ابتلعت مياه أكبر سد بالجزائر منذ بداية فصل الصيف سبعة أشخاص غامروا بالعوم في بني هارون والوديان التي تصب فيه، بعد أن حول سكان عدة مناطق بولاية ميلة هذه المنشأة المائية  إلى مسبح يؤمه يوميا العشرات من الشباب. وتكمن الخطورة في أن من يسبحون بالسد لديهم قناعة بأنه لن يصيبهم أذى لأنهم ماهرون ولديهم ما يكفي من الخبرة لإنقاذ الغرقى، فيما ظل الأولياء في موقع المتفرج. مصالح الحماية المدنية تخوض حربا ضد الظاهرة التي تعرض حياة الكثيرين للخطر كما شرعت في  تشكيل فرق خاصة للإنقاذ بعد أن أصبح بني هارون مفتوحا على كل الأخطار.
روبورتاج : معاذ بن الشيخ الحسين
ويقبل الكثير من أبناء المناطق والبلديات المحاذية لسد بني هارون بولاية ميلة، على السباحة في مياه السد أو الوديان التي تصب فيه، رغم الخطر الذي قد يهدد حياتهم، وهي ظاهرة تبقى منتشرة حتى في المناطق التي سجلت فيها حالات وفاة،  رغم التحذيرات الكثيرة التي تتوجه بها مصالح الحماية المدنية والوكالة الوطنية للسدود للحد من هذه الظاهرة  التي أودت على مستوى ولاية ميلة منذ دخول هذه الصائفة بحياة 07 من أبنائها ، بالإضافة إلى ما يمكن أن يصيبهم من أمراض في حال كانت المياه ملوثة.
 لكن حجة الشباب والأطفال المقبلين على العوم في السد  هي انعدام مرافق التسلية والترفيه ببلدياتهم منها المسابح التي تتوفر الولاية على عدد بسيط منها فقط، ومنهم من يؤكد أنهم  غير قادرين على الاستحمام.
غياب المرافق وندرة المياه حجة المغامرين
تنقلت النصر إلى المناطق التي يسبح فيها الشباب والأطفال بمنطقة السيباري التابعة لبلدية القرارم قوقة والتي تبعد عنها ببضع كيلومترات فقط شمالا، أين وجدنا أعدادا معتبرة من أبناء المنطقة مقبلين على السباحة في إحدى النقاط من السد التي اتخذوا منها شاطئا لهم، وبسؤالهم عن أسباب السباحة في السد رغم خطرها وما سجل هذا العام من انتشال للغرقى، قالوا بأنهم محرومون من المياه حتى في منازلهم منذ أشهر، ما جعلهم يجدون في مياه السد ملاذهم للاستحمام والترفيه،  حيث قال أحدهم بأنه لا يخشى الغرق فهو سباح ماهر كباقي أبناء المنطقة، وأضاف أنه لا مهرب من  حرارة الصيف  بمنطقتهم إلا للسد كون   ميلة ولاية داخلية، ومنطقتهم تفتقر لمسبح أو حتى مرافق أخرى للترفيه والتسلية أو ممارسة الرياضة كملاعب جوارية وما إلى ذلك.
 وغير بعيد عن السيباري وتحديدا بوادي منطقة بوعشرة ببلدية الشيقارة، والتي تقع تحديدا خلف جدار سد بني هارون مباشرة باتجاه ولاية جيجل، وجدنا مجموعة من الشباب يسبحون بالوادي، وخلال حديثنا إليهم أخبرونا بأنهم من بلدية الشيقارة وبلدية ترعي باينان التي تبعد عن المكان بحوالي 10 كلم فقط، ولهذا هم من حين لآخر يقصدونه للسباحة هربا من الحرارة المرتفعة ، ورغم أن  شابا من بينهم ينحدر من بلدية الشيقارة كان شاهدا بنفس المكان على  انتشال جثة غريق، إلا أن هذا كما قال لم يمنعهم من السباحة أبدا في هذا المكان الذي تتصدر مدخله لافتة مكتوب عليها «سباحة ممنوعة – خطر-»، وحجتهم في ذلك  أنهم لا يملكون البديل،  حيث لا توجد مسابح بجل بلديات الولاية أو حتى أحواض سباحة بالقرب من السد يجدون فيها المتنفس لهم، ناهيك عن المسافة البعيدة بين ميلة وجيجل وهي أقرب منطقة ساحلية، ما جعل الحل الوحيد بالنسبة للكثيرين منهم هو مياه السد أو الوديان، مؤكدين أنهم يحرصون على حسن اختيار نقاط السباحة لتفادي الأخطار التي قد تهددهم بالسباحة في مياه الوادي، حيث قال أحدهم من بلدية ترعي باينان، يوجد أمامنا الوادي إلا أننا قصدنا منطقة بوعشرة لأنها مؤمنة مقارنة بمنطقتنا، فقاع الوادي مليء بالحجارة وليس التربة أو الطمي، ما يمكننا من الارتكاز جيدا دون خطر خصوصا وأن منسوب المياه ليس مرتفعا كثيرا بهذا الوادي.
أولياء في موقع المتفرج
 التقينا في منطقة السيباري بأولياء الأطفال والمراهقين الذين يسبحون بمياه السد وتحدثنا معهم عما يمكن أن يلحق من ضرر بأولادهم، فأجابوا بأنهم حاولوا معهم مرارا وتكرارا للكف عن هذه السباحة الخطيرة دون نتيجة، ولكنهم في نفس الوقت يعتبرون تصرف الأبناء طبيعيا جدا في ظل غياب أماكن مخصصة لهم يلجئون إليها على مستوى منطقتهم و الولاية ككل،  مشيرين أن ما ينقصهم ليس المسابح فقط بل باقي المرافق الترفيهية التي تستقبل الشباب والأطفال، كالملاعب وغيرها، متسائلين عن مآل مشروع الشاطئ الاصطناعي الذي طال انتظاره رغم فائدته الكبيرة في الحد من ظاهرة السباحة بمياه السد والوديان، كما اعتبر  أحدهم أن أبناء المنطقة سباحون مهرة حتى في المياه الراكدة ( مياه السد) مشيرا إلى أنهم تمكنوا من التدخل عدة مرات لإنقاذ الأشخاص من السد، ذاكرا لنا حادثة وقعت منذ سنوات، تمثلت في  إنقاذ امرأة حاولت الانتحار بالسد، فتدخل أحد أبناء المنطقة لإنقاذها وأخرجها من المياه قبل أن تغرق، كما أشار إلى تمكن الكثيرين من أبنائهم من قطع السد من الضفة إلى الضفة المقابلة، وكذا القفز في السد  من جسر وادي الذيب وهذا دون تسجيل حوادث أو غرقى، ما يعني حسبه قدرتهم على السباحة جيدا ولهذا يقول أصبح أهل المنطقة لا يتخوفون كثيرا من هذه الظاهرة، ناهيك عن أن النقاط المقصودة للسباحة هي آمنة بالنسبة لهم كونها صخرية يمكن الارتكاز عليها دون الخوف من الغوص في الطمي، وكذلك غير مفتوحة  على الهواء والتيارات التي قد تهدد السباحين كما أضاف آخر.
 سبع وفيات  والمياه مفتوحة على المزيد من الخسائر
مصالح الحماية المدنية لا تتفق أبدا مع رأي الأولياء بخصوص تمكن أبنائهم من السباحة، وتؤكد على خطورتها في السدود والأودية أو أي مجمعات مائية كانت، وهو ما أدى إلى منعها نهائيا،  حيث أشارت الإحصائيات المقدمة من قبلها إلى تسجيل 7 وفيات إلى غاية اليوم، جراء الغرق في مياه السد أو الوديان فيما تم إنقاذ شخصين، وهذه الإحصائيات تعد مرتفعة مقارنة بالسنة الماضية التي سجل فيها طيلة الصائفة وفاة 08 أشخاص غرقا وإنقاذ شخصين. كما اعتبرت ذات المصالح أن أي نقطة من السد أو الوديان التي تصب فيه وباقي المجمعات المائية الأخرى الواقعة بمحاذاة تجمعات سكانية ممكن أن تكون مكان سباحة من قبل الأطفال والمراهقين وبالتالي تشكل خطرا على حياتهم، ولهذا كانت الحملة التحسيسية مع مصالح سد بني هارون التي نظمت الأسبوع الماضي ، كما ستكون بصفة أسبوعية حملة من خلال دوريات عبر السد مشتركة ما بين أعوان الحماية المدنية وأمن السد، للتوعية والتحسيس بمخاطر السباحة في مياه السد والوديان عموما، وذلك باستعمال القوارب لتمشيط محيط السد والأماكن المستغلة في السباحة على ضفافه.


