«حلوا البيبان راهم جاو أولاد الزيبان» عبارة أطلقها عشرات الشبان والأطفال الصغار القادمين من مدينة بسكرة بعد أن تراءت لهم مياه المتوسط التي لطالما سمعوا عنها وشاهدوا أمواجها عبر شاشات التلفاز، ليتحقق بذلك أمل الكثيرين بعد أن ظنوا لوهلة أن حلمهم بالوصول إلى محطة سكيكدة عبر عربات قطار أنهكته السنوات أمر مستحيل،  بعد أن قطعوا مسافة 550 كلم في ثماني ساعات كاملة في ظروف صعبة جعلتهم يفترشون الأرض ليتخلصوا من تعب رحلة شاقة لكنها ستظل راسخة في الأذهان كونها فرصة أولى لرؤية الأزرق الكبير بالنسبة للكثيرين .
روبورتاج : عبد الله بودبابة
من أجل تمكين العائلات القاطنة ببعض الولايات الداخلية وبوابة الصحراء برمجت الشركة الوطنية للنقل بالسكك الحديدية ثلاث رحلات أسبوعيا نحو ولاية سكيكدة واحدة منها تنطلق من دائرة تقرت بولاية ورقلة، وهي خطوة اعتبرها المتتبعون بالمشجعة وذات بعد اجتماعي، وقد شاركت  النصر سكان الجنوب   الرحلة الأولى انطلاقا من ولاية قسنطينة، في محاولة لرصد ظروف الرحلة وجوانب أخرى وكذا نقل آراء المسافرين.
وصلنا محطة القطار الواقعة بحي باب القنطرة على الساعة الثامنة والنصف صباحا من يوم السبت 15 جويلية، وهو الوقت الذي حددناه بالتنسيق مع مسؤول بشركة النقل بالسكك الحديدية لناحية قسنطينة، والذي أخبرنا قبل يوم من الرحلة أن القطار سيتأخر لساعة عن موعده المحدد، حيث أوضح أنه سيتعين علينا الوصول إلى المحطة قبل نصف ساعة من مرور العربات، مؤكدا أن القطار سيتوقف لدقائق قليلة بمحطة قسنطينة من أجل ركوب المسافرين ثم المغادرة على الساعة الثامنة والنصف بالضبط.

الانتظار لساعتين والانطلاقة على 10 صباحا
دخلنا المحطة التي تعتبر من بين أقدم المحطات على مستوى الشرق، غير أنها كانت شاغرة من المسافرين سوى من عائلة مكونة من رجل في نهاية الأربعينيات وزوجته وقد اصطحبا معهما ابنيهما إلى جانب أغراض كثيرة مثل شمسية وأكياس الأكل، و  جهاز تجميد محمول  يحوي مياها باردة وفواكه، وقد جلست العائلة بقاعة الانتظار، ومقابلها جلس مراهقان كانا يحملان على ظهريهما  حقيبتين.
   بعد مرور حوالي 20 دقيقة، تلقينا اتصالا من المسؤول السابق يخبرنا فيه  أن القطار سيتأخر عن موعده، والموعد الجديد سيكون عند الساعة التاسعة والنصف، موضحا أن  الأمر له علاقة بأسباب تقنية، وهو ما جعلنا نغادر المحطة ثم العودة مجددا عن الساعة التاسعة والربع، دخلنا مرة ثانية قاعة الانتظار ليؤكد لنا رب العائلة أن الشابين اللذين كانا بالقاعة قد غادرا وسئما الانتظار أكثر، بينما سيضطر هو للبقاء وكل ذلك من أجل طفليه اللذين ينتظران بشغف موعد ركوب القطار والوصول إلى البحر، وبعد دقائق قليلة التحقت بنا عائلة أخرى مكونة من الأب وولد وبنت، خرجوا  مباشرة نحو رصيف المحطة لانتظار القطار، قبل أن تلتحق بهما الأسرة التي كانت إلى جانبنا.
