مؤسسة اجتماعية تأوي الفقراء  و تنشر العلم و ثقافة التسامح
تعد زاوية الشيح الحسين رحمه الله الكائنة ببلدية سيدي خليفة ( 23 كلم عن  ولاية ميلة ) من أعرق الزوايا بالشرق الجزائري التي لعبت دورا دينيا تربويا واجتماعيا هاما، فحاربت الجهل والأمية حيث كانت تتوفر على قرابة 6 آلاف مخطوط، خصوصا إبان الفترة الاستعمارية، أطعمت الطعام وكست الفقراء، وكان يحتكم إليها في الفصل بين المختصمين وإصلاح ذات البين، طريقتها ومنهجها الاعتدال و إتباع الكتاب والسنة كما أوصى بذلك مؤسسها الشيخ الحسين رحمه الله أبناءه.
وقد استقر الشيخ الحسين ( 1200 هـ - 1263 هـ) بمنطقة سيدي خليفة تحديدا،  بعد أن  صال وجال في العديد من المناطق ومنها منطقة فرجيوة التي مكث بها فترة معينة وله بها أملاك ( أراضي ) ، وعندما حل الشيخ بسيدي خليفة حسب أحد أحفاده الشيخ محمد الذي استقبلنا رفقة مشايخ وأعيان الزاوية، بنا مسجدا بها أول وصوله تأسيا بسيد الأنام محمد صلى الله عليه وسلم، واستقر بها مع عائلته التي أخذت تكبر شيئا فشيئا، حيث كان له خمسة أبناء علي ( علاوة)،  حمو، عبود، أحمد والشيخ الصالح، وكانوا يعيشون في الدار الكبيرة كما يقال لها، وبكبر العائلة بنا كل ابن مسكنه الخاص وكان النمط المعماري المتبع آنذاك في البناء هو النمط العثماني فجسدت المنازل على شاكلة القصور، بها الكثير من الغرف التي اختلفت تسمياتها ما بين المجلس، البيت، المقصورة بإمكانها إيواء العشرات، بالإضافة إلى وسط الدار، الشارداق ( مكان للتخزين ووضع الأشياء القليلة الاستعمال ) الدكانة أو المخبأ، المسراق أو الممر.


 ويعود تاريخ إنشاء هذه البيوت إلى ما قبل 1912، منها ما تدهورت وضعيته بعد أن خرج منه الساكنة، ومنها ما هو قائم وبحالة جيدة إلى يومنا هذا، كما تميز نمط عيش عائلة الشيخ الحسين وأبنائه بخصوصية العائلة، حيث كان هناك مكان خاص لمبيت الشبان فور بلوغهم ضمانا لعدم الاختلاط، بحيث لا يكون لهم بالمنزل الكبير إلا الطعام والشراب نهارا، أما المبيت فيكون بمكان يطلق عليه اسم «لعلي»، وهو يحتوي على غرف كثيرة يبيت بها شباب العائلة.

