خنـاق مايون .. شـواطـئ تـحـاكي سـحـر جــزر المالـديف و هاواي

تتوفر ولاية سكيكدة على شريط ساحلي، هو من بين الأجمل و الأكثر تنوعا على مستوى الوطن،   يخبئ بين رماله و غاباته و وديانه، مناطق تفوق طبيعتها الوصف، حيث لا تزال غير مكتشفة و مجهولة، إلا من قبل قاطنيها و عشاق الهدوء و السكينة، من بينها بلدية «خناق مايون» التي حباها الخالق بطبيعة لا تزال عذراء و بمناظر تعد بمستقبل سياحي واعد، غير أن غياب مشاريع حقيقية و عدم وصول التنمية إلى المنطقة، يبقى رهينة التفاتة من السلطات، أو إرادة المستثمرين الخواص، الغائبة في الوقت الحالي.
روبورتاج : عبد الرزاق مشاطي

تقع بلدية «خناق مايون»، التي يجهل الكثير من الجزائريين وجودها، بين الغابات الجبلية، لغرب ولاية سكيكدة الساحلية، تحدها برا بلدية أولاد عطية و منطقة لمقاتل، فيما تلتقي مياهها الإقليمية بمياه بلدية وادي زهور من ناحية الغرب و مياه منطقة تامنارت شرقا، و تعد هذه المدينة الجبلية، التي يقطنها حوالي 5 آلاف نسمة، نتاجا للتقسيم الإداري لسنة 1985، و يقال بأن أصل تسميتها الأمازيغية، هي باللغة العربية «أم العيون»، نسبة إلى كثرة الينابيع المائية المنتشرة بها، النصر زارت هذه المنطقة، و نقلت صورة عن، جمال طبيعتها، و المقومات السياحية الواعدة التي تزخر بها.
و نحن في طريقنا لاستكشاف هذه البقعة من خريطة الجزائر، و التي لم نكن نعرف عنها إلا اسمها، مررنا بالعديد من البلديات و الدوائر، و الكثير من القرى و المداشر، فانطلاقا من مدينة القل الساحلية،  أين تبدأ رحلة الصعود نحو «خناق مايون»، على طريق ولائي، و عبر محاور ضيقة، كثيرة المنعرجات، مرورا ببلدية الشرايع و دائرة الزيتونة و عدة مناطق على غرار بوالنغرة والطرس، نتجه بعدها نحو دائرة أولاد عطية، و كلما تقدمنا ازداد الارتفاع، و توغلنا أكثر داخل الجبال و الغابات المخضرة، حيث تكثر أشجار الصنوبر و الزان، و يشعرك الوصول إلى هذه الأماكن بصفاء الطبيعة و نقاء الهواء، كما أن درجة حرارة الجو معتدلة، عكس ما هو سائد بمناطق أخرى منخفضة.
في هذه الأماكن تقل حركة المرور، فعلى ارتفاع مئات الأمتار وسط الجبال، يعتقد الزائر الذي لا يعرف المنطقة، أن الحضارة لم تصل إلى هناك، فمنظر الطريق الذي يشق الاخضرار الممتد على أقصى النظر، يستمر لدقائق طويلة، قبل أن تشاهد بيوتا أو قرية، لكن المفاجأة، أن هذا المحور الضيق، يقودنا نحو مدن بأكملها، تضم عمارات و مدارس و مرافق عمومية، بنيت على حواف هذا المحور، بالوصول إلى دائرة أولاد عطية نكون قد اقتربنا من «خناق مايون»، حيث تصبح الطريق منحدرة، إلى غاية الوصول إلى مدخل البلدية التي نقصدها، فعلى بعد 5 كيلومترات من مقرها، تعود الطريق إلى الارتفاع من جديد، لتصبح بعدها مستوية.
