تراجــع الإنتــاج الفلاحــي بالــوادي سيبقــي الأسعــار في مستــوى مرتفــع


 •البطاطا بـ 80 دج و محاصيل تنتظر الجني

عرف النشاط الفلاحي بولاية الوادي تراجعا خلال الموسم الحالي، بسبب التناقص الكبير في المساحة المزروعة مقارنة مع السنة الفارطة، وهو ما أثر سلبا على كمية المحاصيل ونوعيتها، وسط تبادل للاتهامات بين الفلاحين والتجار حول المتسبب في رفع الأسعار ووصولها لأرقام قياسية، عجلت من اختفاء البطاطا والطماطم من موائد عائلات الطبقة الوسطى في الجزائر بعد أن كانت طبقها الأول، و بالمقابل يطالب البعض بتدخل الدولة لتقديم دعم أكبر للمزارعين حتى ينعكس ذلك على السوق في موسم الجني.

قصدنا ولاية وادي سوف بغرض الوقوف على جديد قطاع الفلاحة و ما طرأ عليه من تطورات وتغييرات جذرية، بعد حوالي عام عن زيارتنا السابقة التي كانت في فترة تحولت فيها إلى جنة خضراء في قلب الصحراء، و حققت الولاية طفرة في كميات الإنتاج و فرضت حينها أثمانا زهيدة على الكثير من المواد، على عكس هذه السنة، أين أن عرفت الأسعار ارتفاعا جنونيا و غير معقول، جعل الكثيرين يطرحون علامات استفهام حول هذا التناقض غير المفهوم، و قد كانت زيارتنا محاولة للإجابة على هذه الأسئلة، وتسليط الضوء على سبب هذا «الانقلاب».

تجار يتهمون الفلاحين بإلهاب السوق

كانت بداية جولتنا من سوق الجملة لبيع البطاطا ببلدية الرباح التي تبعد عن بلدية الوادي بحوالي 14 كلم، و بعد سير لمدة 14 دقيقة تقريبا، وصلنا السوق الذي يعد قبلة للكثير من التجار خصوصا من منطقة القبائل الكبرى كبجاية و تيزي وزو، كانت الحركة محتشمة بعض الشيء، حيث وجدنا في البداية حوالي 10 شاحنات ذات وزن 10 طن مركونة، فيما كان أصحاب ثلاث منها فقط يقومون بنقل البطاطا مباشرة و تحويلها من شاحنات “ستايشن» صغيرة يملكها فلاحون، اقتربنا منهم و استفسرنا عن سعر البطاطا بيضاء اللون فأجابنا شاب في العقد الثالث من العمر كانت تبدو عليه علامات التعب، أنها بيعت بـ 77 دج للكيلوغرام رغم أنها لم تكن ذات نوعية جيدة، تابعنا الاستفسار من فلاحين آخرين دون الكشف عن هويتنا و قد كانت الأثمان متقاربة و انحصرت بين 75 دج و 80 دج حسب النوعية.و بعد تأكدنا من الأسعار اقتربنا من تاجر آخر ينحدر من ولاية بجاية، كان بصدد نقل كمية من البطاطا من شاحنة “تويوتا» صغيرة الحجم لشاحنته من نوع «رونو 10 طن» و ما إن علم بهويتنا ثار غضبا و قال «أنظر بطاطا درجة ثانية تباع بـ 78 دج» ثم أخذ يقلب محتوى الصندوق و ينزله تباعا و هو يردد «قل لي بكم أبيعها في السوق، هذه النوعية لن يشتريها أحد بهذه الأثمان، الفلاحون يرفضون جني المحصول و يقدمون جرعات قليلة للسوق حتى يحافظوا على ارتفاع الأسعار، هم السبب في الأثمان الحالية» و قبل أن يُتمّ حديثه كان عدد كبير من التجار قد التفّوا حولنا و كلهم يوجهون أصابع الاتهام للفلاحين.اقترب منا تاجر آخر من ولاية تيزي وزو و علّق غاضبا “نحن كتجار لا يزيد هامش ربحنا عن 10 دنانير، نحن نعاني و شخصيا أنا متواجد هنا منذ ثلاثة أيام و لم أتمكن من اقتناء ما أريد، أنظر الأسعار مرتفعة جدا و من المحتمل أن ترتفع أكثر في الأيام المقبلة، و المسؤولية تتحملها الدولة و الفلاح” و تابع محدثنا كلامه: “هناك من يتهمنا برفع الأسعار غير أن هذا غير صحيح، على الجميع أن يعلم أن البطاطا هنا تباع بأسعار خيالية، و لا يمكن للمواطن البسيط أن يتحمل أكثر و نحن ندفع الثمن أيضا، على الوصاية أن تتحرك لوقف هذه الممارسات”.

