فلاحـون يـقتلــعون أشجــار الـمشمش و يـستبدلونهـا بالزيتـون

حذر فلاحون بولاية باتنة  من زوال  زراعة المشمش بعد أن أتى الجفاف على ما تبقى من عزيمة لإنتاج هذه الفاكهة التي أصبحت تشتهر بها عاصمة الأوراس ومنطقة نقاوس تحديدا، عدد معتبر من الفلاحين اقتلعوا الأشجار وعوضوها بزراعة الزيتون وزراعات اخرى، فيما يكابد آخرون معاناة إنقاذ موسم يوصف بالفاشل.
روبورتاج وتصوير: يـاسين عبوبو
التقديرات الرسمية تتحدث عن تراجع في الإنتاج بخمسين ألف قنطار لكن نوعية الثمار بعدد من المناطق زادت في دائرة التشاؤم ودفعت بمنتجين إلى بيع ما تم جنيه  لوحدات التحويل تخوفا من تلفه. الزراعة بالمنطقة محاصرة من كل الجهات ولا يعد الجفاف العامل السلبي الوحيد فنقص العمالة، يعرض المشمش إلى التلف حتى قبل جنيه، وكلها عوامل تصب في اتجاه القضاء على زراعة صنعت شهرة المنطقة وكانت من عوامل استقرار الفلاحين وتمسكهم بالأرض.
 برنامج الري الفلاحي ينقذ الموسم جزئيا
أكد منتجون ، التقيناهم في تحقيق عبر ست  بلديات بالجهة الجنوبية الغربية لولاية باتنة، التي تشتهر بإنتاجها للمشمش تراجع المنتوج هذا الموسم، مقارنة بالمواسم الماضية، وهو ما أكدته لنا أيضا رئيسة مصلحة تنظيم الإنتاج والإسناد التقني على مستوى مديرية المصالح الفلاحية، والتي أوضحت، بأن توقعات إنتاج هذا الموسم تقدر بـ236.573 قنطارا بمعدل إنتاج  يقدر بـ 25 قنطارا في الهكتار، وهو ما يعني تراجعا بأزيد من خمسين ألف قنطار مقارنة بالموسم الفلاحي الماضي حيث قدر الإنتاج الإجمالي بـ293.985 قنطارا.
وتحصي المصالح الفلاحية لولاية باتنة، مساحة إجمالية لأشجار المشمش تقدر بـ4343 هكتارا، منها 4265 هكتارا مساحة منتجة، وعلى الرغم من شساعة المساحة الموزعة خصوصا عبر بلديات المحيطات الفلاحية لنقاوس بالجهة الغربية، وبالبلديات الجبلية بالجهة الشرقية، إلا أن الفلاحين منتجي المشمش يحذرون من تلاشي  هذه الشعبة الفلاحية،  نظرا لتراكم عدة عوامل لا تشجع على الاهتمام بمواصلة إنتاج الفاكهة  ، أبرزها الجفاف وانعدام المورد المائي، فحتى الأشجار المثمرة التي أعطت ثمارا هذا الموسم، كانت قد استفادت من برامج الري الفلاحي حسبما أكدته المصالح الفلاحية، في حين أن المساحات التي تعتمد على الأمطار والتي جفت مصادر سقيها لم تنتج هذا الموسم.
وتتباين المشاكل والمعوقات التي يواجهها المنتجون ، بتباين مناطق الإنتاج وكذا بتباين أنواع المشمش الموجه للاستهلاك المباشر أو الموجه للتحويل، فالمنتجون  إما أن يقعوا في صعوبة التسويق في المواسم التي يكون فيها الإنتاج وفيرا، فتجدهم يبيعونه بأبخس الأثمان أو يضطرون في أحيان أخرى إلى رميه، وإما يتكبدون خسائر بفعل تراجع المردود مثلما حدث في الموسم الحالي.
