مواطنون ممنوعون من استخدام مراحيض الإدارات و العيادات
يعاني الكثير من المواطنين الأمرين أحيانا في العثور على مراحيض عمومية يقضون فيها حاجتهم عند الضرورة، خصوصا بالنسبة للشيوخ و الحوامل و مرضى السكري و غيرهم، ممن لا يملكون القوة لمواجهة حاجة طارئة و مستعجلة، بسبب عدم توفر المدن  على مراحيض عمومية كافية، وهو ما يضطر هؤلاء الأشخاص للجوء لطلب استخدام حمامات بعض عيادات الأطباء أو المحلات و المطاعم، لكنهم كثيرا ما يقابلون بالرفض لسبب أو لآخر، ما ينعكس سلبا على صحتهم، وهو مشكل لا يستثني الأصحاء، فحتى في المستشفيات تغلق دورات المياه و يمنع المواطنون من استخدامها، كما هو الحال بقسنطينة.
روبورتاج: نور الهدى طابي
إدارات تمنع استخدام المواطنين للمراحيض خوفا من العدوى
يشتكي العديد من المواطنين، خاصة مرضى السكري و الكلى، ذوي الاحتياجات الخاصة، الحوامل و كبار السن من  نقص فضاءات الاستراحة و المراحيض العمومية بقسنطينة، كما أن تواجد بعضها على مستوى محطات الحافلات أو في الشوارع الرئيسية، يجعل استعمالها محرجا بالنسبة للكثيرين، و تحديدا النساء اللائي يستحين من دخولها أو يرفضن استعمالها، بسبب افتقارها لشرطي النظافة و التهيئة، ما يدفعهن للبحث عن بديل قريب، عادة ما يكون عيادة طبيب أو محل ألبسة أو إدارة، لكن المشكل يمكن في أن هذه المرافق أصبحت تغلق أبواب دورات المياه أمام المواطنين دون استثناء، ولا تسمح لهم باستخدامها، وحتى الأطباء باتوا يتحججون بأن مراحيض عياداتهم معطلة، لمنع المرضى من استخدامها، أما من يقصد المستشفى الجامعي بن باديس بقسنطينة، فلن يجد مكانا يقضي فيه حاجته.
النصر قامت بجولة استطلاعية بين عدد من المؤسسات العمومية و العيادات الطبية، و جست نبض أصحاب المحلات، و حتى بعض المطاعم بقسنطينة، للوقوف على واقع إهمال المجتمع للتفصيل المتعلق بأهمية دورات المياه و معاناة المواطنين من صعوبة استخدامها في الفضاءات العمومية.
محطتنا الأولى كانت مستشفى قسنطينة و تحديدا مخبر الأنسجة، حيث منعنا من استخدام دورة المياه ، بحجة عدم توفر المكان على واحدة أصلا، وعند سؤالنا عن البديل ، قيل لنا بأنه بإمكاننا فقط استخدام الدورات الموجودة على مستوى المصالح خلال فترات الزيارة المخصصة للمرضى، مع تحمل كامل المسؤولية الصحية .
أما على مستوى عيادة بوجريو لحماية الأمومة و الطفولة بوسط المدينة، فقد رافقتا سيدة حامل حاولنا التحجج بها لاستخدام المرحاض، لكن بابه كان موصدا وقد قالت لنا إحدى الممرضات بأن استخدامه ممنوع لغير طاقم العيادة.
محطتنا التالية كانت صندوق الضمان الاجتماعي لغير الأجراء، جلسنا لبرهة في قاعة الانتظار، ثم سألنا عن دورة المياه ، فأجابتنا إحدى الموظفات بجفاء  «ممنوع على غير عمال الصندوق استخدامها».
في كل مرة كنا نقابل فيها بالرفض، كنا نحاول معرفة السبب، فيجيبنا موظف بأن القرار إداري و أن هناك تعليمة تنص على عدم السماح للمواطنين باستخدام المراحيض لسببين، أولا بسبب عدم احترامهم لشروط النظافة، و ثانيا خوفا من انتشار عدوى بعض الأمراض كالالتهابات، خصوصا بعدما اشتكت موظفات كثيرات من الأمر.