50 دينارا للكلغ يمكن أن تحقق هامش ربح مريح!

و قال تاجر آخر ينحدر من ولاية سطيف كان بالقرب منا “تاجر الجملة الذي يشحن حمولة 10 أطنان من البطاطا و يحولها نحو ولايته و لا يبيعها في ظرف يومين أو ثلاثة، لا يمكن له أن يحقق هامش فائدة يسمح له بمتابعة العمل، بالنسبة لي لم أتمكن من بيع حمولة مثل هذه طوال خمسة أيام و هذا يُكبّدني مصاريف إضافية”، التاجر قال إن ارتفاع الأسعار سبّب كسادا، مرجحا أن يتواصل خلال الأيام القادمة ليتعدى ثمن البطاطا 100 دج للكيلوغرام، إذا لم تتدخل وزارة الفلاحة و تخرج كميات من غرف التبريد لكسر الأسعار و إجبار الفلاحين على البيع بثمن أقل، مؤكدا أنه بإمكان الفلاح بيعها مقابل 50 دج للكيلوغرام و تحقيق هامش ربح مفيد.و مع تزايد عدد التجار الذين يتحدثون إلينا، تدخل بعض الفلاحين الذين كانوا موجودين بالموقع، في محاولة لنقل وجهة نظرهم حول سبب الارتفاع الكبير في الأسعار مقارنة مع السنوات الفارطة، حيث أوضح لنا أحد الفلاحين أن الأسعار يتحكم فيها السوق و من غير المعقول و من السذاجة، حسبه، أن يبيع بأقل من الثمن الذي يحدده السوق، مضيفا “اليوم أبيع بـ 80 دج و غدا ربما بـ 90 دج أو حتى 40 دج لا أحد يعلم، لكن من غير المعقول أن يجبر الفلاح على السباحة عكس التيار أو يُحمل المسؤولية”.و مع تجمع عدد أكبر من الفلاحين حولنا، أخذ النقاش يتوسع أكثر و ترك الجميع عملهم لإبلاغنا بوجهة نظرهم، وهنا تدخل أحد الفلاحين الذي كانت تبدو عليه علامات الانزعاج من تواجدنا و استفسر عن سبب تنقلنا من ولاية قسنطينة بسبب ارتفاع الأسعار ثم قال “في السنوات الماضية لما كانت البطاطا تباع بأثمان بخسة و يتكبد الفلاح خسائر كبيرة وحده لماذا لم يتم تسليط الضوء على ذلك”.
و لما أعلمنا الفلاح أن النصر كانت قد تنقلت السنة الفارطة إلى الوادي و نقلت انشغالات الفلاحين، أجاب أن الأسعار فرضتها السوق و كمية عرض المنتوج مقارنة مع الطلب الكبير، كما قال إن الفلاح يعاني كثيرا من انطلاق الموسم مع الكثير من المشاكل بدء من اقتناء البذور، و الحصول على الأسمدة و هي العملية التي تتم في السوق السوداء، وصولا إلى ندرة اليد العاملة و ارتفاع تكاليف الإنتاج، ما يفرض في النهاية أسعارا مرتفعة، مضيفا أنه لا يريد للمواطن البسيط أو كما أسماه بـ «الوكّال» (من الأكل)، أن يتحمل كافة هذه الأعباء، حيث طالب الدولة بالتحرك لإيجاد حل و تنظيم السوق من البداية.

