تخفي السكينة التي تطبع شوارع مدينة القل وقراها الجبلية المترامية على امتداد الساحل الغربي من ولاية سكيكدة إلى غاية حدود جيجل، كنوزا ثمينة يمكنها النهوض بالمنطقة، وفتح منافذ جديدة للموارد المالية والاقتصادية على أهلها وسكان المناطق المجاورة لها، فضلا عما يمكن أن يساهم به هذا القطاع في اقتصاد الولاية والبلاد، التي لم تتمكن من وقف تسرب أبنائها إلى بلد جار لقضاء عطلة مريحة، لكن وضعيتها الحالية ما تزال غير متناسبة مع كونها مركز استقطاب للسياح من مختلف ولايات الوطن لما تزخز به من طبيعة خلابة تجذب إليها كل من يمر بها أو ينزل فيها، فسكانها ما زالوا يعانون من مشاكل بدائية تطال المصطاف أيضا خلال فترة تواجده معهم، على غرار انعدام مياه الشرب وتدهور كثير من المسالك ونقص وسائل النقل وغياب شبكة الهاتف، ليبقى الاستثمار في سياحة جادة حلما بعيدا بالنسبة إليهم.
روبورتاج: سامي حباطي
وسعينا من خلال هذا الروبورتاج إلى نقل جوانب مختلفة من الحياة داخل عدة مناطق من القل خلال موسم الاصطياف، كما سجلنا الكثير من انشغالات المواطنين القاطنين بها من خلال تجاذب أطراف الحديث معهم، حيث أكدوا عل ضرورة وضع سياسة واضحة المعالم لاستغلال المنطقة على أكمل وجه.

القبور تحاصر القل والسكان مستاؤون من انتهاك حرمتها
عندما تقترب من مدينة القل قدوما من شاطئ عين أم القصب بالجهة الشرقية من البلدية، فإن مجموعة كبيرة من القبور المتاخمة للبحر عند أحد المنحدرات هي أول ما يصادفك على الضفة اليمنى للطريق، وقد توقفنا فيها ولاحظنا بأنها مقبرة تنتهي إلى مجموعة من الصخور، في حين كان يسير أربعة شباب بين القبور حاملين أكياسا في أيديهم، حيث خمنا بأنهم يكونون من صيادي السمك أو بعض الباحثين عن مكان هادئ لقضاء اليوم بعيدا عن ضجة العائلات ومظاهر النمطية التي تشهدها الشواطئ الرملية الأخرى، كما أن تواريخ الوفاة ببعض القبور قديمة جدا، لكن المكان يبدو متشبعا.
مررنا عبر المدينة والشوارع الرئيسية لنجد بأنها تنتهي إلى مقبرة أخرى تقع بأقصى الجهة الغربية منها أسفل الطريق الجديدة التي أنجزت في الجبل المسمى «دومبو»، حيث تؤدي إلى غاية رأس «بوقارون» مرورا بمنطقة سيدي عاشور وبني سعيد وتمنارت، لكن بالقرب من القل توجد أيضا عدة قبور أثرية تعود إلى حقب ما قبل الرومان، حيث أنها عبارة عن مدافن جنائزية أمازيغية قديمة أو ما يسمى بـ»الدولمن»، بحسب سكان. وقد صعدنا إليها بصعوبة كبيرة بسبب انحدار موقعها كما وجدنا بأن أغلبيتها اختلطت بالصخور الحجرية الكبيرة التي وقعت من الجبل، لكن آثار الكثير منها ما زالت بارزة رغم أنه ليس من السهل تمييزها من غيرها. وأوضح لنا مرافقنا من سكان المنطقة بأن المقاولة المكلفة بإنجاز الطريق قد حطمت أحد هذه المدافن عند إنجاز الطريق المذكورة، وهو ما احتجت عليه من قبل جمعية للمحافظة على الآثار.