حدائق و أماكن للراحة و نظافة تزيد من جمال الطبيعة
أول ما يلفت الانتباه، هو أماكن للراحة أقيمت على جنبات الطريق، وسط الغابة، فعلى مساحة شاسعة، أحيطت بسياج خشبي جميل، وضعت كراس و طاولات من الحطب، و بعض ألعاب الأطفال، و شاليهات خشبية، يبدو أنها مطاعم، غير أنها كانت مغلقة، وجدنا عمالا منهمكين في العمل بالحديقة، التي يبدو أنها لم تكتمل بعد، و لم نلتق  سوى بعائلة واحدة، تتكون من عدة أفراد، أكدوا لنا أنهم من العاصمة، و حسب ما أوضحوه لنا، فإنهم اعتادوا على قضاء عدة أيام في مدينة القل، و هي المرة الأولى التي يصلون فيها إلى هذه المنطقة، التي أبدوا إعجابهم بها، فالهدوء يطغى على المكان، و مناظر الجبال المخضرة التي تحتضن مياه المتوسط، تجعل المتأمل لهذا المشهد، لا يمل من الجلوس في هذه الحديقة.
رفقة رئيس هذه البلدية القرية، تجولنا عبر شوارعها، و التقينا بسكانها، و أول ما يلاحظ أن جميع البيوت قد بنيت على حواف الطريق، غير أن ما لفت انتباهنا أكثر، هو النظافة، فلم نكد نعثر على قارورة أو علبة أو حتى كيس ملقى على الأرض، و لا توجد روائح كريهة أو مياه صرف صحي تجري في الأرض، كما اعتدنا مشاهدته في أماكن أخرى، كما أن الجدران و الطرقات نظيفة، و لا توجد قمامة مكدسة، أو مخلفات بناء مرمية بشكل عشوائي، و هو ما أهل هذه البلدية لتكون الأنظف في ولاية سكيكدة، لعامين متتاليين، في هذا المكان يلفت انتباهك هدوء الناس، و حسن معاملتهم، سواء فيما بينهم أو للزائر، فالجميع يلقي التحية، و يسارع إلى عرض المساعدة، لا أحد يعرض عليك كراء منزل أو شقة، رغم أنك في بلدية ساحلية، فالنظافة و اللباقة هما السائدان،  و يبدو أنها ثقافة سائدة في المكان.
داخل هذه البلدية الصغيرة، تتوفر مدارس ابتدائية و متوسطة، و عيادة متعددة الخدمات، و مركز بريد، غير أن الخدمات تكاد تنعدم بها، فلا أثر تقريبا للمطاعم، و قد أكد لنا السكان، أن البلدية بأكملها لا تحتوي سوى على مطعمين صغيرين، حيث لم نعثر سوى على مطعم للأكل السريع، كان يفتح أبوابه، و يجلس صاحبه  في انتظار دخول زبون واحد، و قد عثرنا على بضعة محلات للتغذية العامة و مخبزة، إضافة إلى جزار، فضلا عن العديد من المقاهي، فهذه القرية الساحلية المعزولة، لا يجد سكانها ملجأ من الملل سوى الجلوس داخل المقاهي، و على حواف البلدية تنتشر بعض المشاتي المنعزلة، و التي يعمل سكانها في الزراعة و تربية الحيوانات.

قهوة خاصة و مقهى مميز على طريق البحر
و يبدو أن المنطقة، قد قدمت خيرة أبنائها للثورة الجزائرية، و هو ما عرفناه من خلال نصب تذكاري، مخلد لأرواح الشهداء، أقيم في إحدى المشاتي، التي توقفنا بها لاحتساء كوب من القهوة، داخل بيت حجري، يبدو أنه يعود للفترة الاستعمارية، يوجد مقهى متواضع، يجلس به بعض أهل المشتة، طلبنا فناجين من القهوة، فأخذ البائع يشرح لنا خصوصيتها، مؤكدا أنها ليست كباقي أنواع القهوة، التي تقدم غالبا في مقاهي المدن، موضحا بأنها قهوة تقليدية، تعد من خلال تحميص حبوب القهوة لمرتين، ثم يتم طحنها يدويا، و من أجل إعدادها للشرب، توضع بودرة القهوة، في صحون مقعرة، و يصب عليها الماء، و تترك فترة لتقطر بشكل بطيء، ثم يقدم السائل الذي ينتج عنها، بعد أن يتم تسخينه على درجة حرارة عالية، و قد بدا طعمها مختلفا، مؤكدا بأن هذا النوع من القهوة، يعد أحد تقاليد هذه المنطقة.
