أولاد رحمــون.. أغنــى بلـديــات قسنطينـــة تلـبس ثــوب الـفقـــر!

لا يعكس الواقع التنموي والمشاكل التي يتخبط فيها سكان أولاد رحمون، الإمكانات المالية التي تتميز بها هذه البلدية عن باقي نظيراتها بولاية قسنطينة، فلا المداخيل الجبائية التي تلامس 100 مليار سنتيم في السنة ولا إعانات الولاية، ساهمت في انتشال المواطن من مشاكل «تقليدية» كغياب الماء و الكهرباء و تردي وضعية الأحياء، ليظل لقب «الكويت» الذي أطلق على «الرحمونية» لحجم مداخيلها الكبير، لا ينطبق على ما يتكبده السكان من معاناة.
روبورتاج: عبد الله بودبابة
ولا تزال بلدية أولاد رحمون ذات 32 ألف نسمة تفتقد لأهم مقومات الحياة البسيطة والضرورية، وذلك على الرغم من الإمكانات المالية الكبيرة التي تتوفر عليها الخزينة خلال السنوات الأخيرة، ما جعل مسؤولين محليين يطلقون عليها تسمية «الكويت» كناية على ضخامة المداخيل، وقد وقفنا على جانب من المشاكل التي يعاني منها قاطنو عدد من التجمعات السكانية الكبيرة على مستوى هذه البلدية التي كانت سنوات الاستعمار، بحسب السكان، احدى أهم البلديات بولاية قسنطينة، حتى أن مدينة الخروب كانت تتبعها إداريا، قبل أن يتغير الوضع بعد الاستقلال مباشرة، و تتحول إلى ملحقة تسير من الخروب، غير أنه وعقب إقرار التقسيم الإداري سنة 1984، استعادت أولاد رحمون أو «الرحمونية» كما يسميها السكان، مكانتها السابقة و ترتقي إلى مصاف البلديات التابعة لدائرة الخروب.
بداية جولتنا كانت من حي المحطة المرتبط أساسا بمحطة السكك الحديدية بأولاد رحمون، وقد اكتسب اسمه منها، فالمار بالحي يلاحظ الحركة التجارية النشطة وذلك على طول الطريق الوطني رقم 20 الرابط بولاية قالمة، وذلك على مسافة لا تتعدى 200 متر، إلا أنه يعتبر المكان المفضل لأصحاب عشرات السيارات والشاحنات من أجل التوقف واقتناء بعض الحاجيات الأساسية، كما تنتشر مبان أغلبها شيد بطريقة متطورة، كما أن الجزء الأكبر من هذه المنازل يتألف من طابق أرضي عبارة عن محال، وطابقين أو أكثر، فيما يلاحظ أن سكان هذه المنازل استفادوا من المداخيل التي تدرها المحال التجارية.
مبان ضخمة تحجب مشاكل بالجملة

لكن من خلال توغلنا لأمتار قليلة إلى داخل الحي، عبر الممر المؤدي نحو مسجد القرية، هالنا واقع مخالف لما شاهدناه في البداية، فقد كانت الممرات ضيقة و لا يتعدى عرضها في بعض النقاط المتر ونصف، كما أن الطريق كلها معابر ترابية، وتنتشر بها الأوحال، و لم يجد عشرات الأطفال مكانا آخر للهو غير برك تشكلت من مياه الأمطار، فيما لاحظنا أن السكان عمدوا إلى تزويد منازلهم بالمياه الصالحة للشرب ونقلها عبر قنوات شيدوها بطرق عشوائية، بدليل أن القنوات تظهر على سطح الأرض.
وتصادف تواجدنا بحي المحطة، مع قيام بعض السكان بفتح الطريق وتنقيتها من بعض الأعشاب، وذلك من أجل السماح بنقل مواد البناء لداخل الحي لأحد الجيران الذي كان يستعد لإنجاز مسكن جديد على أنقاض الكوخ القديم، بعد استفادته في إطار برنامج «الفونال»، الذي لاحظنا أن عددا لا بأس به من السكان قد استفادوا منه، غير أن الملفت للانتباه هو عدم وجود مخطط واضح للبناء، فكل عائلة تستفيد من البرنامج تقوم بتشييد مسكن جديد مكان القديم دون مراعاة معايير البناء، أو فسح مجال لخلق ممرات واسعة وطرق بين المنازل، ما أبقى فوضى العمران على الرغم من تجديد السكنات.