وبإحدى العمارات المقابلة لشاطئ عين الدولة، وجدنا لافتة كبيرة كتب عليها، «جمعية حماية حرمة المقابر»، كما لاحظنا عدة ملصقات على الجدران يدعو فيها مواطنون المصطافين إلى احترام القبور وعدم وانتهاك حرمتها، حيث سألنا بعض سكان المكان عن سبب تعليقها، فأخبرونا بأن كثيرا من الزوار حولوا المقابر إلى أماكن لشرب الخمر ولإتيان بعض الممارسات التي لا تليق بالمكان، خصوصا وأن المقبرتين المذكورتين ليستا محاطتين بجدار سياج في الوقت الحالي. وقد انتبهنا بالفعل إلى وجود قارورات جعة فارغة وقارورات مياه بلاستيكية في المكانين.
أما على مستوى المقبرة الأثرية فلم نجد أية كتابة أو لافتة تدل على قيمة المكان والآثار الموجودة فيه، حيث ما يزال عرضة للإهمال وتنتشر به القمامة والقاذورات وقارورات النبيذ والجعة الفارغة، التي يلقي بها من يرتادون الموقع خصوصا خلال المساء، أين يقصده الكثيرون للاستمتاع بجماله وهدوئه، كما أنه يمكن من خلاله رؤية المدينة الكاملة، بالإضافة إلى منظر شبه الجزيرة التي تخترق البحر لتفصل بين الشواطئ. وقد عبر أحد السكان عن القبور التي تطوق المدينة بالقول «إنها قبور تغري الأموات» لإطلالتها على البحر.
وذكر رئيس البلدية بالنيابة، بأنه يجري في الوقت الحالي مشروع إنجاز حائط سياج للمقبرة الواقعة بالمدينة، لحمايتها من التخريب، مشيرا إلى أن تاريخ يمتد إلى زمن الاستعمار الفرنسي، في حين أكد لنا على وجود مشروع آخر لإنجاز مقبرة جديدة، وقد تأخر قليلا بسبب مرور أنبوب مياه عبر الأرضية، لكن المشكلة قد حلت، وسيشرع في إنجاز المرفق في آجال قريبة.
سيدي عاشور حارس المدينة
ويمكن من المدينة أيضا مشاهدة أعلى قمة بها، وهو موقع تواجد ضريح سيدي عاشور، الذي يحمل الجبل اسمه، حيث تعرض الضريح للتخريب خلال سنوات الإرهاب ولم تجر عملية إعادة ترميمه إلى اليوم، كما أن الجبل شهد أول عملية إرهابية بالقل خلال العشرية السوداء بحسب ما رواه لنا السكان، الذين تحسروا على وضعية الضريح، حيث يمكن منه مشاهدة جميع المناطق بالقل بما فيها البحر، كما أشار محدثونا إلى إمكانية استغلاله كمنطقة لجذب السياح مثل جبل «يما قوراية» بولاية بجاية، خصوصا وأن المسلك المؤدي إليه ويفرض على من يرغب في زيارته المشي على الأقدام.

وقد عاد بنا السكان إلى الأسطورة المحيطة بعملية بنائه، التي تطرح تساؤلات حول كيفية تمكن السكان من الوصول إلى القمة بمواد البناء وإمكانياتهم البسيطة في العصور الغابرة، حيث يتداول بينهم بأن سكان المدينة أرادوا إنجاز جامع للصلاة أسفل الجبل، فقاموا بجلب مواد البناء إلى الموقع ولما حل عليهم المساء تركوها هناك وغادروا إلى منازلهم، لكن لدى عودتهم صباح اليوم الموالي، وجدوا بأن المواد قد نُقلت خلال الليل إلى أعلى القمة، فقرروا تكريم وليهم المدفون فيها وبنوا له هذا الضريح، الذي لم نستطع الوصول إليه بسبب بعد المسافة، حيث يتطلب الأمر المشي لساعات.