أسمدة و بذور مغشوشة ترهن الإنتاج

و بعد هذا النقاش الحاد، اقترح علينا أحد الفلاحين التنقل رفقته إلى مزرعته التي تقع ببلدية الرباح على بعد 3 كلم عن أقرب طريق معبدة وسط الكثبان الرملية، و في واحد من أكثر المناطق قساوة و بالضبط بمنطقة تسمى الدبيديبي داخل العرق الشرقي الكبير، تركنا مركبتنا و ركبنا سيارات رباعية الدفع إحداها من نوع «تويوتا ستايشن» ترقيم ولاية ورقلة و أخريين من نوع «نيسان»، حيث شقا بنا الطريق وسط الكثبان الرملية، مع مهارة من السائق و عجلات غير منفوخة بشكل كامل. كانت الرحلة في البداية ممتعة غير أنه و مع توغلنا أكثر داخل الصحراء، اندهشنا للطريقة التي تمكن بها السائقون الثلاثة من حفظ المسارات، خصوصا أنه لا تجود مؤشرات أو علامات تبين الطريق أو حتى مسارات مفتوحة، بل كل ما في الأمر أننا كنا نسير وسط الرمل و نحن شق طريقنا بسرعة لا تزيد عن 40 كيلومترا في الساعة، كما لاحظنا من فترة إلى أخرى تواجد خطوط لنقل الكهرباء قال لنا مرافقنا إنها تعود لبعض الفلاحين الذين ينقلون الكهرباء إلى مزارعهم لوسط الصحراء، كاشفا أن طول هذا الخط 3 كيلومترات تكلف صاحبها ثمن 70 دج للمتر الواحد.و فجأة و من دون مقدمات، لاحت بقعة خضراء وسط الكثبان الرملية، اكتشفنا أنها مزرعة مرافقنا.. ما إن نزلنا حتى علّق أحد مرافقينا «أنظروا ألا يستحق الفلاح اعترافا بالجميل بعد أن استطاع تحويل الرمال إلى جنة خضراء تدرّ الغذاء على الجزائر» مضيفا «هنا نعاني الأمرين و في صمت كبير و لا يكترث بنا أحد..المشاكل لا تحصى و نحن أمام تحديات كبيرة، فالكهرباء بعيدة و لم أجد من حل سوى الاستعانة بمولد يعمل على المازوت، حيث أتكبد عناء نقل خزان مملوء عبر مسالك وعرة كل فترة، فضلا على نقل العمال والكثير من المستلزمات».
 أما عن البذور و الأسمدة والأدوية التي يستعملها طوال الموسم، أجاب محدثنا أنه و رغم الجهود التي تبذلها الدولة في هذا المجال و التسهيلات التي تقدمها، إلا أنها تبقى غير كافية حسبه، حيث يجد نفسه في الكثير من الأحيان مجبرا على اقتناء كميات من السوق السوداء يتبيّن أن بعضها مغشوشة و هو ما يؤثر في الأخير على المردودية، كما أن هناك الكثير من المشاكل التي لا يعلمها أحد إلا الفلاح، فعلى سبيل المثال، لا يمكن، مثلما يضيف، تسجيل مركبات «تويوتا ستايشن» على مستوى ولاية الوادي، رغم أنها الوحيدة القادرة على السير بسهولة وسط الكثبان الرملية  وكل من له مركبة يتكبد عناء التنقل إلى ولاية ورقلة لتسجيلها، لأنها ممنوعة «بحجة أنها تستعمل في التهريب».