النقيب وطبيب بالحماية المدنية الدكتور مرابط رضا

مياه السدود تسبب تشنجات توقف عمل القلب
وأرجع الطبيب المختص في الاستعجالات بالوحدة الرئيسية للحماية المدنية بميلة النقيب الدكتور مرابط رضا، أسباب الغرق في المياه الراكدة ( مياه السدود والوديان) لكونها تختلف عن مياه البحر من حيث التيارات التي توجد بالبحر وتساعد على السباحة في حين تغيب في المياه الراكدة، كما أن نوعية التربة في هذه المياه عبارة عن طمي يصعب الخروج منها في حال ارتكز عليها الشخص، بالإضافة إلى كثافة المياه العذبة المرتفعة مقارنة بمياه البحر (أو كما يقال بالمفهوم العام ثقيلة)، ما يجعل المجهود اللازم لقطع مسافة معينة فيها يكون أكبر بكثير لقطع نفس المسافة في مياه البحر، فيصاب الجسم بتعب وتشنجات جراء ضغط الماء على شرايين الجسم ما يجعل الفضلات تترسب بها، و يمنع وصول الدم إلى الرئتين ليصفى ويأخذ الأكسجين اللازم للجسم، وبالتالي يؤثر ذلك  على أداء الشخص في السباحة ويسقط في القاع المليء بالأوحال فيغرق.  وأشار الدكتور إلى احتمال توقف القلب عن العمل داخل المياه العذبة عموما جراء درجة حرارتها المنخفضة مقارنة بدرجة حرارة الجسم الذي قد يتعرض لصدمة تؤثر على عضلة القلب فور الدخول إلى المياه ، ما قد يوقف عملها فيموت الشخص قبل حتى أن يغرق.
التيفوييد و الكبد الفيروسي  والليبتوسبيروز.. أخطار أخرى
ويحذر الدكتور كل من يسبح في المياه الراكدة إضافة إلى احتمال الغرق، من خطر الأمراض الممكن أن يصاب بها إن كانت المياه ملوثة ومنها مرض التيفوييد والتهاب الكبد الفيروسي المعروفان للغالبية من الناس ، وهناك يقول مرض ليبتوسبيروز الذي قد يصيب الأعضاء التناسلية وتكون آثاره على جميع أجهزة الجسم ومن مسبباته المياه الملوثة والماء غير المعقم، بحيث أن المشكل في هذا المرض يكمن في صعوبة تشخيصه، كما يضيف بأن هناك احتمال كبير للإصابة بمختلف الأمراض الجلدية منها الفطريات و أيضا الالتهابات البكتيرية التي قد تودي بحياة المصاب بها إذا انتشرت بكافة الجلد.                              ا .م 

الرجوع إلى الأعلى