غيابات، تأخرات و إدارات مشلولة خلال أوت!
يُفضّل العديد من الجزائريين أخذ عطلهم السنوية في شهر أوت، فتخلو الإدارات من الموظفين و تتعطّل مصالح عشرات المواطنين، فيما تُشل العديد من المشاريع و تتحول فترة الثلاثين يوما هذه، إلى شهر أبيض تتوقف عنده عقارب الساعة، ليبقى القطاع الاقتصادي و المعاملات الإدارية المتضرر الأكبر، و هو وضع استطاعت بعض الهيئات تجاوزه من خلال تقسيم الإجازات إلى نصفين، فيما عجزت أخرى عن ثني موظفيها عن الخروج الجماعي، بعدما لجأ بعضهم إلى أخذ عطل مرضية.
و يكفي القيام بجولة خاطفة في الإدارات و الهيئات العمومية، للوقوف على تحوّل العديد منها إلى “مباني أشباح”، فعلى مستوى حي الكدية بوسط مدينة قسنطينة، أين تقع مقار معظم المديريات التنفيذية، وجدنا أن المكاتب شبه خالية من الموظفين بعد أن خرج العديد منهم في عطلة، ما جعل المواطنين يجدون صعوبة في إنهاء معاملاتهم، فيما يبرر بعض العمال ذلك، بأن معظم المدراء يأخذون إجازاتهم السنوية، أو على الأقل جزء منها، خلال شهر أوت، بما يعني أن العديد من المشاريع و المعاملات ستكون مرهونة بدخولهم من العطلة، و لن يضر إن استفاد الموظفون من العطلة أيضا أو تأخروا عن الالتحاق بمكاتبهم، على حد تعبيرهم.
أما بالمستشفى الجامعي ابن باديس الذي يُعدّ أهم مؤسسة عمومية استشفائية بقسنطينة و الشرق، فقد وجدنا أن مسؤولين به خرجوا في عطلة، فيما عاشت بعض المصالح الحساسة، و خاصة مصلحة طب النساء و التوليد التي تشهد ذروة الولادات في هذه الفترة، حالة من الغليان وسط بعض الموظفين، خصوصا الذين تم استدعاؤهم من الإجازة بعد أن خرج زملاؤهم في عطل مرضية، و هو حل ترى الإدارة أنه المخرج الوحيد، خصوصا أن الأمر يتعلق بصحة المرضى التي لا يمكن التساهل فيها.
و يرى بعض الموظفين أن من حقهم أخذ إجازتهم السنوية في شهر أوت، من أجل الاستمتاع بشواطئ البحر مع عائلاتهم و أبنائهم الذين يكونون في عطلة أيضا خلال هذه الفترة التي تسبق الدخول الاجتماعي، و رغم أن العطلة تبدأ منذ شهر جويلية، إلا أن هؤلاء يفضلون أوت و يبررون ذلك بأسباب عديدة،  يقولون إن من بينها ارتفاع درجات الحرارة بشكل كبير و كذلك كثرة المناسبات العائلية المدعوين إليها، كما يستغل آخرون فرصة العطلة للعودة إلى العمل مباشرة بعد عيد الأضحى، الذي يتزامن هذا العام مع بداية شهر سبتمبر.
و تلجأ بعض المؤسسات الاقتصادية كل عام، إلى غلق أبوابها في شهر أوت، بينما تكتفي أخرى بترك موظف فقط في كل مصلحة، أو إداري وحيد ينوب عن جميع العمال، و ذلك بسبب تراجع النشاط الاقتصادي خلال هذه الفترة، و توقف مختلف العمليات الإدارية و حتى المشاريع، كما انعكس خروج العديد من المواطنين في عطل، على النشاط التجاري أيضا، إذ لاحظنا أن الكثير من المحلات و المخابز أغلقت أبوابها، بينما بدت الشوارع شبه خالية طيلة فترة النصف الأول من شهر أوت و خاصة في فترة نهاية الأسبوع، أين تتجه العديد من العائلات إلى المدن الساحلية من أجل الاستجمام في الشواطئ.
تقسيم العطل بموافقات ممضية من الموظفين
و قد دفع هذا الوضع ببعض المسؤولين إلى إيجاد حلول بديلة، لضمان سير هيئاتهم، على الأقل بالحد الأدنى من الخدمات، خاصة تلك المعنية مباشرة بالمعاملات الإدارية للمواطنين، فعلى مستوى مندوبية سيدي راشد ببلدية قسنطينة على سبيل المثال، اضطر المسؤولون إلى تقسيم العطل التي استفاد منها الموظفون خلال شهر أوت إلى النصف، و قال المندوب البلدي عبد الحكيم لفوالة إنه لجأ إلى هذه الطريقة لـ “تفادي أخطاء” الأعوام الماضية، أين كان الغالبية يستفيدون من عطلة شهر كامل خلال أوت، لتُشلّ المصالح نهائيا.
و ذكر محدثنا الذي يدير عمل 600 موظف، أن الأمور كانت أكثر تنظيما هذا العام، رغم أن أوت يُعدّ شهر العطل السنوية و لا يمكن حرمان الموظفين من أخذ و لو جزء منه، مضيفا أن حل تقسيم العطلة ساعد على ضمان سير المصالح، و سيما الحساسة، كالخاصة بالحالة المدنية و جواز السفر البيومتري و بطاقة التعريف الوطنية، رغم الضغط الذي انجرّ عن ذلك على الموظفين الذين ضمنوا العمل، حيث أصبح شخص واحد يقوم بالمهام التي كان يؤديها اثنان أو أكثر، مضيفا أن هؤلاء الموظفين وافقوا على ذلك، من خلال اتفاقات ممضية مع زملائهم، في انتظار عودتهم إلى العمل، فيما يتغيّب العديد من عمال النظافة بشكل يومي، ما يضطر المندوبية إلى الاستعانة بزملائهم بنقاط أخرى، بينما لا يحق لمصالحه معاقبة المتغيبين، كونهم تابعون، مثلما قال، للمؤسسة البلدية للنظافة.                   ياسمين.ب

