غابات كوندورسي وشليا بالأوراس بديل العائلات عن شواطئ البحر
يجد العديد من المواطنين بولاية باتنة وما جاورها في فصل الصيف، ما يُغنيهم عن الذهاب إلى البحر لقضاء العطلة أو البحث عن وجهات سياحية، وذلك نظرا لما تتربع عليه جغرافيا الأوراس من ثروات طبيعية عذراء نادرة، تضاهي وتحاكي جبال الألب بأوروبا. فالعديد يفضلون الغابات، وبعض المنتجعات الجبلية، على غرار عين كروش بكوندورسي وشليا وغيرها، التي تشكل ملاذا للاستجمام والراحة النفسية والترفيه، يقصدها الآلاف من المواطنين، حيث تكتظ بالعائلات والشباب خاصة في أيام العطل.

المناطق الغابية، التي تتوفر عليها ولاية باتنة،  لها خصائص طبيعية وبيولوجية تميزها عن باقي الولايات، وتشكل ثروة طبيعية هائلة غير أن الكثير من هذه المناطق، لا تزال غير مستغلة في المجال السياحي لغياب الاستثمار في السياحة الجبلية ونقص المرافق الخدماتية.
ثروة غابية نادرة غير مستغلة سياحيا
تتميز ولاية باتنة، بطابع جغرافي ذي تضاريس جبلية متنوعة، وتجمع طبيعتها أيضا بين التل والصحراء، وهي بذلك تتميز عن عديد الولايات في طبيعتها الممتدة بين غابات الأرز الأطلسي، بجبال قيتان برأس العيون غربا، إلى الأرز الأطلسي بغابات جبال شليا، المترامية بين ولايتي باتنة وخنشلة شرقا، أين نجد قمة رأس كلثوم التي هي أعلى قمة جبلية بالشمال الجزائري بعلو 2823 مترا، وتتنوع تضاريس عاصمة الأوراس، بين ما تزخر به الحظيرة الوطنية لبلزمة من نباتات وحيوانات عبر سبع بلديات بالجهة الشمالية والغربية، وبين الواحات الصحراوية بأمدوكال وما تضمه شرفات غوفي جنوبا و التي تجمع بين ثروات طبيعية نجدها في شمال الوطن وفي جنوبه.
وتتربع ولاية باتنة، على مساحات غابية تقدر بـ327 ألف هكتار تجمع بين الأشجار الغابية والأحراش، عبر 54 بلدية من مجموع 61 بلدية تابعة إداريا للولاية، وتمثل مساحة الغابات 27 بالمائة من المساحة الجغرافية الإجمالية لعاصمة الأوراس باتنة، وتضم المساحات الغابية، مناطق رطبة طبيعيا، كشط جندلي وقداين، وتمارة وأخرى رطبة اصطناعيا، منها المحيطة بسد كدية لمدور بتيمقاد، وبوشبرقة بوادي الطاقة، وتضم عديد البلديات خاصة الجبلية منها منابع مائية وبحيرات منها ما يحكي أساطير ضاربة في أعماق التاريخ لا تزال متداولة بين سكانها إلى يومنا هذا، كشلالات وبحيرة العروسة بالرحوات “ثالة نتسليث” وغيرها من الأماكن المنتشرة عبر مختلف ربوع الأوراس.
وعلى الرغم، من أن الكثيرين يفضلون السياحة الجبلية على السياحة الساحلية، في فصل الصيف للراحة والاستجمام، غير أن المؤهلات الطبيعية التي تتوفر عليها ولاية باتنة تبقى غير مستغلة سياحيا، في ظل غياب المرافق الخدماتية التي غالبا ما تقتصر على طاولات الشواء التي يقدمها شباب بطالون يجدون في هذا النوع من التجارة، ببعض المناطق الجبلية التي يقصدها المواطنون فرصة لتحقيق كسب مادي.
قمم تضاهي الألب وثلوج بالمرتفعات على مدار العام
رغم انعدام المرافق والإمكانيات، التي يمكن أن تستقطب السياح إلى المناطق الجبلية والغابية، عبر مختلف أنحاء تراب ولاية باتنة، والتي إن وجدت على غرار شاليهات شليا، فإنها تبقى لا تلبي كافة الطلبات في كثير من الأحيان،  و رغم ذلك فإن بعض المواقع، تستقطب زوارا بالآلاف، على غرار منطقة عين كروش بكوندورسي (حملة) المتواجدة على مشارف مدينة باتنة، حيث ساهم قرب مسافتها من التجمعات السكنية الحضرية الكبرى في تحولها إلى قبلة سياحية للتنزه والراحة.