وحسب السيد كمال، مسؤول مصلحة بعيادة بومرزوق، فإن إدارة العيادة سنت قانونا بمنع استخدام المواطنين للحمام بسبب هذا المشكل تحديدا، فمرضى السكري مثلا ، معرضون بكثرة لالتهابات المسالك البولية، و قد ينقلون العدوى لموظفي المؤسسة في حال السماح لهم باستخدام المرحاض، و قد سبق تسجيل حادثة من هذا النوع أفضت إلى اتخاذ القرار.
أطباء و تجار أغلقوها بسبب النظافة وخوفا من السحر و المخدرات
تركنا المكان و قصدنا عددا من المحلات القريبة، فكان الرفض جواب الأغلبية، و المشكل هو أن أصحاب بعض محلات الأكل السريع و المطاعم و المقاهي  كذلك تحججوا بعدم تهيئة المراحيض أصلا في محلاتهم، لمنعنا من استخدامها، رغم أن القانون يفرض عليهم فتحها للاستعمال العمومي، بالمقابل اكتفى أطباء بغلقها نهائيا أو تعليق ورقة كتب عليها بأن المرحاض معطل ولا يمكن استخدامه.
وبالرغم من أن الموقف كان واحد في كل المرافق التي قصدناها، إلا أن الأسباب اختلفت فقد قال لنا أحد أطباء الأسنان عندما زرنا عيادته و سألناه، بأن أغلب المرضى لا يحترمون شرط النظافة و يتركون المرحاض في وضعية كارثية بعد استخدامه، لذلك اضطر إلى غلقه، خاصة و أن بعض المواطنين يقصدون العيادة خصيصا لاستخدام دورة المياه لا غير، وهو سلوك غير مقبول، حسبه، لأن هنالك مراحيض عمومية مخصصة لهذا الغرض.
بالمقابل أخبرنا أحد أصحاب محلات الملابس، بأنه لا يغامر بترك أي شخص غريب يستخدم المرحاض، خصوصا في المساء، خوفا من السحر و حالات الإجهاض، و حتى توريطه في قضية سرقة أو مخدرات و ما شابه ذلك، و ذكر  حادثة تعرض لها صائغ دفع الثمن غاليا، بعدما كادت سيدة حامل أن تفقد حياتها في حمام محله، بسبب تعرضها لنزيف حاد.
حوامل ومرضى في  رحلة بحث عن بديل  
 من تحدثنا إليهم خلال استطلاعنا اجمعوا، على أن مسؤولية توفير هذه المرافق و التفكير في راحة المواطنين، تقع على عاتق البلدية فهي مطالبة بتجهيز المدن بمراحيض عمومية، مؤكدين بأنه لا يمكن لأي شخص، سواء كان مريضا أو مسنا أو تعلق الأمر بسيدة حامل، أن يشكل استثناء، لأن التعليمات واضحة، حسبهم، ولا أحد مستعد لتحمل تبعات أي  مشكل قد ينجر عن مخالفتها.في ببلدية قسنطينة و تفرعاتها الحضرية، لا يتعدى عدد المراحيض العمومية المتوفرة 24 مرحاضا، موزعة على مجموعة من النقاط المتقاربة، على غرار حديقة بن ناصر ، دنيا الطرائف و شارع 19 جوان ، فيما تفتقر عدة مناطق و أحياء أخرى إلى مثل هذه المرافق، بالرغم من أهميتها، و كان مدير الممتلكات ببلدية قسنطينة السيد دكاري، قد أوضح بأن مصالحه تعمل على برمجة مشاريع إضافية من هذا النوع ، غير أن مشكل انعدام الأرضيات المناسبة و المواقع الممكن استغلالها عرقل كافة خططها ، كما أن الإقبال على طلب تأجيرها و استغلالها من طرف الشباب، يعد جد محدود ،حيث يقتصر على فئة ذوي الاحتياجات الخاصة، غير أن العديد منهم باتوا يتجنبون طلبها لضعف مردوديتها « 20 دج مقابل كل الاستعمال «، فيما تقدم عدد من مسيريها بطلبات لتغيير  النشاط ، قال المتحدث بأنها قوبلت بالرفض، مشيرا إلى أن مهمة مراقبة هذا النشاط،  تعد مسؤولية لجنة الصحة، بالتنسيق مع مصالح التجارة.