فلاحون يتّهربون من تقديم الإجابات!

غادرنا المنطقة و حاولنا ربط اتصالات بفلاحين آخرين على مستوى منطقة ورماس التي تبعد عن بلدية وادي سوف بحوالي 10 كلم و تعد خزانا للبطاطا، قصدناها في اليوم الموالي و اقتربنا من فلاح وجدناه رفقة عدد من الشباب، الذين كانوا يقومون بجمع حبات بطاطا يقتلعها الجرار ضمن المرحلة الأخيرة لهذا المنتج. لم يكن عملنا سهلا، فقد حاول الفلاح ثنينا عن مواصلة العمل بحجة أنه أنهى عمله ولا يوجد لنا ما نقوم به، غير أن إصرارنا وضعه تحت الأمر الواقع،  وقد لاحظنا أن العمال كانوا يجمعون كميات هامة لا تزال تحت الأرض بحضور المشتري المنحدر من بلدية العلمة بولاية سطيف، حيث كان يحاول في كل مرة مراقبة النوعية و رمي الحبات التالفة أو خضراء اللون، و همس لنا “اشتريت بطاطا من الدرجة الثانية بـ 75 دج وأنا لست راضيا”.غادرنا المنطقة و اتجهنا صوب بلدية مقرن التي تعد مصدرا لإنتاج الطماطم بولاية وادي سوف وقطبها الأول، كانت كل المؤشرات توحي بأن التوغل بالمنطقة ليس بالأمر السهل خصوصا مع ارتفاع الأسعار و بلوغها أرقاما غير مسبوقة، و قد وجدنا عددا من التجار من عدة ولايات بالجهة الشرقية يركنون شاحناتهم الفارغة، موضحين أنهم لم يتمكنوا من اقتناء البطاطا بسبب أسعارها المرتفعة بعد أن لامست 120 دج للكيلوغرام الواحد، حيث أبدوا تخوفهم من أن تتلف دون تمكنهم من بيعها، مفضلين عدم المخاطرة، و قد حاول أحد التجار التوسط لنا للقاء أحد الفلاحين المعروفين بهذا النشاط و يملك أكثر من 50 بيتا بلاستيكيا، و عند اتصاله به اعتذر الفلاح و طلب منا عدم التنقل إلى الحقل.لم نتوقف عند هذه النقطة بل حاولنا الوصول إلى الحقول القريبة من أجل معرفة ما يحدث، حيث توجهنا لبعض تلك الواقعة على طرفي الطريق الوطني رقم 48، غير أن كل محاولاتنا باءت بالفشل بعد أن رفض جميع الفلاحين الحديث إلينا متذرعين بالكثير من الحجج بينها انتهاء المحصول، أو عدم وجود المالك، أو بأنهم فلاحون صغار لا يمكن لهم أن يعطونا نظرة شاملة عن واقع زراعة هذه المادة، غير أننا لمسنا انزعاج بعضهم من تواجدنا، سيما وأن عددا من العمال أسروا لنا بأن هناك كميات لا بأس بها لا تزال لم تجن بعد، حتى يحافظ أصحابها على ارتفاع الأسعار. و بالمقابل، استقبلنا فلاح بالقرب من منزله بمنطقة ورماس، أين صرح لنا أنه و خلال الموسم الحالي، قام بتغيير نشاطه، فبعد أن دأب على زراعة البطاطا و الطماطم خلال المواسم الماضية، انصرف هذه السنة لإنتاج القمح بسبب قلة التكاليف و أوضح أنه لم يزرع سوى حقلين فقط من كل ما يملك بالبطاطا، وذلك بسبب تخوفه المسبق من إمكانية الوقوع في خسائر كبيرة على غرار الثلاث سنوات الفارطة، مضيفا أنه عينة من عدد كبير من الفلاحين بالمنطقة الذين يعانون، حسبه، في صمت، كما كشف لنا أن له قريب يملك حوالي 250 حقلا وسط الصحراء لم يستطع هذه السنة زراعة أي منها، لأنه لم يجد السيولة الكافية لمباشرة العمل.