الإنتاج يتراجع بـ50 ألف قنطار
على غرار تراجع منتوج المشمش هذا الموسم بمناطق الأوراس، فقد تراجعت معه أيضا نوعية المنتوج الذي تم جنيه، وهو ما لفت انتباهنا خلال جولة استطلاعية لمحيطات الجهة الغربية من تيفران بسفيان إلى بومقر ونقاوس، فالشيحات والشعبة وتابقارت بأولاد سي سليمان، وتينيباوين بتاكسلانت، وكانت أول نقطة في جولتنا  انطلاقا من  باتنة،  هي تيفران ببلدية سفيان التي تشتهر بإنتاجها للمشمش وقد تحولت إلى قطب فلاحي لا يقتصر على المشمش وإنما تعداه إلى الزيتون ومختلف الخضراوات.
وقد دفع تراجع المورد المائي والتخوف في كل مرة من هاجس التسويق ، الكثير من المنتجين، إلى توجيه اهتمامهم نحو غرس الزيتون بدل الاكتفاء بالمشمش، بل وحتى أن بعضهم لجأ إلى اقتلاع أشجار المشمش وتعويضه بالزيتون، مثلما أكده لنا العم بلقاسم رقاعة أحد المستثمرين بالمنطقة، وهو أحد أعضاء جمعية الإصلاح والإرشاد الفلاحي ،والذي أوضح بأن الفلاح هدفه الربح الاقتصادي ما جعله يتحاشى تدريجيا الاعتماد على أشجار المشمش بعد أن وجد الربح الاقتصادي في الزيتون والخضراوات. المستثمر بلقاسم رقاعة الذي هو ابن منطقة تيفران الفلاحية، والتي يعرفها جيدا، روى لنا كيفية توجه الفلاحين بمنطقة تيفران وسفيان اللتان تضمان أزيد من 1300 فلاح، نحو غرس أشجار الزيتون، مشيرا أولا إلى   منطقة سفيان ككل بها  40 ألف شجرة مثمرة منها 30 ألف من المشمش و10 آلاف من الزيتون،  وفسر    التوجه نحو غرس الزيتون والتخلي عن المشمش،   بتراجع منسوب المياه من جهة، واعتماد الفلاحين على نظام التناوب من منبع رأس العين، الذي لم يعد يكفي لسقي كافة المساحات الفلاحية بالإضافة إلى هاجس التسويق الذي يتخوف منه الفلاحون كل موسم.وعلى عكس المشمش ، الذي يتطلب المياه، يضيف محدثثنا،  فإن الزيتون من خصائصه عدم تطلب كميات كبيرة من المياه للسقي، ومنتوجه غير معرض للكساد ويمكن تخزينه،وكلها عوامل تصب في فائدة الفلاح، وجعلت البعض يتخلص من أشجار المشمش المسنة وتعويضها بأشجار الزيتون، ويذهب الفلاح بلقاسم رقاعة إلى الجذور التاريخية لأشجار الزيتون بسفيان، التي قال بأنها كانت تتواجد منذ عهد الرومان بالمنطقة، وليست بالجديدة، عكس أشجار المشمش التي لم تعرفها المنطقة إلا حديثا بعد الحرب العالمية الثانية حسب محدثنا.

مصانع التحويل لتفادي الإفلاس
خلال تنقلنا عبر عدة بلديات من الجهة الجنوبية الغربية لولاية باتنة، المعروفة بإنتاجها للمشمش، وقفنا على نفاد المنتوج في بعض المناطق بصفة نهائية، مثلما هو الحال بتيفران بمنطقة سفيان، حيث أوضح لنا فلاحون التقيناهم بأن المنطقة تعد من أول الجهات التي ينضج فيها المشمش، غير أنهم أوعزوا سبب نفاده إلى قلته هذه السنة، وتحدث منتجون عن تعدد الأسباب، وراء  منتوج الموسم ناهيك عن الجفاف الذي يعد العامل الرئيسي، حيث أوضح عبد الحكيم الذي يشتغل في إحدى المستثمرات الفلاحية، بأن الأشجار خلال الموسم الحالي تضررت بفعل الجليد الذي تسبب في تساقط الأزهار المثمرة.
ونحن نواصل جولتنا عبر البلديات المنتجة للمشمش، كان برفقتنا الفلاح عبد الحكيم، وكانت وجهتنا تينيباوين ببلدية تاكسلانت، ولم يختلف الحال عن بلدية سفيان بالنسبة لما جاورها بمنطقة بومقر، غير أنه وأثناء مواصلتنا للسير بالمركبة باتجاه نقاوس تغير الأمر حيث لاحظنا بساتين لم يتم جني المشمش منها بعد، كما يتراءى للأعين كميات من المشمش معبأة  في صناديق كانت كلها متشابهة ذات لون برتقالي، وهو ما شاهدناه على حواف الطرق بجانب مستودعات لتخزين المشمش من نقاوس إلى غاية تينيباوين مرورا بالشيحات والشعبة بأولاد سي سليمان.
