سموم خلف واجهات مطاعم و مخابز بشواطئ جيجل  
كشفت خرجات ميدانية لفرق مراقبة النوعية وقمع الغش بجيجل عن تجاوزات خطيرة تهدد صحة المصطافين،  منها انعدام النظافة و  نقص المياه واستعمال لحوم مجهولة المصدر أو تركها عرضة للصراصير والأتربة، إضافة إلى عدم التزام العمال بالهندام وغسل الأيدي، واستخدام مياه ملوثة لغسل الأواني، كما لوحظ أن المراحيض مفتوحة على قاعات إعداد الطعام والمواد تخزن في ظروف غير صحية. هي عينة عما يتهدد مرتادي المدن الساحلية من مخاطر ناجمة عن ضعف ثقافة الالتزام بشروط النظافة والبحث عن الربح السريع على حساب صحة المواطن الذي يدفع المال لاستهلاك السموم.

النصر رافقت رئيس المفتشية الإقليمية للتجارة بالطاهير، و فرقتين مكلفتين بمراقبة النوعية و قمع الغش إلى محلات بلدية سيدي عبد العزيز و الشاطئين الموجودين بها ووقفت على حقيقة ما يجري خلف واجهات براقة للمطاعم والمخابز ومحلات بيع المأكولات.

مخبزة تفتقد لأدنى الشروط الصحية

 كانت الانطلاقة من مخبزة متواجدة بوسط الشارع الرئيسي، و أخبرنا أحد الأعوان بأن الفرصة جد مواتية، كون هاته المخبزة يجدونها في أغلب الأوقات مغلقة، دخلنا من الباب الخلفي، حيث يوجد الفرن، فلم نصدق ما شاهدناه، من نقص فادح للنظافة، و بعد تقديم الأعوان لبطاقتهم، طالبوا من صاحب المحل، تقديم السجل التجاري و نسخة عن الشهادات الطبية الخاصة بالعاملين، فيما توجه باقي الأعوان إلى أماكن أخرى في المحل.
و فوجئوا بكون باب المرحاض مفتوحا مباشرة على ورشة تحضير الخبز، و جدران السطح مهترئة، كما أن العمال لا يرتدون  مآزر العمل، و قال عون الرقابة لمالك المخبزة، بأن الشهادات الطبية قديمة، ومن المفروض أن يتم تجديدها، وقد تحجج المعني بأن باب المرحاض كان مغلقا، كما أن ارتفاع درجة الحرارة منع العمال من ارتداء مآزر العمل، و تم تقديم لصاحب المخبزة، استدعاء للحضور إلى مفتشية التجارة بالطاهير، و قدمت له مهلة 48 ساعة لإزالة النقائص، مع إمكانية اللجوء للغلق، لعدم احترام شروط النظافة و العمل. و توجهنا بعد ذلك إلى مطعم على بعد أمتار من المخبزة، حيث وجد أعوان المراقبة، صدفة  أحد الأشخاص يقوم بتقشير البطاطا في مرآب، و عندما سألوا عنه ، تبين بأنه تابع للمطعم، و يستغل لتخزين بعض المواد الغذائية ، و عندما فتح الأعوان الثلاجة، وجدوا كمية من الدجاج دون وسم، فطلب مفتش التجارة، من صاحب المطعم تقديم الشهادة الصحية للدجاج، فأخبره بأنها غير موجودة، لأن موزع الدجاج لم يقدمها له، متحججا بأنه قد نسيها. وقام  الأعوان بوزن الدجاج و حجزه في انتظار إخضاعه للفحص من قبل البيطري.

غياب المياه و دجاج دون وسم  

توجهنا مباشرة إلى داخل المطعم، و إلى المطبخ تحديدا، فوقف عناصر الرقابة على أهم النقائص الموجودة، و من بينها عدم توفر المياه، مع وجود تسريبات، و قال أحد الأعوان لصاحب المحل بأنه يجب أن يتخلص من العيدان الخشبية المستعملة للشواء، مشيرا بأنها تستعمل لمرة واحدة فقط، عكس الأعواد الحديدية. كما استغرب الحاضرون  وجود كمية من دلاء و أواني المياه الصالحة للشرب بالقرب من المرحاض. و لدى اطلاعهم على مدة صلاحية الزيت المستعمل في قلي البطاطا، تبين بأنه في حالة جيدة، و أمر أعوان الرقابة عمال المطعم بضرورة الحفاظ على شروط النظافة، ثم طلب مفتش الرقابة من صاحب المحل، الحضور إلى المفتشية لأنه ارتكب مخالفة، مشيرا إلى أن تقرير البيطري سيحدد وجهة الدجاج الذي تم حجزه، إما الإتلاف أو تحويله، و قد تحجج صاحب المحل، بأنه لم يمر يومين على  فتحه للمحل، كونه كان يعمل في العاصمة، الأمر الذي لم يشفع له لدى أعوان التجارة.