و إذا كان المواطنون الأصحاء يستطيعون التحمل  و لا يجدون حرجا في استخدام المراحيض العمومية المتوفرة في المدينة، فإن هناك مرضى  باتوا يتخوفون من دخولها بسبب غياب النظافة و هاجس التقاط عدوى الأمراض و الالتهابات، و قد طرحت العديد من النسوة انشغالهن بخصوص مواقع هذه المراحيض، التي يتواجد أغلبها في أماكن مكشوفة على مرأى من المارة، سواء تعلق الأمر بالحدائق العامة أو محطات الحافلات و حتى الشوارع الرئيسية ، ما يجعل استخدامها محرجا نوعا ما ، « خصوصا في مجتمع أفراده بارعين في مراقبة سلوكيات الغير، و لديهم نظرة خاصة للمرأة «، كما علقت الآنسة نورة .
مضيفة « أنا شخصيا أعاني من هذا المشكل، فأنا حامل و أستخدم المرحاض بكثرة ، لكنني أخاف من دخول دورة مياه عمومية، كما أستحي من دخول المطاعم أو المقاهي، لذا اضطر لقصد العيادات الطبية وأحيانا أطرق أبواب المنازل وكثيرا ما أقابل بالرفض».
ولعل الفئة الأكثر تضررا هم مرضى السكري و المسالك البولية الذين أخبرنا عدد منهم،  بأنهم يعانون الأمرين بسبب نقص المراحيض و افتقار المتوفر منها للنظافة، ما يضطرهم أحيانا لقضاء حاجتهم في زجاجة، أو حتى في سلالم العمارات، وكذلك الأمر بالنسبة للشيوخ الذين يتعرضون أحيانا لمواقف محرجة.

الدكتور محمود بن عطا
نقص المراحيض العمومية له انعكاسات وخيمة على الصحة العمومية
يوضح الدكتور محمود بن عطا، أخصائي أمراض المسالك البولية بمستشفى مستغانم، بأن مشكل نقص المراحيض العمومية في المدن و رفض بعض الهيئات أو الأفراد السماح للمواطنين باستخدام دورات المياه، له انعكاسات سلبية مباشرة على الصحة العمومية، لأنه قد يتسبب في أمراض أو يعقد حالات بعض المرضى، فحتى و إن كانت النتائج بسيطة بالنسبة للأشخاص الأصحاء، حسبه، فإنها قد تكون وخيمة بالنسبة للمرضى، و تحديدا مرضى السكري و المسالك البولية، لأن قضاء الحاجة بالنسبة إليهم، أمر ضروري و كثيرا ما يكون مستعجلا، و ضبط النفس لفترة طويلة قد يسبب لهم التهابات و أمراض الجهاز البولي و يضر أيضا بالكلى. وينصح المختص هؤلاء المرضى و حتى الشيوخ و الحوامل، بقضاء الحاجة قبل مغادرة المنزل مباشرة،  لتجنب الحرج لاحقا، كما ينصح المواطنين بقضاء حاجاتهم و عدم البقاء في حالة قلق لفترة طويلة، تجنبا لأي مضاعفات صحية محتملة، مشيرا إلى أنه يستقبل عادة بعض الحالات لأشخاص أصيبوا بالتهابات المسالك البولية، بسبب عدم قدرتهم على الاسترخاء لأكثر من ثلاث ساعات، فضلا عن مرضى تأزمت أوضاعهم الصحية لذات السبب.
و شدد المختص على ضرورة أن تلتزم مصالح البلديات عبر الوطن، بمسؤولية توفير دورات المياه،  لأن مثل هذه التفاصيل اليومية في حياة المواطن، مهمة وليست ثانوية، لما لها من تأثير على الصحة.
ن/ط

الرجوع إلى الأعلى