رئيس غرفة الفلاحة بولاية الوادي بكار غمام حامد
خســائر الفـلاحيـن و انحســار المســاحــة الـمزروعـــة وراء ارتفــاع الأسعـــار
أكد رئيس غرفة الفلاحة بولاية الوادي و الرئيس بالنيابة للمجلس الوطني المشترك بين المهن لشعبة البطاطا السيد بكار غمام حامد، أن صعوبة تسويق المنتجات الفلاحية و تقلص المساحة المزروعة بسبب الخسائر التي تكبدها الفلاح في المواسم الفارطة، إلى جانب ارتفاع تكاليف اقتناء البذور و الأسمدة، و ندرة اليد العاملة في المجال الفلاحي، كلها عوامل أدت إلى الارتفاع المسجل حاليا في الأسعار، التي دعا إلى تسقيفها في حوار مع النصر.
النصر: كيف تقيمون حصيلة الموسم الفلاحي، خاصة ما تعلق بإنتاج البطاطا والطماطم لهذه السنة والعام الماضي؟
كما يعلم الجميع فقد أصبحت ولاية الوادي تساهم بنسبة كبيرة من الإنتاج الوطني في شعبتي البطاطا و الطماطم، و ذلك راجع إلى الإمكانات الكبيرة التي تتمتع بها، و حجم المساحة المزروعة، فبالعودة إلى الموسم الفارط الذي شكل طفرة في جميع المنتجات، استطاع الفلاح بولاية الوادي تجاوز كامل الصعوبات، و ذلك من خلال إنتاج ما يقارب 40 في المئة من المنتوج الوطني في فترة خمسة أشهر، بما يزيد عن 8 مليون قنطار من البطاطا الصيفية على مساحة إجمالية قدرها 25 ألف هكتار، أضف إلى ذلك حوالي 4 مليون قنطار بطاطا موسمية في فصل الشتاء.
و استطعنا خلال الموسم المنصرم بلوغ مردودية تراوحت بين 250 إلى 300 قنطار في الهكتار الواحد، و هو رقم مرتفع جدا مقارنة مع باقي الولايات و مكن من وصول البطاطا إلى المستهلك بأثمان منخفضة جدا لم تتجاوز في أسوء الأحوال 35 دج عبر كامل التراب الوطني، بالإضافة إلى ما تنتجه ولايات أخرى على غرار مستغانم، عين الدفلى و المدية، أما خلال الموسم الحالي فقد سجلنا تراجعا نسبيا في المساحة المزروعة من البطاطا المتأخرة قُدّر بحوالي 5 آلاف هكتار.كما عرفت مردودية المساحة المزروعة هذا الموسم انخفاضا كبيرا قارب 50 في المئة عن الموسم الفارط، حيث لم تتعد قدرة إنتاج الرقعة الواحدة 200 قنطار بعد أن كانت تلامس 400 قنطار في صيف 2016، و هو ما يمكن لك أن تتأكد منه على أرض الميدان، و هذا ناتج عن التخوف الكبير الذي عاشه الفلاحون، أضف إلى ذلك الكثير من العوامل الأخرى التي تزيد من تضاعف تكلفة الإنتاج و تعود بالسلب على كمية المحصول و سعره في السوق، حيث سجلنا تزايدا في الأسعار منذ بداية الموسم إلى غاية اليوم.
هل ترى أنه من العادل أن يبيع الفلاح 1 كلغ من البطاطا بـ 80 دج؟
بالطبع لا، فلا أحد يريد أن تباع البطاطا بهذا الثمن خصوصا أنها مادة أساسية و أول طبق يستهلكه المواطن الجزائري، إذ أن الإحصاءات تبين أن متوسط استهلاك الفرد للبطاطا سنويا بلغ 120 كلغ، و شخصيا أرى أن السعر العادل بين 30 إلى 50 دج كأقصى حد، و حتى نكون موضوعيين يمكن للفلاح أن يبيع الكيلوغرام من البطاطا بـ 40 كلغ طوال العام، من خلال تضافر جهود جميع الأطراف المتدخلة في إنتاج هذه المادة.

