بوسعادة مدينة الضوء و واحة السينما تترقب ترقيتها إلى مدينة إنتاجية
لا تزال بوسعادة المدينة التي ترتبط في مخيلة الجزائري بالصحراء و البادية، و لا تختلف في رمزيتها عن رمزية الغرب الأمريكي،  تحتفظ بتلك الصورة التي روجت لها أفلام خالدة كالطاكسي المخفي و رحلة المفتش الطاهر، بالإضافة إلى أفلام عالمية اختار مخرجوها مدينة السعادة لتصويرها فيها، فهي و إلى غاية اليوم لا تزال واحة واسعة يخطف ضوؤها القلوب و ينتظر الكاميرات، تحضرك وأنت تتجول بين معالمها الأبرز ، على غرار مطحنة فيريرو و واحة العليق أطياف المبدعين و أصوات المخرجين، فتصور ديكورات مختلفة لأفلام عديدة و تعيد تمثيل بعض المشاهد في مخيلتك ، فيتبادر إلى ذهنك سؤال ملح، هل يتحقق الوعد يوما و تحمل واحة المتوسط لقب المدينة السينمائية؟.


مشروع المدينة السينمائية صورة ضبابية المعالم

 

الجواب عن السؤال، حسب مثقفي المنطقة، يبقى رهينة إرادة حقيقية من قبل المسؤولين على قطاع الثقافة في الجزائر، خصوصا وأن مشروعا مماثلا ذو نجاعة اقتصادية و سياحية كبيرة للمنطقة و للقطاع عموما، كما عبر  مدير الثقافة بولاية المسيلة محمد الشريف بوهالي، مشيرا إلى أن مشروع المدينة السينمائية ببوسعادة الذي سبق وأن أعلن عنه وزير الثقافة عز الدين ميهوبي، لا يزال مجرد وعد أو فكرة ، لكن إلى غاية الآن لا توجد أية مساع ميدانية لتفعيل الفكرة، في ظل عدم اقتراح الجهات الرسمية لأي خطة عمل أو دراسة خاصة بتجسيد المشروع.
المسؤول أشار من ناحية ثانية، إلى أنه لم يتم لحد الآن الإعلام عن أي غلاف مالي قد يوجه لانجاز المدينة السينمائية، مضيفا بأنه قد يكون مشروعا على المدى المتوسط أو البعيد، يتوقع أن يعيد إلى بوسعادة أمجادها، باعتبارها واحة السينما المتوسطية، كيف لا وهي التي احتضنت العديد من الأعمال الهامة و كانت دائما روضة لكبار الفنانين، سواء التشكيليين أو السينمائيين.

1923بوسعادة و السينما العالمية قصة ولدت سنة

بداية السينما في بوسعادة لم تكن حديثة العهد، بل تمتد إلى عشرينيات القرن الماضي وتحديدا عام 1923 الذي شهد تصوير أول عمل سينمائي في هذه المدينة التي وصفها مخرجون كبار بأنها أستوديو طبيعي ، الفيلم الأول الذي صور بالمنطقة، حسب رئيس لجنة الثقافة ببلدية بوسعادة و أحد أهم مثقفي المدينة و باحثيها، من نوع المغامرات عنوانه « أمي كوليبري» و هو فيلم صامت من إخراج ماركو دو جاستين، بطولة جاستون مودو، شورا ميلينا،و قد عرض في فرنسا سنة 1930،  و في نفس السنة تم إنجاز وثائقي مدته7 دقائق حول مدينة الواحات عنوانه « أفق الجنوب»وهو إنتاج فرنسي أخرجه ريني مورو.
وفي عام 1934 صور فيلم «تارتاران دو تاراسون»و مدته  95 دقيقة،  من بطولة ريمو، فرناند شاربان و إخراج ريموند برنار، وفي سنة 1948 صورت مشاهد من الفيلم الإيطالي الفرنسي المشترك» شمشون ودليلة» لمخرجه س/ب دوميل، كما كان الإنجليز حاضرين في مدينة الواحات من خلال فيلم «جنوب الجزائر مغامرات» من إخراج جاك لي بطولة‮ ‬شارلز‮ ‬جولدن،‮ ‬إريك‮ ‬بورتمان‮ ‬الذي‮ ‬صور‮ ‬ببوسعادة‮ ‬عام‮ ‬1953 .‬


