الكشف  المنزلي خدمة  جديدة لكسر احتكار العيادات  و كسب ثقة المرضى
خلق بعض الأطباء الجزائريين الشباب مؤخرا نوعا جديدا من الاستشارات و المعاينات تغير الصورة النمطية لعلاقة الطبيب بالمريض،  حيث أنهم لا ينتظرون الزبائن في عياداتهم الخاصة فقط، بل باتوا على استعداد للتنقل مباشرة الى منازلهم من أجل الكشف و المعاينة، كسبا لثقة المرضى و خدمة لسمعتهم كممارسين خواص استقلوا عن القطاع العمومي، و كذا  بحثا عن فرصة للشهرة و النجاح في قطاع يعرف منافسة شرسة.

ثقافة المعاينة الطبية المنزلية تعد جديدة في مجتمعنا، بالرغم من أن الجزائريين اكتشفوها قبل سنوات في المسلسلات العربية و التركية و الأفلام الأجنبية، لكنهم لم يختبروها من قبل ، على اعتبار أن الكشف الطبي في بلادنا يعني مباشرة زيارة المستشفى أو عيادة الطبيب.

فايسبوك خلق جسر اتصال بين الطبيب و المواطن

انتشرت في الآونة الأخيرة عبر موقع التواصل الاجتماعي فايسبوك، صفحات و منشورات ترويجية للإعلان عن خدمات المعاينة الطبية المنزلية، حيث عمد الكثير من الأطباء، خصوصا في تخصصات الإنعاش و الطب العام ، إلى نشر إعلانات لعرض خدمة التنقل إلى غاية منزل المريض للكشف عليه، بدلا من انتظاره في العيادة، علما أن الخدمات الطبية لا تقتصر فقط على المعاينة البسيطة و قياس ضغط الدم أو السكري، بل تشمل فحص تخطيط القلب و كذا التصوير بالصدى « الإيكوغرافي».  
الدكتور بحري .و،  أخصائي في  الإنعاش من العاصمة، يعتبر من بين الأطباء السباقين إلى تكريس ثقافة المعاينة الطبية المنزلية، و قد أكد للنصر، بأن هذا النوع من المعاينة ظهر مؤخرا مع موجة الأطباء الشباب الذين اتخذوا لأنفسهم عيادات خاصة بعد استقلالهم عن القطاع العمومي الذي لم يقدم لهم الكثير لتحقيق النجاح، حتى بالنسبة لأولئك الذين جربوا التنقل إلى الجنوب و العمل هناك، مشيرا إلى أنه يعد من أوائل الأطباء الذين نشروا إعلاناتهم على مواقع التواصل الاجتماعي و تحديدا فايسبوك، و قد راودته الفكرة بعد عودته من الجنوب أين أنهى فترة الخدمة في القطاع العمومي، ليقرر فتح عيادة خاصة و للترويج لاسمه و  اكتساب ثقة الزبائن  لجأ إلى هذا النوع من الإشهار، حيث أنه يتنقل، حسب طلب المرضى، عبر كل أحياء  العاصمة مزودا بتجهيزات الكشف و المعاينة على غرار جهاز تخطيط القلب»  أوسيجي» ، بالإضافة إلى جهاز التصوير بالصدى «الإيكوغرافي»، موضحا بأن الجهازين كلفاه الكثير، فسعر الأول 20مليون سنتيم أما الثاني فكلفه حوالي 250 مليون سنتيم.
المختص أشار إلى أنه تمكن إلى غاية الآن من اكتساب ثقة عدد من الزبائن، خصوصا وأن تكلفة الكشف مقبولة، إذ تتراوح بين 2000 و 3000دج و هي نفس تكلفة الخضوع للكشف عبر ذات الأجهزة في أي عيادة خاصة، بالرغم من  ذلك، فإن التنقل للكشف المنزلي لا يزال ممارسة جديدة نوعا ما في مجتمعنا و بعض الزبائن لا يتصفون بالجدية في التعامل مع الأمر، حسبه، إذ كثيرا ما يتلقى اتصالات من مرضى أو ذويهم قصد طلب الكشف أو المعاينة و بمجرد وصوله إلى العنوان المطلوب، يفاجأ  بغلق المريض لهاتفه أو اعتذاره عن الاستشارة، لأنه قرر في آخر لحظة الذهاب إلى المستشفى و غير ذلك من الأعذار.
 و بالنسبة لدفع تكلفة الكشف، يقول المتحدث، بأن البعض يلتزم بدفع قيمة المعاينة بالمقابل يكتفي البعض بدفع مبلغ 500دج دون أي حرج، رغم علمهم بأن قيمة الاستشارة أو المعاينة في العيادة قد تصل إلى 4000دج، وهي بعض السلوكات التي أخرت تطور و انتشار هذا النوع من الكشف الطبي في بلادنا، خصوصا وأن التنقل أحيانا إلى منازل المرضى، قد يكلف الطبيب قيمة الكشف في حال عدم توفر سيارة خاصة، لذلك لا يمكن القول حاليا بأن هذه المعاينات مربحة، بقدر ما تساعد الطبيب على اكتساب سمعة جيدة و عدد أكبر من الزبائن.