لحوم ممزوجة بالأتربة والشعر

الوجهة التالية هي متجر للتموين بالمواد الغذائية، فكانت أولى الملاحظات الموجهة لصاحب المحل، ضرورة وضع أسعار مختلف المنتجات، خصوصا الخضر و الفواكه، كما طلب أعوان الرقابة منه، تنظيف محله التجاري نظرا لكثرة الغبار داخله.
و لدى معاينة، خلفية المحل، وجدنا خزانا لتحضير اللبن، و كانت كل الأمور تشير إلى أن الأمور على ما يرام ، لكن بعد لحظات كانت الفاجعة، لدى فتح الأعوان للثلاجة، و جدوا داخلها سمكة وضعت قرب  اللبن ، و لم نفهم السبب ، فأخبرنا صاحب المحل بأن شخصا أهداه السمكة، فوضعها داخل الثلاجة، الأمر الذي رفضه أعوان الرقابة لأنه يتنافى مع القواعد الصحية و شروط النظافة،  و قدم له استدعاء للحضور إلى مقر المفتشية، لتحرير محضر ضده.
واصلنا السير بعد ذلك باتجاه بعض المحلات الموجودة في الشارع الرئيسي للبلدية، و كانت كل العيون مصوبة إلى فرقة التفتيش، فبمجرد رؤيتهم لها ينتابهم الخوف و الارتباك و تتغير ملامحهم ، لدى دخولهم أي محل تجاري.
و كانت الوجهة التالية الشاطئ المركزي، حيث توقفنا أمام مطعم، و أسفر التفتيش عن اكتشاف كمية من اللحم، مليئة بالتراب و الشعر فقام أعوان التجارة، بإتلافها، و تحرير استدعاء لصاحب المطعم.

  أوساخ و صراصير  بأماكن إعداد الطعام

بعد وصولنا إلى شاطئ سيدي عبد العزيز المركزي، في حدود منتصف النهار، باشر أعوان الرقابة عملية تفتيش و مراقبة الأكشاك، و لدى تفقدنا الكشك الأول، أول ما لاحظناه غياب النظافة، وعدم مسح  الطاولات، فتوجهنا إلى مكان تحضير المأكولات. المشاهد هناك يصعب تصورها، فوضى عارمة و أدوات تحضير و طهي الطعام ملقاة على الأرض، و يبدو أنها لم تنظف منذ ساعات، و اتضح بعد الحديث مع عمال الكشك، أنهم يعانون من نقص الخبرة في العمل، و كذا التعامل مع الأشخاص.
توجهنا إلى كشك آخر بالشاطئ، و أول ملاحظة رصدها الأعوان ، عدم احترام سلسلة التبريد،  و قاموا بعملية فحص الزيت، فتبين بأنه غير صالح للاستعمال، بسبب عدد المرات المتكررة التي استخدم فيها في القلي، و واصلنا السير نحو  الكشك الثالث، وبعد فحص دقيق وجد أعوان الرقابة، كمية من المثلجات لا تحمل تاريخ انتهاء الصلاحية، فأتلفوها  مباشرة، و أعرب صاحب الكشك، عن غضبه  من هذا الإجراء  متحججا بأنه اشترى كمية من المثلجات و لا يستطيع مراقبة تواريخ كل العلب، فأخبره المفتش بأنه سيتم التصرف مع مصنع المثلجات، لكن عملهم يقتضي حماية المستهلك، و إتلاف كل المنتجات التي يشتبه فيها ، و من الممكن أن تتسبب في الضرر للمواطنين، ليواصل أعوان الفرقة عملية المراقبة، حيث وجدوا كمية من «الجبن» و «الديول»، موضوعة في ثلاجة غير موصولة بالتيار الكهربائي، و لدى استفسارهم عن السبب، أخبرهم صاحب الكشك، بأنه نسي تشغيلها، فطلب الأعوان منه أن يطلعهم على اسمه، فرفض تقديم بطاقة التعريف، أو معلومات عن هويته، ما جعل أعوان الفرقة يخبرونه بأنهم سيلجأون إلى البلدية لأخذ المعلومات كاملة، عندئذ تراجع المعني عن قراره، وقدم بياناته الشخصية .
ما يمكن ملاحظته بشكل عام في الأكشاك ، غياب النظافة بشكل كامل، و تراكم الأوساخ، و عدم تغيير مياه تنظيف الأواني، و كذا الملابس الملقاة على  الأرض، و انتشار الصراصير ،  ورغم التنبيهات المقدمة سابقا من طرف فرقتي مراقبة النوعية و قمع الغش، إلا أن التجار لا يترددون في المغامرة بصحة المواطن، بعرض مواد استهلاكية غير صالحة، وقبل عودتنا، حررت الفرقتان العديد من المخالفات لأصحاب الأكشاك.
و بالموازاة مع عملية الرقابة، يقوم الأعوان خلال  كل زيارة إلى الشواطئ، بعملية تحسيسية، وسط المصطافين، حول مخاطر التسممات، و تقديم الإرشادات الواجب إتباعها لحماية  صحتهم، حيث توجهنا إلى العائلات الجالسة تحت الشمسيات بالشاطئ، و وزعنا عليها مجموعة من المطويات، بالإضافة إلى تقديم نصائح إلى  ربات البيوت، حول طرق حفظ المأكولات  في الشاطئ.