مع طول الانتظار بدأ الضجر يتسرب   إلينا، ما  دفعنا  إلى التوجه إلى رصيف القطار والاستعداد لمباشرة العمل عند وصول العربات، تسمرت أعيننا نحو ساعة المحطة الشهيرة، وقد تخطى عقربها الدقيقة الثلاثين بعد الساعة التاسعة، غير أن السكة ظلت شاغرة، كما لم يتحرك العمال من أماكنهم وظلوا منشغلين بالحديث إلى بعضهم البعض، وهكذا توالت الدقائق ولم يصل القطار الموعود بعد، و دون سابق إنذار تقدم إلينا أحد العمال وقال: «لا تقلقوا لقد وصل القطار هو الآن على مستوى حي القماص» وبعد دقائق قليلة تقدم منا نفس العامل وقد كان بالزى المدني مرة أخرى وقال: «لقد أجريت اتصالا آخر والقطار بمحطة سيدي مبروك».
وعند الساعة العاشرة تماما أطلت القاطرة ذات اللون البرتقالي أسفل جسر صالح باي من بعيد وهي تجر خلفها تسع عربات رمادية اللون، وقد أطلق السائق العنان للصافرة ما أدخل البهجة إلى نفوس الأطفال المتواجدين بالرصيف، وبعث في نفوس الكبار الحماسة والنشوة، على أمل الوصول إلى محطة سكيكدة بعد حوالي ساعة ونصف كأقصى تقدير مثلما تم إعلامنا من بعض الموظفين في محطة قسنطينة.
توقفت العربات وأخذ العشرات من الأشخاص أغلبهم شبان ومراهقون بالنزول وبعضهم يسأل إن كان هناك متاجر أو محلات قريبة من أجل اقتناء قهوة أو مياه معدنية باردة، بينما جلس بعض الأطفال مرفوقين بأوليائهم بأدراج العربات في انتظار استئناف الرحلة، وهنا نزل رجلان يحملان حقيبتين صغيرتين، ويرتديان لباسا رسميا، ، وبعد فترة قصيرة لم تتعد خمس دقائق طلب من جميع الموجودين على الرصيف الركوب قبل انطلاق القاطرة.
صعدنا القطار، غير أن المشهد في الداخل كان مختلفا عن التصوّر الذي تخيلناه، أول ما لفت انتباهنا هو الحر الذي شعرنا به في الداخل، لكون العربات غير مكيفة، كما أن النوافذ غير قابلة للفتح، وهي عبارة عن زجاج مقاوم للكسر وفقط، وفوقها نافذة صغيرة هي كل ما يسمح بدخول الهواء إلى المكان، كانت العربة الأولى التي دخلناها مكتظة عن آخرها بالعائلات وعشرات الأطفال، كما عمد الجميع لربط قطع قماش بحامل الأمتعة وتغطية زجاج النوافذ بشكل كامل وذلك من أجل منح تسلل أشعة الشمس الحارقة للداخل.
وصاحب الاكتظاظ الكبير للعربة صخب كبير، صنعه الأطفال،  فبين طفل يلعب وبين آخر يحاول الصعود فوق الكراسي، كان البعض الآخر يبكون ويصرخون بصوت مرتفع، لترتفع هذه الأصوات أكثر كلما دخل القطار في نفق مظلم، كان الجميع   يشتكي من الإرهاق، سيما وأن أغلبهم لم ينم الليل فرحا بهذه الرحلة التي ستمكن الكثيرين منهم من ملامسة مياه البحر لأول مرة في العمر، اقتربنا من بعض الركاب للاستفسار منهم عن ظروف الرحلة حيث أجابنا شاب في بداية الثلاثينيات من العمر: «لا أعتقد أنني سأكرر هذه الرحلة مرة أخرى».

