لجان أحياء حاضرة على الورق غائبة عن الواقع!
تشهد الكثير من الأحياء بولاية قسنطينة ، حالة من الإهمال بسبب غياب المبادرة و التطوع لدى قاطنيها، فقد تحولت الكثير من التجمعات السكنية إلى مجرد مراقد، تنتهي فيها علاقة السكان عند إلقاء التحية أو السؤال عن الأحوال، فيما يغيب أي نوع من التواصل أو الخوض في قضايا تخص الحي و احتياجات من يعيشون فيه، و ذلك وسط غياب شبه كلي للعديد من لجان الأحياء الحاضرة فقط على الورق، حتى أن السكان يجهلون وجودها و أحيانا يسمعون عنها عندما يتعلق الأمر بملف السكن الاجتماعي.

لنصر اقتربت من سكان عدد من المناطق بولاية قسنطينة، و سألتهم عن دور جمعيات الأحياء و ما تقوم به لتحسين المحيط و توفير النقائص المختلفة، ليتبين بأن العديد من التجمعات السكنية لا توجد بها لجان، و أخرى جمعياتها تعمل فقط على إحصاء طالبي السكن الاجتماعي و إعداد القوائم الخاصة به، فيما لا تقوم الكثير منها بالدور المنوط بها، لغياب التواصل و الرغبة في التطوع و المشاركة من قبل السكان، و لو أننا صادفنا بعض الحالات القليلة للجان تقوم بعمل مميز على مستوى أحيائها.

سكان تفرقهم الخلافات

فعلى مستوى المدينة الجديدة علي منجلي التي يفوق عدد سكانها ربع مليون نسمة موزعين على عشرات الأحياء، عرفت الوحدة الجوارية 14 التي عرفت منذ أكثر من 3 سنوات خلافات بين سكانها، بلغت حدّ الشجارات العنيفة و أعمال الشغب التي استمرت لأشهر و تكررت لعدة مرات، و السبب شجار بين مراهقين من مُرحلي حيّي فج الريح و وادي الحد لم تستطع لجان الأحياء أن تحتويه في بدايته، ليتطورّ إلى أحداث خطيرة و تتعمّق الخلافات إلى درجة تقسيم مسالك الحي بين المواطنين، و هو وضع دفع بالسلطات المحلية حينها إلى أخذ زمام المبادرة، بعقد لقاءات تجمع الطرفين.
خلافا لذلك، و بالوحدة الجوارية 16، و بالتحديد على مستوى الشطر الثالث، أكد بعض السكان أن جمعية تشكلت داخل الحي، و بدأت تقوم بنشاطات تطوعية من حين إلى أخر، حيث قامت مؤخرا بمبادرة للتنظيف و التشجير، شارك فيها عدد كبير من المواطنين، من أطفال و شباب و حتى شيوخ، و يؤكد أحد السكان أن سر هذا التعاون، هو أن القاطنين يعرفون بعضهم جيدا، حيث أن معظمهم قدموا من حي المنية، و من بينهم حتى أسر من عائلة واحدة.
أما بحي بوالصوف الذي يمتد على مساحة واسعة و يضم عدة تجمعات من العمارات و الفيلات و السكنات الفردية، أكد لنا سكان يقطنون بأماكن متفرقة من الحي، أنهم لم يعلموا بوجود جمعية تنشط ببوالصوف، إلا قبل عدة سنوات، عندما تم نشر قائمة السكن الاجتماعي، مؤكدين بأنهم سمعوا عن وجود جمعية، غير أنهم لا يعرفون رئيسها و لا أعضاءها، كما لم يسبق لهؤلاء التواصل مع السكان أو تنظيم حملة تطوعية مهما كان نوعها، مؤكدين بأن روح المبادرة و التطوع غائبة تماما بل منعدمة، على حد قولهم.

حملات تنظيف دون متطوعين!

و يقول أحد السكان الذين تحدثنا إليهم، إنه و إذا وقع تسرب بإحدى قنوات المياه أو الصرف الصحي على سبيل المثال، فقد يستمر لأيام عديدة، من دون أن يقوم أي مواطن بإعلام الجهات المختصة للتدخل من أجل إصلاحه، فيما ذكر آخر بأن أحد الأسوار انهار منذ عدة أشهر، و تسبب في سد جزء من ممر مؤد إلى عمارة، غير أن أحدا لم يتدخل لرفع الركام و التخلص منه، لولا مبادرة شخصية لأحد السكان، بعد أشهر من الحادثة.
و لا يختلف الوضع كثيرا عما هو موجود في أحياء أخرى، على غرار الزيادية و القماص و حتى بوسط المدينة، إلى درجة أن البلدية تفاجأت خلال حملة تنظيف برمجتها قبل سنوات قليلة على أساس مشاركة السكان فيها، أن لا أحد منهم تقريبا حضر و اقتصر التطوع على عدد قليل من الشيوخ، بالمقابل يُلاحظ أن بعض المناطق صنعت الاستثناء، مثلما نجده في نقاط من حيي 20 أوت و زواغي و الدقسي و كذا بمدينتي الخروب و علي منجلي  و غيرها منها المناطق، أين يُبادر السكان و جمعيات الأحياء إلى القيام بحملات تنظيف و زرع للأشجار و الورود، بل و يُعلّقون ملصقات لتنظيم أوقات رمي القمامة.