العنصر النسوي عنوان للصرامة


ورغم صعوبة عمليات التفتيش إلا أن العنصر النسوي في الفرقتين، كان دوره كبيرا في الكشف عن مختلف التجاوزات ، و يتحلى بالصرامة في القيام بمهامه. لقد تركت العونات الثلاث منازلهن، يوم السبت، لأداء واجبهن المهني، و كسرن بذلك، ما يروج حول عدم قدرة النساء على أداء مثل هذه المهمة. أحد المحققين الرئيسيين قال بخصوص زميلاته» في مرات عديدة عندما لا تكون زميلاتي حاضرات، يعلق أصحاب المحلات، بأنهن يكتشفن خبايا لا يمكن للرجال اكتشافها، داخل المحل». و قالت محققة رئيسية للنصر بأنها فخورة بالعمل ضمن فرقة التفتيش، و اعتبرته من بين المهام النبيلة الرامية إلى المحافظة على صحة المواطن و تجنب وقوع تسممات قد تصل إلى حد الموت في بعض الحالات، مشيرة إلى أنها في بداية ممارستها لهذا العمل سنة 2000،  كانت تتلقى صعوبات عديدة، من بينها  عدم تقبل عائلتها له، لكن بمرور الوقت، و بعد اكتساب الخبرة، تربعت رفقة زميلتها على عرش الرقابة الفعلية، مؤكدة بأن الضمير المهني هو السيد في عملهن.
في حين قال رئيس المفتشية الإقليمية للتجارة بالطاهير بأن طبيعة عملهم، تقتضي التواجد اليومي، خصوصا في موسم الاصطياف، أين تكثر ثقافة الاستهلاك لدى المواطن، و يقابلها جشع  بعض التجار و استغلالهم لفرصة زيادة الطلب على الوجبات السريعة، و طرح محدثنا مشكلة متعلقة بعرض المنتجات غير المطابقة و خاصة سريعة التلف، مؤكدا وجود تجار لا يعرفون طرق عرض السلع  في أجهزة التبريد و الرفوف.
و أضاف المسؤول بأنه تم ضبط كافة الأمور، لتفعيل عنصر الرقابة عبر 7شواطئ تابعة لمجال اختصاصه، مؤكدا تشديد المراقبة اليومية عبر مختلف المحلات، ما مكن من حجز كميات جد معتبرة من المواد التالفة، و تحرير محاضر متعلقة بغياب النظافة، و شدد المتحدث بأن المتابعة اليومية للشواطئ، مكنت من تجنيب المواطنين العديد من المخاطر المحتملة، مثمنا في نفس الوقت الجهد المبذول من طرف الفرق التابعة للمفتشية، و العنصر النسوي القائم بدوره كما يجب.
و من بين الصعوبات التي يواجهها  الأعوان خلال ممارسة مهمتهم في موسم الاصطياف و لدى مراقبة الشواطئ، كما قال المتحدث، تلك المتعلقة بعدم التصريح بهوية صاحب الكشك، مؤكدا بأن الإشكال قد تم تداركه في الآونة الأخيرة، خصوصا بعد تنظيم الشواطئ، و القيام بعمليات كراء المحلات و الأكشاك من قبل البلدية، حيث أصبح من السهل التعرف على مالك الكشك، و تحرير المحضر اتجاهه. و أوضح مدير التجارة بأنه تم توجيه نشاط فرق الرقابة عبر إقليم الولاية، حسب الفترة الصيفية، أين تم تقديم تعليمة لرؤساء المفتشية  تتضمن تخصيص فرق لمراقبة الشواطئ المحروسة و التي توجد بها نشاطات تجارية، خصوصا تلك المتعلقة بالإطعام و بيع المنتجات الغذائية، مضيفا بأنه بعد الاطلاع و مراقبة 27 شاطئا محروسا بولاية جيجل، تبين بأن 22 شاطئا تمارس به نشاطات تجارية، مما استدعى تخصيص 22 فرقة مراقبة، موضحا بأن عملية الرقابة تستمر طيلة ساعات اليوم، و تصل إلى غاية ساعات متأخرة من الليل.    

روبورتاج : كريم طويل

الرجوع إلى الأعلى