المخيمات الصيفية.. معسكر الطفل لاكتساب الانضباط والتفتح على المجتمع
لا تزال المخيمات الصيفية، تقوم بدوها كمرفق تربوي ترفيهي يستقبل الأطفال أثناء العطلة  ، يتعلمون فيها الكثير من الأشياء بعيدا عن الأسرة ومراقبة الأولياء و  يكتشفون لأول مرة معنى الانضباط كما يكتسبون فنونا ومهارات في أسبوعين فقط،  إضافة إلى التفتح على عادت وتقاليد عدة مناطق من الوطن، قد تبدو  غير مألوفة لديهم، في تجربة مميزة بالنسبة للكثيرين.

النصر قضت ساعات مع الأطفال في مخيم عين عشير بعنابة، واقتربت من المؤطرين، لمعرفة الدور الذي تلعبه المخيمات في تنشئة الأطفال بعيدا عن أسرهم، مشيرين إلى صعوبة التحكم في الأطفال مقارنة بالسنوات الماضية، من ارتباطهم بأسرهم ودخول ثقافة بقاء الاتصال المباشر مع الأولياء في ظل التطور التكنولوجي، مع وجود الهاتف النقال والانترنت، كما لحظنا تراجع ثقافة إرسال أبنائهم إلى المخيمات خاصة بالنسبة للبنات، لظهور هاجس الاختطاف والاغتصاب وغيرها من الأشياء التي تولد مخاوف لدى الآباء، كما يجد البعض في المخيمات الصيفية الفرصة للراحة من شغب الأطفال، وعناء مرافقتهم طيلة السنة الدراسية.  

مؤسسة تربوية و ترفيهية

تُحقق المخيمات الصيفية حلم أبناء الولايات الداخلية والجنوبية، خاصة التي تفتقر لمرافق الترفيه والنزهة، للسفر والاستمتاع بالاستجمام على شواطئ البحر، وتعلم السباحة وثقافة التخييم وممارسة بعض الرياضات، وحضور حفلات وسهرات فنية، وعروض مختلفة لا تتحقق في الولايات أو المنطقة التي يعيش فيها،  و ينتظر كل طفل سنة كاملة لعل اسمه يدرج في قائمة الأفواج الكشفية أو التخييم، لزيارة إحدى الولايات الساحلية.
أوضح عبد المنعم هناني، مدير مركز العطل والترفيه بمخيم الشباب عين عشير بعنابة، بأن مراكز العطل عبارة عن مؤسسات تربوية و ترفيهية تقدم أنشطة للأطفال في العطلة الصيفية في عدة محاور منها، المجال الرياضي، الترفيهي الثقافي البيئي السياحية، في أهداف مسطرة لهذه الفئة.
وأشار إلى أن مخيم عين عشير يستقبل أطفالا من عدة ولايات في دورات متواصلة تتجدد كل 15 يوما، يؤطر هؤلاء الأطفال فرقة بيداغوجية متكونة حسب القوانين المعمول بها في هذا المجال، مدير مخيم صيفي مرسم، مدراء فرعيين، منشطين، مراقبين للسباحة، مسير مالي يشرف على التغذية، وعيادة متكاملة تحتوي على مختلف الأدوية والإسعافات الأولية للأطفال.
وقال السيد هناني، «أهم نشاط يجلب اهتمام الأطفال وهو ما شدوا الرحال من أجله من الولايات الداخلية التي قدموا منها، وهي فترة السباحة، التي تعد نشاطا قائما بذاته يتطلب احترام تعليمات المراقبين والمنشطين، حماية الأطفال من الغرق وضربات الشمس» إلى جانب أنشطة على الشاطئ،  و ألعاب على الرمال، خاصة حينما يكون البحر هائجا، حيث تعوض السباحة باللعب، كما تبرمج  هناك منافسات رياضية ترفيهية، حيث تجتمع فرق الأطفال في شكل أولمبياد خاصة بالمخيم، تبدأ التصفيات منذ اليوم الثاني، في مجالات مختلفة منها السباحة، العدو، كرة الطائرة الشاطئية، بالإضافة إلى السهرات الفنية، وهو محور أساسي في حياة التخييم،  إذ يقدم المنشطون بأفواجهم أنشطة فلكلورية درامية، وألعاب فكرية بين الأفواج، وعروض « الداتاشو» تكون هادفة.  