مدينة ينام سكانها على كنوز سياحية كبيرة
يواجه زوار مدينة القل والذين يقصدونها لقضاء عدة أيام، هاجسا كبيرا يتمثل في انعدام شبه تام للمرافق السياحية وأماكن الترفيه، فالهدوء الذي يعم المكان يخفي خلفه إمكانيات طبيعية وتاريخية كبيرة يمكنها أن تنهض بالمدينة وتجعل منها قطبا سياحيا وطنيا ودوليا بامتياز، ينافس أفضل الوجهات الأخرى على مستوى البحر الأبيض المتوسط. وقد تجولنا في مدينتها القديمة حي لاحظنا وجود العديد من البنايات العتيقة التي يعود تاريخها للعهد العثماني، بالإضافة إلى البنايات الكولونيالية التي يبرز فيها نمط العمران الأوروبي، على غرار الكنيسة القديمة، التي تتوسط المدينة وتقع بالشارع الرئيسي، حيث حولت إلى مركز ثقافي تشرف عليه البلدية ووجدناها مغلقة.
لكن بعض السكان أوضحوا لنا بأنه كان من الممكن استغلالها بشكل أفضل كمتحف للآثار القديمة التي تم العثور عليها بإقليم الدائرة أو المناطق القريبة منها، فضلا عن الكثير من النقاط الأخرى من المدينة الضاربة في التاريخ، مثلما أوضحه لنا عبد الرزاق بلعابد ابن مدينة القل والصحفي بإذاعة سكيكدة، حيث قال إن شاطئ عين الدولة كان عبارة عن منجم للحجارة الزرقاء التي استعملت منذ القدم في البناء، مضيفا بأن السلطات الاستعمارية حفرت في الماضي نفقا يبلغ طوله حوالي الكيلومتر لينقل عبره العمال الحجارة، قبل أن يتوقف استغلاله بعد الاستقلال، ويتم ردم مداخله خلال نهاية سنوات الثمانينيات. ويمكن اليوم بحسبه، أن يعاد استغلاله لفائدة السياحة بإعادة فتحه، كما أضاف بالقول إن الكثير من سكان القل ما زالوا يتذكرون كيف كانوا يلعبون فيه خلال طفولتهم.
وتتوسط المدينة ساحة صغيرة بها مقاعد عمومية، ويمضي كثير من السكان أوقات المساء بها، في حين لا يوجد على مستواها إلا كشك صغير يستعمله صاحبه كمقهى وينشر بمحيطه مجموعة من الكراسي والطاولات، حيث استغرب بعض من تحدثنا إليهم عن سبب عدم كراء أكشاك متنقلة أخرى للتجار من أجل ممارسة نشاطات به خلال موسم الاصطياف على الأقل. وتوجد بمحاذاة الساحة حديقة مغلقة ولا مقاعد فيها، لكنها مهيأة وزرعت بها أشجار للزينة فضلا عن أنها فرشت بالعشب الاصطناعي، وزينت بمجموعة من الآثار الرومانية المتمثلة في أجزاء من أعمدة البناء وبعض الحجارة، حيث قال عبد الرزاق بلعابد إنه تم العثور عليها في ستينيات القرن الماضي بمنطقة أم الطوب وجلبت إلى القل.
وتوجد بالحديقة الصغيرة لمدخل البلدية آثار رومانية أخرى، في حين يعود تاريخ مقر البلدية إلى الحقبة الاستعمارية، حيث صمم على شكل قبعة «شارل ديغول» بحسب ما أخبرنا به رئيس البلدية بالنيابة، لكنه أضاف بأن المجلس قد أجرى على المكان بعض التعديلات وأعاد الاعتبار لأجزاء منه، على عكس مقر الدائرة المقابل له الذي أنجز خلال السنوات الأخيرة.