الطريق إلى البحر يبعد بأكثر من 5 كيلومترات عن أقرب تجمع للسكان، و هذا المنفذ الوحيد لمياه البحر المتوسط، من «خناق مايون»، لم يكن موجودا من قبل، فقد أنجز قبل سنة واحدة فقط، بعد أن استفادت البلدية من مبلغ مالي خصيصا لذلك، حسب ما أكده لنا رئيس البلدية، الذي أوضح بأن المحور القديم، كان عبارة عن مسلك ترابي، يصعب عبوره حتى من قبل السيارات الرباعية الدفع، غير أن ذلك لم يمنع الناس من زيارة شواطىء هذه المنطقة، مضيفا بأن الطريق الجديد سهل كثيرا أمر الوصول إلى البحر، و زاد من عدد الزوار الراغبين، في استكشاف شواطىء لا تزال تحتفظ بعذريتها.
مرسى الزيتون.. هنا تمتزج مياه الوادي بالمتوسط
بين شجيرات التوت البري و أشجار «الضرو» الغنية بزيت يستعمل كدواء من قبل السكان المحليين، يُشق طريق ضيق شديد الانحدار، و كثير المنعرجات، جبال خناق مايون نحو الساحل، و من بعيد نقترب شيئا فشيئا من مياه المتوسط، و على مرمى حجر من شاطىء «مرسى الزيتون»، نكتشف نقاوة المياه، التي تشبه إلى حد بعيد المياه التي تحيط بجزر «هاواي» أو «المالديف» في المحيط الهادئ، فنقاوة المياه، يمكن من خلالها مشاهدة الصخور و الرمال، و لونها مزيج بين الأخضر و الأبيض الشفاف، حيث تعتقد أنها مياه عذبة.
قبل الوصول إلى الشاطىء، شاهدنا العديد من السيارات، ترقيمها من ولايات مختلفة، على غرار سكيكدة و عنابة و برج بوعريريج، و أغلبها من قسنطينة، و العديد منها من العاصمة، أما رمال الشاطىء فبدت مختلفة، عن رمال الشواطىء الأخرى، فهي خشنة و لا تلتصق بالبشرة، و عبر هذه الرمال تنساب مياه وادي «أم الحجر» الصافية و العذبة لتختلط بالبحر، و تزيد من جمال المكان و خصوصيته، اتبعنا مصدر المياه، و توغلنا داخل الغابة، و كلما تقدمنا، ازداد عمق المياه و صفاؤها، كما زاد جريانها حدة، إلى أن وصلنا إلى شلالات، تنزل بغزارة من ارتفاع الجبل، في مشهد ساحر، يخيل للناظر إليه، أنه داخل إحدى الغابات الاستوائية، بأمريكا الجنوبية، أو شرق أسيا، و هناك صادفنا شبابا فضلوا السباحة بمياهي الوادي العذبة، هروبا من الحرارة المرتفعة و أشعة الشمس الحارقة، فيما التقينا، بأشخاص آخرين، كانوا يغطون في النوم، عرفنا فيما بعد أنهم يأخذون قيلولة، حيث أنهم يخيمون في المكان.
مصطافون يُخيّمون طيلة الصيف و يأكلون من صناراتهم
على شاطىء «الفنار» نسبة إلى منارة قديمة، توجد على قمة هضبة، قيل لنا بأنها شيدت، خلال الفترة الاستعمارية، و كانت تستخدم، لإرشاد السفن، و منعها من الاصطدام، بالسواحل الصخرية، و قد التقينا على هذا الشاطىء الصغير، الذي لا يتجاوز طوله 100 متر، و تحده الصخور من الجانبين،  بعشرات الشباب، مرفوقين ببعض الأطفال، و عدد من الكهول، يخيمون تحت ظل الجبل، ينصبون خيما بسيطة، و بداخلها أمتعتهم، و أغراض الطبخ، قوارير غاز و مواقد تقليدية، و مولدات كهربائية، و بعض أدوات الصيد، من صنارات و خيوط، و قوارب صغيرة.