وتندرج غابة كوندورسي ومنبع عين كروش، ضمن الحظيرة الوطنية المحمية لبلزمة، حيث يعج هذا المكان بالآلاف من الزوار في أيام العطل ونهاية الأسبوع بالعائلات، والشباب عشاق الطبيعة، وممارسي رياضات الركض والدراجات الهوائية، الذين يجدون في المكان السكينة والهدوء والراحة، فتجد العائلات تفترش الأرض هنا وهناك وسط الحشائش الخضراء، وتحت ظلال الأشجار، والأطفال يلعبون ويمرحون وعلى محياهم يبدو السرور والابتهاج، وتفضل عائلات التوجه للتنزه وجلب المياه من منبع عين كروش المتواجد في سفح جبال الشلعلع، بذات المنطقة، وهو المنبع الذي تطل منه أشجار الأرز الأطلسي النادرة المتعالية والباسقة في علوها.
وتعد غابات شليا، المترامية بين ولايتي باتنة وخنشلة، والتي تتواجد بها ثاني أعلى قمة بالجزائر ألا وهي قمة رأس كلثوم، من بين المناطق السياحية الجبلية الخلابة، التي تعد مقصدا للعائلات والشباب ليس من ولايتي باتنة وخنشلة فحسب، بل يقصدها زوار من مختلف ولايات الوطن، وحتى الأجانب لاستكشافها، والتمتع بمناظرها الساحرة النادرة، لما تتوفر عليه من ثروة نباتية وحيوانية نادرة.
وسيتفاجأ الزائر المتجول في غابات شليا، بوجود ثلوج في مرتفعات قممها على مدار فصول السنة الأربعة، حيث تبقى بعض البقايا المتساقطة في فصل الشتاء بالأعالي، وهو العامل الذي جعلها تستقطب الزوار في فصل الصيف هروبا من الحرارة المرتفعة من جهة، حيث لا تتجاوز بها درجة الحرارة الثلاثين درجة مئوية، ويتيح المكان من جهة أخرى، التمتع بمناظر الطبيعة والاسترخاء بعيدا عن صخب المدن وتوترات الحياة، كما أن المكان شاهد تاريخي على جرائم فرنسا التي كانت ترمي بالمجاهدين، بعد تكبيلهم من أعلى منعرجات حنبلة، ويتواجد بالموقع معلم لحفظ الذاكرة المأساوية كشاهد على جرائم الاستعمار الفرنسي.  
 وبشليا تتواجد شاليهات، توفر خدمات بأسعار في المتناول بسعر مبيت لليلة بخمسمائة دينار، فضلا عن ذلك فهي تقدم خدمات مرضية، فهي تتوفر على مطعم وكافيتريا، وقاعة محاضرات، ومراقد بطاقة استيعاب 160 سريرا، وتضم أيضا بنغالوهات، منجزة بحطب الأرز ما زادها رونقا وجمالا وسط الطبيعة العذراء، بالإضافة لموقعها الذي زادها بهاء أيضا، فهي تتواجد على مسطح جبلي وسط أشجار الأرز الكثيفة.  
مشاريع للاستثمار في ست غابات ستسند للخواص
كشف عثمان بريكي، رئيس مصلحة حماية النباتات والحيوانات، بمحافظة الغابات لولاية باتنة، عن استفادة المحافظة من مشاريع هامة لتهيئة غابات عبر عدة بلديات لجعلها أقطابا سياحية تتوفر على مرافق توفر مختلف الخدمات، وأوضح ذات المسؤول، بأن المشاريع حظيت بالموافقة بعد تصنيف ست غابات معنية بإنجاز المشاريع التي ستسند للخواص.
وحسب رئيس مصلحة حماية النباتات والحيوانات، بمحافظة الغابات لولاية باتنة، فإن الغابات المعنية بالتصنيف للاستثمار في مجال السياحة الجبلية هي غابة بوييلف بفسديس، غابة بوزوران إلى جانب مدينة باتنة، غابة هرقالة بمروانة، غابة الحمادة بعين التوتة و غابة ذراع الزيتون بأريس، وقال ذات المسؤول لـ”النصر”، بأن المشاريع بلغت مرحلة إعداد دفاتر الشروط والأعباء على أن يشرع على الأقل قبل نهاية السنة الحالية في تجسيد  ثلاثة مشاريع خاصة بالغابات السياحية.