ويعتبر سوق السمك من المحاور الأساسية في مدينة القل، رغم أنه من نقاط التجارة الفوضوية، لكن الباعة يواصلون نشاطهم به منذ مدة طويلة، في كر وفر متكرر مع مصالح الأمن، التي تقوم بحجز سلعهم أحيانا، في حين تتنوع أنشطة المحلات الأخرى بين تجارة الملابس والمقاهي والمطاعم والمواد الغذائية وأدوات الصيد وبعض المستلزمات. ولم نلاحظ خلال تجولنا بالمدينة مرحاضا عموميا واحدا، حيث يلجأ كثير من المواطنين إلى مراحيض المقاهي والمطاعم، ما يطرح العديد من التساؤلات حول سبب تغافل السلطات عن توفير المرافق في مدينة سياحية مماثلة تستقطب الآلاف من الزوار خلال فصل الصيف.

كما لمسنا لدى سكان المدينة وعيا بالمشاكل التي تتخبط فيها السياحة بالقل، حيث يجمعون على إلقاء اللوم على السلطات، مشيرين إلى أن السياحة كل لا يمكن فصله إلى أجزاء، فضلا عن أن النهوض بهذا القطاع بحاجة إلى سياسة شاملة تسير في الاتجاه المنشود، ولا تكفي فيه المبادرات الفردية التي يقوم بها المواطنون أو الجمعيات أو غيرهم، مرجعين جزءا من المشاكل إلى ثقافة السكان أنفسهم.
البنايات الجديدة تزحف بين أشجار شبه الجزيرة
وظهرت في القل خلال السنوات الأخيرة العديد من البنايات الجديدة، على غرار التحصيص المقابل للملعب، أين أنجز المئات من المواطنين حيا جديدا، وشيدوا به بنايات مكونة من أكثر من طابق، بحيث  تستغل للسكن أو لكرائها خلال موسم الاصطياف، كما تظهر البنايات الجديدة أيضا بين أشجار شبه الجزيرة أو «الجردة» كما يسميها سكان القل، الذين أخبرونا بأن تاريخ بعضها يعود إلى العهد العثماني والفرنسي، بينما شيدت الأخرى حديثا، ومنها ما أنجز بشكل غير شرعي.
كما تحيط العشوائيات بمدينة القل، لكن ما يشد الانتباه أكثر، هو عدم إتمام واجهات أغلبية البنايات السكنية، حيث فضل قاطنوها الإبقاء على لون الآجر بارزا للناظرين وزوار المدينة، فضلا أن وضعية الكثير من المسالك والأرصفة داخل الأحياء سيئة، على غرار ما يسجل بالتجمع السكني بالمكان المسمى «تالزة»، أين تغلب الأتربة على منظر إسفلت الطريق، لكن سكانا أوضحوا لنا بأن المكان كان عبارة عن قرية، قبل أن يبدأ الكثير من قاطنيه في توسيع بناياتهم من أجل كرائها للمصطافين خلال فصل الصيف، لما يذره عليهم ذلك من أموال تغنيهم عن عمل سنة كاملة في بعض الأحيان.
وعبرت بعض العائلات المصطافة عن إعجابها بمدينة القل والنقاط المحيطة بها، خصوصا وأن أغلبية شواطئها مناسبة للعائلات، كما أن السكان يحترمون السياح والزوار، ويتدخلون في كثير من الأحيان لحل المشاكل التي تقع على الشواطئ قبل وصول مصالح الأمن أو لإنقاذ الغرقى قبل أعوان الحماية المدنية، بحسب ما أخبرنا به أحد قاطني المنطقة، أين أكد لنا بأن مجموعة من الشباب المصطافين قاموا ببعض التصرفات المشينة على الشاطئ خلال الأيام القليلة الماضية، فطردهم السكان منه حماية لنشاطهم وللعائلات المتواجدة بالمكان.
من جهة أخرى يلاحظ على الشواطئ انتشار للقمامة بأجزاء منها، حيث أوضح لنا السكان بأن المشكلة يتسبب فيها المصطافون الذين يقومون برمي بقايا الطعام وقارورات المياه الفارغة بشكل عشوائي، لكنهم نبهوا بأنه لا يجب الحكم على وضعية النظافة من جولة واحدة خلال ساعات النهار، لأن عمال البلدية يمرون في المساء ويقومون برفع القمامة، التي يخلفها المواطنون.