 وأوضح لنا مرافقنا الفلاح عبد الحكيم بوضياف، بأن تلك الكميات المعروضة بجانب مستودعات التخزين،  وضعها في صناديق برتقالية اللون، يعني بأنها موجهة للتحويل الصناعي لفائدة إحدى الوحدات التي تقوم بتوزيع على عاتقها تلك الصناديق، وأكد لنا مرافقنا بأن النوعية هذه السنة، لم تكن جيدة ما حتم على المنتجين بيعها لأصحاب الوحدات الصناعية.
 وفي ذات السياق، أشار محدثنا، بأن المشمش المتساقط من الأشجار الذي يتم بيعه للوحدات الصناعية تراوح سعر الكيلوغرام الذي بيع به بين 35 و37 دج، في حين تراوح سعر الكيلوغرام من المشمش ذو النوعية الجيدة والمتوسطة بين 40 و50 دينار، واعتبر حكيم بأن السعر الذي بيع به هذا الموسم، معقول مقارنة بمواسم كان يكثر فيها الإنتاج ويضطر المنتجون لبيعه بأثمان بخسة بلغت حد عشرة دنانير.           
سفيان... قطب فلاحي بامتياز
كثيرا ما يقترن على الألسن إنتاج المشمش على نقاوس في ولاية باتنة، وهذا بالنسبة لمن لا يعرف المنطقة، لكن في واقع الأمر، فإن إنتاجه لا يقتصر على نقاوس تحديدا فحسب، وإنما على المحيطات الفلاحية المجاورة التي تقدم إنتاجا وفيرا بالإضافة لما تنتجه البلديات الجبلية، التي يلائم مناخها إنتاج أجود وأحسن أنواع المشمش وطينا.
ومن بين المحيطات الفلاحية المجاورة لنقاوس، منطقة سفيان التي يصفها الفلاح بلقاسم رقاعة، بكاليفورينا الجزائر التي باتت تنتج من مختلف الخيرات حتى الموسمية، منها كالبطيخ بمختلف أنواعه التي كان يقتصر إنتاجها إما على الولايات الساحلية أو مناطق الصحراء، ويُرجع العم بلقاسم رقاعة توفر مختلف المنتجات الفلاحية بالمنطقة إلى التغيرات المناخية وتتمتع تيفران بمناخ التل والصحراء، وتضم منطقة سفيان لوحدها أزيد من أربعين ألف شجرة مثمرة.  
وأثناء تواجدنا بمنطقة تيفران بإقليم بلدية سفيان، وقفنا على مساحات شاسعة خصصها الفلاحون لإنتاج مختلف المنتجات، من بطيخ بمختلف أنواعه وأشكاله، وطماطم وبصل وبطاطا، وخيار، وكوسة، وثوم، والخس، فضلا عن المساحات الشاسعة الخاصة بأشجار المشمش والزيتون وغيرها من الأشجار المثمرة، كالخوخ والتين، والكرز، والتفاح والإيجاص، فالأرض بتيفران حسب الفلاحين عبد الحكيم ورابح وأحمد وسليمان الذين التقينا بهم تنتج كل شيء وما هي بحاجة   إلا لسواعد   تحييها.