اقتربنا منهم و عرفنا أنهم قادمون من العاصمة و مدينة الخروب بقسنطينة، بعضهم أكد لنا أنه يتواجد في المكان، منذ أكثر من أسبوع، و آخرون قالوا بأنهم وصلوا منذ شهر، فيما أوضح لنا بعضهم بأنهم جاؤوا منذ ثاني أيام عيد الفطر، موضحين بأنهم لن يغادروا، قبل انقضاء فصل الصيف، و جدناهم منهمكين في تحضير وجبة الغذاء، و الطبق الرئيسي هو السمك، أنواع مختلفة من الأسماك، كانوا يستعدون لتناولها طازجة، بعد أن قاموا باصطيادها، في الصبيحة، و حسب ما أوضحوه، فهذه هي طريقة تقضيتهم للعطلة، حيث يأكلون ما يصطادونه من البحر، يستحمون في مياه الوادي، و يصعدون أحيانا إلى القرية لشراء الخبز، و بعض الخضر، و يشربون المياه التي يجلبونها من الينابيع المنتشرة على الجبل.
لاحظنا أن العديد منهم ملتزمون دينيا، وقدموا للتخييم رفقة عائلاتهم، فمثلا إحدى المجموعات المخيمة، وجدنا الأب مرفوقا بالأبناء، مصحوبا بأحد أصدقائه، الذي يرافقه أيضا أبناؤه الصغار، و لدى استفسارنا عن سبب اختيارهم لهذا المكان، المنعزل و الذي تنعدم به الخدمات من أجل قضاء العطلة، و قد اختلفت إجاباتهم و لو أنها صبت في قالب واحد، و هو الطبيعة و نقاء المكان، و الهدوء على وجه الخصوص، فيما أوضح البعض، بأن عدم وجود اختلاط، من أهم الأسباب، التي تشجعهم على القدوم إلى شواطىء «خناق مايون» الجميلة. جمال المكان للأسف، امتدت له يد الإنسان، فقد تشكلت في أحد أجزاء الشاطىء مفرغة عشوائية، ترمى بها مخلفات المصطافين، و انبعثت منها الروائح الكريهة، و هي نقطة سوداء شوهت جمال المنظر، فيما لاحظنا أن أشخاصا أقاموا مطعما بدائيا  داخل كوخ، و هو الأمر الذي زاد من تلوث المكان.
احترام لخصوصية العائلات وزوار لا يجدون مطاعم

و على بعد مئات الأمتار، و عبر طريق ترابي شديد الوعورة، أنجز مؤخرا بإمكانيات البلدية البسيطة، يقع شاطىء صغير، مخصص للعائلات، يبدو أنه أجمل بكثير من الشاطىء الأول، فمياهه أكثر صفاء، فيما تحتضنه الصخور من كل جانب في شكل قوس، مما شكل خليجا، بدت مياهه هادئة، و في أحد جوانبه، يتشكل مسبح طبيعي، يستمتع الأطفال بالقفز فيه، و السباحة داخله، فهناك يتعلم أبناء المنطقة السباحة في صغرهم، و كذلك الزوار.
ثالث الشواطىء هو «سيدي عبد الرحمان»، الذي لا يوجد منفذ إليه، و لا يقصده سوى شباب المنطقة، الذين يخاطرون بالمشي وسط الغابة و الأحراش، من أجل الوصول إلى هذا المكان الذي أكدوا لنا بأنه «جنة على الأرض» فقليلون من وطأت أقدامهم هذا الشاطىء المعزول، و الذي تسعى البلدية إلى فتح طريق نحوه، و لو أنه يبقى مجرد فكرة، لأن إمكانياتها منعدمة، على حد تأكيد رئيسها.
سواحل «خناق مايون»، التي تمتد على 20 كيلومترا، معظمها صخرية، و هذه فقط الشواطىء الرملية، التي تتوفر بها، و بالرغم من أنها لم تفتح يوما للسباحة بشكل رسمي، و لا تتوفر بها الحماية المدنية أو الدرك الوطني، و أدنى أنواع الخدمات، و لا توجد بها إنارة، إلا أن الإقبال عليها كبير، خاصة من محبي الهدوء و السكينة، و عشاق الطبيعة الساحرة.