زوارق صيد السمك لنقل المصطافين إلى الشواطئ المعزولة
وأخبرنا سكان من منطقة تمنارت بأن أصحاب الزوارق تخلوا في السنوات الأخيرة، عن مهنة صيد الأسماك لتزويد أصحاب المطاعم بها خلال موسم الاصطياف، لحساب نقل العائلات في جولات بحرية أو لإيصالهم إلى الشواطئ التي لم تفتح المسالك المؤدية إليها بعد، على غرار شاطئي «بني سعيد» و»خناق المايون»، لما يذره هذا النشاط عليهم من أرباح تشكل أضعاف ما يجود به البحر عليهم من صيد الأسماك، فضلا عن أنهم يبذلون جهدا أقل بكثير. وأضافت نفس المصادر بأن أجرة نقل الشخص الواحد تقدر بحوالي ألف دينار أو أكثر، وغالبا ما يكون زبائنهم من عائلات متعددة الأفراد، كما أن هذا الأمر يسجل بمختلف الشواطئ الأخرى التابعة لدائرة القل، أين يفرض الاصطياف نوعية خاصة من النشاطات.
ووجدنا مجموعة منهم على مستوى أحد الشواطئ بالمنطقة المذكورة، في حين التقينا حوالي الخامسة مساء بعض الصيادين في الميناء يقومون بتحضير الشباك داخل قارب كبير لصيد السردين للخروج في رحلة صيد خلال الليل، بحسب ما تدل عليه العلب الخشبية المُرتبة في إحدى زواياه، حيث أخبرنا أحدهم بأن أغلبية شباب القل يمتهنون صيد الأسماك وخصوصا السردين، لكن نشاطهم تراجع في الآونة الأخيرة، بسبب نقص السمك في البحر، حيث أصبحوا لا يركبون البحر إلا مرتين في الأسبوع في أغلب الأحيان، ما جعل أسعاره ترتفع كثيرا في السوق، فيما اختار المعنيون ممارسة نشاطات أخرى.
لكن سكان القل فلاحون أيضا، فعلى طول الطريق يمكن ملاحظة المساحات المزروعة بأنواع مختلفة من الخضر والفواكه، لكن جل الكميات المنتجة هناك توجه للاستهلاك الفردي، باستثناء كميات أخرى تغذي السوق المحلي للمدينة، حيث أوضح لنا مواطنون بأن الأراضي هناك خصبة وجيدة. إلا أن ذلك لم يمنع باعة البطاطا المتنقلين القادمين من ولاية قسنطينة، من اتخاذ جزء خاص بهم على مستوى سوق السمك بالمدينة القديمة، فقد طرح العديد من المواطنين تساؤلات عن سبب سيطرتهم على بيع هذه  المادة في شاحناتهم داخل القل، في حين سبق وأن التقينا بأحد الباعة أكد لنا بأنه يقطن بحي القماص ويقصد المدينة يوميا محملا بقناطير من البطاطا.
من جهة أخرى، تشكل بعض الأنشطة التجارية فرصة لسكان القل خلال فصل الصيف من أجل تحصيل بعض الأموال، على غرار بيع المثلجات وطاولات الشواء وحراسة سيارات المصطافين، كما يمارس آخرون التجارة المتنقلة من خلال عرض بعض الحلي التقليدية على العائلات القابعة تحت المظليات وأطعمة سريعة كالفطائر والبيزا، لكن مجموعات من الشباب القسنطينيين يزاحمونهم أيضا في هذا العمل، بالإضافة إلى بعض القادمين من الولايات الصحراوية، الذين قد يقضون كل فصل الصيف على الشاطئ في خيامهم ويقومون في أغلب الحالات ببيع الشاي، أو يجلبون معهم بعيرا أو ناقة من أجل تصوير المصطافين على سنامها مقابل مبلغ من المال.
كما  يفضل العشرات من سكان القل الآخرين السفر إلى ولايات أخرى من أجل العمل في المطاعم أو غيرها بحسب ما أفادت به نفس المصادر، في حين يعمل حاملو الشهادات العليا منهم في إدارات عمومية أو في قطاعات مختلفة داخل وخارج الولاية، أو يعانون من البطالة.