حياة جماعية يحكمها النظام

وفي ما يتعلق بالانضباط ومدى تجاوب الأطفال مع برنامج المؤطرين، أوضح مدير المخيم، بأن حياة المخيمات الصفية ومراكز العطل والتخييم، تقتضي احترام النظام الداخلي الذي يسهر على تطبيقه وتنفيذه منشطون، وهم بالدرجة الأولى مربون، يتلقون تكوينا لمدة عامين، مؤهلون لاحتواء الأطفال ومرافقتهم طيلة 15 يوما في مختلف جوانب الحياة اليومية، ابتداء من النوم، الأكل في المطعم المرافقة في النشاطات، ويمكن قياس مدى تجاوب الأطفال مع ما يتلقونه في المخيم، من خلال روح الابتسامة والدعابة والحيوية التي لا تفارقهم، وحتى تغيير النمط المعيشي .
 الحياة الجماعية داخل المخيم حسب محدثنا  مؤطرة، ومُسخر لها كل الوسائل البيداغوجية، « هذا بلا شك يترك انطباعا حسنا لدى الأولياء ، خلال الزيارات أو الاتصالات عبر الهاتف».
وفي هذا الشأن أكد  المدير ، بأن المخيم يفرض تنظيم استخدام الهاتف النقال، من أجل أن يعيش الطفل مع البرنامج البيداغوجي الذي تم تحضيره، وبهدف التركيز، يقوم المؤطرون بجمع الهواتف ليلا ليكون الطفل متواصلا مع نشاطات المخيم فقط، وبعد فترة القيلولة في حدود الساعة الرابعة تُرجع إليهم الهواتف وتظل بحوزتهم إلى غاية وجبة العشاء، ثم تأخذ منهم مرة أخرى، استعدادا للسهرة.

نفسانيون للمساعدة على تخطي مشاكل التأقلم

وعن الصعوبات التنظيمية التي تعترض المؤطرين للسيطرة على شغب الأطفال، قال مدير المخيم، لا يخفى على الجميع بأن أطفال اليوم،  أبناء عصر يعرف بالتطور التكنولوجي، وبفضل الوسائل التي سخرتها مديرية الشباب والرياضة، من أجل تلبية رغبة الأطفال من حيث استخدام الوسائل التكنولوجية، من أجهزة حواسيب، « الداتاشو» ، مكبرات الصوت، الآلات الموسيقية، بالإضافة إلى مكتبة لتشجيع المطالعة، وكذا ورشات الرسم والفنون التشكيلية لتنمية المهارات لدى الأطفال وملء الفراغات، وأشار عبد المنعم إلى وجود صعوبات، لدى بعض الأطفال في التأقلم، والبكاء عند الدخول أول مرة للمخيم، لكن مع الأخصائيين النفسانيين يتم تجاوز هذا الأمر.
القائد شعيب عبد الصمد يتحدث للنصر عن تجربته الطويلة، في تأطير المخيمات الصيفية تمتد لسنة 1975، وما زال ليومنا هذا يرافق الشباب المنشطين ويؤطرهم في كيفية رعاية وتلقين الأطفال نظام المخيم.
قال القائد شعيب وهو تقني سامي في الصحة ينحدر من لاوية قسنطينة، له باع طويل في مرافقة الأطفال في المخيمات الصيفية، بدأ مسيرته مع الكشافة الإسلامية سنة 1967، حيث أشرف على أول مخيم صيفي كمنشط بسيدي فرج سنة 1975 كان مخصصا لأطفال الصحراء الغربية، واستمر القائد شعيب مع المخيمات لعدة سنوات دون انقطاع حبا وولعه بهذا المجال، كونه محب للأطفال. كما شارك في مخيمات خارج الوطن واليوم يُشرف على تدريب وتأطير المنشطين و نقل تجربته لهم.
واعتبر المتحدث المخيمات بمثابة الأسرة الثانية للطفل، عند قضائه العطلة الصيفية بعيدا عن العائلة، خاصة بالنسبة للأطفال المحرومين واليتامى، يتعلم فيها الطفل مختلف الفنون عن طريق المسرح السينما والأناشيد، وكذا والانضباط، سواء في ترتيب غرفة وسرير نومه والحرص على النظافة، إلى جانب السباحة، وتنتهي عطلته بربط صداقات ومعرفة تقاليد أطفال من ولايات أخرى. وعن الألفة وتجاوب الأطفال مع ما يتلقونه في المخيم خلال أسبوعين، قال القائد شعيب، بأنه يفضل عدم مشاهدتهم يغادرون بالدموع، لأنهم تعلقوا ببعضهم البعض، يرفض أغلبهم العودة إلى أهاليهم.
 من تلامذة القائد شعيب، بركات زين الذين وهو منشط مخيمات صيفية من الدرجة الأولى قادم من قسنطينة، تحدث للنصر عن مهمته قائلا « نحن هنا من أجل خلق جو من الفرح لدى الأطفال، وجعل الحياة الاجتماعية داخل المخيم يسودها التكافل والتضامن وكذا التعارف، خاصة مع وجود أطفال من عدة ولايات تختلف من حيث التقاليد، تجعل الطفل يكتسب أشياء جديدة في شخصيته، كما أن المخيم فرصة للمنشطين للتعرف على زملائهم من ولايات أخرى بغرب البلاد والجنوب، كما تتعدى مهمة المنشط تسيير الطفل فقط كمُرافق، بل يتوجب عليه خلق أنشطة وإدماجه فيها لإخراجه من العزلة وتفجير مواهبه».    
من جهتها قالت المنشطة لبنة غُرابي من ولاية عنابة، وهي طالبة جامعية مكلفة بتأطير فوج من أطفال ولاية تبسة،  بأن دورها الأساسي هو الحفاظ على الأطفال، تم تأتي المهام الثانوية الأخرى، فهي تكون مع الأطفال كمربية مكملة لعمل المدرسة والمنزل، لتواجدها معهم طيلة أسبوعين صباحا ومساء، وأشارت إلى أن المؤطرين في المخيم ينجحون في غرس مبادئ لدى الطفل قد يعرفونها من قبل لكن لا يطبقونها، وكل منشط يحمل ثقافة معينة يغرسها في طفل.
النصر التقت بالأطفال بعد عودتهم من الشاطئ في حدود الساعة السابعة مساء داخل المخيم، وهم كلهم حيوية ونشاط يلعبون فيما بينهم في المساحات الخضراء في انتظار موعد تناول العشاء، وفي حدود الساعة الثامنة دق الجرس للتوجه إلى المطعم، حيث تجمع نحو 200 طفل وسط مناداة المنشطين كي لا يتأخروا عن موعد العشاء، وكل مؤطر يجلس مع عشرة أطفال في طاولة واحدة للحرص على انضباطهم في تناول الطعام، وسط هدوء شبه تام، النصر شاركت الأطفال وجبة العشاء، حيث قدمت لنا «الصلاطة» و»طاجين الزيتون»، مع المشروبات الغازية وفاكهة العنب، وكان عمال المطعم يحرصون على تقديم الطعام في وقت واحد، لتفادي احتجاج الأطفال.