«عام الشر» وقصة البنت التي لم يتعرف عليها والدها

أما تأسيس الزاوية فكان في سنة 1818 م وكان يتم بها تحفيظ القرآن الكريم،وتدريس أصول الفقه والتفسير...، لمختلف الطلبة القادمين إليها من القطر الجزائري، كانت أيضا تقوم على إعانة الفقراء والمساكين  فلا يقصدها محتاج أو فقير إلا ورجع راضيا، كما أن لعابري السبيل مكانهم بالزاوية حتى يغادروها أو يظلوا بها إلى أن تتوفاهم المنية، يقيمون فيها وعلى الزاوية مأكلهم ومشربهم  ومبيتهم يكون بمكان مخصص لهم « دار البياتة».
 وقد روى لنا الشيخ محمد، قصة بنت جلبها أبوها إلى الزاوية سنة 1945 أو عام الشر كما أسماه وكانت في حالة يرثى لها، تركها بين أحضان العائلة وعاد بعد سنة لرؤيتها فما عرفها بعد ما تغير حالها، لولا أن عرفته هي، وهذا كما قال محدثنا دليل على أن قاصد العائلة يجد نفسه من أهل الدار ولا ينقصه شيء، كما أشار إلى أن الكثيرين في تلك الفترة تركوا أبناءهم وخصوصا البنات لدى العائلة وكثيرا منهن خرجن عرائس منها.
 أما الضيف فله دار الضياف وهي بجانب المسجد،لاستقباله والقيام بواجبه، وهي من مرافق الزاوية التي تشرف عليها وكذا باقي شؤونها وأنشطتها الأخرى، وتتكفل بكل ما يلزمها وذلك من خلال عائدات أراضي الوقف  الفلاحية، التي هي الممول الأساسي للزاوية إلى يومنا الحاضر حسب محدثينا من وجهاء العائلة، وقد حبست هذه الأراضي بشكل وقف تتكفل به عائلته من الأبناء إلى الأحفاد وتضمنت وثيقة الحبس 17 بندا  من بين ما جاء فيها تدريس القرآن، إطعام الطعام، إغاثة الملهوف وعابر السبيل، وإعانة الفقير والمحتاج، والمحافظة على هذه الأراضي من التجزئة أو الضياع أو أن يستولي عليها المستعمر.
 وهو ما كان حسب محدثينا بالفعل حيث حوفظ عليها حتى يومنا هذا والعائلة تشرف على النشاط الفلاحي بها، بحيث يعتبر مردود مزرعة الشيخ الحسين جيدا ويضرب بها المثل في مجال زراعة الحبوب على مستوى ولاية ميلة والولايات المجاورة الشرقية، ومن أسباب استمرار عمل ودور الزاوية الاجتماعي تحديدا  تلك الأراضي التي منها ما أهداها البايات إلى الشيخ وأبنائه بعد ما رأوا الدور الذي تؤديه، والذي لم يقتصر على ما ذكر فقط، بل لها باع في محاربة الاستعمار حتى خارج الجزائر من خلال تقديم العديد من المساعدات إلى دول شقيقة ومنها مصر وليبيا تحديدا لمحاربة المستدمر، حتى أن أحد مشايخ الزاوية كان لا يغادرها أبدا لكونه المشرف على مراقبة كل ما يحدث بها، واستقبال كل قاصد لها لمعرفة طلباته والتكفل بها. حيث أن من جاءها لا يرد خائبا ما جعل العائلة لا ترد ، فإذا تدخل أبناؤها لفض نزاع ما، فض، وإذا توسطوا لشخص ما أجيبوا.

أعلام وشخصيات وطنية مرت من هنا

مر الكثير من أعلام الإصلاح والعلم على زاوية الشيخ الحسين التي كان من أهم أنشطتها تعليم الناشئة والجيل، بحيث كان يدرس بها الشيخ حمدان بلونيس رحمه الله،  معلم العلامة بن باديس أيضا نجله الشيخ محمد الطاهر، والشيخ المصلح عبد القادر الميجاوي، وكان يترد عليها العلامة  عبد الحميد بن باديس الذي كانت له علاقة طيبة بعائلة الشيخ لما وجد في الزاوية من اعتدال ووسطية، وحتى ان بن باديس أبّن العديد من أبناءها المتوفين.
 كما أن العديد منهم تتلمذوا  بمعهد الشيخ بن باديس 1948 ،ومنهم من التقيناه كالشيخ عبد العليم حفيد الشيخ الحسين ، ومن الأعلام أيضا من أحفاد الشيخ الحسين من تركوا الأثر الكبير الذي يدل على معدن طيب وخير وهو الشيخ عباس عضو جمعية العلماء المسلمين الجزائريين والذي لعب فيها دورا هاما خصوصا بعد رحيل العلامة بن باديس.
 وعن الطريقة المتبعة فيها أكد محدثونا،  أنه ووفق ما أوصى به الشيخ الحسين رحمه الله هي إتباع الكتاب والسنة، وما كان يقام من طقوس وممارسات حسب محدثينا كالوعدات أو الولائم فقد كانت تقام من قبل زائري ضريح سيدي خليفة المسماة المنطقة باسمه، والزاوية أو أفراد عائلة الشيخ الحسين بعيدين عنها كل البعد، وأوضحوا أنه كان من حين لآخر بالزاوية تعد قوائم الفقراء والمحتاجين في «النفقة» كما يقال بذبح بقرة مثلا وهذا بعيد عما يعرف بالوعدة والهدف منه  أن توزع اللحوم على أولئك الفقراء، وكان أفراد العائلة في هذا اليوم لا يغادرون الزاوية للقيام على شؤون الذبيحة وتوزيعها على مستحقيها.  أما ما يردد بزاوية الشيخ الحسين من أذكار، أوراد وصيغ  في المناسبات فهي سنية معتدلة، ولازال محافظا عليها إلى يومنا هذا كصيغة عقد الزواج الموحدة منذ القديم إلى اليوم وكذا خطبة العيد.