اصطياف برحلات البحث عن المياه والغاز
وتؤرق مشكلة التذبذب في توزيع مياه الشرب بمدينة القل المصطافين والسكان على حد سواء، فقد لاحظنا الكثير من المواطنين يحملون بأيديهم براميل المياه الفارغة ويتجهون في رحلة بحث عن المياه، ومنهم مصطافون أيضا لم يجدوا ما يستعملونه من أجل الشرب والاستحمام، بحسب ما أخبرونا به، في حين قال سكان من المدينة إن المشكلة تعود إلى حوالي عشرة أيام، بعد أن تعطلت المحولات الكهربائية على مستوى سد بني زيد مشيرين إلى أنه من المفترض أن تعود إلى حنفياتهم، لكن المشكلة مسجلة بحسبهم طيلة السنة.
وتصادف مرورنا على الطريق الرابط بين منطقة تمنارت ورأس بوقارون مع مجموعة من النساء القاطنات بالقرى المترامية على المنحدرات الجبلية الواقعة على ضفتي الطريق، وهن يقمن بحمل براميل وقارورات المياه على أيديهن، ومنهن من كانت تحمل برميلين بكلتا يديها وتضع برميلا آخر على رأسها لنقله إلى أعلى القرى، حيث يعبر مشهدهن عن مدى قسوة الحياة التي يعاني منها هؤلاء السكان، بسبب عدم توفر أبسط ضروريات العيش.
كما مر بنا بتمنارت كهل يحمل على كتفه قارورة غاز بوتان، بسبب عدم توفر الربط بشبكة الغاز الطبيعي، فيما ابتسم أحد السكان بسخرية عندما سألناه عما إذا كان قد تم ربطهم بشبكة الغاز أم لا، ثم قال «نحن لا نملك حتى تغطية كاملة بشبكة الهاتف النقال، فكيف تسألني عن الغاز الطبيعي!». وقد حدثنا أيضا عن تماطل أصحاب الصهاريج والمبالغ المالية التي يفرضونها عليهم مقابل خدماتهم، خصوصا خلال فصل الصيف.
قسنطينيون يرحلون إلى القل بشكل دائم
وينتبه من يحتك بسكان مدينة القل، إلى وجود الكثير من القسنطينيين بينهم، حتى أن منهم كثيرون فضلوا العيش بشكل دائم بين السكان، واشتروا منازل بالمنطقة، بينما فتح آخرون مطاعم ومحلات وفنادق صغيرة بالمدينة، بالإضافة إلى المئات من سكان قسنطينة الآخرين الذين يقصدون المدينة بشكل متكرر من أجل صيد السمك وقضاء الوقت على شاطئ البحر، حيث لا يعتبرهم القليون غرباء عنهم.
ومن كثرة احتكاك سكان القل بالقسنطينيين، أطلقوا على أحد الشواطئ الواقعة خلف مقبرة الجهة الغربية من المدينة اسم «شاطئ القسنطينية»، بعدما أصبح سكان مدينة الجسور ينفردون بالقدوم إليه، في وقت كان يعرف فيه سابقا لدى سكان القل باسم «البرارك». وقد تنقلنا إليه ووجدنا بأنه من الشواطئ غير المحروسة، فضلا عن أنه من الصعب استعمال السلالم المؤدية إليه في حين يضطر زواره إلى ركن مركباتهم على حافتي الطريق بسبب عدم توفر مساحة كافية، كما التقينا برب أسرة يحاول الصعود بصعوبة مع طفليه من مسلك آخر غير معبد، حتى أنه كاد أن يسقط إلى الخلف عندما وصل إلى القمة، لولا أن تدخلنا لمساعدته بأن حملنا عنه أحد الطفلين.  وعبر المعني عن استيائه من انعدام النظافة بالشاطئ، مشيرا إلى أن وضعية المكان كانت أحسن بكثير خلال سنوات الثمانينيات، في حين لاحظنا بالمكان حوالي السابعة صباحا بعض الشباب يقومون بنصب الشمسيات وتهيئة الطاولات والكراسي قبل بداية وصول أول المصطافين من أجل كرائها لهم، في وقت تظهر في الخلف بقعة كبيرة من القارورات البلاستيكية الفارغة المكدسة غير بعيد عن الطاولات.