 إنعدام التكييف يرهق المسافرين
وتابع محدثنا: «لقد طلبت مني والدتي أن أجرب الرحلة على أمل أن أصطحبها وإخوتي في المرة المقبلة، غير أنني لن أقوم بذلك، لقد غادرت منزلي حوالي الساعة الواحدة فجرا ووصلت إلى محطة القطار بتقرت حوالي الساعة الثانية على أمل الانطلاق عند الساعة الثالثة والنصف صباحا غير أننا تأخرنا في ذلك إلى غاية الساعة الخامسة والنصف» مضيفا: «القطار يسير بسرعة بطيئة جدا، وفي الكثير من الأحيان يتوقف قبل أن يعود مجددا للسير، كما أنه من الداخل غير مريح والمقاعد صلبة جدا وليست مهيأة لسفر طويل مثل هذا، كما أن عدم وجود مكيف هواء زاد من الأمر صعوبة،  و ساهم بشكل كبير  في تسرب القلق والتوتر إلى أنفسنا، كما أنني أعتقد أنه ليس بإمكاني السباحة عند وصولي إلى الشاطئ»
في الجهة المقابلة كانت تجلس عائلة غير أننا لم نتمكن من معرفة عددها وذلك أن الأطفال كانوا يسيرون في كل الاتجاهات ويلعبون مع بعضهم البعض، سألنا رجلا يظهر أنه في نهاية الأربعينيات عن رأيه في الرحلة فأجاب: «نحن نعاني منذ ساعات على أمل الوصول، وكل ذلك من أجل الأطفال، لم ينم ابني وهو ينتظر لحظة الوصول إلى البحر، لقد وعدته ولا يمكنني أن أتراجع عن وعدي ولو كلفني ذلك كثيرا»، وغير بعيد عنه اقترب منا شاب وصرّح: «أطلب من مسؤولي الشركة مضاعفة سعر التنقل نحو البحر من 750 دج إلى 1500 دج مقابل تحسين الخدمة، من خلال تخصيص عربات مكيفة وجديدة لأن هذه العربات قديمة وقد أكل عليها الدهر وشرب وأصبحت غير قادرة على حمل مسافرين لمسافات طويلة مثل رحلتنا هذه».
وذهب محدثنا بعيدا في انتقاده بأسلوب ساخر للرحلة   عندما شبهها بإحدى حلقات السلسلة الفكاهية الشهيرة أعصاب وأوتار، والمتعلقة بالرحلة نحو شاطئ البحر عبر حافلة من نوع «طاطا» وهي الحافلة المعروفة بـ «ريح تور»، وقال: «أنظر، ضجيج، سرعة بطيئة جدا، حرارة ومعاناة، هذه الرحلة أشبه برحلة ريح تور، لا أجد تعبيرا أبلغ من هذا لوصف ما نحن عليه اليوم، شخصيا أعتقد أنني لن أعيد الكرة إلا إذا تم تحسين الخدمة».
غادرنا هذه العربة وتوجهنا نحو أخرى، حيث كانت شبه شاغرة ولا يوجد بها سوى عدد قليل من المقاعد، كما بدت أكثر اتساخا من الأولى وقد غطت أرضيتها وكست جدرانها وسقفها بحبيبات رمل الصحراء الصفراء الذهبية، كان بعض الشبان يجلسون بالقرب على الدرج والأبواب مفتوحة في وقت كان القطار يسير بسرعة تقارب 60 كلم في الساعة، وذلك من أجل الحصول على هواء منعش ينسيهم بعض الحر الذي صاحبهم طوال الرحلة المنهكة.
أطفال يفترشون الأرض وأولياء متذمرون  
وفي الجهة المقابلة لهؤلاء الشبان جلس رجل فوق كرسي وهو يراقب ولده الصغير وهو نائم على أرضية القطار بعد أن افترش له بعض الأغطية، تحدثنا معه عن ولده فقال: «لقد أرهقته الرحلة ونحن الآن لم نغادر إقليم ولاية قسنطينة بعد، لم يستطع الصمود أكثر.. الحرارة، بعد المسافة وغياب الراحة كلها عوامل جعلت من الرحلة منهكة لجسده الصغير، أضف إلى ذلك أنه لم ينم منذ البارحة في انتظار وصوله إلى البحر، وكما ترى لقد وضعت له بعض الأفرشة على الأرض لعدم وجود مكان آخر، وأنا أحرسه حتى لا يدهسه أحد من الشبان المارين» ليضيف في الأخير: «كما ترى الحال أغنى من أي كلام، فحالة الطفل تؤكد لك حجم التعب الذي عانيناه، وأنا أتساءل هل سيكون لنا الوقت الكافي للاستمتاع خصوصا وأن موعد الرجوع سيكون عند الساعة الخامسة والنصف مساء، لن يكون هناك  متسع من الوقت».