الدكتورة في القانون الاقتصادي موسى زهية


الجزائري في عطلة حتى لو عمل خلال شهر أوت
تؤكد موسى زهية الدكتورة في القانون الاقتصادي في كلية الحقوق بجامعة قسنطينة 1، أن القوانين تضمن لجميع الموظفين أخذ عطلهم السنوية خلال شهر أوت، لكن ذلك يجب أن يتم، حسبها، دون التأثير على سير مختلف الهيئات من خلال ضمان المناوبة، مضيفة بأن الجزائري يفتقد عموما لثقافة العمل، لذلك حتى تواجده في المكتب خلال هذا الشهر، لا يكون الأثر الاقتصادي المرجوّ.
و قالت الدكتورة موسى في اتصال بالنصر، أن الأكيد هو أن عطلة شهر أوت ليست التي ستهدم اقتصاد بلادنا، و ذلك لسبب بسيط يتمثل، حسبها، في أن العمل بالشكل المطلوب و بالمردودية المرجوة طيلة الإحدى عشر شهرا المتبقي، سيجعل من عطلة شهر أوت مرحلة عادية لن تُسبب مشاكل لمختلف الهيئات العمومية، لكن المشكلة، تكمن، برأيها، في أن الجزائري العامل في القطاع العمومي خاصة، يفتقد بشكل عام إلى ثقافة و قيم العمل بسبب غياب الحس و الوعي المطلوبين.
و أضافت الدكتورة أنه إذا تم احتساب عدد الساعات التي يشتغل خلالها الفرد الجزائري فعليا كل يوم، فلن تتعدى الساعتين، و حتى لو عمل خلال شهر أوت، فإن عقله سيكون في عطلة، لذلك فإن الخسائر المادية موجودة في الأساس قبل حلول فترة الإجازات. و من الناحية القانونية، ذكرت الدكتورة أن غياب الرقابة و ثقافة العقاب، زاد من تفاقم المشكلة، فحتى بعض المسؤولين، يتأخرون عن مكاتبهم، مثلما تضيف، بما جعلهم يتحوّلون إلى مثال سيء يقتدي به الموظفون.  

ياسمين.ب

الرجوع إلى الأعلى