كما لم تُربط أغلب السكنات الجديدة بشبكات الماء والكهرباء والغاز وشبكة صرف المياه القذرة، إذ تم الإبقاء على القديمة منها التي شيدت في سنوات سابقة بطريقة غير شرعية لا تراعي المعايير المعمول بها، فيما وقفنا على غياب بعض الضروريات الأخرى، على غرار الإنارة العمومية المفقودة نهائيا من حي المحطة، حتى أن أحد الشباب صرح لنا أن كل مقيم بالحي يحمل في جيبه مصباحا يدويا بالضرورة من أجل الوصل إلى بيته، مضيفا أنه لا يمكن للغريب عن الحي التنقل ليلا بسبب الظلام الدامس، كما تطرق إلى بعض الانشغالات الأخرى مثل البطالة التي دفعت بأبناء الحي لامتهان التجارة عبر الطرقات أو البناء.
تناقضات تجتمع بالحي الواحد
تركنا حي المحطة وتوجهنا نحو القراح الذي يعد أكبر تجمع سكاني ببلدية أولاد رحمون و  يجمع بين شوارعه المتناقضات، فهو يتوفر على ملعب جواري من العشب الاصطناعي، وشوارع عريضة على جانبيها مبان مرتفعة بعضها ترتقي لفيلات من عدة طوابق، إلى جانب هيئات عمومية شيدت بطريقة جد حديثة، وبقلبها تقع محطة القطار التي دشنها الرئيس الراحل الشاذلي بن جديد منتصف الثمانينيات، وتعد القلب النابض ومنفذ المئات من سكان القرية و أولاد رحمون عموما، نحو مدينة قسنطينة.
أما القسم الثاني من قرية القراح المتمثل في الحي البلدي، فيمكن من المدخل الوحيد المؤدي إليه، أن يفهم الزائر أنه يتوجه نحو أحد أفقر الأحياء وأكثرها معاناة من المشاكل، فلا يمكن الوصول إليه إلا بعد اجتياز معبر فوق السكة الحديدية، كما أن كامل طريق الحي ليست معبدة، و ما يجعله مكانا غير قابل للسكن هو موقعه المحصور بين جبل حجري و بين العشرات من عربات الشحن المتوقفة فوق حوالي 10 خطوط للسكة الحديدية، ما يحجب الرؤية كلية، فيما لا يجد الأطفال مكانا للتجول واللعب، ليزيد المجرى الوادي المار

بوسط الحي خنق السكان ويحتم عليهم استنشاق روائحه الكريهة، فيما أكد رئيس البلدية في أكثر من مرة أن مصانع على مستوى مدينة عين مليلة ترمي مواد كيماوية تزيد من تلوث الوادي.
ولا يختلف الوضع كثيرا على مستوى حي بونوارة، حيث لا يزال السكان يعيشون تخلفا بل أن بعضهم يطالب لليوم ببعض الخدمات التي تعد تحصيلا حاصلا ببعض المدن القريبة، على غرار المياه الصالحة للشرب والغاز الطبيعي، والذي لم يصل حتى للبنايات القريبة من الطريق الوطني رقم 20، كما أن وسط بلدية أولاد رحمون يشهد أيضا أغلب المشاكل التي يتخبط فيها سكان القرى القريبة، فباستثناء الشارع الرئيس الذي يقع به مبنى المجلس الشعبي البلدي وبعض الشوارع الأخرى التي تضم مقر الفرقة الإقليمية للدرك الوطني ومبنى خزينة البلدية، تعاني عشرات العائلات من مشاكل كثيرة كغياب التهيئة وطرقات المعبدة و ضعف الإنارة العمومية، وحتى الملعب البلدي مهدد، حسب السكان، من خطر الانزلاق، حيث قامت لجنة من الرابطة بغلقه إلى غاية تأمين أحد جدرانه من الانهيار.
رئيس بلدية أولاد رحمون بالنيابة عمار نايلي
استهلكنا حوالي 100 مليار في مشاريع تنموية
ولدى حديثنا مع رئيس بلدية أولاد رحمون بالنيابة عمار نايلي، أكد أنه في وقت قريب كانت أغلب أحياء وقرى البلدية تعاني من الكثير من المشاكل وغياب أدنى ضروريات الحياة، وقد استثمرت البلدية في الفائض الكبير في الميزانية وقامت، بحسبه، بتسخير أغلفة مالية مهمة من أجل إنهاء معاناة السكان، خاصة ما تعلق بإيصال شبكات الكهرباء والماء الشروب والغاز، و كذلك تجديد شبكات الصرف الصحي والإنارة العمومية، والاهتمام بالمدارس الابتدائية وتجديد الطرقات.
وكشف محدثنا أنه قبل حوالي 4 أو 5 سنوات، كانت خزينة البلدية تتوفر على حوالي 98 مليار سنتيم كفائض، وهو ما يعادل ميزانية سنة كاملة غير مستغلة، حيث قام المجلس المنقضية عهدته بصرفها على سنوات في المشاريع المذكورة سالفا، مضيفا أن المداخيل الجبائية التي تتوفر عليها أولاد رحمون جعلها أغنى بلديات الولاية، إذ تستفيد من ضرائب تحصل من عدد هام من المحاجر وبعض المصانع، إلى جانب شركة «نفطال» إذ تعد أهم مصدر تمويل.
وبالمقابل المسؤول اعتبر أن توفر البلدية على مصادر تمويل في مجال الجباية، أصبح نقمة خلال السنوات القليلة الماضية، بحيث لم تستفد من أي أموال في إطار المشاريع الممولة عن طريق الولاية خلال سنتي 2016 و2017، مؤكدا أن الخزينة حاليا لا تتوفر سوى على حوالي 9 إلى 10 ملايير سنتيم، وقد تم رصد كل الأموال لتنفيذ مشاريع تهم المواطنين، كما أضاف أن كل الأموال المتوفرة حاليا ستتآكل عند غلق بعض المشاريع التي هي الآن في طور الانجاز.
ع.ب

الرجوع إلى الأعلى