تركنا محدثنا وهو يراقب ابنه، ودخلنا عربة أخرى، أين كان بها عدد من الشباب بعضهم تجمع في الزاوية المقابلة وقد افترشوا زربية تقليدية من القش، يلعب أربعة منهم «ديمينو» من أجل تمضية الوقت فيما ينتظر اثنان آخران دورهما، قال أحدهما متسائلا هل أنتما من الصحافة، وعند إجابتنا بنعم قال: «انظر إلى حالنا نفترش الأرض منذ الساعة الخامسة والنصف صباحا، لقد تأخر موعد الرحلة عن التوقيت المحدد مسبقا بحوالي ساعتين، وكما ترى لا زال أمامنا حوالي 70 كلم والقطار يسير بسرعة بطيئة جدا، ولو تنقلنا عبر الحافلة لكان ذلك أسهل وأكثر راحة».
مع مواصلة القطار مسيره بسرعة بطيئة واقتراب موعد الغذاء، وبما أن المسافة المتبقية لا تزال طويلة، فضلت بعض العائلات التجمع لتناول وجبة الغذاء وذلك حتى تغتنم كامل وقتها عند الوصول في السباحة فقط، وهو المشهد الذي أخذ في الاتساع لتنتشر العدوى إلى غالبية المسافرين، فمنهم من قام بتناول وجبة الغذاء بشكل عادي، ومنهم من اكتفى بلمجة خفيفة، وفي هذه الأثناء صادف أن مر بجانبنا  شاب يبلغ حوالي 17 سنة عندما نادته والدته بصوت مرتفع للقدوم من أجل تناول نصيبه من طبق «الشخشوخة» وذلك حتى لا يخسر وقتا آخر عند وصوله إلى البحر ويقضي كامل وقته في السباحة.
دومينو ولعبة الورق والتجوال لقتل  الإحساس بالوقت

وبسبب طول المسافة  التي تعدت 550 كلم من دائرة تقرت عبر بسكرة ثم باتنة فقسنطينة وإلى غاية محطة سكيكدة، وبسرعة بطيئة جدا، وتوقف في بعض المقاطع، لجأ عدد من الشبان لعدة طرق من أجل تمضية الوقت الطويل، فقد تجمع عدد حول طاولة صغيرة للعب الديمينو وآخرون حول لعبة الورق، بينما قام عدد من المراهقين بتحويل عربة إلى مكان للرقص والغناء حيث تعالت أصواتهم وهم يرددون بعض الأغاني الشعبية وسط التصفيقات، كما أن جلوسهم الطويل جعل بعضهم يقوم بالمشي من مقدمة القطار إلى آخره عدة مرات.
دخولنا إقليم ولاية سكيكدة بعد الساعة الحادية عشرة والنصف صباحا وذلك بعد حوالي ساعة ونصف من مغادرتنا لمحطة قسنطينة كان له وقع آخر على المسافرين والعائلات القادمة من بسكرة وتقرت، والجميع بدت عليه علامات القلق واللهفة من أجل الوصول إلى المحطة الأخيرة وذلك بعد أن تسرب اليأس إليهم في وقت سابق، جلسنا في كرسي مقابل إحدى العائلات، وقد كانت الأم وهي امرأة مسنة يظهر أنها في أواخر الستينيات، نحيفة الجسد،    لم تفارقها الابتسامة طوال الطريق، وكانت تجلس إلى جانبها عجوز أخرى، تبادلتا أطراف الحديث، وقد كانت المرأة المسنة تسأل كلما أبطأ القطار من سرعته عن مكان تواجدنا وكم تبقى لنا من مسافة حتى نصل إلى وجهتنا. وقد التف أطفال حول المرأة  بعد أن أمرتهم بعدم الابتعاد كثيرا لأننا قد دخلنا إقليم ولاية سكيكدة، حدثتنا قليلا عن التعب الذي تحس به من عناء التنقل عبر القطار وقالت: «أنا الآن كبيرة في السن وأعاني من مرض ضغط الدم ولم أتحمل عناء التنقل والبقاء جالسة طوال هذه المدة، لو كنت أعلم أن القطار سيكون على هذه الحال وطول المدة لما تنقلت»، مضيفة: «أبنائي طلبوا مني مرافقتهم وهم كما ترون صغار جدا ولا يمكنني أن أتركهم يسافرون بمفردهم ولهذا فأنا هنا الآن، وقد قدمت رفقة أختي وأبنائها الكبار، فنحن نعتمد عليهم في نقل الأمتعة وضمان وسيلة للتنقل».
