العزوف و التأخر يرهنان برنامج الترقوي العمومي بقسنطينة
يعتبر السكن الترقوي العمومي بقسنطينة، من أبرز المشاريع التي راهنت عليها السلطات المحلية للقضاء على أزمة السكن، بعد استفادة الولاية من برنامج ضخم قبل عدة سنوات، لكن تجسيد هذه الصيغة على أرض الواقع واجه عدة صعوبات وصفها مسؤولون بالموضوعية، في وقت تتجه السلطات إلى تحويل الحصة الممنوحة إلى الولاية إلى نمط آخر، بسبب العزوف الكبير من طرف المواطنين على التسجيل بهذه الصيغة، رغم أنها لاقت إقبالا كبيرا بمدن جزائرية أخرى.
روبورتاج:  لقمان قوادري 
النصر زارت ورشات إنجاز سكنات الترقوي العمومي، بكل من المدينتين الجديدتين علي منجلي و ماسينيسا، و اطلعت على نسبة تقدم الأشغال و نوعية الشقق، كما تحدثت إلى مختصين و مسؤولين حول تاريخ استلام الحصص المنطلقة، و العراقيل التي تسببت في تأخر عملية الإنجاز .
800 مكتتب لبرنامج بـ 13 ألف وحدة !
تتجه صيغة الترقوي العمومي بقسنطينة، نحو تكرار سيناريو مشاريع الترقوي المدعم و التساهمي من حيث التأخرات و الاختلالات في الإنجاز، فنسبة الانطلاق في الحصة الممنوحة للولاية، لم تتجاوز 10 بالمئة من أصل 13 ألف وحدة مسجلة، و هو وضع بات يطرح أكثر من علامة استفهام، حيث انطلقت الأشغال منذ أزيد من ثلاث سنوات بـ 1500 سكن فقط، تشرف على متابعة إنجازها المؤسسة الوطنية للترقية العقارية، إذ تم توزيع الحصص السكنية على كل من المدينة الجديدة علي منجلي بـ 880 وحدة سكنية، و المدينة الجديدة ماسينيسا بالخروب بحصة 620 وحدة.
و تُعد صيغة الترقوي العمومي  من ضمن الأنماط السكنية التي  تستفيد من دعم الدولة، كما أنها موجهة للمواطنين الذين تتراوح مداخيلهم الشهرية ما بين 10800 دينار و 27000 ألف دينار، حيث أنها تتميز بجودة عالية في الإنجاز و جاهزيتها مقارنة بالأنماط السكنية الأخرى، كما أن أسعار الشقق ذات الخمس غرف تقدر بمليار سنتيم، و ذات الأربعة بـ 800 مليون سنتيم، فيما حددت أسعار الشقق من فئة الثلاث غرف بـ 600 مليون سنتيم.
بالمقابل، واجه هذا النمط عزوفا كبيرا من طرف سكان الولاية و هو العائق الأكبر الذي تسبب في تأخر انطلاق المشاريع السكنية، حيث أن عدد المسجلين حسب إحصائيات رسمية، لم يتجاوز 800 مكتتب، في وقت تخلى فيه العديد من المكتتبين عن هذه الصيغة و توجهوا نحو أنماط أخرى، بعد التأخر الكبير الذي عرفته عملية الإنجاز.