أما فيلم «عنترة البطل» لمخرجه انطونيورما رغوريتي فصور سنة 1964، و بعد ذلك بسنتين صور فيلم الوستيرن  الإيطالي الشهير « ثلاث بنادق ضد القيصر»، للمخرج أنزو بيري ،بالاشتراك مع المخرج الجزائري موسى حداد. أما في سنة 1986 ، فقد اختار المخرج الفرنسي فيليب فوكون بوسعادة ليصور فيلمه « الخيانة».
معلومة أخرى يجهلها الكثيرون  وهي أن المخرج السوري الكبير مصطفى العقاد، كان سيصور الفيلم الإسلامي الشهير»الرسالة» بمدينة بوسعادة كما صرح لمجلة «نصف الدنيا « في العدد 10 الصادر في  ديسمبر عام 1994، تحت عنوان» مصطفى العقاد يخص نصف الدنيا بحوار: «أعجبتني مدينة بوسعادة ووددت التصوير فيها» ،ومما ذكره العقاد في صلب الحوار «... عندما كان فيلم الرسالة في طور المشروع زرت الجزائر بصدد اختيار أماكن التصوير، وتجولت في منطقة بوسعادة وأعجبتني المناظر..»، لكن الفكرة لم يكتب لها النجاح وحول العمل، كما هو معروف إلى ليبيا. جزء كبير أيضا من النسخة الهوليوودية الأولى للفيلم الشهير « طرزان» صورت في بوسعادة، كما صورت أهم مشاهد الفيلم الأمريكي  «تاجر العبيد» أيضا على أراضيها.
و أخبرنا سعيد حبيشي ، بأن السر وراء إقبال المخرجين العالميين على بوسعادة هو كونها مدينة تتميز بإنارة طبيعية مناسبة، تغنيهم عن العديد من التجهيزات، كما أن الضوء في هذه المدينة مناسب للتصوير في كل الأوقات، إذ أن البادية الواسعة لا تطرح مشكل انكساره، فضلا عن ذلك فإن بوسعادة تعد أقرب واحة إلى البحر الأبيض المتوسط، و لذلك أحبها الأوروبيون ووجدوا فيها بديلا لمدن أقصى الصحراء، فبالإضافة إلى مناخها المناسب، تعد تكلفة الإنتاج في هذه المنطقة أقل، كما أن سكان المدينة يتميزون بطيبتهم و انفتاحهم الكبير على الآخر، فضلا عن أنهم اعتادوا خلال السنوات الماضية على الكاميرات و أصبح التعامل معها أمرا عاديا بالنسبة إليهم، حتى و لو تعلق الأمر بأداء أدوار كومبارس، ولهذا فإن المخرجين يجدون فيها البيئة المناسبة للعمل.