 وفجأة توقفت عن الحديث لبرهة ثم عادت لتسألنا عن مكان تواجدنا فأجبناها أننا وصلنا  بلدية رمضان جمال، وما إن سمع ابنها الإجابة طار من مقعده وأخذ في حمل الحقائب ظنا أنها المحطة الأخيرة، قبل أن يعيد كل شيء إلى مكانه، وقد تكرر المشهد مرة أخرى عند بلوغنا منطقة حمادي كرومة، لتعود السيدة إلى الحديث مرة أخرى وقالت: «أنظر يا ابني إلى الأطفال وهم مرهقون، لا أظن أنهم سيستطيعون قضاء وقت جميل بسبب التعب، كما أنني خائفة جدا من وقوع حوادث غرق فأغلبهم لا يعرف أبجديات السباحة، كما أن طريق العودة سيكون طويلا جدا».

فرحة الوصول تنسي الجميع  جحيم الرحلة
 عند دخول المحطة النهائية كان كل من في القطار من ركاب واقفين، وأعناقهم مشرئبة  في محاولة لرؤية زرقة البحر، بينما كان البعض الآخر يسرع في حمل الحقائب وجمع بعض الأغراض المنتشرة بكل مكان، كانت الدقائق الخمس الأخيرة بمثابة ساعات لدى البعض، حتى أن الكثير من الشبان القريبين منا أطلقوا العنان لأصواتهم بالغناء «حلوا البيبان راهم جاو أولاد الزيبان»، وبقوا يرددون في هذه العبارة إلى غاية الوصول، وهنا أخذت العائلات في جمع أبنائها للخروج من نفس البوابة، وذلك مخافة ضياع أي فرد من المجموعة.
فور توقف القطار كان النزول سريعا وفي غاية السلاسة، مجموعات من الأشخاص بعضهم يحمل الحقائب والبعض الآخر يحمل أطفالا، مسرعين عبر الرصيف، ويتدافعون عبر البوابة التي  فتحت على مصراعيها، كان يقف بها عاملان تابعان لشركة النقل بالسكك الحديدية ويقومان بتقديم مياه معدنية للعائلات وعلب عصير صغيرة، وذلك في مبادرة من المؤسسة وموظفيها للترحيب بركاب أول قطار يقدم من دائرة تقرت،   بالقرب من المحطة كان في انتظارنا حافلات  تقل إلى حي العربي بلمهيدي   تعبر شاطئ سطورة بأكمله، سارع المسافرون بالركوب دون أي مقدمات، وما هي إلا ثوان قليلة حتى امتلأت الحافلة الأولى عن آخرها وانطلقت، لتتبعها حافلتان اثنتان امتلأتا أيضا بسرعة البرق، بينما فضل عدد من الأشخاص المشي على الأقدام نحو مكان تجمع سيارات الأجرة بالساحة القريبة من مقر المجلس الشعبي البلدي لسكيكدة.
يذكر أن مراقبا القطار قد أبلغا الركاب بأنه تم تأخير موعد الرحلة بساعتين إثنتين، فبعد أن كانت الرحلة مبرمجة على الساعة الخامسة تم تأخيرها إلى غاية الساعة السابعة مساء، وذلك من أجل تمكينهم من قضاء أكبر وقت على شاطئ البحر،   تعويضا عن التأخير الذي حدث صباحا، وهو الخبر الذي أسعد كل المسافرين.