ورشة مهجورة و شقق عصرية تنتظر المستفيدين
و بمشروع 500 وحدة سكنية بالتوسعة الغربية لعلي منجلي التي أسندت إلى مقاولة محلية بآجال حُدّدت بأربع و عشرين شهرا، قبل سحب المشروع منها بسبب التأخر في الإنجاز، لاحظنا في جولة استطلاعية قادتنا إلى المكان، أن الأشغال متوقفة به و لا يوجد بالورشة ما يدل على وجود أي تقدم، حيث ما تزال في مرحلة وضع الأساسات و لا يوجد بها أي عامل، إلا شابا كان يحرس ما تبقى من العتاد، فيما علمنا من بعض المصادر بأنه قد تم فسخ العقد مع الشركة المنجزة السابقة بسبب “صعوبات إدارية”.
و بنفس المنطقة، تعرف أشغال إنجاز 212 وحدة سكنية، التي انطلقت في ماي من سنة 2014 و تم إسنادها إلى شركة صينية، تقدما كبيرا في الإنجاز، إذ قاربت على الاستلام، حيث لاحظنا بأن أشغال التهيئة الثالثة قد انطلقت، كما أنجزت الشقق بطريقة عصرية، إذ تحتوي على جميع التجهيزات العصرية من تسخين مركزي و أجهزة تكييف، في حين جهزت المطابخ بوسائل ذات جودة،  فيما ذكر لنا مصدر مسؤول بأن المشروع صادفته العديد من العراقيل في بدايته وتوقف لفترة قصيرة، ثم استؤنف بوتيرة جيدة.
مقبرة تؤخر الأشغال
أما بالنسبة لورشة إنجاز 168 وحدة ترقوي عمومي بذات الموقع، فإن المشروع عرف تأخرا مقارنة بالحصة الأخرى، حيث تسببت المقبرة التي اكتشفت لدى مباشرة عمال الشركة الصينية لأشغال الحفريات الأولى، في توقف المشروع، قبل أن يصدر الوالي السابق قرارا بنقل الرفات إلى مكان آخر، لتستأنف بعدها الأشغال بوتيرة جيدة، إذ من المنتظر أن تُستلم السكنات بجميع التجهيزات قبل نهاية العام الجاري.
و بمشروع 622 وحدة بالقطب العمراني بالمدينة الجديدة ماسينيسا بالخروب، الذي أسند هو الآخر لمؤسسة صينية، وقفنا على تقدم كبير في الأشغال لاسيما بحصة 400 مسكن، التي ينتظر أن تستلم بحسب المسؤولين في نهاية أفريل المقبل، كما أوضحت لنا مصادر من الورشة بأن العائق الوحيد الذي عرفه المشروع قبل الانطلاق، هو ضيق الأرضية، فضلا عن عدم انطلاق أشغال التهيئة الثانوية و الأولية، و هو الأمر الذي من شأنه أن يؤدي إلى تأخير الربط بالشبكات المختلفة، لكنها أكدت بأن البرنامج بات أمرا واقعا و لم يتبق سوى القليل على تسليمه إلى المكتتبين.
نظام تسخين مركزي ومطابخ مجهزة
وخلال جولتنا داخل شقق من فئة خمس غرف والتي تتجاوز مساحتها المائة متر مربع، لا حظنا بأن المواد المستعملة في الطلاء من النوعية الجديدة، كما أن الأرضية، شيدت بحسب أحد العمال ببلاط محلي لكن ذو جودة عالية و باهظ الثمن، فيما صنعت الأبواب بخشب من نوعية رفيعة وكذلك الحمامات تم تزيينها بأحسن أنواع السيراميك، كما أوضح بأن  جميع الغرف ستجهز بأنظمة التسخين والتكييف المركزيين، فيما سيتم وضع مطابخ جاهزة وبجميع التجهيزات العصرية، حيث تم منح الصفقة لمؤسسة متخصصة في المجال.  