خدمة قد تفك عزلة  سكان المناطق النائية

الدكتور بن غريب، طبيب عام من ولاية سطيف، أوضح بدوره بأنه استطاع مضاعفة عدد مرضى عيادته بفضل الكشف المنزلي، مشيرا إلى أنه بدأ التنقل إلى منازل مرضاه  قبل سنة، لكنه وسع نشاطه بفضل صفحته الخاصة على فايسبوك، إذ عمد إلى نشر إعلان مرفق برقم هاتفه لطلب خدمة المعاينة الطبية المنزلية، و قد بدأ تدريجيا في جذب مرضى جدد، حيث بات يقسم يومه بين المعاينات في العيادة و التي بات يعتمد فيها على برنامج مواعيد مسبقة، و التنقل لمنازل المرضى عند الطلب.
 محدثنا قال بأنه كثيرا ما يتلقى طلبات كشف و معاينة من مرضى يقيمون في مناطق بعيدة نوعا ما و يتعذر عليهم التنقل الى العيادة، خصوصا إذا تعلق الأمر بكبار السن و الأطفال، معلقا بأن اعتماد عدد أكبر من الأطباء المختصين لممارسة هذا النوع من المعاينات، من شأنه أن يفك عزلة سكان المناطق النائية، كما أنها تعد خدمة ذات بعد إنساني، مع أن التنقل في حد ذاته، يبقى تحديا نظرا لوضعية الطرقات المؤدية إلى بعض البلديات و المداشر، مع ذلك، حسبه، فإن أغلب المرضى الذين سبق له زيارتهم في منازلهم، أصبحوا من زبائن عيادته الأوفياء.

دعوة لالتحاق أطباء أمراض النساء والتوليد بالمبادرة

بعض من سألناهم من المواطنين المهتمين بالخدمة، أكدوا بأن مثل هذه المعاينات تعد ضرورية، خصوصا في الحالات الحرجة و المستعجلة أو تلك التي تتطلب متابعة مستمرة، حسب عبد الرحمان، فإن  المعاينة المنزلية تحفظ كرامة المريض الذي يتعرض لمعاملة سيئة في المستشفيات، فضلا عن أن تكلفة الكشف في المنزل مقبولة و هو ما يختصر على ذوي المريض أو المريض نفسه، الوقت و الجهد، خصوصا في حال عدم امتلاك المعني لسيارة خاصة، لأن الفرق في التكلفة حوالي 500دج يدفع عادة لنقل المريض إلى المستشفى في سيارة أجرة، فلما لا تمنح القيمة الإضافية للطبيب ليتنقل شخصيا إلى مريضه.
 نفس الرأي تبنته سمية ، مضيفة بأن الجميل في هذا النوع من المعاينات هو أن الأطباء يتنقلون  مع تجهيزات الكشف، أي أن المعاينة شاملة و ليست مجرد رأي طبي و وصفة دواء دون كشف.
بالمقابل تحدث مواطنون آخرون عن أهمية توسيع مجال التخصصات المعنية بهذا النوع من المعاينات، خصوصا طب الأطفال و أمراض النساء و التوليد، إذ اعتبر الكثيرون، بأن هذه التخصصات جد مطلوبة و تعتبر الأكثر حرجا، فالعديد من السيدات تواجهن خطر الموت و هن ينتظرن دورهن في قاعات الانتظار المكتظة عند أطباء أمراض النساء و التوليد، كما أن بعضهن يقمن في مناطق معزولة و لا تتوفر حتى على مصحات أو قاعات علاج و وجود طبيب مستعد للتنقل إلى منزل المريضة، قد ينقذ حياتها و حياة جنينها.
 و كذلك الأمر بالنسبة لأطباء أمراض الأطفال، فجاهزية الطبيب لزيارة مريضه في المنزل قد يغني الأولياء عن نقله إلى المستشفى أو العيادة و تكبد عناء الانتظار، خصوصا أثناء الليل أو في أيام العطل الأسبوعية التي تغلق خلالها العيادات الخاصة، و تكون مصالح الاستعجالات في المستشفيات شبه فارغة من الأطباء و المختصين.     

روبورتاج:  هدى  طابي

الرجوع إلى الأعلى