من هنا مر المفتش الطاهر و «التاكسي المخفي» و افتك العرب سعفتهم الذهبية الوحيدة

لعل أشهر فيلمين عرفوا الجزائريين ببوسعادة و كونوا لديهم صورة خاصة حول هذه المدينة، هما «رحلة المفتش الطاهر»، و «التاكسي المخفي» للمخرج بن عمر بختي 1990، فقد صورت مشاهد منهما  في المنطقة و بقيت عالقة في ذاكرة كل من شاهد العملين، و ظلت بذلك بوسعادة تلك المدينة المختلفة ذات الخصوصية التي تشبه  كثيرا الغرب الأمريكي.
المدينة عرفت أيضا  تصوير عدة أعمال سينمائية وطنية، فسجل المخرج العالمي لخضر حامينة حضوره من خلال فيلمين هما «ديسمبر» و»وقائع سنوات الجمر» الحائز على السعفة الذهبية  الوحيدة التي أحرزها العرب في مهرجان كان السينمائي، بالإضافة إلى فيلم «الصورة الأخيرة « لحامينة الذي صور عام 1986.
وصورت بالمنطقة أيضا مشاهد من أفلام «ريح الجنوب»، «الطاكسي المخفي»، «عطلة المفتش الطاهر»، بالإضافة إلى مسلسل «السيلان» لمخرجه أحمد راشدي عام 1986، و»أشواك المدينة» لعلي عيساوي من بطولة حكيم دكار الذي تم تصويره في بوسعادة في ديسمبر2012 و القائمة طويلة، آخرها مشاهد من فيلم يجسد شخصية الشهيد كريم بلقاسم للمخرج أحمد راشدي.

السيناريست عيسى شريط


مشروع المدينة السينمائية يعود إلى سنوات الاستعمار
خلال تواجدنا في مدينة بوسعادة ، حاولنا اقتفاء أثر بعض مواقع التصوير الشهيرة التي لا تزال تحتفظ بأطياف المبدعين من مخرجين و ممثلين محليين و عالميين، وقد علمنا بأن أكثر مناطق الجذب السينمائي هي منطقتي العليق و مطحنة فيريرو، بالإضافة إلى فندق القايد، أين صورت مشاهد من فيلم «رحلة المفتش الطاهر»، قصدنا المكانين الأولين، لكن خيبة أملنا كانت كبيرة فالإهمال طال المدينة بكل معالمها و وضعية الوادي انعكست سلبا على كل شىء، لم نجد أثرا لما كنا نبتغي رؤيته في منطقة العليق، أما المطحنة الشهيرة ، أين صورت مشاهد من فيلم «شمشون ودليلة» ،فقد اختفت ولم يبق منها سوى اسم وقصة.
وحسب ابن المنطقة السيناريست عيسى شريط، فإن المكان فقد الكثير من خصوصيته، و مشروع المدينة السينمائية أصبح يبدو بعيدا نوعا ما ويتطلب تجسيده إرادة حقيقية، هذا المشروع الذي أكد بشأنه، بأنه ليس وليد الأمس، بل هو امتداد لفكرة سبق للمستعمر الفرنسي أن طرحها، فقد كان الفرنسيون، حسبه،  يرغبون في إنشاء قرية سينمائية بطريق العليق، ونفس الفكرة كانت أمريكا تريد تجسيدها كملحقة لهوليوود، على غرار تلك الموجودة بمنطقة الورزازات المغربية، لكن المشروع لم ير النور، فلو أنه أنجز خلال السنوات الأولى للاستقلال، لكانت الجزائر تتوفر الآن على صناعة سينمائية حقيقية.
أما عن علاقة المخرجين ببوسعادة، يقول الكاتب بأنها علاقة إبداع أنجبها الضوء و غذتها الطبيعة العذراء ، كما أن طبيعة البوسعاديين و انفتاحهم ساهمت في تسهيل عمل المبدعين، فالمنطقة باعتبارها كانت خارج نطاق المشروع الاستعماري، حافظت نوعا ما على خصوصيتها و ثقافتها، واكتشافها في تلك الفترة ، لم يتم إلا على يد الفنانين و الرحالة.
اليوم فقدت بوسعادة الكثير من سحرها السينمائي، رغم أنها لا تزال تستقطب بعض المبدعين، لكن نقص هياكل الاستقبال و العرض و الضرر الذي لحق بالواحة و محيطها ، أثرا نوعا ما على الوجه العام للمدينة التي لا تفتقر لدار سينما، أو أوبيرا أو مسرح، لكنها مع ذلك لاتزال تحتفظ بضوئها المنير منتظرة التفاتة حقيقية من قبل مسؤولي الثقافة و صناع السينما.  

روبورتاج: نورالهدى طابي/شريف قليب

الرجوع إلى الأعلى