علامة مغربي أخذ قنطارين من المخطوطات دون رجعة

كانت تتوفر مكتبة زاوية الشيخ الحسين على إرث علمي يضم قرابة الـ6 آلاف مخطوط قيم من مختلف العلوم، في الشريعة، أصول الفقه والسنة، العقيدة ، النحو، الصرف واللغة عموما، علم الفلك، والبعض من كتب الطب القديم التقليدي، ومن بين مخطوطاتها كتاب يقرأ من عدة اتجاهات بحيث كل اتجاه يقدم علما معينا، وبحسب السيد رياض بن الشيخ الحسين أحد أبناء العائلة وهو أستاذ بجامعة الأمير عبد القادر، فإن الزاوية كانت تمول من طرف العائلة لاقتناء الكتب والمخطوطات ومما اقتنت مكتبة الشيخ لفقون.
 وكانت جميع المخطوطات بالزاوية تتماشى وطابع التدريس بها، ولكن يضيف السيد رياض أن هذا الرصيد الكبير لم يبق على حاله بمرور الزمن، بل تراجع كثيرا، حيث يقدر العدد الحالي لها 320 مخطوطا، والسبب في هذا التراجع الكبير يعود لكونها كانت متاحة لطالبي العلم من قاصدي الزاوية، ما عرض الكثير منها للتلف بسبب سوء التعامل معها، وكذا انعدام شروط الحفظ اللازمة ، كما أن العديد منها أخذها بحجة طلب العلم ولم يردها ، حتى أن علامة طرقي مغربي الأصل زار الجزائر ووصل إلى الزاوية فأخذ  بحسب محدثنا ما يعادل قنطارين من المخطوطات بحجة الاطلاع عليها  ولم يعدها أبدا ، مستغلا حسن نية أفراد العائلة في إتاحة العلم وجعل هذه المكتبة في متناول الجميع، كما أضاف حادثة أخرى في نفس الشأن حيث زار أواخر التسعينات الزاوية وفد إماراتي من جمعية الماجد في إطار اتفاقية بين الجزائر والإمارات لترميم المخطوط وإعادة بعثه، ولكن تلك الجمعية أخذت المخطوط ولم تعده، وأخر حادثة تتعلق بالمخطوط هي محاولة سرقته من مكتبة الزاوية الموجودة بالمسجد ، ما استدعى التدخل على حد قوله لحماية هذا الإرث العلمي بنقله بالإضافة إلى قرابة 200 كتاب آخر، إلى مكتبة جامعة الأمير عبد القادر بقسنطينة لصونها و لحفظها في الشروط الملائمة من حرارة وإضاءة وما إلى ذلك، كما أنها في متناول طالبي العلم دون أن يلحق بها أي ضرر ، فيبقى بذلك أثر من عائلة قدمت الكثير على كافة الأصعدة من خلال زاوية الشيخ الحسين رحمه الله.           
 ق.ث

الرجوع إلى الأعلى