مدير مصلحة الزبائن شريف زرايدي
نقل سكان تقرت تحدي و نسعى لتحسين الخدمة في الرحلات القادمة
 وأوضح مدير مصلحة الزبائن بالشركة الوطنية للنقل بالسكك الحديدية لناحية قسنطينة أن وضع قطار لنقل الركاب انطلاقا من دائرة تقرت ولاية ورقلة يعد تحد حقيقي، كما أكد أن هناك إجراءات جديدة تخص تقليص فترة السفر لحوالي الساعة ونصف خلال الرحلات القادمة، أما عن السرعة البطيئة التي تسير بها القاطرة فقد أرجع السبب إلى قدم السكة ومن أجل سلامة المسافرين.
 وقال المسؤول أنه  و بالنظر للجانب التقني يعد تسيير القطار بمثابة انجاز كبير، مضيفا، أنه من واجب الشركة فعل ذلك من باب تقديم خدمة عمومية. وتابع أن الشركة حددت سعر التذكرة بـ 350 دج ذهابا، أما في حال اقتناء الراكب لتذكرة ذهاب وإياب فإنه يستفيد من خصم يقدّر بـ 20 في المئة، أي أن الركاب المعنيين دفعوا 600 دج ذهابا وإيابا، مؤكدا أن هذا السعر لا يغطي مصاريف القطار ذهابا وإيابا، ومع ذلك فإن الشركة أخذت على عاتقها تمكين المواطنين من زيارة شواطئ البحر.
كما تحدث مدير مصلحة الزبائن عن قضية السرعة البطيئة التي يسير بها قطار البحر والتي وصلت في بعض الأحيان إلى التوقف ثم معاودة الانطلاقة من جديد في عدة نقاط خصوصا بين قسنطينة وسكيكدة، حيث أوضح أن هذا المقطع بالذات يشهد حركية كبيرة خصوصا في نقل البضائع من مينائي سكيكدة وجنجن بجيجل، كما أن السكة الحديدية بين محطة القرزي إلى غاية سكيكدة قديمة نوعا ما ولا تسمح لسائق القطار بالقيادة بسرعة عالية، إذ أنه في الحالات العادية يمكن للقاطرة أن تصل إلى سرعة 80 كلم في الساعة، غير أنها في هذا المقطع تنخفض إلى غاية 5 و10 كلم في الساعة، كما أن المنطقة معروفة بالنسبة للسائقين كمكان تكثر فيه الانحرافات، وبالتــــــــــــالي فإن عنـــــــصر أمن المسافرين وسلامتهم أولوية لــــدى الشركة وخط أحمر.
طبيعة السكة و أمن الركاب يفرضان سرعة بطيئة
وأضاف محدثنا أن من بين الأمور التي لا يدركها المسافرون عموما هي قضية الصيانة، إذ أن القاطرة يجب أن تخضع لصيانة دورية إجبارية مرات عدة، وهو ما حدث مع القاطرة التي توجهت إلى غاية تقرت، وعند وصولها إلى محطة بسكرة كان قد حان وقت الصيانة حيث تم إجراء الفحص الروتيني، مع التزوّد بالوقود، وهو ما زاد من عمر الرحلة حوالي نصف ساعة إضافية، مؤكدا أنه تم اتخاذ إجراء جديد في الرحلة القادمة، وذلك من خلال إرسال قاطرتين الأولى تضمن رحلة من تقرت إلى بسكرة، أما القاطرة الثانية فتنتظر على مستوى بسكرة لتستلم العربات وتنطلق مباشرة، موضحا أن هذه العملية ستمكن من ربح حوالي ساعة ونصف في الرحلة القادمة.
زيادة على هذا فقد كشف المدير أنه قام أيضا بإرسال تعليمة لكافة المصالح عبر الولايات التي يمر بها قطار البحر من تقرت إلى غاية سكيكدة، وذلك بمنح هذه الرحلة ابتداء من السبت المقبل الأولوية بين كامل قطارات نقل المسافرين والبضائع، وذلك من أجل تخفيف العناء على الركاب وكذا ربح بعض الوقت.
عبد الله بودبابة

 

الرجوع إلى الأعلى