و يشتكي مكتتبون ضمن هذا النمط من تأخر إنجاز السكنات، و «عدم احترام» الآجال التعاقدية للمشروع، حيث ذكر ممثلون عنهم للنصر، بأنهم ينتظرون تحقيق الحلم منذ أزيد من ثلاث سنوات، بعد أن قاموا بالتسجيل و دفع مستحقات الإستفادة الأولى في سنة 2014، على أن يستلموا شققهم عقب 24 شهرا، لكن الأمر لم يتم، حسبهم، و لم يقوموا بدفع الشطر الثاني و استلام العقود بحسب تأكيدهم، كما أوضح ممثل عن المعنيين بأن العديد منهم تنازل عن الإستفادة و توجه نحو صيغة أخرى، بسبب عدم وضوح مستقبل البرنامج بالولاية.
نحو تسليم ألف وحدة هذا العام
مصدر مسؤول من المؤسسة الوطنية للترقية العقارية بقسنطينة، فضّل عدم ذكر اسمه، ذكر بأن الهيئة تشرف على إنجاز 1500 وحدة من برنامج الترقوي العمومي، حيث أشار إلى أن عملية إنجاز ألف منها بكل من علي منجلي و ماسينيسا تسير بوتيرة جيدة، إذ من المنتظر أن تستلم 212 وحدة بالتوسعة الغربية و كذا 400 شقة بماسينيسا في أفريل المقبل، أما بقية الحصص فسوف تُستلم قبل نهاية العام الجاري، على حد قوله.
و فيما يخص مشروع 500 سكن المتعثر، فقد أوضح المسؤول بأن العروض و السكنات المتوفرة تشكل فائضا و تلبي جميع الطلبات الحالية، لكنه أكد بأنه و في حال تقديم طلبات جديدة، فإنه سيتم الانطلاق فيها، أما في ما يخص تسديد المكتتبين لمستحقات الاستفادة، أوضح المتحدث بأن المؤسسة بصدد إعداد القوائم، كما أن بعض المكتتبين قاموا بدفع الأقساط فيما لم يستجب آخرون.
و أشار المصدر ذاته إلى أنه لم يتم إسقاط أي اسم من قائمة المستفيدين، كون التحقيقات ما تزال جارية على مستوى البطاقية الوطنية للسكن، كما أكد عدم علم مصالحه بمصير 11500 وحدة غير المنطلقة، كون الأمر يعد من اختصاص الولاية و الوزارة الوصية، فيما ذكر مصدر آخر بأن الحصة تتجه نحو الإلغاء و توجيهها نحو صيغة أخرى، بسبب العزوف من طرف المواطنين على الإقبال على هذا النمط، خلافا لما تعرفه باقي الولايات الكبرى على غرار العاصمة و وهران.   

رئيس مكتب كنفدرالية أرباب العمل
ضعف الترويج للصيغة أدى إلى العزوف
يرى رئيس المكتب الولائي للكنفدرالية الجزائرية لأرباب العمل بقسنطينة مرنيز الهامل، بأن عدم إقبال المواطنين على صيغة الترقوي المدعم بالولاية، يعود إلى ضعف الترويج لهذا النمط من طرف المرقين العموميين، و هو الأمر الذي تسبب، حسبه، في عدم التعريف بهذا النمط و بالتالي عدم إقبال مواطني الولاية عليه، و أوضح السيد مرنيز بأن المرقين الخواص يقومون بالترويج و الإعلان عبر مختلف وسائل الإعلام و وسائط التواصل الاجتماعي، خلافا للمؤسسات العمومية، مشيرا إلى أن نجاح هذه الصيغة مرهون بنشاط القائمين على هذه المشاريع و مدى إقناعهم للمواطنين بالاستفادة منها، حيث أنه من غير المعقول أن تكون مدعمة من الدولة، و تُسجل مثل هذا العزوف. وأضاف المتحدث، بأن بعض الشروط التي أثرت أيضا على الإقبال، تلك المتعلقة بتحديد أجور المستفيدين، فضلا عن اقتصار الاستفادة على غير المتحصلين على صيغ أخرى، خلافا لبرنامج الترقوي الحر، بحسب قوله. 

والي  قسنطينة كمال عباس
 البرامج السكنية الأخرى أضعفت الإقبال على الترقوي العمومي
أوضح والي قسنطينة في تصريح للنصر، بأن برنامج الترقوي العمومي بالولاية ما يزال مفتوحا أمام المواطنين، لكنه  قال  بأن عملية الإنجاز مرهونة بعدد الطلبات على هذا البرنامج، حيث اعتبر بأنه من غير المعقول، أن نشيد سكنات دون وجود مكتتبين،  مشيرا إلى أن حصة 13 ألف وحدة التي تتوفر عليها الولاية غير مسجلة، وإنما هي مجرد تقديرات نظرية لعدد المكتتبين بحسب تأكيده.وأضاف الوالي، بأن  أسباب ضعف الإقبال على هذه الصيغة بقسنطينة، خلافا لباقي الولايات الكبرى الأخرى، تعود إلى البرنامج الضخم للسكنات الاجتماعية العمومية وكذا التساهمية والمدعمة، حيث أن العشرات من الآلاف من المواطنين استفادوا من هذه البرامج التي ما تزال الأشغال بها جارية، لكن مع انتهاء هذه المشاريع فإن العمل بهاتين الصيغتين سيتوقف، وبالتالي فإن المواطنين سيتوجهون تلقائيا نحو صيغتي عدل والترقوي العمومي.
ل .ق             

الرجوع إلى الأعلى