شرفات تطل على  سواحل جيجل
واصلنا جولتنا بالمنطقة، و قصدنا منطقة «خناق الزانة»، و كغالبية الأماكن المعزولة بهذه البلدية، الطريق إليها ترابية و وعرة جدا، سرنا لعدة دقائق وسط الأشجار، قبل أن نصل إلى نهاية الطريق، و هناك  كسر تركيزنا، منظر يبهر الأبصار، امتزجت فيه زرقة البحر مع اخضرار الجبل، و بينهما ضباب أبيض خفيف ينزل من السماء، فيما بدا البحر هادئا جدا، و من بعيد على امتداد السواحل الطويلة، أكد لنا مرافقونا، أننا نشاهد السواحل الشرقية لولاية جيجل، و بالتحديد منطقة بني بلعيد، و قبلها سواحل منطقة «وادي بيبي» و كذا منطقة «وادي زهور» و مينائها الجديد، و هما تابعان لولاية سكيكدة، و قد أوضحوا لنا بأننا لو توغلنا أكثر داخل الجبل، لتمكنا من مشاهدة سواحل مدينة جيجل و ميناء «جنجن» الضخم، كما تم إخبارنا بأن غروب الشمس، يعطي منظرا خلابا، و يجلب زوارا خصيصا لمشاهدته. داخل القرية تحدثنا إلى بعض السكان، و الذين أكدوا لنا بأنهم يتأسفون على أن منطقتهم مهمشة، و غير مستغلة سياحيا، فلا يوجد حتى مطعم يتناول به الزوار طعامهم، على حد تعبيرهم، كما لا يستطيع الزائر إليها، حتى إيجاد، إقامة بسيطة للمبيت، إلا من خلال كراء منزل أحد الخواص، مع أن سعرها مرتفع، حيث يتراوح بين 4 ألاف و 6 ألاف دج لليلة الواحدة، و ذلك رغم الجمال الطبيعي التي حباها به الله، موضحين بأن كل المقومات متوفرة، لجعل قريتهم وجهة سياحية رائدة في الجزائر.

ثمرة «القطلب» و تنوع الأسماك.. يصنعان تميز المنطقة
خلال تواجدنا بخناق مايون، لاحظنا أنها تقع داخل غابة تحيط بها من كل جانب، لذلك استفسرنا حول نوعية هذه الأشجار، و التي أكد لنا مرافقونا بأن معظمها أشجار مثمرة، فهناك أشجار الجوز و اللوز، و أشجار البلوط و الصنوبر الحلبي، و كذلك أشجار الزيتون، و هي مستغلة من قبل فلاحين، يحصدون غلتها من موسم لآخر، و يقومون ببيعه ليساهموا به في جمع قوت يومهم، أما أشهر الأشجار التي تنمو في المكان، تسمى محليا بشجرة «ساسنو»، تعطي فاكهة تنضج في أواخر شهر نوفمبر و بداية شهر ديسمبر، و هي عبارة عن فاكهة حمراء، تشبه «الفرولة»، حلوة المذاق، تسمى محليا «اللنج» و هو فاكهة «القطلب» باللغة العربية الفصحى، فخلال فصل الشتاء تنمو هذه الفاكهة لتعطي منظرا رائعا للغابة، يمتزج فيها لون الأشجار الأخضر و لون الفاكهة الأحمر، ببياض الثلج الناصع الذي يغطي الغابة، فالثلوج هنا تكسو المنطقة لأشهر، خاصة أن علوها يزيد عن 1000 متر، حسب ما أكده لنا السكان.
و سعيا من البلدية، لاستغلال هذا المنتوج الطبيعي، للتعريف بالمنطقة، فقد شرع  منذ سنة في تنظيم مهرجان، تحت مسمى «عيد القطلب»، يقومون خلاله بدعوة جميع ولايات الوطن للحضور، و تقدم فيه فاكهة القطلب، و كذا الحلويات التي تحضر محليا بهذه الفاكهة، كما يتم تحضير بعض الأكلات المحلية التقليدية، على غرار «الكسرة» التي تستعمل في إعدادها إحدى الحشائش الطبيعية، ما يعطيها لونا و طعما مميزا، إضافة إلى تقديم أطباق تحضر أساسا من الأسماك.