رئيس جمعية حي سيدي مسيد


المواطن فقد الثقة في لجان الأحياء
يقول رئيس جمعية حي سيدي مسيد المعروف بـ «لابيسين»، و هو أحد أقدم الأحياء الشعبية بمدينة قسنطينة، إن الدور الرئيسي الذي تلعبه الجمعية هو نقل انشغالات المواطنين إلى الإدارة المحلية، غير أن الكثير من العراقيل تصادفها في هذا الجانب. و أوضح محدثنا بأنه لم يتلق ردا على أكثر من 300 مراسلة لمختلف الإدارات العمومية منذ سنة 2012، و كلها مراسلات موجهة لمؤسسات بلدية و ولائية و إلى مدراء تنفيذيين، مضيفا بأن «عدم تجاوب» السلطات المحلية، يجعل من مهمة لجان الأحياء صعبة و غير مرغوبة، و يقول محمد بأن غياب الدعم من البلديات، كعدم توفير مقر للجنة الحي و عدم تقديم الإمكانيات و إتاحة الظروف الملائمة، يجعل من سكان الأحياء غير مهتمين بالعمل الجمعوي و التطوعي، و لا يقومون بتنظيم حملات داخل تجمعاتهم مهما كان الهدف منها، سواء التنظيف أو الإصلاح أو تحسيس الأطفال و الشباب. و كمثال على «عدم تجاوب» الإدارات، أكد رئيس الجمعية أنه طالب بالحصول على عدد من الشجيرات للقيام بحملة تشجير مؤخرا، غير أن طلبه قوبل بالرفض، مضيفا أن غياب التهيئة بالأحياء مثل اهتراء الطرقات و عدم توفر الأرصفة، يجعل من المواطنين لا يكترثون بالحفاظ على نظافة المحيط، و يشير عزازة إلى أن تجربته على رأس جمعية حي سيدي مسيد منذ سنة 2012، جعلته يدرك بأن السكان فقدوا الثقة في لجنة الحي، بسبب رؤساء جمعيات سابقين كان همهم الرئيسي، حسبهم، هو خدمة مصالحهم الشخصية، و لا يظهرون إلا لإعداد قوائم السكن.

نذير عميرش منتخب و رئيس جمعية بحي زواغي


جمعية الحي ليست فقط لجنة للسكن
يرى السيد نذير عميرش، و هو منتخب بالمجلس الشعبي الولائي بقسنطينة و رئيس لجنة حي بمنطقة زواغي، أن ثقافة المواطنة لدى الجزائريين أصبحت عملة نادرة، و لذلك تغيب لجان الأحياء، إلا في بعض الأماكن.
و أوضح عميرش بأن على المواطن أن يعلم أن لجنة الحي لا تعني فقط، قائمة السكن، و إنما هي السكن و كل ما يتعلق بتنظيم و إصلاح الحي من نظافة و إنارة و حماية، مؤكدا بأنه من واجب هذه اللجنة أن تتحلى بروح المواطنة و تنقلها عبر حملات تحسيسية و توعوية إلى بقية السكان، مضيفا بأن خدمة الحي و السكان لبعضهم و المحافظة على المحيط، يعتبر واجبا و هو بمثابة رفع عبء على السلطات المحلية، لكنه قال بأن المجالس المنتخبة سواء البلدية أو الولائية، مطالبة بتقديم الدعم المادي و المعنوي لمختلف لجان الأحياء، حتى تتمكن هذه الأخيرة من تأدية واجبها على أكمل وجه.