وأجمع من تحدثنا إليهم من سكان القل، على رغبة واحدة في أن تتحول دائرتهم إلى ولاية منتدبة، حتى يستطيعوا الاستفادة من مشاريع سياحية أكبر للنهوض بالقطاع على مستوى منطقتهم، مشيرين إلى أنهم أصبحوا لا يواجهون مشاكل أمنية اليوم، ليبقى الحلم في تخطي العراقيل التنموية، على غرار مشكل المياه وعدم استفادة أغلب تجمعاتهم السكنية من الربط بشبكة الغاز الطبيعي.                                     
س.ح

رئيس البلدية بالنيابة كحيل عز الدين يؤكد
تمت الموافقة على منح عقارات صناعية لإقامة مشاريع سياحية
أفاد رئيس البلدية بالنيابة بأن لجنة الاستثمار لولاية سكيكدة وافقت على منح عقارات صناعية من أجل إقامة مستثمرات سياحية جديدة على مستوى المنطقة، مشيرا إلى أن منطقة بني سعيد ستصبح مساحة للتوسع السياحي. وذكر النائب عز الدين كحيل رئيس البلدية بالنيابة للنصر، بأن الولاية وافقت على عدة مشاريع سياحية جديدة ستنجز على مستوى بلديته، والمناطق الأخرى التابعة لنفس الدائرة، على غرار منطقة بني السعيد المطلة على البحر، التي تمت الموافقة على جعلها مساحة للتوسع السياحي. وأضاف المسؤول بأن المجلس الشعبي البلدي قد وضع عدة برامج لإنجاز مشاريع تنموية لفائدة سكان المنطقة، على غرار الإنارة العمومية بالطاقة الشمسية التي زود بها الطريق الرابط بين مدينة القل ومنطقة تمنارت السياحية، فضلا عن إنشاء جسر صغير لربط شاطيء عين أم القصب بالطريق المسماة بـ”جادة البحر” لتسهيل وصول أصحاب السيارات إليها، دون الحاجة إلى الوصول إلى الطريق الوطني للعودة إليها. وأوضح محدثنا بأن البلدية قامت بمراجعة أسعار كراء حظائر السيارات لفائدة الراغبين في استغلالها خلال موسم الاصطياف، حيث عرضت في المزاد العلني ووصلت قيمة كراء بعضها إلى 65 مليونا مقابل موسم الاصطياف فقط، كما تمت مراجعة أسعار كراء الشاليهات، لكنه أكد بأن الشباب المستفيدين منها لا يحترمون في أغلب الأحيان دفتر الشروط الذي يفرض عليهم ألا تتجاوز أجرة ركن السيارة 50 دج، حيث يطلبون أضعاف ذلك.  واعترف نفس المصدر بالعجز الذي تواجهه البلدية في التكفل بحل الكثير من المشاكل، خصوصا من جانب العتاد وغيره، رغم أنها تُسخر، بحسبه، آلياتها ووسائلها لحل مشاكل لا تقع ضمن إطار مسؤولياتها في كثير من الأحيان، في حين أوضح بأنها تعاقدت خلال السنة الجارية مع المؤسسة العمومية الولائية المسماة “كلينسكي” لرفع القمامة من الشواطئ المحروسة وتنظيفها ومن شوارع المدينة ما جعل وضعية النظافة تتحسن بشكل كبير، كما قامت البلدية بتحويل جزء من عمالها بالأحياء السكنية إلى الشواطئ لضمان موسم اصطياف مناسب إلى أقصى حد ممكن.
س.ح

الرجوع إلى الأعلى