و تعد سواحل «خناق مايون» من أغنى السواحل بالأسماك البيضاء، خاصة خلال فصل الشتاء، على حد تأكيد سكان المنطقة، الذين ذكروا بأن حوالي 20 قارب صيد، يشتغل أصحابها في صيد السمك، الذي يبيعونه على مستوى المدن المجاورة، على غرار دائرة أولا عطية و الزيتونة و كذا مدينة القل، و تشتهر المنطقة بالعديد من أنواع الأسماك، التي قد يصل وزن بعضها إلى عشرات الكيلوغرامات.

رئيس البلدية مسعود مجرداوي
  المنطقة تملك كل المؤهلات ولدينا أفكار تنتظر التجسيد
رئيس بلدية «خناق مايون» مسعود مجرداوي، و الذي استقبلنا في مكتبه بترحاب كبير، و كان مرشدا لنا في رحلتنا، أكد على أن المنطقة تمتلك جميع المؤهلات لتكون رائدة في المجال السياحي على المستوى الوطني، فهي تتوفر حسبه على عنصر المياه العذبة، من خلال وقوع عدد كبير من الينابيع داخل تراب البلدية، كما أنها تتوفر على غطاء نباتي قل نظيره في الجزائر، بسبب إطلالته المباشرة على البحر، و المناظر الخلابة التي يوفرها، كما أن الشريط الساحلي يمتد على أكثر من 20 كيلومترا، ما يسمح بافتتاح عدد كبير من الشواطىء، إذا ما توفرت الإمكانات.
و بالحديث عن الإمكانات، أكد المير، بأن أكبر إشكال يواجه البلدية، هو انعدام الأموال، فالميزانية الوحيدة التي تخصص لها سنويا، لا تكاد تكفي لدفع أجور العمال، كما لا توجد مصادر دخل خاصة بها، على حد قوله، مضيفا بأن الأفكار و المخططات لا حصر لها، من أجل النهوض بالواقع السياحي لهذه البلدية الواعدة في هذا المجال، غير أن التنفيذ يبقى غائبا، حسبه، بسبب انعدام الأموال اللازمة، و التي يعول في توفرها، على دعم الدولة، و كذا جلب المستثمرين الخواص.
مجرداوي، أكد أن الدعم المالي الوحيد، الذي جادت به ولاية سكيكدة، خلال السنوات الأخيرة، تم استغلاله، في انجاز أماكن الراحة، بمدخل البلدية، و هو نموذج، عما يسعى إلى بنائه، عبر الطريق الغابي المؤدي نحو الشواطىء، حتى تكون المنطقة قبلة للعائلات، من خلال توفير الخدمات المنعدمة حاليا، عبر بناء مطاعم صغيرة و دورات مياه، و كذا ألعاب للأطفال، كما يسعى لتجسيد مشروع مماثل على شاطىء البحر، و كذا فتح شاطىء «سيدي عبد الرحمان»، من خلال شق طريق نحوه، خاصة أن الدراسة الخاصة بها منجزة.
«المير» أكد لنا بأن مشروعا «حلما» يراوده، و قد قام بعرضه على السلطات الولائية، و يتمثل في انجاز حديقة للتسلية و أخرى للحيوانات، مؤكدا بأن المساحة متوفرة، و كذلك الطبيعة المناسبة، لتجسيد هذه الفكرة، غير أن المعوقات تبقى حسبه حائلا، على غرار ما حدث  لمشروع انجاز مخيم عائلي، من قبل أحد المستثمرين الشباب، و الذي يتمثل في بناء شاليهات خشبية داخل الغابة، غير أن المشروع قوبل بالرفض في عدة مرات، من قبل السلطات الوصية، يؤكد محدثنا، الذي يرى في الاستثمار الخاص، فرصة لانتشال هذه البلدية، من واقعها الصعب، وجعلها نموذجا سياحيا يقتدى به، كما تحدث عن مشاكل أخرى، في مقدمتها عدم إيصال شبكة الغاز الطبيعي إلى البلدية، ما بات يهدد الغطاء الغابي، بسبب القطع العشوائي للأشجار لاستعمالها في الطبخ و التدفئة، و كذا ضعف شبكات الهاتف النقال.
ع،م

الرجوع إلى الأعلى