التخييم حلم أطفال المدن الداخلية

ومباشرة بعد الانتهاء من وجبة العشاء خرج الأطفال للعب بساحات المخيم في فترة استراحة، وبعد نحو نصف ساعة، بدأت صفارة أحد المنشطين تدعوهم للتجمع، حيث اصطفوا بانتظام في تجمع شبه عسكري، وصعد المنشط فوق منصة وبدأ يردد هتافات وأناشيد، والأطفال يرددون بعده، متبوعة بحركات وتصفيقات، ونحو ربع ساعة استمر العرض، والمنشط يحفز الأطفال للتفاعل أكثر، وعند انتهاء العرض تقدم كل مؤطر لأخذ مجموعته في صف، باتجاه منصة الهواء الطلق المطلة على شاطئ عين عشير، والأطفال متمتعون بنسمات البحر، وأخذ كل طفل مكانه، ليبدأ التحضير لتقديم العروض الفنية، ممزوجة بالوصلات الموسيقية، كما تخلل  السهرة عرض أفلام هادفة للأطفال، تنتهي في حدود الساعة العاشرة ليلا، ليفسح المجال للأطفال، كي يخلدوا  للنوم تحضيرا ليوم جديد ومغامرة أفضل.
النصر اقتربت أكثر من الأطفال الذين استقبلهم المخيم من ولايتي تبسة وغرداية، حيث تتراوح أعمارهم ما بين 7 و13 سنة، أجمعوا في حديثهم إلينا، على أن التخييم فرصة لتعلم الانضباط والاعتماد عن النفس، وتعلم السباحة، وكذا الأناشيد والأغاني الهادفة، والتعرف على أصدقاء جدد والبقاء في تواصل معهم، حتى بعد مغادرة المخيم، وقال الطفل صوالحية أيمن من ولاية تبسة، بأنه اعتاد الذهاب للمخيمات كل موسم اصطياف، كانت له زيارة لعدة ولايات ساحلية منها سكيكدة، بجاية جيجل، وتيبازة، اكتسب فيها العديد من المعارف والتجارب الجديدة، اقتسمها مع أصدقائه، كما يحرص كل سنة على تجديد انخراطه في مؤسسة ديوان الشباب للحصول على بطاقة، تمكنه من قضاء العطلة الصيفية والتسجيل في رحلات التخييم، التي تنظم بالتنسيق بين مديريات الشباب والرياضية والوكالة الوطنية للعطل والتخييم. 

روبورتاج: حسين دريدح       

الرجوع إلى الأعلى