المختصة في علم الاجتماع بن دراج كريمة


الفكرة جديدة على الجزائريين و تتطلّب الشعور بالانتماء
ترى أستاذة علم الاجتماع بجامعة قسنطينة 2 بن دراج كريمة، بأن جمعيات الأحياء تعتبر ظاهرة جديدة على الجزائريين، لأنها ترتبط أساسا بالثقافة الحضرية، في الوقت الذي تنحدر فيه معظم شرائح المجتمع من الأرياف، و هو ما يجعل تشكيل لجنة على مستوى أحد الأحياء لخدمة الصالح العام، بمثابة فكرة دخيلة.
و تضيف المختصة أن الدليل على ذلك هو أن معظم الجمعيات و لجان الأحياء، تتشكل بغرض إعداد قوائم السكن و تختفي بعد الانتهاء مباشرة من توزيعه على المستفيدين، و هو ما ترجعه إلى غياب الشعور بالانتماء للحي أو المكان، و بذلك تغيب الرغبة في الدفاع عنه و حب المحافظة عليه، لأن الأمر الأكثر أهمية في تشكيل لجنة و تقديم خدمة للمجتمع من خلالها، هو الرغبة في ذلك و الإحساس بالانتماء للمكان، و من غير ذلك تنعدم الرغبة في خدمة المحيط و الآخر، و تقول بن دراج بأن الأشخاص المناسبين لقيادة لجنة حي أو أن يكونوا أعضاء فيها، هم أناس يحبون أن يمتلكوا الرغبة و الشغف للقيام بمهمة تقديم خدمة للمجتمع، مضيفة بأنه إذا ما أردنا أن نصنع مجتمعا يملك الشعور بالانتماء، فعلينا أن نجعل كل فرد يحس بأن لديه قيمة من خلال إشراك الجميع في العمل التطوعي.

الأخصائي النفساني الأستاذ بن عميرة كمال


المواطنة ليست شعارات تطلق على «الفايسبوك»
يقول الأستاذ بن عميرة كمال أخصائي علم النفس العيادي، بأن فعل المواطنة ليس مجرد شعارات أصبح من السهل إطلاقها في العالم الافتراضي، و يؤكد أن عدم تقبل الآخر، يُعدّ من أهم أسباب فشل جمعيات الأحياء في أداء المهام المنتظرة منها. و ذكر المختص أن الفضاء الذي يوفره الانترنت و مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة مثل «الفايسبوك» و «التويتر»، يتيح للجميع الانتقاد و التعبير عن استيائه و عدم رضاه، لكن لا يفعل شيئا بالمقابل في العالم الواقعي، و من بين أهم الأسباب التي تقف وراء ذلك، هو أن أفراد المجتمع باتوا لا يستمعون إلى بعضهم البعض، إذ تجد نوعا من التنافر و عدم تقبل الآخر داخل الحي و حتى داخل الأسرة الواحدة، كنتيجة للخلافات و تناقض المصالح، في غالبية الأحيان، أما الحل فيكمن، برأيه، في التنازل و توحيد المشاعر و نبذ كل الصراعات و الخلفيات، و الإدراك بأن المصلحة مشتركة.

المجتمع المدني لولاية قسنطينة حكيم لفوالة


نعمل على هيكلة جمعيات يمس نشاطها كافة شرائح المجتمع
يؤكد السيد عبد الحكيم لفوالة بأن فدرالية المجتمع المدني بقسنطينة، تضم عددا كبيرا من جمعيات الأحياء و كذا الجمعيات الثقافية و الدينية، و هي طريقة فعالة، حسبه، من أجل الوصول إلى أكبر قدر ممكن من فئات المجتمع، و خلق نوع من الثقة بين المواطن و الجمعيات، سواء كانت الخاصة بالحي أو أي نشاط يأتي بالمنفعة و الفائدة للمجتمع.  و ذكر لفوالة بأن المواطنين فقدوا الثقة في لجان الأحياء خلال السنوات الماضية، لأن الاهتمام كان منصبا بدرجة أكبر على إشكالية الحصول على السكن، حيث تسعى الفدرالية لاستعادة الحلقة المفقودة من خلال تنظيم الجمعيات و تنصيب مكاتب على مستوى كل بلدية و حي، و الوقوف وراءها و إرشادها بالنصائح و التوجيهات، إضافة إلى تقديم الدعم المادي، حسب الإمكانات المتوفرة، إلى جانب محاولة إشراك المواطنين و سكان الأحياء في المبادرات و الحملات التطوعية المختلفة، مؤكدا بأن تجربته الطويلة في هذا المجال، جعلته يدرك بأن فشل العمل الجواري، يرتبط أساسا ببعد المواطن عن لجان الأحياء، و لذلك فالعمل منصب حاليا في الفدرالية على إعادة هذا الرابط و إقناع المواطنين بالانضمام بقوة إلى الجمعيات، من خلال اختيار ممثلين مميزين ذوي سمعة طيبة بين السكان.
روبورتاج: عبد الرزاق مشاطي

الرجوع إلى الأعلى