويتجهز رياضي الجبل بحذاء رياضي خاص و حقيبة تحمل على الظهر فيها الأكل و معدات التسلق و الاحتماء من غضب الطبيعة و كذلك وسائل اتصال و دفاتر لتدوين اليوميات و آلات تصوير للمحافظة على الذكرى لأن الرياضة الجبلية هي أيضا ثقافة و تاريخ قبل أن تكون سياحة و استكشاف.

الرجوع إلى الأعلى