المشاريع الجديدة التي استفادت منها محافظة الغابات، لتأهيل فضاءات غابية وجعلها مواقع سياحية تتوفر على مختلف الخدمات، تعد الأولى من نوعها وسيمنح تسييرها حسب مسؤول الغابات، إلى مستثمرين خواص وفق دفتر شروط، مؤكدا على أهمية مثل هذه المشاريع، مشيرا لتوفير كل المتطلبات الخدماتية، التي يمكن أن يطلبها  الزوار السياح بالغابات التي سيشملها الاستثمار. رئيس مصلحة حماية النباتات والحيوانات بمحافظة الغابات لولاية باتنة، أشار في سياق تشجيع السياحة الجبلية إلى ما تقوم به مصالح الغابات، بالتنسيق مع جمعيات على غرار جمعية أصدقاء إمدغاسن، في التعريف بالثروات الغابية كتنظيم منافسات رياضية في العدو الريفي، مشيرا لبروز جمعية رياضية خاصة بهواة ممارسي رياضة المظلات الهوائية، حيث أكد بأن الجمعية باتت تستقطب العديد من هواة هذه الرياضة التي يمارسونها من أعلى المرتفعات الجبلية.
 وأشار المسؤول بمحافظة الغابات، من جانب آخر إلى تهيئة، الموقع المحاذي لحديقة الحيوانات بمرتفعات جرمة التي تندرج هي أيضا ضمن الحظيرة الوطنية لبلزمة، في حين أوضح بأن حديقة الحيوانات التي تشرف عليها إدارة الحظيرة لا تزال أبوابها مغلقة لأسباب تتعلق بتوفير ضروريات تسييرها، في انتظار إيجاد حلول لإعادة فتح أبوابها مجددا.  
عصابات تستهدف الصنور الحلبي والأرز
إذا كانت غابات شليا وكوندورسي وغيرها من المناطق الغابية، كغابة بني ملول أيضا بكيمل، التي تعد من أكبر  الغابات مساحة وكثافة على المستوى الوطني، كونها تتربع على هكتارات عبر ثلاث ولايات هي  باتنة وخنشلة وبسكرة، تعد مناطق سياحية بامتياز لها من المؤهلات الطبيعية ما يغني سكان الولايات الداخلية والجنوبية في البحث عن وجهات سياحية، فإن هذه الغابات تحدق بها أخطار عدة باتت تهدد مساحاتها بالتقلص سنويا بشكل ملحوظ.
وأبرز هذه الأخطار، الحرائق السنوية وعصابات سرقة الحطب التي تقوم بتعرية الغطاء الغابي وقطع أشجار عمرت قرونا من الزمن، بالإضافة لعوامل طبيعية كظاهرة موت بعض الأصناف من الأشجار بسبب التغيرات المناخية التي أثرت بصفة خاصة على أشجار الأرز الأطلسي بجبال الشلعلع بعدما أدت إلى موت الكثير منها.
مصالح الغابات لولاية باتنة، سجلت منذ بداية الصيف الحالي من هذه السنة 18 حريقا أتت على أزيد من 84 هكتارا من الغابات والأحراش، وتعتبر مصالح الغابات الرقم المسجل إلى غاية نهاية شهر جويلية غير مرتفع مقارنة بسنوات مضت تضررت خلالها الهكتارات من المساحات الغابية، خاصة بغابة بني ملول التي لطالما تسجل بها الحرائق سنويا، وحسب ذات المصالح فإن حرائق عدة تتسبب فيها عصابات من أجل الحصول على الفحم الذي تقوم ببيعه بعد نشوب الحريق في الغابة. وتواجه مصالح الغابات، حسب رئيس مصلحة حماية الحيوانات والنباتات، ناهيك عن العصابات التي تضرم النار في الغابات، للحصول على الفحم، عصابات أخرى لسرقة الحطب، والتي تقوم باستهداف بعض الأنواع للحصول على الخشب خاصة الصنوبر الحلبي، وأشجار الأرز وكشف ذات المسؤول لـ”النصر”، عن تحرير 20 ملفا خلال الموسم 2016/2017 ضد عصابات بينهم مجهولون أضرموا حرائق عمدا في الغابات.
خطر آخر بات يتهدد الثروة الغابية بمناطق الأوراس، وخاصة أشجار الأرز الأطلسي النادرة التي لا توجد  إلا  بمنطقة الشريعة في البليدة، وبمنطقة شليا بالأوراس بولايتي باتنة وخنشلة، وتعتبر رمزا في راية دولة لبنان، حيث أصبحت هذه الشجرة تتعرض لتماوت أرجعه خبراء جزائريون وأجانب من كاليفورنيا الأمريكية، إلى التغيرات المناخية التي يعرفها العالم، في حين أكد ذات الخبراء، بأن أشجار الأرز ورغم تعرضها لخطر الاضمحلال إلا أنها لا تزال تنمو مجددا.
روبورتاج: يـاسين عبوبو

الرجوع إلى الأعلى