في هذا الموسم انطلق البيع بسعر بين 30 إلى 35 دج، و استمر كذلك لمدة طويلة، غير أنه و مع اقتراب نهاية الموسم، أخذت الأسعار في الارتفاع أكثر فأكثر، و ذلك راجع إلى نقص المردودية، لتلامس 80 دج اليوم (الحوار أجري يوم الثلاثاء 28 مارس)، و شخصيا أعتقد أن الارتفاع سيتواصل أكثر إلى غاية انطلاق موسم القلع بولاية مستغانم، رغم هذا يمكن أن أقول لك أن معدل الإنتاج للبطاطا بولاية الوادي بلغ حوالي 9 آلاف طن يوميا توزع على جميع ولايات الوطن.
و بالعودة إلى أسباب ارتفاع الأسعار، يجب أن نسلط الضوء على بعض ما يعانيه الفلاح، فهو ينتج في ظل تخوفه من الخسارة، و لا يخفى على أحد أن الفلاحين عانوا في المواسم الثلاثة الماضية من خسائر كبيرة، ما جعل البعض يهجر الأرض أو يتحول إلى زراعات أخرى أقل تكلفة مثل القمح، إلى جانب نقص اليد العاملة و تكلفتها الكبيرة، حيث أننا في الوادي نعتمد بشكل كبير على العنصر البشري خلال عملية الإنتاج، ما أدى إلى ارتفاع المطالب المالية للعمال، فقلع كيلوغرام واحد للبطاطا و وضعه على متن الشاحنة يكلف حوالي 5 دنانير و هذا رقم مرتفع جدا يزيد من التكلفة ليعود سلبا على الثمن النهائي للمنتوج.
الطماطم أيضا تُباع بأسعار خيالية في سوق التجزئة، ما سبب هذا الارتفاع و الندرة؟
في العام الفارط شكّل إنتاج مادة الطماطم على مستوى ولاية الوادي طفرة كبيرة، و قد تمكنا من إنتاج كميات غير مسبوقة تفوق احتياجنا، حيث بيع الكيلوغرام الواحد منها بـ 5 دنانير، كما رميت أطنان بعدما لم يجد الفلاحون من يقتنيها منهم، و حتى مصانع الصناعات الغذائية القليلة المنتشرة عبر الوطن، أعلنت أنها اشترت ما يفوق حاجتها، و مُلئت كامل المخازن، لذلك كان الإنتاج هذه السنة قليل جدا بعد أن عزف عشرات الفلاحين عن زراعتها.
و بلغة الأرقام، سجلنا السنة الماضية زرع حوالي 2500 هكتار بالطماطم، بمردودية بلغت 300 قنطار في الهكتار، قبل أن تتقلص المساحة المزروعة هذه السنة إلى حوالي 700 هكتار فقط، و كل هذا راجع إلى تخوف الفلاحين من تكبد خسائر كبيرة، سيما و أن تكلفة الإنتاج بولاية الوادي مرتفعة بسبب اتباع تقنيات معقدة و أدوية خاصة، على عكس ما هو مسجل بولايات أخرى مثل الطارف و قالمة والتي لا تتعدى تكلفة الكيلوغرام الواحد بها 12 دج، أضف إلى ذلك عدم وجود مصانع للتحويل الغذائي بشكل كافي متعاقدة مع الفلاحين، كما أن نهاية مارس تعتبر فترة لانخفاض الإنتاج، في انتظار انطلاق عملية جني الطماطم المبكرة بولاية بسكرة و التي تعتبر مفصلية لكسر الأسعار و إعادة الاستقرار للسوق.