سواعد لا تكل وعيون لا تنام لجني المحصول
يصطدم الفلاحون منتجو المشمش كلما حلَ موسم جني الثمار، بقلة اليد العاملة خاصة وأن محصول المشمش معرض بسرعة إلى الكساد، نظرا لطبيعته ما يكبد منتجين خسائر خلال حملة الجني، وعلى الرغم من صعوبة إيجاد اليد العاملة إلا أنه على النقيض من ذلك، توجد سواعد حديدية تكد وتعمل آناء الليل و أطراف النهار وعلى مدار الفصول الأربعة في الفلاحة. ومن بين السواعد التي التقيناها خلال تواجدنا بتيفران، الشاب عبد الحكيم بوضياف صاحب 42 ربيعا، والذي تربى منذ طفولته على حب العمل الفلاحي الذي ورثه من والده مثلما يروي لنا. وعبد الحكيم متزوج ويعيل أربعة أطفال من ممارسة نشاطه في الفلاحة، ويقطن عبد الحكيم بتينباوين غير أنه يضطر لمغادرة بيته وقطع مسافات طويلة لكسب قوته من الفلاحة، التي تعد مصدر رزقه الذي يعيل به عائلته، ويؤكد  محدثنا بأن الفلاحة تعد ملاذا للهروب من البطالة شريطة حب ممارستها، مشيرا  لنقص  اليد العاملة في المجال الفلاحي، وقال حكيم بأن الفلاحة يمكن أن تسد حاجات بطالين ولو مؤقتا خلال مواسم جني الثمار، مضيفا بأن صندوق المشمش من حجم عشر كيلوغرامات يتم جنيه بـ100 دينار .
ولقد وجدنا عبد الحكيم منهمكا بجني محاصيل الخضراوات تحت أشعة الشمس دون أن يعيقه عناء الصيام عن الاشتغال  في الأرض، وقال لنا بأن نشاطه لا يتغير   لأن طبيعة النشاط الفلاحي، تتطلب منه الحرص الدائم على ما يقوم به، فهو خلال شهر الصيام ينهض باكرا رفقة فلاحين آخرين يشتغلون بالمستثمرات الفلاحية لتيفران، من السادسة وإلى غاية اقتراب موعد آذان المغرب ولا ينالون إلا قسطا من الراحة أثناء القيلولة، فتجدهم يقومون بأشغال عديدة من سقي واعتناء بالمحاصيل والأشجار وقطف وجني للثمار والخضراوات.
وأكد لنا عبد الحكيم، بأنه يحب عمله الذي وجد نفسه فيه وسط أسرته الفلاحية منذ سن الـ 12 عندما كان طفلا يساعد والده  الذي لا يقوى لوحده على الاشتغال في بستانهم، وأوضح بأنه ولما اشتد عوده راح يواصل دائما البحث عن العمل في الفلاحة ويقوم حاليا هو والعديد من الفلاحين  بالتنقل إلى أصحاب المستثمرات وعرض العمل لديهم  حسب ما اتفقوا عليه.
عبد الحكيم الذي فتح عينيه في الريف ومارس الفلاحة منذ صغره ، لا يملك اليوم بطاقة فلاح وأمله في تسوية وضعية العقارات الفلاحية لوالده حتى يتمكن من مضاعفة جهوده وكذا توريث أبنائه حب الأرض وممارسة النشاط الفلاحي.
 آمال معقودة على سدي واد صابون و تابقارت  
كشف لنا بلقاسم رقاعة، عضو جمعية الإرشاد والإصلاح الفلاحي بمنطقة تيفران، والتي تضم 17 فلاحا يمتلكون 160 هكتارا من الأراضي الفلاحية المنتجة، بأن الأراضي الفلاحية بمنطقة تيفران لوحدها تشغل 110 أشخاص، وهو الرقم الذي يرتفع إلى 250 وحتى 300 في مواسم جني المحاصيل، مؤكدا بأن المنطقة تعد قطبا فلاحيا بامتياز بالإمكان مضاعفة إنتاجها، وتوفير مناصب شغل إذا ما تم توفير  المورد المائي أكثر.عضو الجمعية الفلاحية الإصلاح والإرشاد الفلاحي، أشار أيضا إلى اعتماد منطقة سفيان على منبع رأس العين، منذ سنوات غير أن هذا المنبع حسبه، بات لا يكفي للسقي رغم اعتماد نظام التناوب بسبب تراجع مردوده، وأكد الفلاح بلقاسم بأن الفلاحين بالمنطقة يعقدون آمالا كبيرة على إنجاز سد وادي صابون، وكذا سد تابقارت لتوفير المورد المائي خاصة في ظل نضوب الطبقة الجوفية ولجوء الفلاحين إلى حفر الآبار وطرح محدثنا أيضا هاجس ضعف الكهرباء الفلاحية وحاجة الفلاحين لتوفيرها.
    ي.ع

الرجوع إلى الأعلى