في السنة الفارطة تكبد الفلاحون خسائر بلغت 100 في المئة من تكلفة الإنتاج، و هو ما جعلهم يعزفون عن الزراعة هذا الموسم، و هو أمر توقعه الكثيرون سيما و أن ثمن الطماطم في بداية موسم الجني تراوح بين 40 إلى 60 دج في نوفمبر الفارط، و أخذ المؤشر في الارتفاع إلى غاية بلوغه أرقاما كبيرة لامست سقف 140 دج بسوق الجملة.
برأيكم، ما هو الحل للخروج من هذه الأزمة و عدم تكرارها خلال السنوات القادمة؟
في الحقيقة يجب أن تضع الوصاية مخططا يساعد على استقرار السوق و تسقيف الأسعار، و مرافقة الفلاح و مساعدته في المجال التقني، فضلا على أنه من الضروري أن تساهم المعاهد و المزارع النموذجية في تطوير الفلاحة بشكل أكبر، إلى جانب مواصلة الدعم الذي يستفيد منه الفلاح و رفعه، و ذلك ما سيساعد على التقليل من التكاليف التي يتحملها الفلاح و بالتالي الحفاظ على القدرة الشرائية للمستهلك.
كما أنه يجب أن تكون لدينا ثقافة التصدير و مساعدة الفلاحين على الاندماج في تعاونيات كبيرة، و إبرام اتفاقيات مع دول أجنبية لبيع الفائض في الإنتاج، لقد كانت لدينا تجربة محدودة السنة الفارطة أين قمنا بتصدير حوالي 2500 طن من البطاطا بينها 2100 طن تم إنتاجها بولاية الوادي، و 400 طن من ولاية مستغانم صُدرت نحو دول الخليج، كقطر و الإمارات، إلى جانب دول اسبانيا و روسيا و السنغال و سيراليون و تونس.
زيادة على ذلك، يجب الرفع من قدرات التخزين لامتصاص الفائض و استعماله في أوقات الندرة لتوفير كميات تتناسب و الطلب في السوق، فعلى سبيل المثال بولاية الوادي لا تتعدى إمكانية التخزين 5 في المئة من القدرات الإنتاجية. و بالمقابل يجب أن ننوه بالدعم الذي قدمته الدولة للفلاح سيما ما تعلق بالعقار الفلاحي، خصوصا على مستوى الولايات الجنوبية، و هو ما مكن من رفع القدرات الإنتاجية لمادة البطاطا من مليون و 300 ألف طن على المستوى الوطني سنة 2007، إلى 5 مليون طن في 2016.
و ماذا عن الثوم الذي بلغ سعره هذا العام أسعارا غير مقبولة؟
تمكن فلاحو ولاية الودي من المساهمة في إعادة الاستقرار لأسعار مادة الثوم خلال الأيام الماضية، بعد أن بلغت أرقاما خيالية تجاوزت 1500 دج للكيلوغرام، حيث تعتبر ولايتنا من الولايات الرائدة في مثل هذه الزراعات إلى جانب بلدية تلاغمة بولاية ميلة، و بالنظر إلى أن الوادي تتميز عن باقي الولايات بأفضلية الجني المبكر، نقوم حاليا بضخ جرعات من الثوم بمعدل 30 شاحنة ذات حمولة 100 قنطار يوميا توزع على كامل ولايات الوطن، و مع تواصل عملية الجني و دخولها مرحلة الذروة خلال شهر أفريل القادم، أستطيع أن أقول أنه لن يكون هنالك مشكلة اسمها ارتفاع أسعار الثوم، بل ستعرف انخفاضا أكبر.
 

روبورتاج: عبد الله بودبابة/تصوير: شريف قليب

الرجوع إلى الأعلى